ترك جماعة المسلمين إلى الأحزاب شرٌّ محض
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
فإنه مما يندى له الجبين ما نراه ممن ينتسب إلى العلم والفقه في الدين؛ فتراه يؤصل قضية التحزب، ويسوِّغ مفارقة جماعة المسلمين إلى فرق وأحزاب ما أنزل الله بها من سلطان، وهذا خطأ وجناية عظيمة على الإسلام والمسلمين؛ كيف لا؟! وقد جاء ذم هذا التحزب والاعتداد به والفرح به في سياق قول الله تعالى: { وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴿٣١﴾ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴿٣٢﴾} [الروم 31-32]، قال ابن كثير: "فأهل الأديان قبلنا اختلفوا فيما بينهم على آراء باطلة، وكل فرقة منهم تزعم أنهم على شيء، وهذه الأمة أيضاً اختلفوا فيما بينهم على نحل كلها ضلالة إلا واحدة، وهم أهل السنّة والجماعة المتمسكون بكتاب اللّه وسنّة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وبما كان عليه الصدر الأول من الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين في قديم الدهر وحديثه".
فإذا علمت أن ترك الجماعة إلى الفِرق والأحزاب مخالف لشرع الله عز وجل، فما هي تلك الجماعة الواجب لزومها؟
يوضح ذلك الجواب رسولنا صلى الله عليه وسلم كما جاء في الحديث الصحيح الذي يرويه الإمام مسلم عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: (كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، ومما جاء فيه:
قلت: يا رسول الله! فما ترى إن أدركني ذلك؟
قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم .
فقلت: فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام؟
قال: فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك).
ونحن ولله الحمد لم تصل بنا الحاجة إلى الاعتزال والعض على أصل شجرة، فبفضل الله نستظل تحت ظل جماعة شرعية معتد بها شرعا، تحت امرة رئيس دولتنا صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان وفقه الله وألبسه لباس الصحة والعافية، وكذلك سائر بلاد المسلمين، كل دولة تمثل جماعة مستقلة من جماعات المسلمين يجتمعون حول إمامهم ورئيس دولتهم.
ولو سلمنا جدلا بعدم الاعتداد بهذه الدول، فإنه واضح من الحديث أن العمل حينها هو العكس مما ذهب إليه دعاة التحزب والانتماءات السرية الذين يسوغون الانفصال عن الجماعة المسلمة الظاهرة إلى أحزاب سرية متخفية، فكان التوجيه النبوي الحكيم على العكس من ذلك؛ فقد جاء باعتزال الفرق وليس اللجوء إليها، بل يبلغ الأمر باعتزال الفرق إلى درجة أن يصل الحال بالمسلم إلى العض على أصل شجرة حتى يدركه الموت وهو على ذلك، وهذا التشبيه من بديع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وبليغه الذي يرشدنا إلى اعتزال الفرق ومن باب أولى تحريم إيجادها والترويج إليها. والسؤال الذي يطرح نفسه لدعاة التحزب: أين موقفكم من هذا التوجيه النبوي الحكيم؟!
أسأل الله عز وجل بمنه وكرمه أن يحفظ لنا ديننا ودنيانا، وأمننا واستقرارنا خلف رئيس دولتنا وأن يمن عليه بالعافية. وأن يقينا شرّ الأحزاب ودعاتها.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه. والحمد لله رب العالمين
محبكم، عبدالرحمن سلمان الحمادي
21 محرم 1437هـ