خاطرة: ستر الله على العبد
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
فمما لا شك فيه أن النفس تضعف عند المعاصي فيصحب ذلك ما يكون من مخالفة لأمر الله أونهيه. ومن نعم الله علينا أن وهبنا الستر، فالستر من الله على العبد رحمة منه وهو فرصة أخرى لعلاج النقص والتقصير.والمؤمن مع حرصه على التوبة لله تعالى فهو كذلك مستتر بستر الله غير مجاهر بما ابتلي به.
قال رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " كُلُّ أَمَّتِى مُعَافًى إِلاَّ الْمُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنَ الإجهار أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلاً، ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ، فَيَقُولَ يَا فُلاَنُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللهِ عَنْهُ". [أخرجه البخاري ومسلم.]
فالمطلوب من المسلم إذا ابتلي بهذه المعاصي المبادرة إلى التوبة مع الحرص على الستر ومداومة الاستغفار. قال صلى الله عليه وسلم : " اجتنبوا هذه القاذورات، فمن ابتلي بشيء من ذلك فليستتر بستر الله " [أخرجه الحاكم والبيهقي وهو صحيح].
وعلى العاصي أن لا يقنط من رحمة الله وفضله، فيجاهد نفسه على التوبة والأوبة والعمل الصالح متيقنا أن الله يغفر الذنوب جميعا لمن تاب. قال تعالى: ﴿ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَىٰ ﴾ [طه: ٨٢]. وقال صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ اللَّهَ يُدْنِى الْمُؤْمِنَ فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ ، وَيَسْتُرُهُ فَيَقُولُ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا فَيَقُولُ نَعَمْ أَىْ رَبِّ . حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ وَرَأَى فِى نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ قَالَ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِى الدُّنْيَا ، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ . فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ".
وإن من مسالك الشيطان تقنيط العبد من رحمة الله بسبب فعله للمعصية؛ مما يؤدي به إلى اقتراف معاص أخرى فيزداد بعده عن الله وتزداد رغبته في المعاصي والذنوب. ولو تأمل العبد لعلم أن الله يغفر الكثير ويكافي على القليل وأن رحمته سبقت غضبه وأنها وسعت كل شيء. فلا يقنط العبد بسبب المعصية بل يجتهد بعدها بالتوبة النصوح صادقا في ذلك، نادما على ما اقترف، عازما على عدم العود.
فرب معصية أتبعها العبد توبة ورجوعا واستغفارا كانت سببا لدخوله الجنة. فليس من الندم على المعصية تحديث الناس بها أو ذكرها. بل يكفي أن يعلم الله بهذه التوبة وتتحقق شروطها.
وانظر فيما يلي فقه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فعن أبي الشَّعثاء قال: (كان شُرَحْبِيل بن السِّمْط على جيشٍ، فقال لجيشه: إنَّكم نزلتم أرضًا كثيرة النِّساء والشَّراب - يعني الخمر- فمن أصاب منكم حدًّا فليأتنا، فنطهِّره، فأتاه ناس، فبلغ ذلك عمر بن الخطَّاب، فكتب إليه: أنت -لا أمَّ لك- الذي يأمر النَّاس أن يهتكوا سِتْر الله الذي سَتَرَهم به).
فاللهم استرنا بسترك الجميل واغفر لنا وتب علينا وتجاوز عنا إنك قريب سميع مجيب الدعاء.
كتبه محمد بن غالب العمري
10 ربيع الأول 1437
21 ديسمبر 2015م.