الرسالة الثانية: اسمعوا وأطيعوا لولاة أمركم ورؤسائكم في أرض المعركة
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد؛
اعلم أخي -رعاك الله- أنَّ الله تبارك وتعالى قد أمر عباده المؤمنين بالالتفاف حول حكامهم وولاة أمورهم، والسمع والطاعة لهم بالمعروف؛ كما صح في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عليكم بالسمع والطاعة))، وقال: ((على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره، إلا أن يؤمر بمعصية، فإن أُمِر بمعصية فلا سمع ولا طاعة)).
وقال الإمام النووي –رحمه الله - : "أجمع العلماء على وجوب طاعة الأمراء في غير معصية" انتهى من شرح مسلم 12/ 222.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وأما أهل العلم والدين؛ فلا يُرخِّصون لأحدٍ فيما نهى الله عنه من معصية ولاة الأمور وغِشِّهم" مجموع الفتاوى 12/35.
فإذا علمتَ هذا يا أخي الموفق؛ فاعلم أن من أعظم ما يدخل تحت باب السمع والطاعة لولاة الأمور؛ هو فيما كان فيه رفعةٌ لراية الدين، والدفاع عن بلاد الإسلام، ونصرة المظلومين من المسلمين، ولا شك ولا ريب أن ذلك مقرونٌ بعِظَم الجزاء من رب العالمين. قال الإمام ابن قدامة –رحمه الله- : "أَمْرُ الجهاد مَوكُولٌ للإمام واجتهاده، ويلزم الرعية طاعته فيما يراه من ذلك" انتهى من المغني 13/16.
وأنتَ أخي البطل الكريم؛ قد دعاكَ وليُّ أمرنا –حفظه الله تعالى- للقتال، وبه يتعيَّنُ عليه طاعتُه، وتحرم عليكَ مُخالفته، والجهاد واجبٌ في حقك، وليس لكَ أن تتخلَّفَ عن هذا الأمر، وربك سبحانه وتعالى يقول: (يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثَّاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل * إلا تنفروا يُعذِّبكم عذاباً شديداَ ويستبدل قوماً غيركم ولا تضُرُّوه شيئاً والله على كل شيء قدير).
وقد ثبت في الحديث الصحيح قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((وإذا استُنفرتم فانفروا)). قال العلامة النووي –رحمه الله- : "معناه: إذا دعاكم السلطان إلى غزوٍ فاذهبوا" شرح مسلم 9/ 128.
وقال العلامة ابن عثيمين –رحمه الله تعالى- : "قال عليه الصلاة والسلام ((وإذا استُنفِرتُم فانفروا)) يعني: إذا استنفرَكُم وليُّ أمرِكم للجهاد في سبيل الله فانفروا وجوباً، وحينئذ يكون الجهاد فرضَ عينٍ، إذا استَنْفَرَ الناسَ للجهادِ؛ وجب عليهم أن ينفروا، وألاَّ يتخلف أحدٌ إلا من عَذَرَه ...، وهذا أحد المواضع التي يكون فيها الجهاد فرض عين" شرح رياض الصالحين.
ثم اعلم –رعاك الله- أنه يدخل تحت السمع والطاعة لولاة الأمر، أن تسمع وتطيع لأوامر الرؤساء الذين عَيَّنهم وليُّ الأمر، وجعل فيهم الثقة، وخصَّهم بأن يكونوا رؤساء لك، فيجب عليك السمع والطاعة لهم في المعروف فيما اختصَّهم به وليُّ الأمر من إدارة شؤون المعركة، واعلم أن طاعتهم فيما اختصهم به وليُّ الأمر هو من طاعة ولي الأمر التي أمرك الله سبحانه وأمرك نبيك صلوات الله وسلامه عليه بطاعتهم، وفي الحديث الصحيح: ((مَن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني)).
وإياك والمخالفة في شيء من أوامرهم، فيكون ذلك سبباً لزعزعة الصف، واختلاف الكلمة، وفشل الجهاد.
وتأمل في قول ربك عز وجل: (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم)، ومخالفة أمر رؤسائك هم نوعٌ من النزاع والاختلاف الذي يُفضي إلى الفشل وذهاب القوة.
وتأمل معي أيضاً في قول ربكَ سبحانه: (حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون)؛ وذلك أن الرماة في معركة أُحُد قد أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بأن لا يُفارقوا مكانهم، ولكنهم لما رأوا أن المسلمين قد انتصروا، نزلوا من على الجبل، وعصوا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فكان ذلك سبباً لهزيمتهم في تلك المعركة.
فاحذر أخي من كل معصية وذنب، فقد يكون ذلك من أسباب العقوبة من الله تعالى بالهزيمة في المعركة.
أسأل الله تعالى أن يوفقني وإياك لما فيه الخير، وأن ينصرك على عدوِّك، وأن يُثبِّتَ قدمك، وأن يربط على قلبكَ، وأن يُوفقك لأسباب النصر على عدو الله تعالى، وأن يكتب لك إحدى الحسنيين.
كتبه العبد الفقير إلى ربه
حامد بن خميس بن ربيع الجنيبي
غفر الله له، ولوالديه، ولأهل بيته، ولمشايخه، وللمسلمين
مساء يوم الإثنين 24 من ذي القعدة 1436 هـ
الموافق له 8 من سبتمبر 2015 م