الرسالة الأولى: "الله الله أن يكون قتالكم هذا في سبيل الله تعالى"
بسم الله الرحمن الرحيم
سلسة الرسائل إلى جنودنا البواسل
في أرض اليمن الشقيق
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد؛
فهذه رسائل مختصرة أبعثها إليك أخي البطل المشارك في تحرير بلاد اليمن لكي تكون لك عوناً بإذن الله تعالى على ما أنت فيه من الجهاد العظيم، والله الموفق أن يحفظك ويرعاك، وأن ينصرك، وأن يسدد رَمْيَكَ.
الرسالة الأولى:
الله الله أن يكون قتالكم هذا في سبيل الله تعالى
أخي الحبيب؛ تذكر رعاك الله أن نصرة المظلوم، والدفاع عن بلاد الإسلام عبادة شرعية عظيمة، وأن كل العبادات لا بد أن تكون خالصةً لله تعالى وحده دون غيره، ولو تأملتَ أخي الموفَّق تلك الآيات الواردة في الجهاد لرأيتها كلها تحث أن يكون في "سبيل الله"، ومن ذلك قوله تعالى: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يُقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين)، وقال سبحانه: (وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم)، وقال تعالى: (فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة).
وفي الحديث الصحيح عن أبي موسى رضي الله عنه أنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله!! ما القتال في سبيل الله؟ فإن أحدنا يقاتل غضبًا، ويقاتل حميةً. فرفع إليه رأسه، فقال: «مَنْ قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله عز وجل».
فأهل الإيمان لا يُقاتلون لأجل الانتصار للنفس، ولا لأجل الانتصار للقبيلة، ولا لأجل الانتصار للمذهب أو الطائفة أو الحزب، ولا لأجل ما يُسمَّى بالحرية أو الديمقراطية؛ فهذه كلها دعواتٌ باطلة، ولا يكون صاحبها ممن يُقاتل في سبيل الله؛ بل يكون صاحبها إن مات عليها قد مات ميتةً جاهلية.
يقول الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "وفي الجهاد ...حقيقة الإخلاص، فإن الكلام فيمن جاهد في سبيل الله، لا في سبيل الرياسة، ولا في سبيل المال، ولا في سبيل الحمية، وهذا لا يكون إلا لـمَنْ قاتل ليكون الدين كلُّه لله، ولتكون كلمة الله هي العليا. وأعظم مراتب الإخلاص: تسليم النفس والمال للمعبود كما قال تعالى: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون} " مجموع الفتاوى 28/442-443. فاجعل قتالك لله عز وجل، وابتغِ بذلك وجه الله، كي يوفقك وينصرك على عدوك.
وتذكَّر أن العبد لا حول له ولا قوة له إلا بخالقه ومالكه سبحانه، وأن العبد مفتقرٌ إلى ربه عز وجل في جميع أحواله، ويشتدُّ افتقاره إلى الله تعالى في مثل هذا الموضع المهيب، وفي مثل هذه الحال، التي يكون العبد فيها أشدَّ ما يكون حاجةً إلى ربه عز وجل. وتذكَّر أنك بالله تُنصَر، وبه ومنه تؤَيَّد، وأنه سبحانه خير مُعينٍ لمن استعان به، وأنه عز وجل خير نصيرٍ لمن استنصر به.
والمقصود هنا؛ أن يقصد العبد ربه ومولاه، وأن يلتجئ إليه، وتأمَّل معي أيها الموفَّق في قول الإمام ابن تيمية رحمه الله: "وأما من حقق التوحيد والاستغفار فلا بد أن يرفع عنه الشرّ؛ فلهذا قال ذو النون: {لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين}" الفتاوى الكبرى 5/235.
ولا بد أن يجتمع مع ذلك شدة الاستنصار به سبحانه، والاستغاثة به، وصدق الالتجاء إليه، وأن يكون القلب مفتقراً إلى الله سبحانه، دائم الخشوع والخضوع له عز وجل، وذلك يُورث معرفة أن النصر بيد الله وحده، وهو من عنده سبحانه، وليس ذلك بسبب قوة، ولا عتاد، ولا مال ولا جاه. والله سبحانه وتعالى يقول: (وَما النَّصرُ إلا مِن عِندِ اللهِ العزيزِ الحَكيم). وقال سبحانه : (لقد نصركم الله في مواطن كثيرةٍ ويَومَ حُنَينٍ إذْ أعجَبَتكُم كَثرتُكم فَلَمْ تُغْنِ عنكم شيئاً وضاقت عليكم الأرض بما رَحُبَت ثمَّ ولَّيتُم مُدبِرين)، فإن الصحابة رضي الله عنهم لـمَّا نظروا إلى قوَّتهم وعتادهم؛ أراد الله سبحانه وتعالى تعليمهم أنهم إنما يُنصرون بالله تعالى وحده، وسبب ذلك إيمانهم وتوكلهم على خالقهم وبارئهم سبحانه.
ثم في مقابل ذلك تأمَّل معي حال المسلمين في غزوة الخندق حين اجتمت عليهم قبائل العرب؛ لكي يستأصلوهم، ويُنهوا تلك الدعوة الطاهرة التي جاء بها رسول الهدى صلوات الله وسلامه عليه، وكيف أن ثبات المؤمنين، وصدق توكلهم على ربهم، وحسن ظنهم به؛ كان سبباً عظيماً لنصرتهم، كما قال ربك عز وجل: (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل * فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم * إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافونِ إنْ كُنتُم مُؤمنين)، فما أرهبهم كثرة العدو ولا قوتهم ولا عتادهم، فكان ذلك سبباً عظيماً لنُصرة الله تعالى لهم.
وهكذا كل من استعان بالله تعالى وحده، واستنصره؛ كان له نصيبٌ من ذلك بقدر من قام في قلبه من اليقين الصادق بوعد الله تعالى لعباده المؤمنين الموحِّدين. فالله الله بالالتجاء إلى ربك وخالقك ومولاك وحده، وحسن التوكل عليه سبحانه.
أسأل الله تعالى أن يثبتني وإياك على دينه، وأن ينصرك على عدوه، وأن يقر عينك بإحدى الحسنيين، والله تعالى أعلى وأعلم.
كتبه العبد الفقير إلى ربه
حامد بن خميس بن ربيع الجنيبي
غفر الله له، ولوالديه، ولأهل بيته، ولمشايخه، وللمسلمين
مساء يوم السبت 21 من ذي القعدة 1436 هـ
الموافق له 5 من سبتمبر 2015 م