المقال الرابع: الإيمان بربوبية الله تعالى
من الإيمان بالله الإيمان بربوبية الله سبحانه و تعالى: وهو الاعتقاد الجازم بأن الله وحده هو الخالق المدبر الرازق المتصرف المحي المميت جل في علاه, قال تعالى{أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} [الأعراف 54].
وقال تعالى{هَلْ منْ خَالق غَيْرُ اللَّه يَرْزُقُكُم مّنَ السَّمَاء وَالْأَرْض} [فاطر3].
وهذا الإيمان مغروس في الفطر مجبول عليه البشر، لا ينكره إلا مكابر ولهذا أقر به كفار قريش، قال الله سبحانه وتعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ}[الزخرف9]. وإنما جحدوا توحيد الله في عبادته وقد قال تعالى مخبراً عن كفار قريش أنهم قالوا: { أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ } [ ص: 5 ].
وفي هذا يقول قال أبو محمد ابن عبد البصري المالكي رحمه الله تعالى أن الخلق:” أقروا بربوبيته وإنما يجحدون معرفة التوحيد الذي تعبدهم به على ألسنة السفراء”.[درء تعارض العقل والنقل(8/509)].
وقال أبو السمح محمد بن عبدالظاهر المالكي:
ولئن سألت المشركين من الذي |
ذرى البريــــــــــة ما له من ثاني | |
قالــــــــــــوا جميعـــــــــاً ربنــــــــــــا لكنهــــــــم |
لم يفردوه بخالــــــــــص القــربان |
وإنما جاءت النصوص في تقرير توحيد الربوبية لإلزام المشركين بتوحيد الألوهية ولهذا قال محمد الأمين الشنقيطي المالكي :” ويكثر في القرآن العظيم الاستدلال على الكفار باعترافهم بربوبيته جلَّ وعلا على وجوب توحيده في عبادته ولذلك يخاطبهم في توحيد الربوبية باستفهام التقرير, فإذا أقروا بربوبيته احتج بها عليهم على أنه هو المستحق لأن يعبد وحده, ووبَّخهم منكراً عليهم شركهم به غيره، مع اعترافهم بأنه هو الرب وحده؛ لأن من اعترف بأنه هو الرب وحده لزمه الاعتراف بأنه هو المستحق لأن يعبد وحده”[ أضواء البيان(3/490)].
ومن الأدلة على ما قاله رحمه الله قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 12-22].
ومن المهم التنبيه “على أن توحيد الربوبية لا ينقذ من الكفر إلا إذا كان معه توحيد العبادة، أي عبادة الله وحده لا شريك له، ويدل لذلك قوله تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف:106]” [ينظر أضواء البيان (3/87)].
والحمد لله رب العالمين