قبل أن تكتب أو تغرِّد


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات

الكلمة لها أهمية كبرى في حياة الإنسان، وهي من أهم عناصر الاتصال الإنساني، ومن أمثل الوسائل لتبادل المنافع والمعلومات والتعبير عن المعاني المتنوعة التي تدور في النفس، وقد اهتم بها الإنسان منذ القدم، وكانت محور حديث العلماء والحكماء والأدباء والشعراء، يؤلفون فيها الحكِم والأمثال، وينسجون حولها القصائد والأشعار، وقد أولت شريعتنا الغراء الكلمة أهمية كبرى، ووضعت لها قواعد مثلى، وقد قال الشاعر قديما منوِّها بأهمية اللسان:

لسانُ الفتى نصفٌ، ونصفٌ فؤادهُ ... فهل بعدُ إلا صورةُ اللحم والدَّمِ

ولأهمية الكلمة وتأثيرها الإيجابي والسلبي فإن هناك ضوابط ووصايا أحببتُ أن أضعها بين يدي القارئ الكريم في هذا الباب قبل أن يكتب أو يغرّد، لعل الله أن ينفع بها، منها:

أوَّلا: استشعر أنَّ الكلمة التي تتلفَّظ بها أو تكتبها أمانةٌ ومسؤوليةٌ، فأحسن اختيارها، وتفكَّر في ثمارها وعواقبها، فكم من كلمة جميلة وحَّدت القلوب، وأزالت الضغائن، ونشرت الخير في أجمل صورة، فكانت في رصيد صاحبها، يتفيأ وافر ظلالها، ويهنأ بأطيب ثمارها، وكم من كلمة على العكس من ذلك، أشعلت نيران الخلاف، وأجَّجت أسباب الفتنة والشقاق، وكانت سببا في قطع الأمن بعد استتبابه، وإزهاق الأنفس بعد سلامتها، وتدمير المجتمعات بعد استقرارها.

ثانيا: الألفاظ زينة المعاني، فاحرص على أن تجمع بين سلامة المعنى وصحته، وحسن اللفظ ودقته، فكم من معنى بديعٍ ضاع جماله وخبا رونقه بسبب سوء العبارة والبيان، بل قد تكون النتيجة قلب المعاني وتغييرها، فيكون المعنى الذي قصده الكاتب في واد، واللفظ الذي عبر به عنه في واد آخر، فيقع بسبب ذلك من السجال والجدال ما لم يكن ليقع لو أحسن الكاتب في مبدأ الأمر تحرير كلماته وألفاظه.

ثالثا: اعتن بقواعد اللغة العربية، وخذ من علم النحو والإعراب ما يجنِّبك اللحن والتصحيف، وقد قيل قديما: النَّحو في العلم كالملح في الطَّعام، لا يُستَغنى عنه.

رابعا: تحلَّ بالذوق الرفيع في التعبير، وتفنَّن في طرق عرض أفكارك، ليظهر مرادك في أجمل حُلَّةٍ وأبهى بيان، ويحصل من سامعيك وقارئيك التفهم والاقتناع، واحرص على الوضوح في التعبير، وابتعد عن الكلمات الغريبة والوحشية التي يقل استعمالها ولا يُعرف معناها، وتجنب الكلمات الموهمة التي تحتمل وجوها عدة لا يهتدي القارئ بسببها إلى تحديد مرادك. خامسا: التزم الصدق والموضوعية في الطرح، وقف حيث انتهى بك علمك، وكن على ثقةٍ بصحَّة ما كتبت، ولا تنشر دون تأكد وتثبت، فإن الله تعالى قد قال: {ولا تقف ما ليس لك به علم}.

 

سادسا: اسع باستمرار في تنمية معلوماتك، وتوسيع مداركك، والتَّزوُّد من العلوم والمعارف النافعة، فكلَّما امتلكت قاعدة معرفية عريضة استطعت أن تمخر في عبابها وتبحر في ثناياها تفيد وتستفيد، قال الله تعالى: {وقل رب زدني علما}. سابعًا: تحرَّ العدل والإنصاف في كلِّ وقت وحال، قال تعالى: {وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى}، أي: إذا قلتم قولا فاعدلوا فيه، وتحرَّوا الصَّواب، ولا تتعصَّبوا لقريب ولا على بعيد، ولا تميلوا إلى صديق ولا على عدو، بل ساووا بين النَّاس جميعًا في ذلك. ثامنا: اعتن بمبدأ الأولويات في طرح المواضيع، وانتق منها الأنفع فالأنفع، وكن قريبا من حاجات مجتمعك. تاسعا: لا تستغن عن مشاورة أهل الخبرة والاختصاص، والاستفادة من آراء أصدقائك وإخوانك من ذوي الرأي والحصافة، فما خاب من استخار، ولا ندم من استشار.

عاشراً: احرص على الهدوء وضبط النفس، ولا تجعل الأمور السلبية تؤثر على صفاء عبارتك، أو تجرك في لحظة انفعال وغضب إلى أن تقول ما تندم عليه، واحرص على أن تمزج بين المنطق الرصين والعاطفة المعبِّرة المنضبطة. حادي عشر: اجتنب العبارات المسيئة والكلمات المؤذية؛ سواء كانت سبًّا أو شتمًا أو سخريةً أو غيرها، فضررها كبير، والخير فيها قليل، قال تعالى: {وقولوا للناس حسنا}.

ثاني عشر: تجنَّب القناعات الحزبيَّة، واحرص على التجرد للحق، ونبذ التعصب الأعمى، وإنكار الذات في سبيل المصالح العامة التي تحقق الخير للجميع. ثالث عشر: اجعل احترام مبادئ الإسلام والتزام تعاليم الشَّرع نصب عينيك، وكن وقَّافًا حيث أُمرت، والتزم المعاني الطيِّبة التي يحبها الله ويرضاها، قال تعالى: {فاستقم كما أُمرت}. رابع عشر: احترم أنظمة وقوانين الدولة، وتجنَّب الأمور التي تجرِّمها، فإنها لم توضع إلا لتحقيق المصالح وضبط الأمور، وقد حرصت دولتنا على وضع القوانين التي تحفظ للإنسان حقوقه وحرياته وخصوصياته، وتمنع الاعتداء عليه في قول أو فعل، ومن ذلك على سبيل المثال قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات.

خامس عشر: لا تخض ولا تتكلم فيما لا تعلم فإن من تكلم في غير فنّه أتى بالعجائب بل سيأتي بالطامات والمصائب والاضطراب الفكري والتناقض، والسلامة من ذلك في احترم أهل التخصص.