مخرجات مهمة للصحافة والإعلام
يعتبر الإعلام بأنواعه أداةً مؤثرة على مستوى الأفراد والمجتمعات، سواء كان على نحو إيجابي أو سلبي، وسواء في دائرة الأفكار أو السُّلوكيات، وقد شهد الواقع المعاصر تطوُّراً كبيراً وسريعاً في وسائل الاتِّصال والتَّقنيات الحديثة، ثم تنامى هذا الدور بصورة كبيرة في قفزة نوعية مع ظهور ما يُسمَّى بالإعلام الجديد، الذي فرض وجوده عبر مواقع التَّواصل الاجتماعي والمدوَّنات وغيرها، حتى أصبح لا يقل تأثيراً عن الإعلام التقليدي، بل صار يفوقه في بعض الأحيان موضوعياً وجودة وتأثيراً.
وهذا كله يجعل التَّحدِّيات التي تواجه الإعلام كبيرة جداً، والمسؤوليَّات المنوطة به أكبر، لأسباب وظروف عديدة، من أهمها اليوم، النشاط المتزايد للتنظيمات الإرهابية في استغلال الإعلام الجديد لتحقيق أهدافها، كما أثبت ذلك الواقع والدراسات والتقارير والتصريحات المختلفة، والتي أكدت جميعاً أن الإعلام الإلكتروني استُغلَّ أسوأ استغلال على يد التنظيمات الإرهابية، حتى صرَّح مدير إحدى وكالات الاستخبارات الغربية، بأنه وصل الحال بداعش لترسل أكثر من 40 ألف تغريدة يوميّاً.
وهذا يعني أن الواقع اليوم يستدعي تجديد الخطاب الإعلامي بجدية واستمرار، ليؤدي دوره المنشود، ويحقق ممارسة إيجابيَّة رشيدة في أحسن صورة، فيكون متميزاً في طرحه، سليماً في مضمونه، قويّاً في أدائه.
ولعل من المخرجات الضرورية التي لا يستغني الإعلام عنها ليحقق الأغراض الآنفة الذكر، أن يكون متوافقاً مع قيمنا الدينية وثوابتنا الاجتماعية، وأن يسهم في حفظ هويتنا الوطنية ومصالحنا القوميَّة، وأن يستند إلى حرية رشيدة ومنضبطة في الفكر والتعبير والنقد، ويتحلى بالموضوعية والمصداقية والدقة في اختيار المادة الإعلامية ونشرها على الوجه الذي يحقق المصلحة والنفع، وأن يكون وسطيّاً معتدلاً في الطرح، بعيداً عن التشدُّد أو التسيُّب والانفلات، وأن يحسن التعامل مع قضايا المجتمع، فيسهم في ترسيخ الإيجابيَّات وتعزيزها، ويحسن معالجة السَّلبيَّات بطريقة صحيحة ومثمرة، لا تؤدي إلى ردود أفعال غير منضبطة، وأن يحقق التبادل المعرفي والثقافي على أسس تجمع بين الأصالة والمعاصرة، ويقوم بغربلة وتمحيص المنتجات الثقافية الواردة، لاختيار ما يصلح، وترك ما لا يصلح.
ومما يحتاجه الإعلام في هذا الصَّدد، لتحقيق هذه المطالب وغيرها:
أولاً: وجود كوادر تتميز بالكفاءة، وتتحلى بالسمات الإيجابية والروح الوطنية، وتطوير قدراتهم العلمية والعملية، وتأهيلهم لتحقيق الأداء الأمثل.
ثانياً: التعاون البنَّاء مع مؤسسات الدولة، وتكوين الشراكات الاستراتيجية الهادفة المتنوعة لتحقيق أهداف الرسالة الإعلامية التي تخدم الوطن والمجتمع.
ثالثاً: احتضان المتخصصين وذوي الخبرة في القضايا المختلفة، والاستعانة بذوي الخبرة في تشخيص المشكلات، ووضع الحلول والتدابير الوقائية والعلاجية ذات الأسس المنهجية السليمة.
ومن الوظائف المهمة التي يجدر بالإعلام القيام بها لتحقيق رسالته المنشودة،التعريف بحقيقة الإسلام، وبيان وسطيته، وإظهار محاسنه وجماله، وتعزيز الثقافة الوسطية في مختلف المجالات، والتصدي لمظاهر الغلو والتطرف، والمحافظة على الهوية الوطنية ومكوناتها، من دين ولغة وثقافة وحضارة وتاريخ وقيم وعادات وتقاليد، تعزيز روح الانتماء للوطن، والدفاع عنه، وخدمته وتطويره، والولاء للقيادة الرشيدة، ترسيخ مقومات الوحدة والتلاحم والتراحم، وتعزيز السلم المجتمعي، وتجنُّب أسباب الخلاف والنزاع، والتصدِّي لها، وحفظ المكتسبات والإنجازات، والمساهمة في تحقيق التطلعات المستقبلية، وإنجاح الطموحات الرامية للريادة والصدارة، وتقوية الروابط الاجتماعية، ونشر الأخلاق العالية في باب المعاملة والسلوك، وتنمية روح الإبداع المفيد والابتكار المميز والتقدم بأنواعه.
رابعاً: غرس الإيمان بأهمية عنصر الأمن والاستقرار وثمراته، والتحذير من الإخلال به، ونشر ثقافة التغيير الإيجابي البنَّاء، القائم على الارتقاء بالنفس، وتنمية الذات، واكتساب المهارات، وتقوية الحصيلة المعرفية، والإسهام في المجالات المفيدة، والتصدي للمفاهيم المغلوطة في هذا الباب وغيره، والتصدِّي بفاعلية للمهددات المختلفة، وذلك يتمثل في جوانب عدة، منها: التصدي للإعلام المضلِّل، ومكافحة الشائعات والأكاذيب، والتصدي لظاهرة الإرهاب والتطَّرُّف، ودحر الثقافات الفاسدة التي تستهدف الوطن، وتقوية العوامل الإيجابيَّة التي تصون المجتمع من أيِّ تأثير سلبي لإعلام خارجي مضلِّل، حيث أكَّدت الاتِّجاهات الحديثة، على أنَّ تأثير الإعلام ليس بالضرورة تأثيراً فوريّاً مباشراً، كما قالت به نظريَّات سابقة، بل هناك عوامل عديدة تعترضه سلباً أو إيجاباً، مثل طبيعة الفرد والمجتمع، والظروف الاجتماعية والثقافية، وغير ذلك مما يحيط ببيئة الاتِّصال، ولذلك، فإنَّ أحد أهمّ أدوار الإعلام المحلِّي، أن يسهم مع المؤسسات الأخرى في نشر الثقافة الإيجابية وبناء وعيٍ متميز يحصِّن المجتمع من أي غزو إعلامي دخيل، لا سيما أن الإعلام وسيلة لتشكيل وجهات الرأي العام واتجاهاته، وصياغة مواقفه وسلوكياته.
وأخيراً، فإنها تبقى وجهات نظر قد تروق للبعض وقد لا تروق للبعض الآخر، كتبتها لكوني أرى أنها مرتبطة ارتباطاً كبيراً بالدور المنوط بالمؤسسات الإعلامية بأنواعها، فهي جزء أساس وشريك فعَّال في التصدِّي لمختلف الأخطار والمهدِّدات التي تستهدف الأوطان.