((اقرأ ))
نسخة (PDF)
من أجمل ما يزيد في الخير, ومن أفضل ما تكتسبه النفوس, وينمي العقل ويرفع في الثقافة ((القراءة)).
ولذا كان أول ما نزل من القرآن على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} فتأمل الأمر بالقراءة وتكرار الأمر بها ألا يدل على أهميتها.
قد عرف هذه الأهمية خيار الأمة حتى قيل لابن المبارك رحمه الله: تُكثر من القعود في البيت وحدك، قال:ليس أنا وحدي أنا مع النبي وأصحابه بينهم ؛ يعني النظر في الكتب. وقال:من أراد أن يستفيد، فلينظر في كتب
حتى جعل بعضهم الكتاب الأنيس والصاحب والحبيب فقال:
جعلت كتبي أنيسي … من دون كل أنيسِ
لأنني لست أرضى … إلا بكل نفيسِ
وما ذاك إلا لأن القراءة في الكتاب كما قال بعض العلماء: الكتاب تؤدبك عجائبه, وتسرك طرائفه, وتضحك ملحه ونوادره, وهو نزهة الأديب عند لذته, ومتعته عند خلوته, وتحفته عند نشاطه, وأنسه عند انبساطه, ومستراحه من همّه, ومسلاته من غمه, وعوضه من جليس السوء, وسخف الأماني, ومستقبح الشهوات, وهو روضة مجلسه وبستان يده وأنيس يتقلب معه.
فللقراءة أخي القارئ أهمية كبيرة في حياة المسلم حرمها غير القارئ, منها:
1- أنه يزداد به علماً ورسوخاً ومعرفة.
2- أنه يستفيد به خبرة وتجربة.
3- أنه يستغل به الوقت في أنفس مطلب.
4- أنه يزداد به عقلاً وذكاء.
5- أنه يزداد به أدباً ومروءة.
6- أنه يزداد به إيماناً ورسوخاً لا سيما بقراءة القرآن والسنة.
7- أنه يعيش معه بين الصالحين والعلماء والأخيار.
-
لكن السؤال المهم هنا : لماذا لا نقرأ ؟ أو لماذا نشعر بالثقل عند القراءة ؟
الجواب: هذا داء قد انتشر في مجتمعاتنا عند بعض الناس, والسبب في ذلك عدة أمور منها:
-الاعتماد على النفس الأمارة بالسوء المائلة إلى الراحة والدعة , والمطلوب الاستعانة بالله وطلب التوفيق منه, مع الجد والاجتهاد.
-قلة معرفة بعض الناس بأهمية القراءة, وما لها من ثمرات على الفرد والمجتمع.
-بعد بعض الناس عن معرفة اللغة العربية, مما يجعل القراءة ثقيلة والفهم صعب.
-عدم اختيار الكتاب الصحيح, فقد يختار كتاباً طويلاً أو صعباً, وعليه استشر قبل أن تقرأ.
-الانشغال بالاستفادة عن طريق الوسائل الالكترونية(الصوتية, أو المرئية) سهلة التعليم, لكنها سريعة الذهاب ليست ثابتة ومقيدة ودائمة كالكتاب.
-التفريط في الوقت وعدم ضبطه, وعليه اجعل لك ساعات للقراءة.
- ضعف الهمة والملل عند القراءة, وعليه صبّر نفسك وتدرج معها فإن فتح باب صعب لكن من ورائه راحة القلب وزيادة العقل.
- عدم معرفة المنهجية الصحيحة عند قراءة الكتاب, وعليه تدرج في القراءة واعرف منهج المؤلف عن طريق مقدمته, ومحتواه عن طريق فهرسته, وقسم الكتاب وقيد فوائده واختر الكتاب المناسب في الوقت المناسب.
-عدم وجود مكتبة منزلية في البيت, وما لم يوجد فكيف سيقرأ.
-عدم صحبة محبي القراءة والاطلاع والإنسان بجلسائه.
هذه بعض الأسباب متضمنة بعض الاقتراحات لعلاج هذه الظاهرة.
ولعلني أنتقل بك إلى أزمنة العلماء كيف كانوا يقرؤون ومدى حبهم للقراءة والعلم , حتى يكونوا لك قدوة وترتفع همتك بالوقوف على حالهم.
فها هو الإمام الشافعي رحمه الله يستعرض الموطأ ويحفظه في تسع ليال, وانتبه الموطأ مجموع أحاديثه وآثاره ومسائله (3676) تقريباً.
وكان محمد بن مسكين رحمه الله إذا أصبح قرأ حزبه من القرآن، ثم جلس للطلبة، إلى العصر. فإذا كان العصر، دعا بنته وبنات أخيه، يعلمهن القرآن والعلم.
أما ابن حجر رحمه الله فقرأ صحيح البخاري الذي يبلغ(7563) حديثاً في عشرة مجالس.
وأما الذهبي رحمه الله فقد قرأ كتاب السيرة لابن هشام على شيخه في ستة أيام .
وأخبارهم كثيرة وعجيبة ولذا برزوا وتفوقوا بعد توفيق الله ,
فهلّا من عودة إلى الجد والاجتهاد وفتح باب العلم والمعرفة عن طريق قراءة الكتاب النافع, فإن مثل تارك القراءة مع توفر سبلها وسهولة الوصول إليها كالضمآن يرى الماء ولا يشربه ويرى الغدير الصافي ويظنه سراب طافي.