مسؤولية المرأة المسلمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله لا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم أما بعد؛
فنحمد الله عز وجل على نعمة الإسلام، ونشكر القائمين على مركز رياض الصالحين بدبي على جهودهم العلمية، محاضرة اليوم بعنوان: (مسؤولية المرأة المسلمة).
اعتنى الإسلام بالمرأة المسلمة وظهر أثر المرأة المسلمة في شتى المجالات والميادين، والله عز وجل برحمته جعل لها قواعد وشروطا لحفظ كرامتها وعفتها وشرفها والعناية بها، وحفظها من كل سوء وفتنة، وأنه جعل لها دورا مهما في بناء المجتمع وتربية الأجيال وفق ضوابط ومصالح واضحة دلت عليها الأدلة من الكتاب والسنة، فالمرأة مسئولة كالرجل وعليها مسؤوليات عظيمة إذا قامت رضي الله عنها ورحمها، لا شك أن الرجل أيضا مسئول عن المرأة والمرأة المسلمة أمّا كانت أو بنتا أو أختا أو زوجة تحتاج إلى أن تتعلم أمور دينها، تحتاج إلى أن تعبد الله عز وجل على نور وعلم، فالمرأة شخص مكلف ومسئول كالرجل، والمرأة محتاجة لمن يعلمها ويرشدها إلى أحكام دينها، فإن لم تجد من أقاربها سألت أهل العلم في ضوء الضوابط الشرعية المعلومة، وإذا فرطت المرأة المسلمة في تعلم أحكام دينها ومعرفة مسؤولياتها، فوليها يتحمل الوزر الأكبر هو المسؤول عنها بالإضافة إليها هي أيضا تتحمل جزءا من المسؤولية، ولا شك أن الرجل أيضا مسئول عن المرأة، فالله عز وجل منّ على الرجال بأن خلق لهم من أنفسهم أزواجا، قال عز وجل: ﵟيَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ وَخَلَقَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا وَبَثَّ مِنۡهُمَا رِجَالٗا كَثِيرٗا وَنِسَآءٗۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِۦ وَٱلۡأَرۡحَامَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيۡكُمۡ رَقِيبٗا ١ﵞ ﵝالنِّسَاء : ﵑﵜ، ويقول سبحانه وتعالى: ﵟهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ وَجَعَلَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا لِيَسۡكُنَ إِلَيۡهَاﵞ ﵝالأَعۡرَاف : ﵙﵘﵑﵜ، فالحكمة في ذلك من أجل أن يسكن إليها ويأنس بها ويطمئن إليها في أسراره وفي أموره لتعينه على مشاقّ الحياة، وينشأ منهما ذرية صالحة، فآيات الله عز وجل كثيرة وعلاماته دالة على قدرته سبحانه وتعالى ورحمته، والله عز وجل كوّن المجتمع البشري من الرجال والنساء اجتماع الرجل والمرأة على العلاقة الشرعية من نعم الله عز وجل؛ لأنه يترتب على هذه العلاقة الشرعية مصالح عظيمة من أهمها: بناء المجتمع تكوين الأسر عمارة البيوت، هذا من نعم الله عز وجل، من هذا الباب يجب الاهتمام بالمرأة من ناحية توجيهها وإرشادها، وأيضا تعليمها المسؤوليات الواجبة عليها، فعلاقة الرجل بالمرأة علاقة وطيدة يجب أن تكون هذه العلاقة مبنية على ما شرعه الله عز وجل من العشرة الطيّبة والرعاية الكريمة والمعاملة الحسنة، فمن هنا تظهر لنا أهمية هذه المرأة في المجتمع وأن المرأة قرينة الرجل وشريكته، ومنذ أن خلق الله الإنسان الأول وهو آدم عليه الصلاة والسلام خلق له المرأة، وكذلك لا تزال سنة الله كما هي إلى أن تقوم الساعة سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا.
إذًا مسؤولية على المرأة المسلمة عليها مسؤوليات وتبعات في هذه الحياة، المرأة مكلفة ومأمورة ومنهية ومثابة ومعاقبة عليها مسؤوليات عظيمة، وما هلكت المجتمعات إلا بسبب النساء في الغالب، فالمرأة وسيلة خطر إذا لم تصن وإذا لم تصن نفسها وإذا لم يصنها مجتمعها.
الكلام عن المرأة يطول لكن من خلال هذه المحاضرة نذكر بعضا من مسؤوليات المرأة المسلمة لعلها تنبيه للرجال وأيضا للنساء ليقوم كل منهما بمسؤولياته اتجاه دين ومجتمعه وأسرته.
من مسئوليات المرأة المسلمة: أن الله عز وجل أوجب عليها طاعته وعبادته وحده لا شريك له، ووعدها كما وعد الرجال ووعد من أحسنت بالأجر الجزيل، وتوعد من أساءت بالعذاب والعقوبة وهكذا الرجل، الرجل والمرأة سواء من ناحية التكاليف الشرعية في الجملة وإن كانت المرأة قد تختص بأشياء دون الرجل من التكاليف الشرعية كما دلت على ذلك الأدلة، فالمرأة من أهم مسؤولياتها عبادة الله وحده لا شريك له، طاعة الله عز وجل هذه من أهم بل هي أهم مسؤولية واجبة على المرأة، فإذا أحسنت فلها الأجر كما قال الله عز وجل: ﵟمَنۡ عَمِلَ صَٰلِحٗا مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَلَنُحۡيِيَنَّهُۥ حَيَوٰةٗ طَيِّبَةٗۖ وَلَنَجۡزِيَنَّهُمۡ أَجۡرَهُم بِأَحۡسَنِ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ٩٧ﵞ ﵝالنَّحۡل : ﵗﵙﵜ، فوعد الله عز وجل الذكور والإناث وعدهم بالمغفرة والأجر العظيم إذا اتصفوا بهذه الصفات، وقاموا بالمسؤوليات الواجبة عليهم.
أيضا من مسؤوليات المرأة المسلمة: غض البصر عما حرم الله، فالله عز وجل أمر الرجال في قوله: ﵟقُل لِّلۡمُؤۡمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنۡ أَبۡصَٰرِهِمۡ وَيَحۡفَظُواْ فُرُوجَهُمۡۚ ذَٰلِكَ أَزۡكَىٰ لَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا يَصۡنَعُونَ ٣٠ وَقُل لِّلۡمُؤۡمِنَٰتِ يَغۡضُضۡنَ مِنۡ أَبۡصَٰرِهِنَّ وَيَحۡفَظۡنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبۡدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنۡهَاۖ وَلۡيَضۡرِبۡنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّۖ وَلَا يُبۡدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوۡ ءَابَآئِهِنَّﵞ ﵝالنُّور : ﵐﵓ - ﵑﵓﵜ إلى آخر هذه الآيات، فالله عز وجل كما أمر الرجال بغض البصر أيضا أمر المرأة أمر المؤمنات بغض البصر هذه مسؤولية عظيمة والنظر إلى وسائل الفتنة من الصور الخليعة التي حرم الله النظر إليها، كذلك النظر والاطلاع على عورات الناس في بيوتهم هذا حرام على الرجال والنساء لماذا؛ لأنه يجر إلى الوقوع في الفاحشة والله عز وجل من رحمته حرم الوسائل التي تفضي إلى الحرام، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «والْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا النَّظَرُ» ([1])، فمن مسؤوليات المرأة المسلمة غض البصر فيما حرم الله عز وجل، وهكذا من مسئولياتها أن تحفظ فرجها، فالرجل يحفظ فرجه والمرأة أيضا تحفظه من الحرام، فلا تتسبب في الوقوع في الفاحشة عليها بالستر الكافي الذي يمنع النظر إلى العورات، حرم الإسلام كشف العورات لأن كشف العورات فتنة يوقع في الشر، والله عز وجل خلق هذا اللباس للرجال والنساء نعمة منه سبحانه وتعالى: ﵟيَٰبَنِيٓ ءَادَمَ قَدۡ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكُمۡ لِبَاسٗا يُوَٰرِي سَوۡءَٰتِكُمۡ وَرِيشٗاﵞ ﵝالأَعۡرَاف : ﵖﵒﵜ سوءاتكم: يعني عوراتكم، ريشا: يعني زينة وجمالا، فاللباس خلقه الله عز وجل لهاتين الحكمتين: ستر العورات والزينة والجمال والتجميل، وأرشد الله عز وجل إلى لباس أعظم من اللباس الذي يلبس على البدن وهو لباس التقوى ولباس التقوى ذلك خير، فالرجل والمرأة كل منهما يستر عورته هذه من أهم مسؤوليات المرأة المسلمة ستر العورة، لا يجوز لها التهتك والعري فإنه سبب لفساد الأخلاق وضياع الأعراض وانتشار الفاحشة.
ثم أيضا من مسؤولياتها أن الله عز وجل خصّها بأمر دون الرجال فقال: ﵟوَلَا يُبۡدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنۡهَاﵞ ﵝالنُّور : ﵑﵓﵜ، أمر النساء بالحجاب ستر على بدن المرأة، ولا يبدين زينتهنّ لا يظهرن الزينة سواء الزينة الخلقية وهي زينة الجسم، أو الزينة المصطنعة كالحلي والخضاب والكحل وغير ذلك، فالمرأة مسؤولة ومأمورة أن تستتر عن الرجال الأجانب، وقال عز وجل ﵟوَلۡيَضۡرِبۡنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّۖﵞ الخمار ما تضعه المرأة على رأسها، أمرها أن تضفيه على نحرها على جيوبهن كل هذا فيه ستر للمرأة، فمن مسئولياتها أن تستر هذه الأمور التي نهى الله عز وجل عن إخراجها.
كذلك أيضا من مسؤولية المرأة المسلمة: أن تلبس الجلباب، قال عز وجل: ﵟيَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّأَزۡوَٰجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ يُدۡنِينَ عَلَيۡهِنَّ مِن جَلَٰبِيبِهِنَّﵞ ﵝالأَحۡزَاب : ﵙﵕﵜ
الجلباب هو الثوب الكبير الذي تلتحف به المرأة، يكون هذا الثوب فوق ثيابها، والله عز وجل أمر المرأة بالحجاب على الجسم وعلى جميع المفاتن التي يخشى منها الفتنة، قال عز وجل: ﵟوَإِذَا سَأَلۡتُمُوهُنَّ مَتَٰعٗا فَسۡـَٔلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٖﵞ ﵝالأَحۡزَاب : ﵓﵕﵜ، وهذا المراد به أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لكن الآية عامة، لفظها خاص بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم لكن معناها عام لجميع النساء؛ لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب هذا أيضا من مسئولية المرأة المسلمة.
كذلك أيضا من مسؤولياتها: سدّ الطرق المفضية للفتنة، ومن ذلك أن تمتنع المرأة أن تسافر وحدها بدون محرم، لأن وجود المحرم فيها صيانة لها وحماية وهذا المحرم يقوم بمصالحها قال صلى الله عليه وسلم:«لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمَيْنِ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ» ([2]) ، وفي رواية: «يَوْم وَلَيْلَة»، وفي رواية: «أنْ تُسَافِرَ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ»، فمن مسئولياتها أن لا تسافر وحدها بدون محرم، فإن سافرت فهي عاصية لله ولرسوله مرتكبة لما حرم الله، والمحرم بالنسبة للمرأة من تحرم عليه من الرجال بنسب أو سبب مباح كأبيها وابنها وأخيها وعمها وخالها هؤلاء محارم، أو تحرم بسبب مباح كالمصاهرة كأبي الزوج أو ابن زوجها أو لها محارم للأبد أو بسبب رضاعة لقوله صلى الله عليه وسلم: «يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ» ([3]) ، فمحرم المرأة هو الرجل الذي تحرم عليه بنسب أو بسبب مباح، ولابد أن يكون هذا التحريم على التأبيد ليكون محرما.
أيضا من مسؤوليات المرأة المسلمة: أن الإسلام حرم عليها الخلوة بالرجل، لا يجوز لها أن تخلو برجل في مكان خال ليس فيه غيرهما؛ لأن هذا مدعاة لوقوع الفتنة، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، قال صلى الله عليه وسلم: «إيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ» فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ: أفَرَأيْتَ الحَمْوَ-قريب الزوج- ؟ قَالَ: «الحَمْوُ المَوْتُ»([4]) ، إذًا لا يجوز لغير المحرم أن يدخل على المرأة ولا أن يصافحها ولا أن يخلو بها إلا إذا كانت في البيت من تزول به الخلوة، أما أن يدخل على المرأة في بيت ليس فيه غيرها وهو ليس من محارمها فهذه خلوة محرمة وخطر، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ» ([5]) .
أيضا من مسؤوليات المرأة المسلمة: أن لا تكثر من الخروج من البيت إلا لأجل حاجة وتخرج متسترة وغير متطيبة؛ لأنها إذا خرجت متطيبة فإن ذلك سبب لوقوع الشر وجلب الأنظار إليها ونظر الرجال إليها ومتابعة لها، فتحدث فتنة من ذلك فمهما أمكن أن تبقى المرأة في بيتها فهذا أحفظ لها، قال الله عز وجل: ﵟوَقَرۡنَ فِي بُيُوتِكُنَّﵞ ﵝالأَحۡزَاب : ﵓﵓﵜ، هذا لنساء النبي صلى الله عليه وسلم وهن القدوة ﵟوَقَرۡنَ فِي بُيُوتِكُنَّﵞ يعني اقررن من القرار وهو البقاء وعدم الخروج لأن ذلك أحفظ للمرأة، فمهما بقيت في بيتها فهذا أحسن لها، وفيه حفظ لها وصيانة لها فإذا اقتضت الحاجة أن تخرج فإنها تخرج ولكن مع التستر، ولذلك الله عز وجل أحب للمرأة أن تصلي في بيتها لا تخرج للصلاة في المسجد مع أن المسجد بيت للعبادة بيت للطهارة لكن خروجها عرضة للشر؛ ولذلك صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد، قال صلى الله عليه وسلم: «لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ، وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ» ([6])، صلاتهن في بيوتهن خير لهن من الصلاة في المساجد.
أيضا من مسؤوليات المرأة المسلمة: أنها إذا احتاجت إلى الخروج من بيتها وجب عليها أن تلبس الثياب الساترة التي ليس فيها زينة وليس فيها طيب يشمه الرجال الأجانب، فثوب المرأة لابد فيه من مواصفات: أن يكون واسعا لا ضيقا أن يكون ظافيا على جميع جسمها وأن لا يكون فيه زينة، يكون ثوبا عاديا ليس فيه زينة ولا طيب، تحذر المرأة المسلمة مما أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: «صِنْفَانِ مِنْ أهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا: قَومٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأذْنَابِ البَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلاَتٌ مَائِلاَتٌ، رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ البُخْتِ المائِلَةِ لاَ يَدْخُلْنَ الجَنَّةَ، وَلاَ يَجِدْنَ رِيحَهَا»([7]) ، قوله: (نساء كاسيات عاريات) يعني: لابسات للثياب لكن هذه الثياب لا تستر، إما لإنها قصيرة لا تغطي البدن والعورة وإما أن تكن أيضا شفافة لا تستر ما تحتها، هذه أمور ومسؤوليات على المرأة يجب عليها أن تقوم بهذه المسؤوليات فإن الله عز وجل سائلها عن هذه المسؤولية.
أيضا من مسؤوليات المرأة المسلمة: أنها إذا احتاجت إلى مخاطبة الرجل الذي ليس من المحارم تخاطبه للحاجة بكلام معتاد ليس فيه خضوع ولين وممازحة ومضاحكة، إنما يكون كلاما عاديا بقدر الحاجة سؤال وجواب بقدر الحاجة، لا تمزح لا ترخم صوتها لا تزين صوتها فيطمع الذي في قلبه مرض، ولذلك قال الله عز وجل: ﵟوَقُلۡنَ قَوۡلٗا مَّعۡرُوفٗا ٣٢ﵞ ﵝالأَحۡزَاب : ﵒﵓﵜ.
أيضا من مسؤوليات المرأة المسلمة: تربية الأولاد والبنات في البيوت لأن المرأة مسئولة عن تربية أولادها الذين هم في رعايتها، عليها أن تربي البنات على الأخلاق الفاضلة وعلى الآداب الحسنة وعلى الستر والعفاف، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «كلكم رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ: وَالأمِيرُ رَاعٍ، ... وَالمَرْأةُ رَاعِيَةٌ في بيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا »([8])، فمن مسئولية المرأة المسلمة مسؤوليتها عن رعيتها، فعلى المرأة أن تربي أولادها تربية حسنة لأن من في البيت من الأطفال في عهدتها وهي مسؤولة عنهم، وإذا نظرنا إلى سيرة نساء سلفنا الصالح نجد العجب نجد القدوات، فعن وكيع رحمه الله قال: قالت أم سفيان لسفيان الثوري -الإمام أمير المؤمنين في الحديث سفيان الثوري- قالت له أمه: اذهب فاطلب العلم حتى أعولك بمغزلي، كان صغيرا تقول له: اذهب فاطلب العلم تحملت مسؤوليتها اتجاه ابنها، فأرادته أن يكون عالما، اذهب فاطلب العلم حتى أعولك بمغزلي اطلب العلم اطلب الحديث، سأصرف عليك وأنفق عليك مما يأتي من مغزلي، والمغزل أداة الخياطة تخيط الثياب وتنفق على ابنها أثناء طلبه للعلم، اذهب فاطلب العلم حتى أعولك بمغزلي، فإذا كتبت عدة عشرة أحاديث فانظر تجد من نفسك زيادة فاتبعه وإلا فلا تتعنى([9]) ، هذا أنموذج ومثال للنساء من سلفنا الصالح عن تحمل المسؤولية اتجاه الأبناء فهي ربت ابنها على حبّ العلم لذلك وفقه الله عز وجل، وصار إماما من أئمة المسلمين سفيان الثوري رحمه الله، إذًا على المرأة أن تربي أولادها تربية حسنة.
هكذا أيضا من مسؤوليات المرأة المسلمة: أن تجتنب كل ما نهى الله عز وجل عنه، وخاصة يجب عليه الابتعاد عن تغيير خلق الله، والشيطان تعهد أن يأمر بني آدم قال: ﵟوَلَأٓمُرَنَّهُمۡ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلۡقَ ٱللَّهِﵞ ﵝالنِّسَاء : ﵙﵑﵑﵜ، فتحذر المرأة من تغيير خلق الله في نفسها بالنمص والوشم والوشر والوصل، فالنبي صلى الله عليه وسلم لعن النامصة والمتنمصة والواصلة والمستوصلة ولعن الواسشمة والمستوشمة، ولعن المتفلجات للحسن النامصة تأخذ شعر حواجبها سواء بالمقص أو بالحلق أو بإزالته بأي وسيلة تزيل شعر الحاجب هذا هو النمص، والمتنمصة هي التي تطلب ذلك، وهذا فيه تغيير لخلق الله عز وجل لا يجوز للمرأة أن تفعل هذا، أما الواشمة فهي التي تعمل الوشم تغرز الإبرة في الجلد أو تبضع الجلد حتى تخرج الدم ثم تجعل فيه شيئا من الكحل أو من الصبغ حتى يبقى خطا أخطر في يدها أو في وجهها هذا هو الوشم المنهي عنه، تجتنب المرأة ذلك هذه مسؤولية عظيمة، والمستوشمة التي تطلب ذلك، والواصلة التي تصل شعرها بشعر آخر لأن هذا فيه غرر وفيه غش للناس، والواشرة من الوشر، الوشر هو برد الأسنان تفلج، ولعن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله: «والمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ، المُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ» ([10])؛ لأن فيه تغييرا لخلق الله، الوشر حرام، أما إصلاح الأسنان إذا كان فيها خلل يحتاج إلى إصلاح فلا بأس في ذلك؛ لأن هذا من العلاج أو من إزالة التشويه، أما الأسنان التي ليس فيها عيب وليس فيها مرض لا يجوز للمرأة أن تحدث فيها شيئا من الوشر أو الفلج أو غير ذلك، وهكذا: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّائِحَةَ وَالْمُسْتَمِعَةَ»([11])، النائحة التي ترفع صوتها عند المصيبة، هكذا تجتنب المرأة كل ما جاء النهي عنه من المعاصي وهذه أمثلة فقط.
فالحاصل أن المرأة عليها مسؤوليات وتبعات في هذه الحياة، المرأة مكلفة ومأمورة ومنهية ومثابة ومعاقبة عليها مسؤوليات عظيمة، عليها أن تتعلم هذه المسؤوليات وأن تقوم بهذه المسؤوليات على أكمل وجه، هذا واجب.
هذه تنبيهات فقط فيها بيان بعض المسؤوليات للمرأة المسلمة من باب التعليم ومن باب التوجيه لنسائنا.
نسأل الله عز وجل أن يهدي نساء المؤمنين إلى الحق، نختم هذه المحاضرة بتوجيه نصيحة للمرأة المسلمة:
أنصحها أن تتقي الله عز وجل في نفسها وفي زوجها وفي أولادها، أن تقوم بأعمال بيتها تربية أولادها وحقوق زوجها، أن تتعلم أمور دينها أن تحافظ على أداء فرائض الله، وتكثر من النوافل والتصدق بما تستطيع، نوصيها أن لا تخرج من بيتها إلا لحاجة مع التستر الكامل وترك الطيب والزينة عند الخروج، أيضا ننصحها بأن لا تزاحم الرجال وتختلط بهم، وأن لا تدخل على الطبيب وحدها بدون أن يكون معها محرم، ولا تسافر بدون محرم وهكذا أن تبتعد عن التشبه بالرجال وعن التشبه بالكافرات في شعرها ولباسها وزيّها، أن تبادر إذا كانت المرأة لم تتزوج أن تسارع إلى الزواج إذا لم تكن قد تزوجت، تتنازل عن كثير من مطامعها وشروطها إذا وجدت الزوجة الصالح، ولا تلتفت إلى الدعايات والشبهات المغرضة التي تريد أن تسلب المرأة كرامتها وعفتها، أيضا ننصحها ببرّ والديها وصلة أرحامها وإكرام جيرانها وكف الأذى عنهم.
هذه نصائح عامة للرجال والنساء لكن ختمنا بها هذه المحاضرة لأن هذه المحاضرة فيها إشارة إلى مسؤوليات المرأة المسلمة.
نسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه، نسأله عز وجل أن يحفظ نساء المؤمنين من كل فتنة، ونسأله عز وجل أيضا أن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كل شر ومن كل فتنة، كما نسأله عز وجل أن يوفق ولاة أمورنا لما يحبه ويرضاه، وأن يرزقهم البطانة الصالحة.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
([1]) رواه أحمد (8526).
([2]) رواه البخاري (1088)، ومسلم (1339).
([3]) رواه البخاري (2645).
([4]) رواه البخاري (5232)، ومسلم (2172).
([5]) رواه الترمذي (2165)، و أحمد (177).
([6]) رواه أبو داود (567).
([7]) رواه مسلم (2128).
([8]) رواه البخاري (5200)، ومسلم (1829).
([9]) ذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء (7/269).
([10]) رواه البخاري (4886).
([11]) رواه أحمد (11622)، وأبو داود (3128).