وأنا خيركم لأهلي


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات
القسم: 
القسم: 

الحمد لله ربّ العالمين حمداً كثيراً طيبًا مباركاً فيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد،

فإن القارئ لسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمتأمل فيها لا ينقضي عجبه من قيامه بالحقوق الشرعية الّتي أمر الله بها، ومراعاته لها مع ما عنده من مهام، إذ هو حاكم الدولة الإسلامية ورئيسها، وهو المعلّم، وهو المفتي، وهو قائد الجيش، وهو القاضي، وهو الخطيب، وهو الداعية البصير، إلى غير ذلك من المهام التي تعجز عن حملها الجبال، ومع ذلك فهو يعود المرضى، ويشيع الجنائز، ويقضي حاجة المحتاج، ويزور الأرحام، ويجيب دعوةَ من دعاه، ويتفقد أصحابه وغير ذلك.

 ومع قيامه بتلكم المهام ورعايته لتلك الحقوق فإنه لم ينس حق أقرب الناس إليه -وهم أهله- بل كان خير زوج لأزواجه، وقد أعلن عن هذا صلى الله عليه وسلم بقوله: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي» ([1]).

 أفلا يليقُ بك أيّها الزوج المحبّ لنبيك صلى الله عليه وسلم أن تقتدي به في تعاملك مع زوجتك كما تقتدي به في صلاتك، فتكون سمح النفس مع أهلك، تتفقدهم، وتدعو لهم، وترعاهم، وتتلطف في معاملتهم، وتتوَدّد إليهم، وتواسيهم في أحزانهم، وتشاركهم في أفراحهم، وتتعاون معهم على القيام بالواجبات الشرعية، وتثني على معروفهم، وتدعو لهم، وتُنصِت إلى حديثهم، وتحسن الظن بهم، وتحفظ أسرارهم، وتعتني بزينتك ومظهرك لأجلهم.

 لا تنسى جميلَهم، وتعتذر لهم إن أخطأتَ في حقهم، وتتواضع لهم، لا تؤذيهم بل تعِزّهم وتكرمهم، لا تتعالى عليهم بل تمازحهم وتضاحكهم وتخاطبهم بما تطيب به نفوسهم، وإن أخطأو نَصَحْتَهم باللين والرفق والأسلوب الذي يدعو إلى قبولهم النصح واهتمامهم به.

وما قيل للزوج يقال للزوجة، فالنساء شقائق الرجال.

 نعم، إن بالاقتداء به صلى الله عليه وسلم وإحياء هديه في التعامل مع أهل البيت به تسعد البيوت، ويَزول أو يَخف أنينها من الخلافات، قال تعالى: ﵟيَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱسۡتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمۡ لِمَا يُحۡيِيكُمۡۖ ﵞ ﵝالأَنفَال : ﵔﵒﵜ.

وقال جل وعلا: ﵟلَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ لِّمَن كَانَ يَرۡجُواْ ٱللَّهَ وَٱلۡيَوۡمَ ٱلۡأٓخِرَﵞ ﵝالأَحزَاب : ﵑﵒﵜ.

فإنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الأسوة الحسنة والقدوة الكاملة في كل أعمال المسلم من عبادات ومعاملات وأخلاق، «فإن المتأسِّي به سالكٌ الطريق الموصل إلى كرامة الله، وهو الصراط المستقيم» ([2]) .

وأسعد البيوت حالاً، وأطيبها عيشًا، وأقلها خلافًا، وأكثرها متعةً، وأعظمها سرورًا، وأحسنها تواصلاً، وأرقاها تعاملاً هي تلك البيوت التي جعلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والعمل بها بين عينيها، فطبقتها على كل من في البيت من صغير وكبير.

ومن كانت السنة همّه -يصبح ويمسي عليها- عاش كريمًا، ومات كريمًا، وبُعِثَ كريمًا بإذن الله.

 والله الموفق والهادي إلى الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، والحمد لله رب العالمين.

 


 

([1]) رواه الترمذي (3895)، وابن ماجه (1977)، وانظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة (285).

([2]) تيسير الكريم الرحمن (ص660).