ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله.

أما بعد: 

فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.

يقول ربنا عز وجل: وَلِلَّهِ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰ فَٱدۡعُوهُ بِهَاۖ وَذَرُواْ ٱلَّذِينَ يُلۡحِدُونَ فِيٓ أَسۡمَٰٓئِهِۦۚ سَيُجۡزَوۡنَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ١٨٠ﵞ ﵝالأَعۡرَاف : ﵐﵘﵑﵜ.

وفي هذا بيانٌ لعظمة ربنا وجلاله وكماله، حيث الصفات العلى، والأسماء الحسنى، قُلِ ٱدۡعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدۡعُواْ ٱلرَّحۡمَٰنَۖ أَيّٗا مَّا تَدۡعُواْ فَلَهُ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ ١١٠ﵞ ﵝالإِسۡرَاء : ﵐﵑﵑﵜ.

ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ لَهُ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰ ٨ﵞ ﵝطه : ﵘﵜ.

هُوَ ٱللَّهُ ٱلۡخَٰلِقُ ٱلۡبَارِئُ ٱلۡمُصَوِّرُۖ لَهُ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ يُسَبِّحُ لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ ٢٤ﵞ ﵝالحَشۡر : ﵔﵒﵜ.

والأسماء الحسنى أيها الناس: هي التي بلغت في الحسن غايته، وقد تضمنت الصفات الكاملة، والمعاني الشاملة، قد عجزت العقول عن إدراك كنهها، وحارت الفهوم في منتهى كمالها، وتعدد الأسماء دلالة على عظمة المسمى، ودعوة للتعلق والمحبة، وباب للعلم والمعرفة، وموجب للتعظيم والعبادة.

إن الأسماء الحسنى بيان لعظيم جلال ربنا، وسعة أوصافه، وكل اسمٍ منها دال على صفة كمالٍ عظيمة، فالعليم جل جلاله دال على علمه الواسع، المحيط الشامل بجميع الأشياء، الذي لا يخرج عن علمه مثقال ذرةٍ في الأرض ولا في السماء، يَعۡلَمُ خَآئِنَةَ ٱلۡأَعۡيُنِ وَمَا تُخۡفِي ٱلصُّدُورُ ١٩ﵞ ﵝغَافِر : ﵙﵑﵜ .

والرحيم: دالٌ على أن له رحمةً عظيمة، شاملةً لكل شيء.

والقدير: دالٌ على أن له قدرةً عامة، لا يعجزها شيء.

وهكذا سائر الأسماء الحسنى.

إن الإيمان بأسماء الله تعالى وصفاته أحد أركان الإيمان بالله تعالى، فلا يؤمن أحد بالله حتى يثبت له الأسماء الحسنى، والصفات العلى، ولذلك جاء الوعيد وَذَرُواْ ٱلَّذِينَ يُلۡحِدُونَ فِيٓ أَسۡمَٰٓئِهِۦۚ سَيُجۡزَوۡنَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ١٨٠ﵞ ﵝالأَعۡرَاف : ﵐﵘﵑﵜ .

والإلحاد في أسماء الله تعالى: هو الميل بها عما يجب فيها، وهو أنواع عند العلماء رحمهم الله.

فمن ذلك: إنكار شيء من الأسماء، أو تعطيل معانيها، أو جحد حقائقها، أو أنها مجرد أعلامٍ لا تقتضي صفاتً ولا معاني.

ومن ذلك: أن يشتق من أسماء الله تعالى أسماء للأصنام، كما فعل المشركون في اشتقاق العزى من العزيز، واللات من الإله، فأسماء الله تعالى مختصة به،  وَلِلَّهِ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰ فَٱدۡعُوهُ بِهَاۖ ١٨٠ﵞ ﵝالأَعۡرَاف : ﵐﵘﵑﵜ .

ومن ذلك أيضًا: أن يسمى الله بما لم يسمِ به نفسه، فلا يقال: الأب، ولا العلة الفاعلة، فأسماء الله تعالى توقيفية، وكذا لا تستعمل رقية بأن يكرر اسم معين، بعدد معين، لعلاج مرضٍ معين، وكذا ذكره سبحانه بها بتكرارها، كأن يقال: الله، الله، الله، أو حي، حي، حي. يكرر ذلك، ليس هذا بمشروع، وإنما الأذكار على ما جاءت به السُنة النبوية، وأسماء الله أيها الناس سبيل معرفته ومحبته وامتثال أمره.

في الصحيحين قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لله تسعة وتسعون اسما مائة إلا واحدا، لا يحفظها أحد إلا دخل الجنة" ([1]).

وفي رواية قال صلى الله عليه وسلم: "إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا، من أحصاها دخل الجنة"([2]).

وهذا ليس حصرًا للأسماء الحسنى عند العلماء في هذا العدد المحدد، وليس معناه: أنه ليس له إلا التسعة والتسعين اسما، وإنما مقصود الحديث: أن هذه الأسماء مختصة بالإحصاء، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني أسألك بكل اسمٍ هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك"([3]). رواه أحمد وابن حبان.

فالذي استأثر الله بعلمه لا يمكن للعباد أن يحصوه، فالمعنى: أن هذا العدد من شأنه أن من أحصاه دخل الجنة، ومعنى إحصاؤها: حفظ لفظها، وفهم معناها، والتعبد لله تعالى بمقتضاها، فمن فعل ذلك عرف ربه وأحبه.

وفي هذا حثٌ أيضًا على تعلم العلم، والاجتهاد في تعلم الاعتقاد، واستخراج الأسماء من أدلة الكتاب والسُنة، إذ أنها لم تُجمع وتُبين في نص واحد، وأما الحديث الوارد في تعدادها مما رواه الترمذي وابن ماجة فإنه لا يصح، كما قاله الترمذي رحمه الله.

وقال ابن تيمية رحمه الله: "تعيينها ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم باتفاق أهل المعرفة بحديثه"([4]).

وقال ابن حجرٍ رحمه الله: "والتحقيق أن سردها إدراج من بعض الرواة"([5]).

فتعلم الأسماء الحسنى أيها المسلمون، وحفظها، والتعبد لله بها سبيل لدخول جنته، وذلك أنه لا يمكن لأحد أن يعبد الله تعالى على الوجه الأكمل، حتى يكون على علمٍ بأسماء الله تعالى وصفاته، وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل إلى اليمن يدعو أهلها إلى الدين، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله تعالى، فإذا عرفوا الله فأخبرهم أن الله تعالى قد افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة"([6]). الحديث. رواه مسلم.

قال المزي رحمه الله: "لا يصح لأحدٍ توحيد حتى يعلم أن الله تعالى على العرش بصفاته"([7]).

وكلما قلت معرفة الله في القلب وقع على العبد الذنب، فمن علم أن الله رقيب عليه، مشاهد لأفعاله، ناظر إليه، لا يغفل عنه لحظة، واستصحب ذلك في أحيانه استحى من عصيان ربه، وأحسن خدمته، حتى سيأتي عليه وقتٌ يعبد ربه كأنه يراه، فإن لم يكن يراه فإن الله يراه، وما كفر الكافر إلا لما جهل ربه، وجحد صفاته، نَسُواْ ٱللَّهَ فَنَسِيَهُمۡۚ ٦٧ﵞ ﵝالتَّوۡبَة : ﵗﵖﵜ.

وَهُمۡ يَكۡفُرُونَ بِٱلرَّحۡمَٰنِۚ ٣٠ﵞ ﵝالرَّعۡد : ﵐﵓﵜ .

وقد قال نوح لقومه: مَّا لَكُمۡ لَا تَرۡجُونَ لِلَّهِ وَقَارٗا ١٣ﵞ ﵝنُوح : ﵓﵑﵜ .

عن ابن عباس، قال: " ما لكم لا تعلمون لله عظمة."([8]).

بل قال الله عز وجل: وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدۡرِهِۦ وَٱلۡأَرۡضُ جَمِيعٗا قَبۡضَتُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُ مَطۡوِيَّٰتُۢ بِيَمِينِهِۦۚ سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ ٦٧ﵞ ﵝالزُّمَر : ﵗﵖﵜ .

فلما لم يقدروا الله حق قدره أشركوا به جل في علاه.

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم واصفًا بعض خلق ربه للدلالة على عظم خالقه: "أُذن لي أن أحدث عن ملكٍ من حملة العرش، عُنقه منثنيةً تحت العرش، قد مرقت رجلاه الأرض السفلى، ما بين شحمة أذنه وعاتقه خفقان الطير سبعمائة عام، يقول ذلك الملك: سبحانك ما أعظمك، فيقول الله عز وجل: ما عرف ذلك من حلف بي كاذبا"([9]).

فمن عرف عظمة الله لا يجترأ على عصيانه.

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عن نفسه: "أما إني أعلمكم بالله، وأخشاكم منه"([10]).

فلما زاد علمه زادت خشيته من ربه.

وقال عن جبريل الأمين، وقد رآه في السماوات حين عُرج به إلى ربه: "رأيت جبريل كالحلس البالي من خشية الله تعالى"([11]).

قال ابن القيم رحمه الله في قول الله عز وجل: وَلِلَّهِ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰ فَٱدۡعُوهُ بِهَاۖ ١٨٠ﵞ ﵝالأَعۡرَاف : ﵐﵘﵑﵜ .

قال: "هو سبحانه يدعو عباده إلى أن يعرفوه بأسمائه وصفاته، ويثنوا عليه بها، ويأخذوا بحظهم من عبوديتها، وهو سبحانه يحب موجب أسمائه وصفاته"([12]).

فهو عليمٌ يحب كل عليم، جواد يحب كل جواد، وتر يحب الوتر، جميل يحب الجمال، عفو يحب العفو، حيي يحب الحياة، بر يحب الأبرار، شكور يحب الشاكرين، صبور يحب الصابرين.

يقول الله جل في علاه: وَلِلَّهِ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰ فَٱدۡعُوهُ بِهَاۖ ١٨٠ﵞ ﵝالأَعۡرَاف : ﵐﵘﵑﵜ .

قال العلماء رحمهم الله: الدعاء بها يتناول دعاء المسألة، ودعاء الثناء، ودعاء التعبد.

فدعاء التعبد أن تتعبد لله بمقتضى هذه الأسماء، فتتوب إليه، لأنه تواب، وتستغفره لأنه غفار.

ودعاء المسألة: بأن تقدم بين يدي مسألتك من أسماء ربك ما يناسب الحال، فتقول: يا غفور اغفر لي، يا رحيم ارحمني. وهكذا.

ودعاء الثناء: بأن تثني على ربك، بما له من الأسماء الحسنى، فتقول: ربنا الرحمن الرحيم، الجواد البر الكريم، الرزاق المعطي جل جلاله ، وتقدست أسماؤه، فلا يدعى إلا الله، ولا يُلجأ إلا إليه، ويتوسل إلى ذلك بأسمائه وصفاته، ويتقرب إليه بمحابه ومرضاته، قُلِ ٱدۡعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدۡعُواْ ٱلرَّحۡمَٰنَۖ أَيّٗا مَّا تَدۡعُواْ فَلَهُ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ ١١٠ﵞ ﵝالإِسۡرَاء : ﵐﵑﵑﵜ.

أَمَّن يُجِيبُ ٱلۡمُضۡطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكۡشِفُ ٱلسُّوٓءَ وَيَجۡعَلُكُمۡ خُلَفَآءَ ٱلۡأَرۡضِۗ أَءِلَٰهٞ مَّعَ ٱللَّهِۚ ٦٢ﵞ ﵝالنَّمۡل : ﵒﵖﵜ .

وَإِن يَمۡسَسۡكَ ٱللَّهُ بِضُرّٖ فَلَا كَاشِفَ لَهُۥٓ إِلَّا هُوَۖ ١٧ﵞ ﵝالأَنۡعَام : ﵗﵑﵜ.

إِيَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِيَّاكَ نَسۡتَعِينُ ٥ﵞ ﵝالفَاتِحَةِ : ﵕﵜ .

فوجهوا القلوب لعلام الغيوب، وارجوا غفار الذنوب، وَأَنِيبُوٓاْ إِلَىٰ رَبِّكُمۡ وَأَسۡلِمُواْ لَهُۥ ٥٤ﵞ ﵝالزُّمَر : ﵔﵕﵜ.

وَٱعۡبُدُوهُ وَٱشۡكُرُواْ لَهُۥٓۖ ١٧ﵞ ﵝالعَنكَبُوت : ﵗﵑﵜ.

واعتمصوا به، فهو مولاكم، هُوَ مَوۡلَىٰكُمۡۖ فَنِعۡمَ ٱلۡمَوۡلَىٰ وَنِعۡمَ ٱلنَّصِيرُ ٧٨ﵞ ﵝالحَج : ﵘﵗﵜ.

اللهم صلّ على نبينا محمد، وعلى خلفائه الراشدين، وعلى الصحابة أجمعين، وعلى التابعين وعلى من تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.


 

([1])  الراوي: أبو هريرة. المحدث: البخاري. المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 6410. خلاصة حكم المحدث: صحيح.  التخريج : أخرجه البخاري (6410)، ومسلم (2677).

([2])  الراوي: أبو هريرة. المحدث : البخاري. المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 2736. خلاصة حكم المحدث: صحيح. التخريج : أخرجه مسلم (2677) باختلاف يسير.

([3])  الراوي: عبدالله بن مسعود. المحدث : الألباني. المصدر : السلسلة الصحيحة الصفحة أو الرقم: 199. خلاصة حكم المحدث : صحيح. التخريج : أخرجه أحمد (3712) واللفظ له، وابن حبان (972)، والطبراني (10/210) (10352) باختلاف يسير.

([4])  "الفتاوى" ص 383- ج 6.

([5])  (بلوغ المرام/411).

([6])  الراوي: عبدالله بن عباس. المحدث : البخاري. المصدر : صحيح البخاري. الصفحة أو الرقم: 7372. خلاصة حكم المحدث: صحيح. التخريج : أخرجه مسلم (19) باختلاف يسير.

([7])  سير أعلام النبلاء الذهبي ج 12 الصفحة 494.

([8])  تفسير الطبري — ابن جرير الطبري (٣١٠ هـ).

([9])  الراوي: أبو هريرة. المحدث : الهيثمي. المصدر : مجمع الزوائد. الصفحة أو الرقم: 183/4. خلاصة حكم المحدث: رجاله رجال الصحيح.

([10])  الراوي: أنس بن مالك. المحدث : الألباني. المصدر : غاية المرام. الصفحة أو الرقم: 208. خلاصة حكم المحدث: صحيح.

([11])  الراوي: جابر بن عبدالله. المحدث : الألباني. المصدر : صحيح الجامع.  الصفحة أو الرقم: 5864. خلاصة حكم المحدث : صحيح. التخريج : أخرجه ابن أبي الدنيا في ((الرقة والبكاء)) (414)، وابن أبي عاصم في ((السنة)) (621)، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (4679) واللفظ له.

([12])  مدارج السالكين. مجلد: 1.