الإبل جمال وعبرة وقصص وموعظة


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات
القسم: 
القسم: 

الحمد لله الذي خلق الخلق وأبدعه، وأشهد أن لا إليه إلا الله من أحسن كل شيء خلقه والصلاة والسلام على رسول الله محمد من أرشد إلى التأمل في ما خلقه الله وصنعه فاللهم صل عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم في كل خير شرعنا شرعه أما بعده؛

قد جعل الله فيما خلق عبرة لمن اعتبر وفكرة لمن ادّكر  فخاطب العرب بما تراه وتعرفه، وهي تعرف هذه النوق والإبل معرفة تامة، فقال سبحانه وتعالى: ﵟوَلَكُمۡ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسۡرَحُونَ ٦ﵞ ﵝالنَّحۡل : ﵖﵜ  ففيها جمال إذا سرحت إلى مرعاها إذا راحت إلى مرباها أو معاطنها، ولاحظوا أن الله سبحانه وتعالى قال : ﵟحِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسۡرَحُونَ ٦ﵞ ﵝالنَّحۡل : ﵖﵜ فقدم الله سبحانه وتعالى المرواح؛ لأن راعي الإبل يأنس بقدومها عليه، ويبتهج بإقبالها لأنها تعود وقد رعت وسمنت وحان وقت حلابها، لذلك الله سبحانه وتعالى قدم المرواح على المسراح، بل وهي بذاتها جمال عند الإنسان لذلك العرب كانوا يقولون: ما أكثر إبله وما أجمل ذوده، لا سيما إذا كانت من نفائس النوق .

وهذا كله يدعونا إلى التأمل فيها لهذا قال  الله سبحانه وتعالى قال لنا في القرآن آية جميلة: ﵟ أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى ٱلۡإِبِلِ كَيۡفَ خُلِقَتۡ ١٧ﵞ ﵝالغَاشِيَة : ﵗﵑﵜ، هذه الإبل لو تأمَّل الإنسان ما فيها من خفّها وسنامها، ومع ثقلها لكنها تسير على هذه الرمال ولا تطمس أقدامها ليست كالخيل والبقر فهذا شيء مميز فيها، وتحوي من الماء في سنامها ما يكفيها، لذلك شجع الله سبحانه وتعالى المسلم أن يتدبر هذه الإبل، وقد كان من أئمة الدين من يذهب إليها لعتبر في النظر إليها فكان شريح القاضي يقول لطلابه ومن معه: "اخْرُجُوا بِنَا إِلَى الْكُنَاسَةِ حَتَّى نَنْظُرَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ"([1]). و الْكُنَاسَةِ سوق بالكوفة ترد فيه الإبل.

 ومن جمال هذه الإبل ومما يميز هذه الإبل أن فيها لبنًا لا يشببه لبن، لذلك النبي صلى الله عليه وسلم جعل في لبنها شفاء، بل وجعل الصادق المصدوق في أبوالها شفاء  فتأملوا من طبيعة أي خارج من الحيوانات أن الإنسان يستقذر حتى لو لم يكن نجسًا إلا الإبل، فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم في أبوالها شفاء، جاء قوم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأثر فيهم التعب وصحتهم تعبت، سقمت أبدانهم وأجسامهم فقالوا يا رسول الله سقمت أجسامنا وأبداننا، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: «أفلا تخرجون مع راعينا في إبله، فتصيبون من ألبانها وأبوالها» قالوا: بلى، فخرجوا فشربوا من ألبانها وأبوالها، فصحوا([2]) ، صحت أبدانهم وصحت أجسامهم، سبحان الله لو يتأمل الإنسان كيف أخرج الله سبحانه وتعالى هذا السائل من هذه الأحشاء، وفيها شفاء كما أخرج الله سبحانه وتعالى من بطون النحل شفاء حكمة من الله سبحانه وتعالى عظيمة، لذلك يقول الله سبحانه وتعالى: {يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} ﵝالنَّحۡل 69ﵜ .

وقد أخرج الله من بطون الأنعام ومنها الإبل { وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ} [النحل:66] يخرج الله سبحانه وتعالى هذا اللبن من بطونها من بين أحشائها لكنه يخرجه الله سبحانه وتعالى صافيًا سائغًا لذيذًا للشاربين، وهذه أحبتي نعمة والله إنها لنعمة تحتاج إلى شكر، وتحتاج إلى تفكر وتحتاج إلى تحقيق عبادة الله، الله سبحانه وتعالى سخر لنا هذه بهذه القدرة وهذا الجمال وهذه الصفات حتى نعبده سبحانه وتعالى ونشكره ونوحده سبحانه وتعالى؛ لأنه هو الخالق وحده وخلق خلقا عجيبا فلا يستحق العبادة إلا الله سبحانه وتعالى.

 أحبتي مجلسنا هذا مجلس علم، وقد رغب النبي صلى الله عليه وسلم أهل هذه المجالس ترغيبا عجيبا حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيعلم، أو يقرأ آيتين من كتاب الله عز وجل، خير له من ناقتين، وثلاث خير له من ثلاث، وأربع خير له من أربع، ومن أعدادهن من الإبل» ([3]) ، فهذا العلم مهم وخصوصًا فيما نحن نزاوله في حياتنا؛ لذلك أنا سأجلس معكم في مجالس نتعلم منها ما نحتاجه في حياتنا مع البوش اليوم وباجر.

 المجلس الأول: النبي صلى الله عليه وسلم راعي إبل.

 النبي صلى الله عليه وسلم كان راعي إبل وكان عنده من اللقاح خمسة وأربعين ناقة لقاح، وكان صلى الله عليه وسلم  يسمي نوقه فمنهم القصواء، وهي التي هاجر بها من مكة إلى المدينة لما دخل المدينة، وكان يقول: "خَلُّوا سَبِيلَهَا، فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ "([4])، وكانت له ناقة تسمى العضباء وليست بعضباء لكنها كانت تسبق سبقًا ولم يكن أحد يسبقها، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يتسابق مع الصحابة بالنوق فكانت العضباء لا يسبقها أحد لسرعتها، فجاء رجل من الأعراب عنده قعود، فسابق النبي صلى الله عليه وسلم فسبق القعود ناقة النبي صلى الله عليه وسلم، لما سبق القعود ناقة النبي صلى الله عليه وسلم شق ذلك على أصحاب رسول الله -حزن الصحابة- كيف ناقة النبي يسبقونها؟ كيف تُسبق ناقة النبي صلى الله عليه وسلم حزنوا، لاحظوا كيف النبي صلى الله عليه وسلم استقبل هذه الحادثة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن حقًّا على الله أن لا يرفع شيئًا من الدنيا إلا وضعه»([5]) ، نأخذ من هذا الموقف درسًا مهمة:

 أولًا: أن الفوز بتوفيق الله فأنت تفعل السبب تطعمها وتدربها وتعتني بها، والفوز وعدم الفوز هذا توفيق بيد الله سبحانه وتعالى، فإن فازت فاشكر المولى وإن سُبقت وما فازت فارض بما أعطاك الله سبحانه وتعالى، ولا تتضجر ولا تتسخط، الحياة أحبتي يوم فوز يوم خسارة، ويتعلم الإنسان من خسارته

ثانيًا: أن لا نحسد السابق أبدًا، أفرح لأخيك الذي فازت بكرته كما تفرح لنفسك، لا يحسد أحد أحدًا فهذا رزق الله سبحانه وتعالى والله قد رزق هذا بهذا الفوز حتى نكون كلنا على قلوب متآلفة متحابة لا تفرق من بيننا هذه الدنيا.

 المجلس الثاني: للأنعام حقٌّ

 هذه الإبل لها حق لا بد أن يراعى ومن تلك الحقوق

أولًا: أن الله سبحانه وتعالى أمرنا بالرحمة حتى مع الحيوانات، والنبي صلى الله عليه وسلم كان رحيمًا جدًا مع هذه الحيوانات، دخل النبي صلى الله عليه وسلم حائط -مزرعة-، فأتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعيرٌ تذرف عيناه يبكي ويشتكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن مسح دموعه -لاحظ الرحمة مسح دموعه النبي صلى الله عليه وسلم- فقال من رب هذا الجمل؟ من راعي هذا البعير؟ قالوا فتى من الأنصار، فناداه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «أفَلاَ تَتَّقِي اللهَ في هذِهِ البَهِيمَةِ الَّتي مَلَّكَكَ اللهُ إيَّاهَا؟ فَإنَّهُ يَشْكُو إلَيَّ أنَّكَ تُجِيعُهُ وتُدْئِبُهُ»([6]) ، لاحظ تتعبه وتحمِّله فوق طاقته وتجيعه لا تطعمه، وهذه معجزة من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم لكن لاحظوا رحمة النبي صلى الله عليه وسلم، ولاحظوا كيف يعطي النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحيوان حقه.

 ثانيًا: أن تؤدى زكاتها إذا توفرت فيها شروط؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من صاحب إبل لا يؤدي حقّها، إلا جاءت يوم القيامة أوفر ما كانت، فيبطح لها بقاع قرقر، فتطؤه بأخفافها» ([7])  ، وأعظم الحق فيها حق زكاة.

ثالثًا: ومن الحقوق أحبتي في الإبل وهذا ورد في الحديث حقوق مستحبة أن تعطى منيحتها المنيحة تمنح ويتصدق بها، وقد أتى رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يسوق ناقة بخطامها قال له هذه ناقة في سبيل الله لله، قال: «لَكَ بِهَا يَوْمَ القِيَامَةِ سَبْعُمائَةِ نَاقَةٍ كُلُّهَا مَخْطُومَةٌ»([8]) ، في الجنة إن أحببت شيء في الدنيا وهو حق أن تحبه وأعطيته حقه وأديت حق الله سبحانه وتعالى يجمع الله لك بينه وبينه في الجنة، لذلك أتى رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم هو يحب الإبل فقال له أفي الجنة إبل؟ ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «يا عبد الله إن يدخلك الله الجنة كان لك فيها ما اشتهت نفسك، ولذت عينك»([9])  .

رابعًا: أن يعطى ويسقى لبنها، هذه من الأشياء المستحبة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.

خامسًا: ومن الأشياء المهمة أيضًا أن لا تلعن، ما تلعن البهيمة هذه الناقة وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لعنها، وقد كانت امرأة والنبي صلى الله عليه وسلم في سفر وامرأة على بعير، تضجرت المرأة وهي في الطريق فقالت: لعنها الله أي الناقة التي هي عليها أو البعير التي هي عليها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «خُذُوا مَا عَلَيْهَا وَدَعُوهَا؛ فَإنَّهَا مَلْعُونَةٌ». قَالَ عمْرانُ-الراوي-: فَكَأنِّي أَرَاهَا الآنَ تَمْشِي في النَّاسِ مَا يَعْرِضُ لَهَا أحَدٌ([10])،والمؤمن في كل حالاته ليس باللعان ولا بالطعان ولا بالبذيء ولا الفاحش حتى في البهائم.

سادسًا: من الحقوق ألا يدعو على الإبل والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ؛ وَلاَ تَدعُوا عَلَى أوْلادِكُمْ، وَلاَ تَدْعُوا عَلَى أموَالِكُمْ، لا تُوافِقُوا مِنَ اللهِ سَاعَةً يُسألُ فِيهَا عَطَاءً فَيَسْتَجِيبَ لَكُمْ»([11]) ، والإبل من الأموال.

 في بعض الأحيان بعض الناس يقول الله لا يبارك فيهن يدعو على إبله وقد يستجاب له ولا تطرح البركة فيها.

المجلس الثالث: لا تشغلك ذودك عن واجباتك.

لا يشغلك ما تحب من الإبل والذود عن حقوق ربك وحقوق أهلك، أعط كل ذي حق حقه، ابن عمر كان عنده بعير غالٍ نفيس، وكانوا يتباهون بهذا البعير فجاء يوم من الأيام باعه فأتوا يلومونه يقولون له كيف تبيع بعيرك هذا غالٍ قال: "إنه شغل قلبي".

 كم من الناس اليوم إلا من رحم الله إن دخل في صلاته فكر في إبله كم عددها وهل سبقت وماذا فعل فيها الراعي وماذا أطعمها حتى يسلم ولم يعقل من صلاته شيئًا، فلا تجعل ما تحب من أمور الدنيا في يدك لا تجعلها في قلبك يشغلك عن طاعة الله سبحانه وتعالى، أو يشغلك عن أهلك أو يشغلك عن تربية عيالك، لا لابد أن تعطي كل ذي حق حقه، فإنك ترى بعض أهل الإبل مشغول بها عن حقوق عمله وأهله وولده حتى أن بعضهم قال لي أقصر في نفقة أولادي وزوجتي ولا أقصر في طعام إبلي، وهذا غلط قد يترتب عليه الإثم فقد قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَعُولُ»([12]).

 

المجالس الرابع: بيع وشراء الإبل.

  لابد الإنسان أن يكون سهلًا ليِّنًا في بيعه وشرائه، صادقًا في بيعه وشرائه كيف هين لين؟ بهذه القصة تعرف كيف يكون الإنسان سهلًا سمحًا في بيعه وشرائه للإبل

عن جابر بن عبد الله كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، كانوا مسافرين وعنده بعير أعي -تعب فلا يقوى على المشي- فسمى النبي صلى الله عليه وسلم الله وضربه فسار سيرًا،  فقال النبي صلى الله عليه وسلم لجابر بن عبد الله: بعنيه بأوقية -الأوقية أربعون درهم على حسابهم- بعنيه بأوقية قال له: لا قال له بعنيه قال له: لا، فجعل النبي g يطلبه وجابر يقول لا حتى  وافق جابر وشرط مع البيع شرط وهو أنه أبيعه بشرط أن يحملني البعير إلى أهلي فوافق النبي g فلما وصل جابر المدينة أتى والنبي صلى الله عليه وسلم في بيته، أتى وأعطى النبي صلى الله عليه وسلم البعير، وأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم النقود، فلما ولَّى جابر قال له: تعال خذ هذه نقودك أتراني ماكستك لأخذ جملك، هذا جملك وهذه نقودك([13]) ، لاحظ سماحة البيع وكرم البيع.

أما الصدق وهو أهم  هو أن لا يخفي ولا يكتم عيبًا في إبله ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «البَيِّعَانِ بالخِيَار مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإنْ صَدَقا وَبيَّنَا بُوركَ لَهُمَا في بيعِهمَا»([14]) ، البركة في البيع اليوم نحن ندور البركة في البيع، « فَإنْ صَدَقا وَبيَّنَا بُوركَ لَهُمَا في بيعِهمَا، وإنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بركَةُ بَيعِهِما» .

 وهنا قصة جميلة يقول أبو سباع: اشتريت ناقة من دار واثلة بن الأسقع-اشترى ناقة من مكان في دار واثلة بن الأسقع-، فلما خرجت بها، أدركنا واثلة-ما اشتراها من عند واثلة لم يشترها من عند واثلة  لكن من رجل ثاني لكن في دار واثلة من أهله-  وهو يجر رداءه، فقال: يا عبد الله، اشتريت؟ قلت: نعم، قال: هل بين لك ما فيها؟ قلت: وما فيها؟ قال: إنها لسمينة ظاهرة الصحة-ما يحتاج ظاهرها طيب- ، قال: فقال: أردت بها سفرا، أم أردت بها لحما؟-أنت تباهى حق السفر ولا تباها بتآكل منها أردت بها الحج لاحظ-  قلت: بل أردت عليها الحج، قال: فإن بخفها نقبا- تدرون شو النقب؟ الخف الرجيج الذي ما تروم تدوس عليه وايد فما تنفع حق السفر هذا العيب اليسير الذي لا يراه الإنسان كيف كان صادق الصحابي وبين فلا بد على الإنسان- ، قال: فقال صاحبها: أصلحك الله، ما تريد إلى هذا تفسد علي؟ قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يحل لأحد يبيع شيئا ألا يبين ما فيه، ولا يحل لمن يعلم ذلك ألا يبينه»([15]).

هذه المجالس التي حوت قيمًا وقصصًا مهمة في تعايشنا مع الإبل وتعاملنا مع من يربيها وهنا جملة من الفوائد السريعة المفيدة

الفائدة الأولى: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوسم الإبل وسمَ علامة ، لكن ما كان يوسم الوجه فالوجه منهي عن وسمه فلا يجوز وسم الإبل أيا كانت في وجهها.

 الفائدة الثانية: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن العير التي فيها جرس لا تصحبها الملائكة»([16]) إن العير الإبل التي فيها جرس لا تصحبها الملائكة، وإذا ما صحبت الإبل الملائكة صحبتها الشياطين وتسلطت عليها، وهذه من أسباب حفظ ذودنا.

الفائدة الثالثة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أكل طعامًا ماذا يقول: «اللهم بارك لنا فيه وأطعمنا خيرًا منه» لكن إذا شرب اللبن ماذا يقول: «اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه»  لماذا يقول وزدنا منه ما يقول واسقنا خيرًا منه تدرون لماذا ؟ قال: «فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ يُجْزِئُ مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ إِلَّا اللَّبَنُ»([17]) ، فهذه من السنة المستحبة أنك إذا شربت اللبن تقول: اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه.

 الفائدة الرابعة: أن الإنسان إذا اشترى شيء من الإبل أن يدعو بدعاء ما هو الدعاء؟ النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إذا اشترى الإنسان بعيرًا فليأخذ بذروة سنامه وليستعذ بالله من الشيطان» ([18]) ، أعوذ بالله من الشيطان، ويقول: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِهَا، وَخَيْرِ مَا جُبِلَتْ عَلَيْهِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا، وَشَرِّ مَا جُبِلَتْ عَلَيْهِ"([19])

 

الفائدة الخامسة: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن تعليق الخيوط والأوتار على الدواب، بعض الناس يظن أنه الخيط الحمر أو الخيط الأسود أو الخرقة السوداء إذا علقت على إبله أو على عزبته تدفع عنه الحسد، هذا خطأ لا يجوز مثل هذا الاعتقاد، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال لما أرسل أبا بشير الأنصاري: «لا يبقينّ في رقبة بعير قلادة من وتر، أو قلادة إلا قطعت»([20]) ، هذا إن قصد به دفع الحسد ودفع العين أو دفع الشياطين، فهذه الأمور لا تدفع الشياطين الذي يدفع الشياطين ويدفع السحر ويدفع الحسد تعلقك بالله سبحانه وتعالى، ومحافظتك على الأذكار.

الفائدة السادسة: لا يباع عسب الفحل أو ضرابه عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: "نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَسْبِ الفَحْلِ"([21]) وعن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، يَقُولُ: "نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ ضِرَابِ الْجَمَلِ"([22])

الفائدة السابعة : لا تحلف إلا صادقًا ولا تشهد إلا بحقٍّ، فهذه اللجان التي وجدت لتحليف الناس على حلالهم ومشاركاتهم يجب أن يوفى معها على شروطها فعن كثِير بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "المـُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ، إِلاَّ شَرْطًا حَرَّمَ حَلاَلاً، أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا"([23]).

ومن حلف بالله فليعظم الله ولا يحاول أن يحتال أو يخفي أو خالف ويقول أنا حلفت ونيتي غير ما هو في الشروط لأن النية نية الحالف.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:"ثلاثَةٌ لا يكلِّمُهم الله يومٍ القِيامَةِ، ولا ينطُرُ إليْهِمْ، ولا يُزَكِّيهِمْ، ولهمْ عَذابٌ أليمٌ... ورجُلٌ حلَفَ على سِلْعَتِه لقد أُعْطِيَ بها أكثرَ ممّا أُعطِيَ؛ وهو كاذِبٌ".

شهادة الزور كبيرة عظمى ومصيبة في الإسلام كبرى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟» ثَلَاثًا «الْإِشْرَاكُ بِاللهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ» وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَّكِئًا، فَجَلَسَ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سَكَت.

  هذا وأسأل الله سبحانه وتعالى لنا ولكم مالًا مباركًا، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يبارك لكم في حلالكم، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يبارك لكم في أولادكم، وأسأل الله سبحانه وتعالى لكم الناموس، وصلى الله على نبينا محمد.

 


 

([1]) تفسير القرطبي (20/36)

([2]) رواه البخاري (6899)، ومسلم (1671).

([3]) رواه مسلم (803).

([4]) السيرة لابن هشام (1/494)

([5]) رواه البخاري (6501).

([6]) رواه أبو داود (2549).

([7])رواه أبو داود (1658).

([8]) رواه مسلم (1892).

([9]) رواه أحمد (22982).

([10]) رواه مسلم (2595).

([11]) رواه مسلم (3009).

([13]) رواه البخاري (2097)، ومسلم (715).

([14]) رواه البخاري (2079)، ومسلم (1532).

([15]) رواه أحمد (16013).

([17]) رواه الترمذي (3455).

([18]) رواه أبو داود (2160)، وابن ماجه (2252).

([20]) رواه البخاري (3005)، ومسلم (2115).