زينة كانت أول أسباب هلاك أمة


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد؛

في هذه النسمة الإيمانية والقيمة الأخلاقية، أطرق أمرًا وهو أن هناك ما يمنع من نسمات الإيمان، أو يقلل منها أو يقلل من القيم الأخلاقية ويبعد عنها، فالإنسان يعيش  في دنيا تغرُّه ويحبها جميلة المنظر لذيذة المذاق، يتنافس لتحصيلها المتنافسون، وقد يتقاتل من أجلها الناس، فهذه الدنيا بذاتها ليست مذمومة ولكن المذموم تقديم الناس لها على الآخرة، المذموم في هذه الدنيا أن يجعل الإنسان الدنيا مقصده فلا يبالي للوصول إليها أمن حرام أو من حلال أو من شيء مضر ومفسد أو غير ذلك غايته الوصول إلى هذه الدنيا مهما كان الثمن، فهذا هو الشيء المذموم، وقد أخبر الله سبحانه وتعالى عن حقيقة هذه الدنيا فقال: ﵟٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَا ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا لَعِبٞ وَلَهۡوٞ وَزِينَةٞ وَتَفَاخُرُۢ بَيۡنَكُمۡ وَتَكَاثُرٞ فِي ٱلۡأَمۡوَٰلِ وَٱلۡأَوۡلَٰدِۖ كَمَثَلِ غَيۡثٍ أَعۡجَبَ ٱلۡكُفَّارَ نَبَاتُهُۥ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَىٰهُ مُصۡفَرّٗا ثُمَّ يَكُونُ حُطَٰمٗاۖ وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِ عَذَابٞ شَدِيدٞ وَمَغۡفِرَةٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضۡوَٰنٞۚ وَمَا ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَآ إِلَّا مَتَٰعُ ٱلۡغُرُورِ ٢٠ﵞ ﵝالحَدِيد : ﵐﵒﵜ ، وقد أخبر نبي صلى الله عليه وسلم أن الإنسان قد يفتتن بهذه الدنيا فيبيع دينه من أجل عرض تافه فقال: «بَادِرُوا بِالأعْمَال فتنًا كقطَعِ اللَّيْلِ المُظْلِمِ، يُصْبحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، وَيُمْسِي مُؤمِنًا ويُصْبِحُ كَافِرًا، يَبيعُ دِينَهُ بعَرَضٍ مِنَ الدُّنيا»([1]) ، وسأذكر لكم قصة قصيرة لعل بعضكم يسمعها لأول مرة، عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى أنه قال: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الدنيا فقال: «إِنَّ الدُّنْيَا خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ-خضرة في المنظر وحلوة في المذاق أي المذاق القلبي أن الإنسان يحبها-  فَاتَّقُوهَا -أي لا تفتنكم-  وَاتَّقُوا النِّسَاءَ، ثُمَّ ذَكَرَ نِسْوَةً ثَلَاثًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، امْرَأَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ تُعْرَفَانِ، وَامْرَأَةً قَصِيرَةً لَا تُعْرَفُ، فَاتَّخَذَتْ رِجْلَيْنِ مِنْ خَشَبٍ-حتى تكون طويلة- وصاغت خاتمًا من ذهب، فحشته من أطيب الطيب وهو المسك فإذا مرت بملأ.

حركته وقال في صبعها أو بإصبعها هكذا حتى تظهر رائحة هذا المسك فيلتفت إليها» ([2]) ،  وفي رواية قال النبي صلى الله عليه وسلم في هذه القصة: « أَوَّلَ مَا هَلَكَ بَنُو إِسْرَائِيلَ أَنَّ امْرَأَةَ الْفَقِيرِ كَانَتْ تُكَلِّفُهُ مِنَ الثِّيَابِ أَوِ الصِّيغِ، مَا تُكَلِّفُ امْرَأَةُ الْغَنِيَّ-ثم ذكر قصة النساء الثلاثة ومنهن تلك المرأة القصيرة التي لا تعرف فاتخذت ساقين من خشب حتى تكون طويلة وأخذت خاتمًا من ذهب- وحشته مِسْكًا، فأصبحت تمرُّ بين الناس ولا يعرفونها من هذه المرأة الطويلة فبعثوا إليها يتتبعونها ولا يعرفون من هذه المرأة» ([3]) .

 هذه القصة القصيرة المفيدة نستفيد منها بعض الفوائد المهمة:

 الفائدة الأولى: أن يحذر الإنسان أن تغره الدنيا، فيفتتن بها فيبيع دينه أو يبيع وطنه أو يبيع مبادئه أو يبيع أخلاقه أو يبيع أهله من أجل هذه الدنيا، وقد حصل فتقاتل الإخوان من أجلها وسفكت الدماء لتحصيلها، وتخاصم الرجل مع زوجته من أجل متاع فانٍ، وتقاتل الأبناء مع أبيهم من أجل المال، ثم تقاتل الإخوة من أجل الميراث، وهكذا تنافس مذموم على هذه الدنيا.

 الفائدة الثانية: تحذير الفقراء من مجاراة الأغنياء في ملبسهم ومركبهم ومشربهم وأفراحهم وحياتهم؛ لأن الفقير الذي عنده دخل محدود إذا حاول أن يصل إلى حياة الأغنياء أصحاب الدخل المفتوح أو الواسع سيترتب عليه هلاك هذا الفقير بالديون أو قد يأخذ المال من غير مكانه الصحيح وغير ذلك حتى يصل وينافس الأغنياء، ثم في النهاية قد ينكسر ظهره، ونحن نقول مد رجلك على قد لحافك.

 الفائدة الثالثة: القناعة، الإنسان القنوع يرضى بما عنده وهذه من النعم العظيمة إذا أعطيها الإنسان فقد أعطى صفة جميلة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ، وَرُزِقَ كَفَافًا، وَقَنَّعَهُ اللهُ بِمَا آتَاهُ»([4]) ، فالقناعة كنز عظيم إذا اتصف به الإنسان كان مرتاح القلب سعيدًا بما يملكه راضيًا بما أعطاه الله سبحانه وتعالى، وهذه القصة بينت أن المرأة التي خلقت قصيرة لم تكن قنوعة بما عندها، فحاولت أن تدبِّر حيلة لتصل إلى إرضاء الناس، ويرى أنها امرأة طويلة لا مثلها في النساء، فعدم القناعة يفتح للإنسان أبواب يسعى فيها لتحصيل ما هو غير محمود حتى قد يسوق نفسه إلى هلاك نفسه.

 الفائدة الرابعة: الخطر من التمادي في الزينة غير المشروعة، والتجمل فيما يوقع المرأة في محظور، بعض النساء لعدم القناعة أو لتأثر بقوة الإعلام والإعلانات أو لتأثير الصديقات والصاحبات تريد أن تغيَّر من جمالها وشكلها وصورتها، وتريد أن تكون كل مرة على صورة جديدة وعلى شكل غير الشكل الأولي، فانفتح على بعض النساء باب التجميل بصورة مخلة جدًا، تلك المرأة كانت التجميل عندها غير متطورة، أما اليوم وسائل التجميل تطورت بصورة كبيرة جدًّا، منه تشدُّ الوجه وتنفيخ الشفة وأشياء غريبة وعجيبة يفعلها بعض النساء هي ليست لحاجة، وليست لضرورة وهي مخالفة للشرع ومخالفة للعقل السليم، فهذه العمليات التجميلية بهذه الصورة المخلّة فيها عدة محاذير :

المحذور الأول: أنها من عمل الشيطان، والشيطان يؤز بني آدم ليغير خلقة الله، كما قال الله سبحانه وتعالى لما قال الشيطان: ﵟۘ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنۡ عِبَادِكَ نَصِيبٗا مَّفۡرُوضٗا ١١٨ وَلَاضِلَّنَّهُمۡ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمۡ وَلَأٓمُرَنَّهُمۡ فَلَيُبَتِّكُنَّ ءَاذَانَ ٱلۡأَنۡعَٰمِ وَلَأٓمُرَنَّهُمۡ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلۡقَ ٱللَّهِۚ ﵞ ﵝالنِّسَاء : ﵘﵑﵑ - ﵙﵑﵑﵜ، فهذا من وحي الشيطان وزخرفه.

 المحذور الثاني: في هذه العمليات التجميلة المخالفة للشرع ليست الضرورة ولا للحاجة وهذا مخالفة لسنة النبي صلى الله عليه وسلم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَعَنَ اللهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ وَ النَّامِصَات الْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ  الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ».

   المحذور الثالث: في هذه العمليات التجميلية المخلّة وعيد النبي صلى الله عليه وسلم باللعن، فإذا كانت النامصة والواصلة تعتبر من ما غير خلق الله ووعدها النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الوعيد وهو اللعن، فمن باب أولى هذه الصور التجميلية المحظورة التي يفعلها بعض النساء.

 المحذور الرابع: أن في هذه العمليات التجميلية بهذه الصورة المخلة والتي لغير ضرورة فيها ضرر على الجسد وعلى الصحة، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» ([5])  .

 المحذور الخامس: الإسراف فإن المرأة تدفع مبالغ تلو المبالغ هي تسترخص الأمر في أوله بسبب العرض المغري للجلسات إذ الجلسة التجميلية بألف درهم ولكن جلسة وراء جلسة وجلسة بعد جلسة وامرأة وراء امرأة فتستنزف أموالها من أجل أن تحسن وجهها بهذه العمليات الغير جائزة.

المحذور السادس: أن بعض النساء دخلن في خلافات زوجية بينها وبين زوجها بسبب مثل هذه العمليات التجميلية إما أنها أرهقته بالمال، وإما أنها فعلت ذلك بغير رضاه.

المحذور السابع: أن هذه العمليات التجميلية بدايتها قد يكون جميلًا لكن تؤول إلى عدم الجمال.

 الفائدة الخامسة من الحديث: أن الإنسان يسعى إلى جمال الباطن بالإيمان الصحيح والأخلاق الحميدة ويجمل ظاهره بالأقوال الطيبة والأفعال الحميدة، ولا بأس أن يجمل مظهره وملبسه وثيابه بما يجوز شرعًا، فإن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسن ونعله حسن وهذا لا بأس به، والمرأة تحب أن تكون في مظهر جميل وهذا لا بأس فيه في حدود حدود الضوابط الشرعية لكن لا يكن هم الإنسان مظهره الشكلي الذي يترتب عليه باطنه ومظهره الحقيقي، والجمال -حفظكم الله- مهما طال سينتهي، جمال الشكل جمال الصورة جمال الجسد الشباب الذي يكون في الإنسان مهما طال عمر الإنسان فإنه سينتهي، ومهما حاول تجميله فإنه لن يدوم معه إنما الجمال الحقيقي الذي يدوم مع الإنسان هو جمال أخلاقه جمال أفعاله جمال أقواله حتى بعد مماته تبقى هذه الصورة الحسنة في قلوب الناس.

يعود المرء بعد الموت ذكرا              فكن حسن الحديث إذا ذكرت

 هذه تذكرة قصيرة وفائدة خفيفة.

 نسأل الله سبحانه وتعالى أن يحفظنا بحفظه، وأن يجعلنا من البارين المطيعين التائبين الراجعين إليه سبحانه وتعالى، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يحفظ أوطاننا ويحفظ وإخواننا وشعبنا ومجتمعاتنا وولاة أمرنا، وصلى الله على نبيّنا محمد.


 

([1]) رواه مسلم (118).

([2]) رواه أحمد (11364).

([3]) رواه ابن خزيمة في التوحيد (487).

([4]) رواه مسلم (1054).

([5]) رواه ابن ماجه (2341).