موقف الصحابة الكرام من الانحراف الفكري
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد؛
فإنّ أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار؛
إخواني الأفاضل الذي يدرس سيرة النبي صلى الله عليه وسلم يرى اهتمامه بأمر العقيدة جليا واضحا، من أول ما بعث صلى الله عليه وسلم إلى أن توفاه الله وهو يغرس العقيدة الصحيحة في المسلمين، خلال العهد المكي استمر صلى الله عليه وسلم مدة عشر سنوات يعلم الناس الاعتقاد الصحيح، ويصحح لهم فكرهم ولم يكلف فيها العباد خلال هذه الحقبة بأي من العبادات، وذلك لأن العقيدة هي الأساس التي تبنى عليه جميع العبادات، ويبنى عليه الدين، ومن هذا المنطلق كان الاهتمام بالعقيدة ضروري لحفظ الدين على أسسه التي شرعها الله وبينها النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم والعلماء من بعدهم ساروا على هذا المنهج، اهتموا بالعقيدة وتصحيحها والرد على المخالفين واهتموا كذلك بتصحيح أفكار الناس وسلوكياتهم بما يتوافق مع شرع الله الذي أنزله في كتابه وبينه في سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وصنفوا في ذلك الكتب التي سميت بالسنة تارة وبالعقيدة تارة أخرى، كل ذلك لأجل حفظ هذه العقيدة وحمايتها من أيّ انحراف يؤثر على العقيدة المأخوذة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
حفظ هذه العقيدة وسلامتها من الانحراف له أثره على الأفراد والمجتمعات بل والدول؛ لأن العقيدة الإسلامية الصحيحة عقيدة تدعو للسلم والأمن والاستقرار، العقيدة السليمة الصحيحة والفكر الصحيح الوارد في كتاب الله وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم الذي يضبط سلوكيات الناس و تضمن حفظ الضروريات، العقيدة الصحيحة والفكر السليم يضمن حفظ الضروريات التي تكفي تحقيق حياة سعيدة للناس في دينهم وأنفسهم وعقولهم وفي أعراضهم ونسلهم وفي أموالهم، إذا اختل شيء من هذه الضروريات يقع الحرج والضيق بل والتهلكة، يقول الله عز وجل: ﵟ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمۡ يَلۡبِسُوٓاْ إِيمَٰنَهُم بِظُلۡمٍ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمُ ٱلۡأَمۡنُ وَهُم مُّهۡتَدُونَ ٨٢ﵞ ﵝالأَنۡعَام : ﵒﵘﵜ، فتحقيق الإيمان بعبادة الله وعدم الإشراك به هو جوهر العقيدة الإسلامية و أساس الفكر الصحيح الذي يحقق الأمن والهداية الشاملين في الدنيا والآخرة، أعداء الإسلام لما علموا أهمية هذه العقيدة ورأوا كيف أن المسلمين لديهم فكر سليم طيب حتى الذي انحرف منهم ممكن أن يرجع سعوا جاهدين إلى غزو المسلمين فكريا، لما عجزوا عن غزوهم عسكريا ما الهدف؟ أن يحرفوهم عن عقيدتهم، فيسهل عليهم إبعادهم بعد ذلك عن دينهم ثم يضربوهم في بلدانهم، وتسهل السيطرة عليهم.
الناظر في التغيرات الفكرية السريعة الواقعة في زماننا هذا زمن العولمة يرى أثر الفكر المنحرف في سلوكيات الناس، وكيف سعى أعداء الإسلام إلى السيطرة على الناس عن طريق الغزو الفكري، العدو يسعى إلى ضرب الثوابت الدينية والاجتماعية والأخلاقية وثوابت الأمن في بلاد المسلمين، ويسعون جاهدين في زعزعة الأمن السياسي، بلادنا ولله الحمد والمنة تتميز بثوابت دينية عندنا دين واحد دين الإسلام، عندنا عادات وتقاليد اجتماعية تؤدي إلى تماسك المجتمع وتآلف الناس فيه، وإذا تماسك المجتمع وتآلف الناس كانت قوة، رأوا أن المجتمعات الإسلامية فيها أخلاق فيها أمن بجميع أنواع الأمن، وهذا كله أدى إلى قوة الجانب السياسي علاقة الرعية بالراعي والحاكم برعيته قوية، فكيف يضربون هذه الأسس ويغزون بلاد المسلمين بالأسلحة؟ ما ينفع خصوصا في هذا الزمان، الربيع العربي كشف مؤامرات هؤلاء الناس وكيف أنهم يريدون ضرب هذه الأسس في بلادهم، ولذلك أحداث الربيع العربي أظهرت هذه الخطط وأفشلتها في كثير من البلدان بفضل الله أولا ثم بفضل العقيدة الصحيحة المتعلقة بنظام الحكم والسياسة التي تأمر الرعية بالسمع والطاعة لولي الأمر، وتحرم الثورات والانقلابات، العدو لما انتبه لذلك بدأ يغير خطته وذلك من خلال ضرب العقيدة والفكر عند المسلمين، استهداف الثوابت الدينية والاجتماعية والأخلاقية، ما الهدف؟ الوصول إلى ضرب الحكم والسياسة وتغيير الأنظمة في بلاد المسلمين، وللأسف وجدوا أبواقا من داخل البلاد الإسلامية تؤيدهم وتنادي بشعاراتهم كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، أناسا من جلدتنا ودعاة من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا من أجابهم إلى النار قذفوه فيها، دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها، يقول حذيفة: صفهم لنا يا رسول الله، قال: «هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا»([1]) ، يرفعون شعار الحريات وكأننا في بلاد تقمع فيها الحريات، الحريات لها ضابطها الذي يضبطها في الشرع لا يريدون هذا الضابط، يريدون الحريات الغربية الأجنبية، وكما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم : «لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر، وذراعا بذراع، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه»، قلنا يا رسول الله: اليهود، والنصارى قال: «فمن»([2]) ، فتراهم ينادون بشعاراتهم حريات الديمقراطية حتى أحكام الشريعة الإسلامية بدؤوا يصبونها في قوالب غربية،
البيعة: البيعة حكم شرعي تميزت به شريعة الإسلام تضبط علاقة الراعي بالرعية الحاكم بالمحكومين، قال لك هذه ديمقراطية، الديمقراطية نظام غربي، نظام غير وارد في كتاب الله ولا في سنة النبي صلى الله عليه وسلم فلماذا تقولب الأحكام الشرعية بقوالب غربية وأجنبية إلا كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: «لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر، وذراعا بذراع، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه»، قلنا يا رسول الله: اليهود، والنصارى قال: «فمن»، تراهم ينادون بتجفيف منابع الإرهاب، تجفيف منابع الإرهاب ما المقصود؟ الدين الإسلامي، صوروا الدين الإسلامي قيود وإرهاب، ودعموا بعض الجماعات التي يسمونها اليوم الجماعات السياسية المنحرفة التي فيها في الحقيقة خوارج، جاءت الشريعة الإسلامية بالتحذير منهم كداعش والإخوان وغيرهم من هذه الفرق الضالة المنحرفة، وأظهروا أن الإسلام يتمثل في هذه الجماعات المنحرفة وفي سلوكياتها المخالفة لأسس الدين، ثم يقول لك تجفيف منابع الإرهاب، تأمل إلى بلادهم وما فيها من عدم الأمن والخوف والقتل لدرجة أن من كان في عمر الشباب ثمانية عشر سنة تسعة عشر سنة أكثر أو أقل يأخذ السلاح يدخل المدرسة يقتل من فيها، تأملوا الجرائم التي في بلادهم والحمد لله هذا الأمر لا يوجد في بلادنا فنحمد الله على هذه النعم، تتأمل في شعاراتهم تحول الشذوذ الجنسي -فعل قوم لوط- إلى حريات ينادى بها أنها من الحريات التي لا بد أن تعطى للناس، وتقام هناك ندوات لبحث حقوقهم قانونيا اجتماعيا، ويخرج لك بعضهم يقول لك والله هؤلاء عندهم جين في الدم وهذا الأمر الشذوذ ليس بالأمر الاختياري وإنما هو أمر كوني ونفسي، كلها من الكلام الغير صحيح تماما، يقول لك الثورات تعبير عن الحريات تريد المطالبة بالحقوق، طيب بدؤوا ينادون بالتسامح، التسامح غير الشرعي، التسامح الشرعي الذي أسموه تسامح أني أنا أدعو أهل الكتاب أدعو المخالفين إلى الإسلام بالحكمة بالموعظة بالكلمة الطيبة لكن ليس معنى التسامح أني أتنازل عن أسس ديني وأن أتأثر بأفكار غيري، رب العالمين سبحانه وتعالى أمرنا أن ندعوهم إلى دين الله عز وجل، قال تعالى: ﵟ قُلۡ يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ تَعَالَوۡاْ إِلَىٰ كَلِمَةٖ سَوَآءِۭ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمۡ أَلَّا نَعۡبُدَ إِلَّا ٱللَّهَ وَلَا نُشۡرِكَ بِهِۦ شَيۡـٔٗا وَلَا يَتَّخِذَ بَعۡضُنَا بَعۡضًا أَرۡبَابٗا مِّن دُونِ ٱللَّهِۚ فَإِن تَوَلَّوۡاْﵞ هم رفضوا وأبوا، قال الله: ﵟفَقُولُواْ ٱشۡهَدُواْ بِأَنَّا مُسۡلِمُونَ ٦٤ﵞ ﵝآل عِمۡرَان : ﵔﵖﵜ ، هذا التسامح الذي يؤدي إلى نشر الإسلام نشر العقيدة الصحيحة، دعوة الناس إلى دين الله، فدين الله عز وجل هو الدين الحق الذي لا يجوز التدين بغيره، ﵟإِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلۡإِسۡلَٰمُﵞ ﵝآل عِمۡرَان : ﵙﵑﵜ ، الإسلام الذي جاء به النبي محمد صلى الله عليه وسلم، شريعته ناسخة لكل الشرائع السابقة، قال صلى الله عليه وسلم: « لو كان موسى حيا بين أظهركم، ما حل له إلا أن يتبعني»([3]) ، وقال صلى الله عليه وسلم -وهو يذكر الفتن في آخر الزمان وذكر نزول عيسى عليه السلام -: « فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويعطل الملل، حتى تهلك في زمانه الملل كلها غير الإسلام، ويهلك الله في زمانه المسيح الدجال الكذاب» ([4])، وبوب النووي رحمه الله في صحيح مسلم: باب نزول عيسى ابن مريم حاكما بشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وأورد تحته الأحاديث التي رواها الإمام مسلم مثل حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليوشكنّ أن ينزل فيكم ابن مريم صلى الله عليه وسلم حكما مقسطا، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد» ([5]) ، ولكن أصحاب الفكر المنحرف ينادون لك بوحدة الأديان، حرية التدين ولو بملة وثنية ويرون أن هذا هو التسامح، هذا التسامح الذي يريده الغرب لضرب أسس الدين وثوابته، كذلك تراهم ركزوا على المرأة لأنهم يعلمون أثر المرأة في المجتمع، يقول لك المرأة نصف المجتمع، المرأة أساس من أسس المجتمع دورها لا يستطيع أن يقوم به الرجل، فبدؤوا يركزون عليها لإفسادها وإفساد فكرها، ظهر عندنا ما يسمى بالفكر النسوي الذي يطالب المرأة بالاستقلال والحرية وتطوير الذات، وظهرت عندنا دورات تطوير الذات التي تدعو النساء إلى الطلاق، ويرون في ذلك حريات ركزوا على المجتمع بإشغاله بالتوافه، تأمل اليوم متابعة السناب ومتابعة المشاهير على السناب، من يسمون بالمشاهير الذين ليس لهم بضاعة علمية ولا أخلاقية مجتمعية، نعم هناك من يسمى بالمشاهير له مجاله في الدعاية والإعلان بطريقة محترمة وبأسلوب مسموح فيه من قبل الجهات المختصة، هذا مجال من مجالات العمل لكن صار للأسف الشديد هناك ابتذال لبعض المشاهير في طريقة تعاملهم مع هذه البرامج، صار الناس يتابعون حياة المشاهير الفلاني والفلاني وقد يكون هناك انحطاط في الطرح رقص وأساليب تتعارض مع الأخلاق والعادات والتقاليد والقيم، فأصبح الناس منشغلين بمثل هذا، وظهر اليوم عندنا ما يسمى بالتوكتوك وظهر فيه التسول و مطالبة الناس بالتبرع ودفع المال عن طريق اللعب، والظهور أمام الناس بوضعيات وهيئات غير لائقة تماما تتعارض مع قيمنا وعاداتنا وتقاليدنا وأخلاقنا وما جاء في ديننا الإسلامي لماذا كل هذا؟ يعلمون أن العقيدة السليمة والفكر الصحيح تصلح به المجتمعات ويسلم به الأفراد، تنمو الدول وبضدها يتحقق الفساد في البلاد وبين العباد، ويخطئ من يظن أن التقدم والحضارة ينحصران في التطور التقني والاقتصادي، هذا التقدم إذا لم تصاحبه عقيدة صحيحة وفكر سليم سيغدو وبالا على أهله، فسينقلب التطور ليخدم الشر ويسير التقدم نحو الهاوية؛ لأن العقيدة الصحيحة والفكر السليم هما من يصححان السلوك واستخدام هذا التقدم التقني وغيره يحتاج إلى سلوك سوي، يسعى لتحقيق مصالح عامة وعاجلة ومستقبلية.
السؤال: لماذا اهتمت الشريعة بتحقيق الأمن العقدي والفكري للأفراد والمجتمعات والدول؟
أولا: أن سلامة المعتقد وصلاح الفكر سبب للنجاة في الآخرة، يقول الله عز وجل: ﵟيَوۡمَ لَا يَنفَعُ مَالٞ وَلَا بَنُونَ ٨٨ إِلَّا مَنۡ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلۡبٖ سَلِيمٖ ٨٩ﵞ ﵝالشُّعَرَاء : ﵘﵘ - ﵙﵘﵜ فلن ينجو أحد يوم القيامة حتى يأتي باعتقاد سليم وفكر صحيح، ما معنى القلب السليم؟ يقول ابن القيم رحمه الله: « القلب السليم الذى لا ينجو يوم القيامة إلا من أتى الله به... وقد اختلفت عبارات الناس في معنى القلب السليم، والأمر الجامع لذلك: أنه القلب قد سلم من كل شهوة تخالف أمر الله ونهيه، ومن كل شبهة تعارض خبره»([6]) .
بين النبي صلى الله عليه وسلم أثر الانحراف في العقيدة والفكر المؤثر في السلوك والمؤدي إلى الأحداث في الدين في أرض المحشر، فعن سهل ابن سعد رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إني فرطكم على الحوض -الحوض الذي أعطي إياه النبي صلى الله عليه وسلم- من مرّ علي شرب، ومن شرب لم يظمأ أبدا، ليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفوني، ثم يحال بيني وبينهم - فأقول إنهم مني فيقال انك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول سحقا سحقا لمن غير بعدي»([7]) ، وفي رواية: «إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك، إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى»، قال ابن عبد البر المالكي رحمه الله: «وكل من أحدث في الدين ما لا يرضاه الله ولم يأذن به فهو من المطرودين عن الحوض والمبعدين عنه» ([8]) ، كما أن سبب الاختلاف في هذه الأمة المتوعد أهله يوم القيامة بالنار هو اختلاف عقيدتهم وفساد فكرهم لتركهم الحق واتباعهم الهوى، عن معاوية رضي الله عنه قال: ألا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فينا فقال: «ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين: ثنتان وسبعون في النار، وواحدة في الجنة، وهي الجماعة، وإنه سيخرج من أمتي أقوام تجارى بهم تلك الأهواء، كما يتجارى الكلب لصاحبه، لا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله» ([9]).
ثانيا: سلامة المعتقد وصلاح الفكر سبب لسلامة أعمال الجوارح واستقامتها، قال صلى الله عليه وسلم: «أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ»([10]) ، والعقيدة والفكر أساسها ومحلها القلب.
كذلك تصحيح الاعتقاد وصيانة الفكر سبب لحماية الدين وحفظه، والله سبحانه وتعالى أمر النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بإقامة الدين على وجهه الصحيح دون انحراف، قال الله عز وجل: ﵟ فَأَقِمۡ وَجۡهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفٗاۚ فِطۡرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيۡهَاۚ لَا تَبۡدِيلَ لِخَلۡقِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلۡقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ ٣٠ﵞ ﵝالرُّوم : ﵐﵓﵜ ، يقول ابن كثير رحمه الله في بيان معنى الدين القيم: «ذلك الدين القيم أي: هذا الذي أدعوكم إليه من توحيد الله وإخلاص العمل له، هو الدين المستقيم الذي أمر الله به، وأنزل به الحجة والبرهان الذي يحبه ويرضاه» ([11]) ، تحقيق الأمن العقدي السليم وصيانة الفكر سبب لحفظ العقل، قد يتوفر العقل يكون موجودا لكن يعطل ولا يؤدي عمله، وذلك نتيجة لانحرافه عن طريق الجادة بسبب تأثره بفكر منحرف.
تأملوا معي هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم يبين لنا أثر الفكر المنحرف على العقل وكيف أنه يقود الناس إلى الفتن والاقتتال وسفك الدماء، جاء عن أبو موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن بين يدي الساعة الهرج». قالوا: وما الهرج؟ قال: «القتل»، قالوا: أكثر مما نقتل، إنا لنقتل كل عام أكثر من سبعين ألفا، قال: «إنه ليس بقتلكم المشركين، ولكن قتل بعضكم بعضا»، قالوا: ومعنا عقولنا يومئذ؟ قال: «إنه لتنزع عقول أهل ذلك الزمان، ويخلف له هباء من الناس، يحسب أكثرهم أنهم على شيء، وليسوا على شيء»([12]) ، فأولئك الناس مع وجود عقولهم إلا أنها مغيبة ولم تغيب بمسكر ونحوه، وإنما عطلت عن أداء مهمتها بسبب الانحراف الفكري والعقدي الذي وقع بسبب الفتن.
بعد أن ذكرنا أهمية الاهتمام بالعقيدة والفكر نأتي إلى موقف الصحابة رضوان الله عليهم من الانحراف الفكري، والآثار في هذا كثيرة لكن اقتصر على بعضها، الصحابة رضوان الله عليهم مشوا على نهج النبي صلى الله عليه وسلم، ما سمحوا بانحراف في العقيدة ولا بانحراف في الفكر والسلوك، بل كانوا يسعون إلى أن تكون عقيدة الناس وفكرهم وسلوكهم على المنهج الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم:
من ذلك: ما رواه محمد بن أبي أيوب قال: حدثني يزيد الفقير قال: كُنْتُ قَدْ شَغَفَنِي رَأْيٌ مِنْ رَأْيِ الْخَوَارِجِ، -هذا اليوم يسموهم الجماعات الإسلامية أو الدينية السياسية هم في الحقيقة خوارج- فَخَرَجْنَا فِي عِصَابَةٍ ذَوِي عَدَدٍ نُرِيدُ أَنْ نَحُجَّ، ثُمَّ نَخْرُجَ عَلَى النَّاسِ، قَالَ: فَمَرَرْنَا عَلَى الْمَدِينَةِ-أي مدينة النبي صلى الله عليه وسلم- ، فَإِذَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ يُحَدِّثُ الْقَوْمَ، جَالِسٌ إِلَى سَارِيَةٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَإِذَا هُوَ قَدْ ذَكَرَ الْجَهَنَّمِيِّينَ -يقصد بهم الذين يدخلون النار من المسلمين ثم يحاسبون أو يعاقبون على ذنوبهم، ثم يخرجون إلى الجنة بشفاعة الشافعين وبرحمة رب العالمين سبحانه وتعالى طبعا هذا يتعارض مع فكر الخوارج- فَقُلْتُ لَهُ: يَا صَاحِبَ رَسُولِ اللهِ، مَا هَذَا الَّذِي تُحَدِّثُونَ؟ وَاللهُ يَقُولُ: "إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ" [آل عمران: 192] وَ"كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا" [السجدة: 20]، فَمَا هَذَا الَّذِي تَقُولُونَ؟
تأملوا معي إخواني الأفاضل فهذا الرجل تأثر بفكر الخوارج وتأملوا كيف أنه يستدل بآيات من كتاب الله على باطله، وذلك لأن القرآن والاستدلال بنصوصه والاستدلال بالسنة له طريقته وله أصوله التي من جهلها انحرف ولا بد في الاستدلال، هذا الرجل يستدل بآيات من كتاب الله على رأي الخوارج والذي يقرأ كتب الخوارج ولا ننصح بقراءة كتبهم لكن يرى كيف أنهم يستدلون بكتاب الله على باطلهم، واليوم حتى جماعة الليبرالية وجماعة أدعياء الطاقة الذين هم عباد الكون الذين يسعون إلى عبادة الكون، واستجلاب الطقوس الوثنية من بعض الملل التي تعبد غير الله وتعبد الأصنام، يستدلون بكتاب الله عز وجل على باطلهم، وهذا من العجب الذي يبين لك أن الناس ما عندهم أصول هؤلاء القوم، ومن آخر ما سمعته من أحدهم يستدل على عقيدة باطلة بإجماع المسلمين، عقيدة التناسخ وهي عقيدة موجودة في الملل الوثنية: أن الأرواح تخرج من الجسد وتنتقل إلى جسد آخر بعد الموت، هذه العقيدة مخالفة إجماع المسلمين مخالفة لنصوص قاطعة في كتاب الله وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم، يقول قد ورد أمر التناسخ في القرآن الكريم أين؟ قال: قول الله تعالى: ﵟمَا نَنسَخۡ مِنۡ ءَايَةٍ أَوۡ نُنسِهَا نَأۡتِ بِخَيۡرٖ مِّنۡهَآ أَوۡ مِثۡلِهَآﵞ ﵝالبَقَرَةِ : ﵖﵐﵑﵜ والله إني ضحكت عليه و رحمته بسبب الجهل الذي وقع فيه، النسخ هنا يختلف عن التناسخ في هذا الأمر الذي أنت تذكره وتنقله وتحاول إقناع الناس فيه، نسخ الحكم بحكم آخر هذا من خصوصية شريعة الإسلام، رفع الحكم بحكم آخر ما دخله في خروج الروح من جسد إلى آخر، لذلك أنا أذكر لكم هذا الأمر لأبين لكم أن أهل الزيغ والباطل قد يستدلون بكتاب الله على زيغهم وباطلهم، وهذا عندنا مثال أمامكم الآن.
فَقُلْتُ لَهُ: -يقول هذا الرجل يزيد الفقير- يَا صَاحِبَ رَسُولِ اللهِ، مَا هَذَا الَّذِي تُحَدِّثُونَ؟ وَاللهُ يَقُولُ: "إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ" [آل عمران: 192] وَ"كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا" [السجدة: 20]، فَمَا هَذَا الَّذِي تَقُولُونَ؟ -فتأمل إلى رد العالم الفقيه- فَقَالَ: «أَتَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟» قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «فَهَلْ سَمِعْتَ بِمَقَامِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَعْنِي الَّذِي يَبْعَثُهُ اللهُ فِيهِ -؟» قُلْتُ: نَعَمْ،-وهو يقصد قول الله سبحانه وتعالى: ﵟعَسَىٰٓ أَن يَبۡعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامٗا مَّحۡمُودٗا ٧٩ﵞ ﵝالإِسۡرَاء : ﵙﵗﵜ - قَالَ: «فَإِنَّهُ مَقَامُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَحْمُودُ الَّذِي يُخْرِجُ اللهُ بِهِ مَنْ يُخْرِجُ»، قَالَ: ثُمَّ نَعَتَ وَضْعَ الصِّرَاطِ، وَمَرَّ النَّاسِ عَلَيْهِ، عليه وأخاف ألا أكون أحفظ ذاك غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ زَعَمَ أَنَّ قَوْمًا يَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ بَعْدَ أَنْ يَكُونُوا فِيهَا، قَالَ: فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمْ عِيدَانُ السَّمَاسِمِ، قَالَ: «فَيَدْخُلُونَ نَهَرًا مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ، فَيَغْتَسِلُونَ فِيهِ، فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمُ الْقَرَاطِيسُ»، فَرَجَعْنَا وقُلْنَا: وَيْحَكُمْ أَتُرَوْنَ الشَّيْخَ يَكْذِبُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَرَجَعْنَا فَلَا وَاللهِ مَا خَرَجَ مِنَّا غَيْرُ رَجُلٍ وَاحِدٍ»([13]) ، فالصحابي رضي الله عنه صحح فكر هؤلاء النفر مع استدلالهم على فكرهم بنصوص شرعية من كتاب الله لكن كيف صححه؟ بعقيدة صحيحة وببيان الاستدلال الصحيح، ولذلك من أراد أن يصحح أفكار الناس لن تصححها الأموال ولن تصححها الأمور الترفيهية، مثل ما يقول بعضهم الموسيقى لها أثرها في قمع الإرهاب وهذا كلام شخص ما فقه فكر الناس ولا طريقة التعامل معهم، دول الغرب ما عندهم إلا الشهوات والانفتاح عليها والأمن عندهم منفلت ما تأمن على نفسك ولا على أهلك ولا على مالك ولا على عرضك، فهذا الصحابي رضي الله عنه كشف الانحراف العقدي عند هؤلاء عند هؤلاء الناس ببيان الاستدلال الصحيح وببيان حديث النبي صلى الله عليه وسلم.
موقف آخر: وهو مناظرة عبد الله بن عباس للخوارج زمن الخليفة علي ابن أبي طالب رضي الله عنه، الخوارج خرجوا زمن عثمان وقبل خروجهم أشاعوا الإشاعات والأخبار وهذا هو الفكر المنحرف، بدءوا يؤثرون في الناس بالإشاعات الكاذبة والأخبار المضللة، وأنهم أخذوا على عثمان رضي الله عنه مؤاخذات، وكلمهم عثمان وكلمهم بعض الصحابة دون فائدة وما استقرت الأمور حتى قتل عثمان رضي الله عنه، تولى علي بن أبي طالب وثاروا عليه، ناظرهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وناظرهم معاوية، كذلك جاء في بعض الآثار أن معاوية رضي الله عنه كلمهم، ومن ذلك عبد الله بن عباس استمع لاستدلالاتهم، واستدلوا بكتاب الله وصحح الانحراف العقدي والفكري لديهم بأن ردهم إلى النصوص الشرعية وإلى الاستدلال الصحيح، بين الصحابة رضوان الله عليهم أن معالجة الفكر المنحرف والعقيدة الفاسدة مرجعه إلى النصوص الشرعية وآثار الصحابة رضوان الله عليهم ماذا قال ابن عباس للخوارج لما ذهب إليهم قال لهم: جئتكم من عند أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المهاجرين والأنصار، وليس فيكم منهم أحد، ومن عند ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصهره، وعليهم نزل القرآن وهم أعلم بتأويله وليس فيكم منهم أحد، جئت لأبلغكم عنهم وأبلغهم عنكم، والقصة طويلة رواها عبد الرزاق في المصنف([14]) والنسائي في السنن الكبرى([15]) باب: ذكر مناظرة عبد الله ابن عباس الحرورية واحتجاجه فيما أنكروه على أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب رضي الله عنه، قصة طويلة لكن ماذا كان موقف الصحابة رضوان الله عليهم من هذا الانحراف العقدي والفكري؟ ما سلموا له وإنما ناظروهم وكشفوا ما لديهم من شبهات، وإذا أردت أن أنقل لكم بعض الأمور التي وردت في القصة قال لهم ابن عباس: ماذا نقمتم عليه؟ قالوا: ثلاثا فقلت: ما هن؟ قالوا: أولا: حكم الرجال في أمر الله، والله يقول: ﵟإِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِﵞ ﵝيُوسُف : ﵐﵔﵜ ما شأن الرجال والحكم تأملوا إلى ما ذكرته سابقا استدلوا على باطلهم بآية من كتاب الله، قلت هذه واحدة.
الثانية قالوا: قاتل -يعني قاتل عائشة رضي الله عنها في معركة الجمل- فلم يسب ولم يغنم فلئن كانوا مؤمنين ما حل قتالهم ولئن كانوا كافرين لقد حل قتالهم وسباهم، قلت ماذا أيضا؟ قالوا محى نفسه من أمير المؤمنين فإن لم يكن أميرا للمؤمنين فهو أمير الكافرين، عندكم شي قالوا لا حسبنا هذه.
قال قلت: أرأيتم إن أتيتكم من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ينقض قولكم هذا أترجعون قالوا: وما لنا لا نرجع.
قال: أما قولكم حكم الرجال في أمر الله، فإني اقرأ عليكم في كتاب الله أن قد صير الله حكمه إلى الرجال في ثمن ربع درهم، فأمر الله تبارك وتعالى أن يحكموا فيه فإن الله عز وجل قال في كتابه: ﵟيَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَقۡتُلُواْ ٱلصَّيۡدَ وَأَنتُمۡ حُرُمٞۚ وَمَن قَتَلَهُۥ مِنكُم مُّتَعَمِّدٗا فَجَزَآءٞ مِّثۡلُ مَا قَتَلَ مِنَ ٱلنَّعَمِ يَحۡكُمُ بِهِۦ ذَوَا عَدۡلٖ مِّنكُمۡﵞ ﵝالمَائـِدَة : ﵕﵙﵜ وقال في المرأة وزوجها: ﵟوَإِنۡ خِفۡتُمۡ شِقَاقَ بَيۡنِهِمَا فَٱبۡعَثُواْ حَكَمٗا مِّنۡ أَهۡلِهِۦ وَحَكَمٗا مِّنۡ أَهۡلِهَآﵞ ﵝالنِّسَاء : ﵕﵓﵜ فصير الله تعالى ذلك إلى حكم الرجال ولو شاء لحكم فيه، فجاز من حكم الرجال فناشدتكم الله أتعلمون حكم الرجال في دماء المسلمين وفي إصلاح ذات بينهم أفضل أو في دم أرنب ثمن ربع درهم وفي بضع امرأة قالوا: بل هذا أفضل قال: خرجت من هذه قالوا نعم.
قال: وأما قولكم قاتل فلم يسب ولم يغنم أتسبون أمكم عائشة رضي الله عنها، تستحلون منها ما تستحلون من غيرها وهي أمكم، فإن قلتم نسبيها فنستحل منها ما نستحل من غيرها فقد كفرتم، وإن قلتم ليست بأمنا فقد كفرتم، قال تعالى: ﵟٱلنَّبِيُّ أَوۡلَىٰ بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ مِنۡ أَنفُسِهِمۡۖ وَأَزۡوَٰجُهُۥٓ أُمَّهَٰتُهُمۡﵞ ﵝالأَحۡزَاب : ﵖﵜ فأنتم تترددون بين ضلالتين فأتوا منها بمخرج أخرجت من هذه قالوا بلى.
قال: وأما قولكم محى نفسه من أمير المؤمنين فأنا أتيكم بما ترضون: إن نبي الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية حين صالح أبا سفيان وسهيل بن عمرو قال رسول الله عليه وسلم اكتب يا علي هذا ما صالح عليه محمد رسول الله قال سهيل: ما نعلم أنك رسول الله ولو نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك قال صلى الله عليه وسلم: اللهم إنك تعلم أني رسولك، امح يا علي، امح ماذا يا إخواني؟ يمحو رسول الله، واكتب هذا ما صالح عليه محمد ابن عبد الله قريشا، والله لرسول الله صلى الله عليه وسلم خير من علي وقد محى نفسه، ولم يكن محوه نفسه ذلك محاه من النبوة أخرجت من هذه قالوا نعم.
النتيجة: قال: فرجع منهم ألفان وبقي بقيتهم فخرجوا فقتلوا أجمعين، وتأملوا كيف أن ابن عباس رضي الله عنه رد فكرهم المنحرف بماذا؟ بالاستدلال بكتاب الله وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
موقف آخر يبين لنا تصدي الصحابة رضوان الله عليهم للانحراف العقدي والانحراف في الفكر: ما جاء عن عمرو بن سلمة الهمداني قال: «كُنَّا نَجْلِسُ عَلَى بَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَبْلَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ، فَإِذَا خَرَجَ، مَشَيْنَا مَعَهُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَجَاءَنَا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: أَخَرَجَ إِلَيْكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ قُلْنَا: لَا، فَجَلَسَ مَعَنَا حَتَّى خَرَجَ، فَلَمَّا خَرَجَ، قُمْنَا إِلَيْهِ جَمِيعًا، فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِنِّي رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ آنِفًا أَمْرًا أَنْكَرْتُهُ وَلَمْ أَرَ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ - إِلَّا خَيْرًا، قَالَ: فَمَا هُوَ؟ قَالَ: رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ قَوْمًا حِلَقًا جُلُوسًا يَنْتَظِرُونَ الصَّلَاةَ فِي كُلِّ حَلْقَةٍ رَجُلٌ وَفِي أَيْدِيهِمْ حصًا، فَيَقُولُ: كَبِّرُوا مِائَةً، فَيُكَبِّرُونَ مِائَةً، فَيَقُولُ: هَلِّلُوا مِائَةً، فَيُهَلِّلُونَ مِائَةً، وَيَقُولُ: سَبِّحُوا مِائَةً، فَيُسَبِّحُونَ مِائَةً،-تأمل الوصف وماذا قال أبو موسى في البداية قال: إني رأيت في المسجد آنفا أمرا أنكرته ولم أر والحمد لله إلا خيرا أناس في بيت من بيوت الله يجتمعون يذكرون الله هذا خير، أين الشر في طريقة فعل العبادة- قَالَ: فَمَاذَا قُلْتَ لَهُمْ؟ قَالَ: مَا قُلْتُ لَهُمْ شَيْئًا انْتِظَارَ رَأْيِكَ أَوِ انْتظارَ أَمْرِكَ. قَالَ: «أَفَلَا أَمَرْتَهُمْ أَنْ يَعُدُّوا سَيِّئَاتِهِمْ، وَضَمِنْتَ لَهُمْ أَنْ لَا يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِهِمْ»، ثُمَّ مَضَى وَمَضَيْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَى حَلْقَةً مِنْ تِلْكَ الْحِلَقِ، فَوَقَفَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: «مَا هَذَا الَّذِي أَرَاكُمْ تَصْنَعُونَ؟» قَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ حصًا نَعُدُّ بِهِ التَّكْبِيرَ وَالتَّهْلِيلَ وَالتَّسْبِيحَ. قَالَ: «فَعُدُّوا سَيِّئَاتِكُمْ، فَأَنَا ضَامِنٌ أَنْ لَا يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِكُمْ شَيْءٌ وَيْحَكُمْ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، مَا أَسْرَعَ هَلَكَتَكُمْ هَؤُلَاءِ صَحَابَةُ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَافِرُونَ، وَهَذِهِ ثِيَابُهُ لَمْ تَبْلَ، وَآنِيَتُهُ لَمْ تُكْسَرْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّكُمْ لَعَلَى مِلَّةٍ هِيَ أَهْدَى مِنْ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أوْ مُفْتَتِحُو بَابِ ضَلَالَةٍ». قَالُوا: وَاللَّهِ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مَا أَرَدْنَا إِلَّا الْخَيْرَ. قَالَ: «وَكَمْ مِنْ مُرِيدٍ لِلْخَيْرِ لَنْ يُصِيبَهُ،-ثم الآن تأملوا في نهاية الأثر- إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنَا أَنَّ قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ -يقصد الخوارج- ، وَايْمُ اللَّهِ مَا أَدْرِي لَعَلَّ أَكْثَرَهُمْ مِنْكُمْ، ثُمَّ تَوَلَّى عَنْهُمْ -تأملوا إلى بصيرة الصحابي رضي الله عنه ما دخل اجتماع هؤلاء الناس وجلوسهم بهذه الطريقة في خروجهم على ولي الأمر تأمل في نهاية القصة- فَقَالَ عَمْرُو بْنُ سَلَمَةَ: رَأَيْنَا عَامَّةَ أُولَئِكَ الْحِلَقِ يُطَاعِنُونَا يَوْمَ النَّهْرَوَانِ مَعَ الْخَوَارِجِ» ([16]) ، سبحان الله صدقت فراسة ابن مسعود رضي الله عنه فيهم، فإن الانحراف في البدعة الانحراف في العبادة الانحراف في السلوك الانحراف في العقيدة يؤدي إلى انحراف كبير جدا في الثوابت، وخرجوا على علي رضي الله عنه وهو ماذا قال كبيرهم: والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير.
كذلك من مواقف الصحابة رضوان الله عليهم في رد الانحرافات الفكرية والانحراف في جانب العقيدة ما وقع في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، روى الدارمي([17]) عن سليمان ابن يسار: «أَنَّ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ صَبِيغٌ-هذا خرج يريد أن يحرف الناس عن عقيدتهم وعن فكرهم بإثارة الشبه، وكم واحد اليوم من زماننا يحتاج أن يعامل كما عامل عمر صبيغا- قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَجَعَلَ يَسْأَلُ عَنْ مُتَشَابِهِ الْقُرْآنِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ أَعَدَّ لَهُ عَرَاجِينَ النَّخْلِ، فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ صَبِيغٌ، فَأَخَذَ عُمَرُ عُرْجُونًا مِنْ تِلْكَ الْعَرَاجِينِ، فَضَرَبَهُ وَقَالَ: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ عُمَرُ، «فَجَعَلَ لَهُ ضَرْبًا حَتَّى دَمِيَ رَأْسُهُ -ضرب على رأسه حتى سال الدم من رأسه- ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، حَسْبُكَ، قَدْ ذَهَبَ الَّذِي كُنْتُ أَجِدُ فِي رَأْسِي» ، حتى بعد ذلك لما أراده الخوارج بعد استشهاد عمر رضي الله عنه بعد ذلك في أن يخرج معهم قال لا تزال أثر عراجين عمر في رأسي، وخرج ورفض الخروج معهم، وهنا تدخل ولي الأمر تدخل السلطة في منع من الانحراف العقدي والفكري، فهذا عمر رضي الله عنه ما سمح لهذا الرجل بأن يحرف الناس عن عقيدتهم فقد كان يثير الشبهات.
كذلك من المواقف التي رد فيها الصحابة رضوان الله عليهم من الانحرافات العقدية والفكرية: ما رواه الإمام مسلم([18]) وغيره عن يحيى بن يعمر قال: «كانَ أَوَّلَ مَنْ قَالَ فِي الْقَدَرِ بِالْبَصْرَةِ مَعْبَدٌ الْجُهَنِيُّ،-مسألة الانحراف في عقيدة الإيمان بالقضاء والقدر- فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَحُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيُّ حَاجَّيْنِ - أَوْ مُعْتَمِرَيْنِ - فَقُلْنَا: لَوْ لَقِينَا أَحَدًا مَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلْنَاهُ عَمَّا يَقُولُ هَؤُلَاءِ فِي الْقَدَرِ، فَوُفِّقَ لَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ دَاخِلًا الْمَسْجِدَ، فَاكْتَنَفْتُهُ أَنَا وَصَاحِبِي أَحَدُنَا عَنْ يَمِينِهِ، وَالْآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ، فَظَنَنْتُ أَنَّ صَاحِبِي سَيَكِلُ الْكَلَامَ إِلَيَّ، فَقُلْتُ: أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّهُ قَدْ ظَهَرَ قِبَلَنَا نَاسٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ،-تأمل إلى الوصف- وَيَتَقَفَّرُونَ الْعِلْمَ، وَذَكَرَ مِنْ شَأْنِهِمْ، وَأَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنْ لَا قَدَرَ، وَأَنَّ الْأَمْرَ أُنُفٌ-طبعا هذا انحراف في جانب العقيدة في ركن من أركان العقيدة وهو ماذا؟ الإيمان بالقضاء والقدر فماذا قال عبد الله ابن عمر مبينا انحراف هذا الفكر وخطورته على الأفراد وخطورته عليهم يوم القيامة؟- ، قَالَ: «فَإِذَا لَقِيتَ أُولَئِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنِّي بَرِيءٌ مِنْهُمْ، وَأَنَّهُمْ بُرَآءُ مِنِّي»، وَالَّذِي يَحْلِفُ بِهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ «لَوْ أَنَّ لِأَحَدِهِمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا، فَأَنْفَقَهُ مَا قَبِلَ اللهُ مِنْهُ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ» ثم ذكر حديث جبريل لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام وعن الإيمان قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره قال: صدقت، وفي آخر الحديث قال: «فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ»، فتأملوا رحمكم الله كيف رد الصحابة رضوان الله عليهم الانحراف العقدي والفكري بالقرآن بالكتاب والسنة بالاستدلال الصحيح بالأصول والثوابت الدينية.
وأختم بقصة تبين أهمية فهم السلف في الرد على أصحاب الفتن وعلى أفكارهم المنحرفة وعقائدهم الفاسدة، تعرفون فتنة خلق القرآن التي كانت في زمن أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى، حصلت مناظرة بين شيخ كبير عالم لابن أبي دؤاد بحضرة المعتصم، الوقصة طويلة أختصرها لكم قال المعتصم لابن أبي دؤاد: سله قال الشيخ المسألة لي، تأمره أن يجيبني قال سل، وإخواني الأفاضل ما سيذكره هذا العالم نجعله كالمعيار في تقييم العقائد المستوردة والأفكار المنحرفة التي ترد إلينا، فأقبل الشيخ على ابن أبي دؤاد يسأله: يا أحمد أخبرني عن هذا الأمر الذي تدعو الناس إليه التي هي مسألة خلق القرآن، أشيء دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا قال فشيء دعا إليه أبو بكر الصديق رضي الله عنه بعده قال: لا قال: فشيء دعا إليه بن الخطاب رضي الله عنه بعدهما قال: لا قال: فشيء دعا إليه عثمان ابن عفان بعدهم قال: لا قال: فشيء دعا إليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعدهم قال: لا قال الشيخ: فشيء لم يدعو إليه رسول صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي رضي الله عنه تدعو أنت الناس إليه، ليس يخلو أن تقول علموه أو جهلوه فإن قلت علموه وسكتوا عنه وسعنا وإياك ما وسع القوم من السكوت، وإن قلت جهلوه وعلمته أنا، فيا لكع بن لكع يعني يا حقير يجهل النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون رضي الله عنهم شيئا وتعلمه أنت وأصحابك، وبعد ذلك انتهت الفتنة وارتفعت بفضل الله عز وجل.
فما ذكرته لكم إخواني الأفاضل بعض المواقف لصحابة النبي صلى الله عليه وسلم في ردهم للانحرافات العقدية والانحرافات الفكرية، واستدلالهم على ذلك بكتاب الله وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيان الاستدلال الفاسد لأصحاب هذه العقائد، مع بيان أن أصحاب العقائد المنحرفة وأصحاب الفكر المنحرف يدعون إلى عقيدتهم الفاسدة وفكرهم المنحرف مستدلين على ذلك ربما بآيات من كتاب الله وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن يستدلون بها استدلالا غير صحيح استدلالا فاسدا، وهذا يعلمنا أنه لا يمكن أن يجابه الفكر المنحرف ولا العقيدة الفاسدة إلا بفكر صحيح وباعتقاد صحيح وعقيدة سليمة، وهي العقيدة التي كان عليها النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة من بعده، فلما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الاختلاف قال: «تَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلاَثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلاَّ فِرْقَةً وَاحِدَةً، قيل : يَا رَسُولَ الله مَنْهم؟ قَالَ: مثل ما أنا عليه اليَوم وَأَصْحَابي»([19] ، والله يقول في سورة الفاتحة: ﵟٱهۡدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ ٦ صِرَٰطَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِمۡﵞ ﵝالفَاتِحَةِ : ﵖ - ﵗﵜ، وصراط المنعم عليهم الذي يوصل إلى الله سبحانه وتعالى هو صراط النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام، وقد قال الله سبحانه وتعالى مبينا هذا الصراط في سورة النساء: ﵟ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَٰٓئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّـۧنَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّٰلِحِينَۚ وَحَسُنَ أُوْلَٰٓئِكَ رَفِيقٗا ٦٩ﵞ ﵝالنِّسَاء : ﵙﵖﵜ، فالصراط الذي أنت تسأله في الفاتحة بينه الله لك في هذه الآية، تريد الصراط المستقيم ليوصلك إلى الله عليك بصراط من؟ مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، وجاء في الأثر عن ابن مسعود رضي الله عنه: «خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا، ثم قال: هذا صراط الله، ثم خط خطوطا عن يمينه وعن شماله، ثم قال: هذه سبل وعلى كل سبيل منها شيطان يدعو إليها، ثم تلا: ﵟوَأَنَّ هَٰذَا صِرَٰطِي مُسۡتَقِيمٗا فَٱتَّبِعُوهُۖ وَلَا تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمۡ عَن سَبِيلِهِۦﵞ ﵝالأَنۡعَام : ﵓﵕﵑﵜ» ([20]) .
أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يوفقني وإياكم لكل خير وإلى لقاء قريب بإذن الله تعالى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
([1]) رواه البخاري (3606)، ومسلم (1847).
([2]) رواه البخاري (3456)، ومسلم (2669).
([3]) رواه أحمد (14631).
([4]) رواه أحمد (9632).
([5]) رواه مسلم (155).
([6]) إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان (1/7).
([7]) رواه البخاري (6583)، ومسلم (2290).
([8]) الاستذكار (1/195).
([9]) رواه أبو داود (4597)، وحسنه الألباني.
([10]) رواه البخاري (52)، ومسلم (1599).
([11]) تفسير القرآن العظيم (4/334).
([12]) رواه أحمد (19492).
([13]) رواه مسلم (191).
([14]) المصنف (18678).
([15]) السنن الكبرى (8522).
([16]) سنن الدارمي (210).
([17]) سنن الدارمي (146).
([18]) رواه مسلم (8).
([19]) رواه الترمذي (2641).
([20]) رواه أحمد (4142).