قواعد وأصول شرعية في التعامل مع الأخبار (مستنبطة من حادثة الإفك)


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد؛

 فإن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار؛

 إخواني المتابعين إخواني المستمعين أهلا وسهلا ومرحبا بكم مع هذه المحاضرة التي نهدف من وراءها إلى بيان الأصول الشرعية والقواعد المرعية في التعامل مع الأخبار التي يتناقلها الناس في شتى جوانب الحياة خصوصا في زماننا هذا الذي صار فيه نقل الخبر متيسرًا وسهلا بما لم يكن من قبل، فاليوم بضغطة زر واحدة تستطيع أن تنقل خبرا عبر العالم كله، وهذا يمثل خطورة بالغة إذ قد يكون هذا الخبر غير صحيح، وقد يكون الخبر صحيحا لكن ليس من المصلحة نشره ولا إذاعته وبثه، والشريعة الإسلامية إخواني الأفاضل شريعة شاملة لجميع جوانب الحياة لأنها شريعة صالحة ومصلحة لكل زمان ومكان، لكن من هو الذي يعلم هذه القاعدة وهي صلاحية الشريعة لكل ومكان ولجميع جوانب الحياة، الذي ينظر في كتاب الله وينظر في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعلم مقاصد التشريع، بعض الناس هداهم الله يقول الشريعة الإسلامية لم تتطرق للأمور السياسية، الشريعة لم تتطرق للأمور الاقتصادية الشريعة لم تتطرق لكذا وكذا، الجواب هذا غير صحيح أبدا، بل الشريعة تطرقت لكل شيء ووضعت القواعد العامة التي تحكمه لكن الذي لا يفقه الشريعة الإسلامية ولا يفقه مقاصد التشريع يتهم الشريعة بالنقص، بل يقول بعدم صلاحيتها لمثل هذا الزمان الذي وصل فيه الناس إلى الفضاء، لكن الشريعة شريعةٌ شاملة، ومن جملة الجوانب التي عالجتها شريعتنا الإسلامية هذا الجانب جانب نقل الخبر ونشره وبثه.

 الشريعة الإسلامية اعتنت بالكلمة لأن الكلمة إخواني الأفاضل لها أثرها على الفرد و لها أثرها على المجتمع و لها أثرها حتى على الدول، إن كانت الكلمة طيبة كان أثرها طيبا وإن كانت الكلمة خبيثة فإن أثرها يكون خبيثا وضارا، والخبر عبارة عن كلمة كاملة مفهومة لا نقصد بالكلمة الكلمة الواحدة، الكلمة هنا يقصد بها الجملة التامة المفهومة، فالخبر الذي يتناقله الناس في المجتمع عبارة عن كلمة، وهذه الكلمة إما أن تكون صحيحة أو كاذبة، ولذلك لها أثرها البالغ في أمن البلد وفي استقراره، أو في إحداث البلبلة والاضطرابات وعدم الاستقرار وظهور التأويلات المغلوطة واللغط والقيل والقال.

 ولكم أن تتأملوا أثر هذه الكلمات وهذه الأخبار فيما جرى في زمن عثمان رضي الله عنه، عثمان رضي الله عنه حصل في آخر عهده قبل أن يقتل شهيدا رضي الله عنه فتنة، وكان من أسباب بداية الفتنة وظهورها بين الناس الأخبار الكاذبة والإشاعات المتناقلة التي لا زمام لها مع أن عثمان رضي الله عنه أتى بأهل هذه الإشاعات وأهل هذه الأخبار، وكلمهم وبين لهم وأزال اللبس عنهم لكنهم اتبعوا خطوات الشيطان؛ لأن الفتنة إذا قامت وثارت يصعب إيقافها وإخمادها وما النتيجة؟ النتيجة البلبلة التي حصلت في زمن عثمان رضي الله عنه لذلك لا نستهين بقضية نقل الخبر، قد يستفيد العدو من الأخبار التي أنت تنقلها، قد يكون الخبر صحيحا لكن لما تقوم أنت الآن بنشره في تويتر أو نشره في الانستغرام أو نشره في الواتساب قد يستفيد العدو المتربص من هذا الخبر خصوصا فيما يتعلق بأمن البلد، وما قد يثور فيها من أمور لا بد من تدخل الدولة فيها وعلاجها بطريقة صحيحة، وأنت كفرد ما ترضى أن أحدا ينقل أخبار بيتك وأخبار أهلك أنت ما ترضى أن ينقلها أحد، فكيف أن تساهم في نقل الأخبار عن بلدك خصوصا كما قلت لكم في زمن الفتن وفي زمن الحروب وتربص العدو ببلاد المسلمين.

 ومن الأخبار التي كان لها أثرها العظيم خبر الإفك، حادثة الإفك وهذه الحادثة جرى فيها اتهام أمنا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بالفاحشة، ويحتاج المسلم أن ينظر في هذه القصة العجيبة ويتدبرها وينظر في الدروس والعبر ويستلهمها، هذه القصة لم تذكر فقط في السنة بل أشار الله عز وجل إليها في كتابه في سورة النور، وبداية الخبر وتأملوا معي إلى كيف بداية نشر الإشاعة وكيف بداية نقل الخبر، فإن الخبر يخرج كلمة أو في سطر واحد ثم يكبر ويكبر وكلٌ يضيف عليه شيء من الزيادات حتى يصبح قضية عظمى وهو خبر يسير، تقول عائشة رضي الله عنها([1]) : «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين أزواجه، فأيتهنّ خرج سهمها، خرج بها معه، فأقرع بيننا في غزاة غزاها، فخرج سهمي، فخرجت معه بعد ما أنزل الحجاب، فأنا أحمل في هودج-الهودج الذي يوضع فوق ظهر الناقة وتجلس فيه المرأة- حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته تلك، وقفل ودنونا من المدينة آذن ليلة بالرحيل، فقمت حين آذنوا بالرحيل، فمشيت حتى جاوزت الجيش، -ذهبت تقضي حاجتها- فلما قضيت شأني أقبلت إلى الرحل، فلمست صدري، فإذا عقد لي من جزع أظفار قد انقطع،-العقد الذي في رقبتها قد انقطع-  فرجعت، فالتمست عقدي،-يعني أين راحت؟ راحت تبحث عن العقد-  فحبسني ابتغاؤه، فأقبل الذين يرحلون لي، فاحتملوا هودجي، فرحلوه على بعيري- جاؤوا ووضعوا الهودج على البعير، هم ماذا يظنون؟ أن عائشة فيه رضي الله عنها-  الذي كنت أركب وهم يحسبون أني فيه، وكان النساء إذ ذاك خفافا ولم يغشهن اللحم، وإنما يأكلن العلقة من الطعام، -كانت ضعيفة وليست بالمرأة السمينة التي يستشعر وزنها في أثناء حملها في الهودج رضي الله عنها- وكنت جارية حديثة السن، فبعثوا الجمل وساروا، فوجدت عقدي بعد ما استمر الجيش، فجئت منزلهم وليس فيه أحد، فأممت منزلي الذي كنت به، فظننت أنهم سيفقدونني، فيرجعون إلي، فبينا أنا جالسة غلبتني عيناي، فنمت ذهب الجيش لكن عائشة رضي الله عنها امرأة عاقلة فلم تتصرف بتصرف يجعلها تضيع عن الجيش، وإنما قالت سيكتشفون عدم وجودي، يرجعون للموضع الذي تركوني فيه- وكان صفوان بن المعطل قد عرس من وراء من وراء الجيش-يعني تأخر في الجيش- ، فأدلج عند منزلي، فرأى سواد إنسان نائم-يعني ظل إنسان نائم- ، فأتاني وكان يراني قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني-ماذا قال؟ قال إنا وإنا إليه راجعون رضي الله عنه-  حتى أناخ راحلته فوطئ يدها، فركبتها، فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا معرسين في نحر الظهيرة، فهلك من هلك في شأني-من الذي رآهم؟ عبد الله ابن أبيّ ابن سلول، وعبد الله ابن أبيّ ابن سلول زعيم من؟ زعيم المنافقين تقول عائشة-: ، وكان الذي تولى الإفك عبد الله بن أبيّ ابن سلول».

 والقصة طويلة لكن انظروا إلى بداية الإشاعة، بداية الإشاعة كيف كانت وما سببها وما الذي انتهت إليه؟ ما الذي جرى بعد ذلك؟ انتشر الخبر وكان لهذا الخبر أثر بالغ على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى المجتمع في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن الآثار:

 أولا: الطعن في زوجة النبي صلى الله عليه وسلم وفي عرضه وشرفه.

 ثانيا: تأثر بعض الصحابة رضوان الله عليهم بالخبر وتكلموا به ونشروه، طبعا تابوا وتاب الله عليهم.

 ثالثا: الحزن والهم الكبير الذي ألم ببيت النبي صلى الله عليه وسلم وبزوجته وبوالديها أبي بكر وأمها وبالصحابة الكرام رضوان الله عليهم، ووالله لو تقرؤون القصة إنها لتدمع العين.

 رابعا: من أثر هذه الإشاعة الفتنة التي كادت أن تقع بين الصحابة بسبب الموقف من مطلق الإشاعة وهو عبد الله ابن أبيّ ابن سلول هذا كان له مكانة في المدينة، جاء في الحديث حتى تعلموا كيف صارت الفتنة: «فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من يومه، فاستعذر من عبد الله بن أبيّ ابن سلول، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهلي، فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرا، وقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا-وهو صفوان- ، وما كان يدخل على أهلي إلا معي»،  فقام سعد بن معاذ، فقال: يا رسول الله، أنا والله أعذرك منه إن كان من الأوس ضربنا عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا، ففعلنا فيه أمرك، فقام سعد بن عبادة - وهو سيد الخزرج، وكان قبل ذلك رجلا صالحا ولكن احتملته الحمية فقال: كذبت لعمر الله، لا تقتله، ولا تقدر على ذلك، فقام أسيد بن حضير-وهو ابن عمّ سعد ابن معاذ-  فقال: كذبت لعمر الله، والله لنقتلنّه، فإنك منافق تجادل عن المنافقين، فثار الحيّان الأوس، والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا، وسكت».

 هذه بعض الآثار التي وقعت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لأجل هذا الخبر وهذه الشائعة التي انتشرت في المجتمع، ولقد نزلت آيات بينات في سورة النور، تبرئ عائشة رضي الله عنها من الإفك الذي رميت به، وقد بين الله تعالى فيها أصولا عظيمة، ومن ضمن هذه الأصول التي بينها الله سبحانه وتعالى أصول في نقل الأخبار وفي التعامل معها.

 ومن هذه الأصول التي ينبغي مراعاتها، وأنا قبل أن أذكر هذه الأصول أقول لإخواني لابد من التريث في  التعامل مع الأخبار، لا تغتر بهذا الجهاز الذي بيدك، فإن بعضهم يريد أن يكون له سبق إعلامي، أن يكون هو أول من نشر الخبر فيأتيه الخبر على هاتفه، فعنده مجموعات وكل مجموعة فيها مئات الأشخاص والعشرات، ثم ينقله بين الناس، فينتشر الخبر فتكون أنت مساهما في نقل خبر غير صحيح كذب، أو إشاعة مغرضة وتكون ظهيرا للعدو على بلاد المسلمين ومساهمًا في تشتت المجتمع وتفرقه وضعفه، وفي إشاعة الفاحشة بين الناس وربما كان الخبر صحيحا ولكن ليس من المصلحة نشره ولا بيانه وإذاعته، فانتبه لهذا الأمر إذا وصلك خبر أمسك نفسك واحفظ عليك هاتفك ووسائل التواصل التي معك، فمن هذه الأصول التي ذكرها الله في قصة الإفك في سورة النور:

 الأصل الأول: التثبت والتبيّن من الخبر قبل نشره وإذاعته إن كان الخبر مما يقبل النشر والإذاعة، قال الله عز وجل في سورة النور: ﵟلَّوۡلَا جَآءُو عَلَيۡهِ بِأَرۡبَعَةِ شُهَدَآءَۚ فَإِذۡ لَمۡ يَأۡتُواْ بِٱلشُّهَدَآءِ فَأُوْلَٰٓئِكَ عِندَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلۡكَٰذِبُونَ ١٣ﵞ ﵝالنُّور : ﵓﵑﵜ ، وهذا الحكم متعلق بالأخبار الخاصة بأعراض المسلمين، وقد ذكر الله هذا الحكم في أول سورة فقال: ﵟوَٱلَّذِينَ يَرۡمُونَ ٱلۡمُحۡصَنَٰتِ ثُمَّ لَمۡ يَأۡتُواْ بِأَرۡبَعَةِ شُهَدَآءَ فَٱجۡلِدُوهُمۡ ثَمَٰنِينَ جَلۡدَةٗ وَلَا تَقۡبَلُواْ لَهُمۡ شَهَٰدَةً أَبَدٗاۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ ٤ﵞ ﵝالنُّور : ﵔﵜ إذًا إذا كان الخبر متعلقا بشيء من أعراض المسلمين فلا تنقله ولا تنشره إلا بعد التبين والتثبت، ولو تثبتَّ وتبينت فما يتعلق بأعراض الناس لا تنشره بين الناس لكن الخبر عموما لا تنشره إلا بعد التثبت، أما ما يتعلق بأعراض المسلمين فلا تنشره ولا تنقله بين الناس، يقول إنسان أنا أنقل أخبار الممثلين والممثلات وأخبار المغنيين والمغنيات وأخبار بعضها لا تنشر هذه الأخبار المتعلقة بأعراض الناس، فإن في ذلك نشرًا إن كانت صحيحة للفاحشة بين الناس وسيأتينا أصل آخر في الكلام على هذه المسألة -مسألة نشر الفاحشة بين الناس- والله سبحانه وتعالى قد أكد هذا الأصل وهو التبين والتثبت في آيات من كتابه، ومن ذلك ما جاء في سورة الحجرات: ﵟيَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن جَآءَكُمۡ فَاسِقُۢ بِنَبَإٖ فَتَبَيَّنُوٓاْ أَن تُصِيبُواْ قَوۡمَۢا بِجَهَٰلَةٖ فَتُصۡبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلۡتُمۡ نَٰدِمِينَ ٦ﵞ ﵝالحُجُرَات : ﵖﵜ قال المفسر السعدي رحمه الله في تفسير هذه الآية: «وهذا أيضًا، من الآداب التي على أولي الألباب، التأدب بها واستعمالها، وهو أنه إذا أخبرهم فاسق بخبر أن يتثبتوا في خبره، ولا يأخذوه مجردًا، فإن في ذلك خطرًا كبيرًا، ووقوعًا في الإثم، فإن خبره إذا جعل بمنزلة خبر الصادق العدل، حكم بموجب ذلك ومقتضاه، فحصل من تلف النفوس والأموال، بغير حق، بسبب ذلك الخبر ما يكون سببًا للندامة، بل الواجب عند خبر الفاسق، التثبت والتبين» ([2])، فأين من يصله الخبر على الواتساب ثم يقوم بنشره في المجموعات وبين الناس دون تثبت ودون تبين، وقد يكون الخبر مما يتعلق بأمن البلد واستقرارها، فيجب على المسلم أن يبتعد وينأى بنفسه عن نشر هذه الأخبار.

 الأصل الثاني: حسن الظن بالمسلمين، قال الله عز وجل في سورة النور: ﵟ لَّوۡلَآ إِذۡ سَمِعۡتُمُوهُﵞ أي: الخبر والإشاعة ﵟ  لَّوۡلَآ إِذۡ سَمِعۡتُمُوهُ ظَنَّ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ بِأَنفُسِهِمۡ خَيۡرٗا وَقَالُواْ هَٰذَآ إِفۡكٞ مُّبِينٞ ١٢ﵞ ﵝالنُّور : ﵒﵑﵜ ، يقول المفسر ابن كثير رحمه الله في تفسيره: « هَذَا تَأْدِيبٌ مِنَ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِينَ فِي قَضِيَّةِ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، حِينَ أَفَاضَ بَعْضُهُمْ في ذَلِكَ الْكَلَامِ السَّيِّئِ، وَمَا ذُكِرَ مِنْ شَأْنِ الْإِفْكِ، فَقَالَ: ﴿لَوْلا﴾ بِمَعْنَى: هَلَّا ﴿إِذْ سَمِعْتُمُوهُ﴾ أَيْ: ذَلِكَ الْكَلَامَ، أَيْ: الَّذِي رُمِيَتْ بِهِ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ ﴿ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا﴾ أَيْ: قَاسُوا ذَلِكَ الْكَلَامَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، فَإِنْ كَانَ لَا يَلِيقُ بِهِمْ فَأُمُّ الْمُؤْمِنِينَ أَوْلَى بِالْبَرَاءَةِ مِنْهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى.

وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي أَبِي أَيُّوبَ خَالِدِ بْنِ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ وَامْرَأَتِهِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، كَمَا قَالَ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَار، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ بَعْضِ رِجَالِ بَنِي النَّجَّارِ؛ أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ خالدَ بْنَ زَيْدٍ قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ أُمُّ أَيُّوبَ: يَا أَبَا أَيُّوبَ، أَمَا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ النَّاسُ فِي عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، وَذَلِكَ الْكَذِبُ، - مباشرة كذب الخبر رضي الله عنه، وهذا من حسن ظنه بأم المؤمنين، وهكذا ينبغي أن يكون المسلم حسن الظن بإخوانه قال-: أكنتِ فَاعِلَةً ذَلِكَ يَا أُمَّ أَيُّوبَ؟ قَالَتْ: لَا وَاللَّهِ مَا كنتُ لِأَفْعَلَهُ. قَالَ: فَعَائِشَةُ وَاللَّهِ خَيْرٌ مِنْكِ » ([3])، فهكذا ينبغي أن يكون المسلم مع إخوانه حسن الظن، يظن بإخوانه خيرا ويحرص على حمل الكلام والأقوال والأفعال على أحسن المحامل وعلى أحسن الظنون، وأما الظنون السيئة البغيضة فيبتعد عنها، وقد قال الله تعالى: ﵟ ٱجۡتَنِبُواْ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلظَّنِّ إِنَّ بَعۡضَ ٱلظَّنِّ إِثۡمٞۖ ﵞ ﵝالحُجُرَات : ﵒﵑﵜ فكيف ببعض الناس الذي يستلذ بالكلام في أعراض الناس مثل ما يقولون عندنا في الأمثال: يجلسون يحشون في الناس، تعالوا نحش في فلان وفلان يجدون فيه لذة، فتجلس بعض النساء فتتكلمن على فلان وعلى فلان وعلى فلان وعلى فلانة، وهذا يُكسب الإنسان الإثم، فقد تدخل أنت في الغيبة تدخل في النميمة وتدخل في البهتان وهو رمي الآخرين بما ليس فيهم، وهو يستلذ بالكلام على أعراض الناس، وكلما عظم شأن الإنسان عظم عرضه والكلام فيه، فالذي يتكلم على الحكام والأمراء ويخوض في أعراضهم أعظم إثما لأن لهم هيبة ولهم مكانة مرعية في شرعنا وفي ديننا توجب توقيرهم وتعظيمهم لأجل المصالح المرجوة من ورائهم في حماية البلد وضمان الأمن والاستقرار فيها، كذلك الكلام على العلماء وعلى أعراضهم والكلام على طلبة العلم ممّن لهم شأن في البلاد، ويعلمون الناس شريعة الإسلام وقد عرفوا بالسنة ونشرها بين الناس، فالكلام فيهم خطره عظيم ثم الكلام على الأسر وعلى أعراض الناس يؤدي إلى التشتت، وربما أدى إلى وقوع ما لا تحمد عقباه، بعض الناس يتكلم على البنت الفلانية والأخرى والأخرى  ويتكلم على الزوجة ويتكلم عن الرجل يعني يكفيكم مثلا إذا وقع طلاق في بعض الأسر لا قدر الله، تجد بعض الناس عنده فضول يريد أن يعرف لماذا الرجل طلق المرأة خصوصا بعض النساء هداهن الله، لماذا طلق أو رجل تزوج على امرأته لماذا تزوج على امرأته، ما السبب هل امرأته فيها نقص ما الذي فعلته زوجته معه كيف تصرفت كيف تصرف أهلها معه كيف تصرف هو مع المشكلة، لماذا طلق وكل واحد يدلي بدلوه والخبر عبارة عن ثلاث كلمات بعد يوم واحد ستجده مقالا، مقال كامل منشور فيه وكالة يقولون كما يقولون، فهذا مما لا يجوز، ينبغي للمسلم أن يحصن لسانه وقلمه عن ذلك هذا الأصل الثاني حسن الظن بالمسلمين.

 الأصل الثالث: التؤدة والتأني وعدم التسرع في نقل الأخبار قبل التبين والتثبت والرجوع إلى أولي الأمر من العلماء والمسؤولين وأصحاب القرار، قال الله سبحانه وتعالى في سورة النور: ﵟإِذۡ تَلَقَّوۡنَهُۥ بِأَلۡسِنَتِكُمۡ وَتَقُولُونَ بِأَفۡوَاهِكُم مَّا لَيۡسَ لَكُم بِهِۦ عِلۡمٞ وَتَحۡسَبُونَهُۥ هَيِّنٗا وَهُوَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيمٞ ١٥ وَلَوۡلَآ إِذۡ سَمِعۡتُمُوهُ قُلۡتُم مَّا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَٰذَا سُبۡحَٰنَكَ هَٰذَا بُهۡتَٰنٌ عَظِيمٞ ١٦ﵞ ﵝالنُّور : ﵕﵑ - ﵖﵑﵜ تأنَّ لا تتسرع، وربما كمثال يوضح لكم خطورة التسرع ما جرى من في جائحة كورونا في أول الجائحة والقرارات التي تصدر من ولاة الأمر ومن أصحاب القرار، فتجد الإشاعات تنقل عبر الواتساب بطريقة وبأخرى، وتنتشر انتشار النار في الهشيم مع أن صاحب القرار المخول بإصدار القرار ما تكلم، وإنما يقول لك في الخبر ويسجل لك رسالة صوتية تنشر عبر الواتساب وغيره حدثني بذلك الثقات وابن عمي مر على فلان في الوزارة الفلانية وقال له كذا وكذا وكذا، طيب والخبر لم يصدر من جهة رسمية وله أثره على الناس، فلا تتسرع بالنقل ولا تتسرع بالنشر، وانتظر صدور القرار من الجهة المختصة التي عينها ولي الأمر في البلاد، والله سبحانه وتعالى قد أكد هذا الأمر وهذا الأصل في آية أخرى، قال الله عز وجل: ﵟوَإِذَا جَآءَهُمۡ أَمۡرٞ مِّنَ ٱلۡأَمۡنِ أَوِ ٱلۡخَوۡفِ أَذَاعُواْ بِهِۦۖ وَلَوۡ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰٓ أُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنۡهُمۡ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسۡتَنۢبِطُونَهُۥ مِنۡهُمۡۗ وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُۥ لَٱتَّبَعۡتُمُ ٱلشَّيۡطَٰنَ إِلَّا قَلِيلٗا ٨٣ﵞ ﵝالنِّسَاء : ﵓﵘﵜ خصوصا إخواني الأفاضل الأخبار والإشاعات والأمور التي تحصل في وقت الفتن والحروب وفي حين تربص العدو ينتبه المسلم من نقل أي خبر، لا تنقل ولا خبر والزم ولي أمرك في هذا الباب وما ينشره، فالأخبار التي تنشر من ولاة الأمر هي المعتمدة، جاء عن علي ابن أبي طالب رضي الله عنه فيما رواه البخاري في الأدب المفرد قال : «لَا تَكُونُوا عُجُلًا مَذَايِيعَ بُذُرًا، فَإِنْ مِنْ وَرَائِكُمْ بَلَاءً مُبَرِّحًا مُمْلِحًا، وَأُمُورًا مُتَمَاحِلَةً رُدُحًا» ([4])، فحذر رضي الله عنه من أمور ثلاث يتورط فيها بعض الناس عند الفتن، فتزيد الفتنة الأولى حذر من الاندفاع والتهور والعجلة وعدم التأمل في عواقب الأمور، والعجلة لا تأتي بخير ومن كان عجولا في أموره مندفعا في تصرفاته فإنه لا يؤمن عليه الزلل والانحراف والخطأ، ثانيا حذر من إشاعة الكلام دون تثبت ودون روية فقال: لا تكونوا عجلا مذاييع بذرا، لا تذيع الأخبار يقول علي ابن أبي طالب رضي الله عنه، فحذر من إشاعة الكلام ومن نشره والتسرع في هذا الأمر قبل التحقق فيفشيها وينشرها، ثالثا: حذر من إشعال نار الفتنة وزرع بذور الشر بالنميمة والإفساد بين الناس.

 الأصل الرابع من الأصول المرعية عند نقل الكلام والأخبار: تحريم قول الإنسان ما ليس له به علم، قال الله في سورة النور: ﵟإِذۡ تَلَقَّوۡنَهُۥ بِأَلۡسِنَتِكُمۡ وَتَقُولُونَ بِأَفۡوَاهِكُم مَّا لَيۡسَ لَكُم بِهِۦ عِلۡمٞ وَتَحۡسَبُونَهُۥ هَيِّنٗا وَهُوَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيمٞ ١٥ﵞ ﵝالنُّور : ﵕﵑﵜ، شيء أنت ليس من اختصاصك وليس لك فيه علم لماذا تبدأ في نقل الخبر وتحليله، وبعض الأحيان الخبر ينقل مع تحليله، الخبر عبارة عن سطر واحد التحليل مقال، فيدخل التحليل في الخبر فيصير جزءا من الخبر، والتحليل هو اجتهاد ناقل الخبر في فهم الخبر ليس هو الخبر، والنبي صلى الله عليه وسلم حذر من الإكثار من نقل الكلام والأخبار بناء على ما ورد للإنسان من عند الناس دون تثبت ودون بيان وعلم، قال صلى الله عليه وسلم: «كَفَى بالمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ»([5]) ، وفي حديث آخر قال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اَللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ وَكَثْرَةَ اَلسُّؤَالِ وَإِضَاعَةَ اَلْمَالِ» ([6])، فشيء أنت ما تعلمه ولا تعلم مضامينه وما تعلم ما فيه من أخبار لا تنشره، فيقول واحد يا أخي الخبر نقلته القناة الفلانية ونقله الجهة الفلانية، نقول القنوات مسيسة وقد تخدم أجندات معادية لبلدك، ولو كانت هذه القناة من دولة عربية أو نحوه والأمثلة في هذا كثيرة ولا يحتاج لذكرها وأنتم فيكم الذكاء اللازم الذي يكفيكم لهذا الأمر.

 الأصل الخامس من الأصول التي قد ذكرت في كتاب الله سبحانه وتعالى في قصة أصحاب الإفك: منع نقل الأخبار المتعلقة بالفواحش في المجتمع، قال الله سبحانه: ﵟإِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ٱلۡفَٰحِشَةُ فِي ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ ١٩ﵞ ﵝالنُّور : ﵙﵑﵜ ، الأخبار أنواع وبعض الأخبار تتعلق بالفواحش والمعاصي والذنوب، فمثل هذه الأخبار لا تنشر ما السبب؟ في نشرها ترغيب فيها بدون أن تشعر فيصبح وقعها على الأذن وعلى السمع ومرورها على الذهن والعقل مستساغا، والأصل في هذه الفواحش أن تكتم ويتعامل معها ولي الأمر بالعقوبات الزاجرة، لا أن ننشرها بين الناس ونبين أن الدولة الفلانية تبيح الفاحشة الفلانية، وهذا يبيح الفاحشة الفلانية وحصل كذا وكذا، بعض الناس يستلذ بقراءة أخبار الفواحش وقراءة أخبار الجرائم وهذا خطأ، نشر هذه الأخبار ليس بصواب، والله عز وجل يقول: ﵟإِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ٱلۡفَٰحِشَةُ فِي ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ ١٩ﵞ ، يقول ابن كثير: «وهذا تأديب ثالث لمن سمع شيئا من الكلام السيئ، فقام بذهنه شيء منه وتكلم به فلا يكثر منه ولا يشيعه ويذيعه» ([7])  لأن بعض الناس إخواني الأفاضل في قلبه مرض، ويحب هذه الشهوات فلما يقرأها يستلذ بها بل يتشجع عليها، وربما استدل على مكان الفاحشة وطريقتها من الخبر، وأعطيكم مثالا بعض الجرائم للأسف تنشر بتفاصيلها وتوضع الخطة التي عملت بها، من الذي يستفيد بها؟ الجاهل ينظر فيها، وينظر في طريقة فعلها وأدائها ويتعلم من سلبياتها حتى صار عندنا ما يسمى اليوم بالجريمة المنظمة، والجريمة المنظمة ما هي؟ جريمة موضوعة وفق خطة مدروسة من جميع الجهات ومع سدّ جميع الثغرات وكيف يتعلمونها؟ يتعلمونها بالنظر فيما وقع من جرائم سابقة، فيدرسونها ويتأملونها فنشر هذه الجرائم وهذه الفواحش قد يعين على ارتكابها، مثل بعضهم ينشر خبر عن شخص انتحر لأنه خلط الدواء الفلاني مع الدواء الفلاني فبدأ يشمه فتحول إلى نوع من أنواع المخدرات، طيب أنت الآن نشرت الأمر بين الناس وأصبح الذي في قلبه رغبة في هذا الأمر لديه وصفة يتعلمها وجاهزة، فالأصل أن الأخبار المتعلقة بالفواحش لا تنشر.

 الأصل السادس: مسؤولية الإنسان عما يصدر منه من أقوال وما يكتبه وينشره بين الناس، قال الله سبحانه: ﵟإِنَّ ٱلَّذِينَ يَرۡمُونَ ٱلۡمُحۡصَنَٰتِ ٱلۡغَٰفِلَٰتِ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ لُعِنُواْ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِ وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ ٢٣ يَوۡمَ تَشۡهَدُ عَلَيۡهِمۡ أَلۡسِنَتُهُمۡ وَأَيۡدِيهِمۡ وَأَرۡجُلُهُم بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ٢٤ يَوۡمَئِذٖ يُوَفِّيهِمُ ٱللَّهُ دِينَهُمُ ٱلۡحَقَّ وَيَعۡلَمُونَ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡحَقُّ ٱلۡمُبِينُ ٢٥ﵞ ﵝالنُّور : ﵓﵒ - ﵕﵒﵜ وقد أكد الله هذا الأصل بقوله في سورة ق: ﵟمَّا يَلۡفِظُ مِن قَوۡلٍ إِلَّا لَدَيۡهِ رَقِيبٌ عَتِيدٞ ١٨ﵞ ﵝق : ﵘﵑﵜ فالله عز وجل يقول: ﵟيَوۡمَ تَشۡهَدُ عَلَيۡهِمۡ أَلۡسِنَتُهُمۡ وَأَيۡدِيهِمۡ وَأَرۡجُلُهُم بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ٢٤ ﵞ فذكر الله عز وجل هذا الأصل في سورة النور عند كلامه على حادثة الإفك قبل الآية ماذا قال؟: إِنَّ ٱلَّذِينَ يَرۡمُونَ ٱلۡمُحۡصَنَٰتِ ٱلۡغَٰفِلَٰتِ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ لُعِنُواْ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِ وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ ٢٣ يَوۡمَ تَشۡهَدُ عَلَيۡهِمۡ أَلۡسِنَتُهُمۡ وَأَيۡدِيهِمۡ وَأَرۡجُلُهُم بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ٢٤ ﵞ فينتبه المسلم مما ينقله ويعلم أنه مسؤول عن كل كلمة تخرج من فيه أو يكتبها بقلمه، والله يقول: ﵟمَّا يَلۡفِظُ مِن قَوۡلٍ إِلَّا لَدَيۡهِ رَقِيبٌ عَتِيدٞ ١٨ﵞ، وجاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا يَزِلُّ بِهَا إِلَى النَّارِ أبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ»([8])  ، وقد يقع العبد في أثناء نقله الكلمة في الغيبة والنميمة والكذب وهذه كلها ذنوب يعاقب عليها العبد، ومن أسباب دخول النار والعياذ بالله كما جاء في حديث معاذ قال: «يَا رسولَ الله وإنَّا لَمُؤاخَذُونَ بما نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فقالَ: «ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ! وَهَلْ يَكُبُّ الناسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟»([9]) ، الكلمة التي تنشرها أنت محاسب عليها وإذا كانت الكلمة التي نشرتها كذبا من باب الكذب، فعقوبتها أعظم، تأمل معي إلى عقوبة رآها النبي صلى الله عليه وسلم في منامه ورؤيا الأنبياء حق قال ([10]) : « فإذا رجل جالس ورجل قائم بيده كلوب من حديد -الكلوب معروف- قال بعض أصحابنا أنه يدخل ذلك الكلوب في شدقه جانب الفم من هنا حتى يبلغ قفاه يسحب شدقه إلى قفاه ثم يفعل بشدقه الآخر مثل ذلك ويلتئم شدقه هذا فيعود فيصنع مثله»، وفي رواية عند البخاري: قال: فانطلقنا فأتينا على رجل مستلق لقفاه فإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد، فإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه قال: ثم يتحول للجنب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول، فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصح ذلك الجانب كما كان، ثم يعود عليه فيفعل مثل ما فعل في المرة الأولى، فقال صلى الله عليه وسلم-: سبحان الله ما هذان؟ فقال الملكان أما الذي رأيته يشق شدقه فكذاب يحدث بالكذبة فتحمل عنه حتى تبلغ الآفاق فيصنع به إلى يوم القيامة» ، يعني ما تراه، واليوم الواحد جالس في بيته وبيده الواتساب أو تويتر أو الانستغرام أو غيره وينشر الخبر الذي هو الكذب أو لا يعلم هل هو كذب أم صدق أم حق أم باطل، وينشرها بين الناس، هذا يعرضك للذنب يعرضك لاكتساب الإثم.

 هذه أصول إخواني الأفاضل مستنبطة من قصة الإفك، وما بينه الله سبحانه وتعالى في سورة النور، علينا أن نلتزم بها؛ لأنها من المواعظ التي أمرنا الله سبحانه وتعالى بالتزامها والنظر فيها.

 أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يوفقني وإياكم لكل خير، وأن يعلمنا ما جهلنا، اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، اللهم يا مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم سدّد أقوالنا يا رب العالمين.

سبحانك اللهمّ وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.

 


 

([1]) رواه البخاري (2661)، ومسلم (2770).

([2]) تيسير الكريم الرحمن (ص799).

([3]) تفسير القرآن العظيم (6/25).

([4]) رواه البخاري في الأدب المفرد (327).

([5]) رواه مسلم في مقدمة «صحيحه» (5).

([6]) رواه البخاري (5975)، ومسلم (593).

([7]) تفسير القرآن العظيم (6/27).

([8]) رواه البخاري (6477)، ومسلم (2988).

([9]) رواه ابن ماجه (3973)، والترمذي (2616).

([10]) رواه البخاري (1386).