الأحكام الشرعية لتعدد الزوجات


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات
القسم: 
القسم: 
القسم: 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم أما بعد؛

 فنحمد الله عز وجل على نعمة الإسلام، ونسأل الله عز وجل أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل، وأن يجعل هذا العمل في موازين أعمالنا يوم القيامة، محاضرة اليوم بعنوان: "الأحكام الشرعية لتعدد الزوجات".

 يقول الله عز وجل: ﵟفَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِﵞ ﵝالنِّسَاء : ﵓﵜ ، فرغب الإسلام في الزواج، ويقول صلى الله عليه وسلم: «يَا مَعْشَرَ اَلشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ اَلْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ  وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ  فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» ([1]) ، الإسلام رغب في الزواج، وأيضا يقول ابن مسعود رضي الله عنه قال له الخليفة عثمان ابن عفان رضي الله عنه: «ألا نزوجك يا أبا عبد الرحمن جارية بكرا، لعله يرجع إليك من نفسك ما كنت تعهد» ([2]) ، وهكذا جابر بن عبد الله رضي الله عنه لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه تزوج ثيبا قال جابر : هلك أبي وترك سبع بنات أو تسع بنات، فتزوجت امرأة ثيبا، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تزوجت يا جابر» فقلت: نعم، فقال: «بكرا أم ثيبا؟» قلت: بل ثيبا، قال: «فهلا جارية تلاعبها وتلاعبك، وتضاحكها وتضاحكك» قال: فقلت له: إن عبد الله هلك، وترك بنات، وإني كرهت أن أجيئهن بمثلهن، فتزوجت امرأة تقوم عليهن وتصلحهن، فقال: «بارك الله لك»([3])  وفي لفظ: «أصبت» ، أحاديث كثيرة فيها الترغيب بالزواج من الأبكار ومن الثيبات، وموضوعنا عن الأحكام الشرعية لتعدد الزوجات، يتناول بعض النقاط: ما هو حكم التعدد في الإسلام؟ ما هي شروطه؟ ما هي الحكمة من تعدد الزوجات؟ وهكذا ما يجوز فعله من الزوج المعدد؟ ما يجب على الزوج المعدد؟ ونختم بنصائح للزوج وللزوجة الأولى وللزوجة الثانية.

 أما حكم التعدد في الإسلام فقد قال الله عز وجل في كتابه العزيز: ﵟوَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تُقۡسِطُواْ فِي ٱلۡيَتَٰمَىٰ فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثۡنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَۖ فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تَعۡدِلُواْ فَوَٰحِدَةً أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡۚ ذَٰلِكَ أَدۡنَىٰٓ أَلَّا تَعُولُواْ ٣ﵞ ﵝالنِّسَاء : ﵓﵜ، هذا نص في إباحة التعدد، فقد أفاد قول الله عز وجل الذي ذكرنا إباحة التعدد، فللرجل في شريعة الإسلام أن يتزوج واحدة أو اثنتين أو ثلاثا أو أربعا، بأن يكون له في وقت واحد هذا العدد من الزوجات، ولا يجوز له الزيادة على الأربع في نفس الوقت، فهذا قال به المفسرون والفقهاء وأجمع عليه المسلمون ولا خلاف فيه، وقد يكون التعدد مستحبا إذا نوى في زواجه إعفاف نفسه أو إعفاف امرأة من المسلمات أو تكثير أمة محمد صلى الله عليه وسلم أو غيرها، وقد يكون التعدد فرضا واجبا في حق من لا يستطيع إعفاف نفسه بواحدة أو اثنتين، وقد يكون التعدد محرما في حق من لا يستطيع الإنفاق ولا يستطيع العدل ولا يستطيع إعفاف زوجاته أو غير ذلك، هذه ذكرها أهل العلم فحكم التعدد في الإسلام حسب كل حالة من الحالات لكن الأصل فيه الإباحة، والله عز وجل قال: ﵟفَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثۡنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَۖ ﵞ ﵝالنِّسَاء : ﵓﵜ نصٌّ صريح وواضح، والإسلام وضع شروطا للتعدد منها العدل، قال الله عز وجل: ﵟفَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تَعۡدِلُواْ فَوَٰحِدَةً ﵞ ﵝالنِّسَاء : ﵓﵜ فأفادت هذه الآية أن العدل شرط لإباحة التعدد، فإذا خاف الرجل من عدم العدل بين زوجاته إذا تزوج أكثر من واحدة كان محظورا عليه الزواج بأكثر من واحدة، المقصود بالعدل المطلوب من الرجل لإباحة التعدد له هو التسوية بين زوجاته في النفقة والكسوة والمبيت والسكن نحو ذلك من الأمور المالية مما يكون في مقدوره واستطاعته، أما العدل في المحبة فغير مكلف به ولا مطالب بها؛ لأنه لا يستطيع، وهذا معنى قول الله عز وجل: ﵟوَلَن تَسۡتَطِيعُوٓاْ أَن تَعۡدِلُواْ بَيۡنَ ٱلنِّسَآءِ وَلَوۡ حَرَصۡتُمۡﵞ ﵝالنِّسَاء : ﵙﵒﵑﵜ، ويأتي تفصيل ذلك.

 الشرط الثاني من شروط التعدد القدرة على الإنفاق على الزوجات، والدليل على هذا الشرط قول الله عز وجل: ﵟوَلۡيَسۡتَعۡفِفِ ٱلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغۡنِيَهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦﵞ ﵝالنُّور : ﵓﵓﵜ ، فالله عز وجل أمر في هذه الآية من يقدر على النكاح ولا يجده بأي وجه تعذر أن يستعفف، ومن وجوه تعذر النكاح من لا يجد ما ينكح به من مهر ولا قدرة له على الإنفاق على زوجته، هذه ذكرها أهل العلم ويأتي تفصيل أيضا أثناء المحاضرة.

 ما هي الحكمة من تعدد الزوجات؟ فالله عز وجل الحكيم الذي أباح تعدد الزوجات له حكم باهرة في كل شيء سبحانه وتعالى، فهو العليم الخبير وهو الحكيم سبحانه وتعالى، نأخذ الحكمة من تعدد الزوجات من إمام من أئمة المسلمين وهو الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، يقول: «تعدد الزوجات شيء شرعه الله لعباده مع القدرة، وفيه مصالح كثيرة للزوجين للرجال، والنساء جميعًا: منها: أن الرجل قد لا تعفه المرأة الواحدة، قد يكون كثير الشهوة، شديد الشهوة، فلا تعفه الواحدة، ولا تعفه الاثنتان، ولا تعفه الثلاث، فجعل الله له طريقًا إلى إعفاف نفسه بالطريق الحلال، من طريق أربع من النساء، ومن ذلك أيضًا: ما في التمتع بالأربع من قضاء الوطر، وطيب النفس، والبعد عن الفواحش، فإن هذا يعينه على غض بصره، وبعده عما حرم الله، ومن ذلك أيضًا: إعفاف النساء؛ فإنه ليس كل امرأة تجد رجلًا وحده، قد يكون الرجال أقل من النساء، ولا سيما عند الحروب، ولاسيما في آخر الزمان كما أخبر به النبي -عليه الصلاة والسلام-، فمن رحمة الله أن يكون للرجل أربع؛ حتى يعف أربعًا، وينفق على أربع، ففي هذا مصالح لجنس النساء أيضًا، فإن وجود ربع زوج خير لها من عدم زوج بالكلية، يكون لها الربع، أو الثلث، أو النصف يكون خيرًا لها من العدم، ففي ذلك إعفافها، وفي ذلك أيضًا الإنفاق عليها، وصيانتها، والحياطة دونها، ومن المصالح -أيضًا- الكثيرة: الأولاد، وجود الأولاد، وكثرة النسل، وتكثير الأمة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «تزوجوا الودود الولود؛ فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة» ([4])  ، وفي لفظ: «الأنبياء يوم القيامة» ([5]) ، فوجود النسل، وكثرة الأولاد في هذه الأمة أمر مطلوب مقصود، وفي ذلك أيضًا من المصالح الأخرى أن في تزوج الإنسان من هنا، ومن هنا، ومن هنا، وجود الترابط بين الأسر، والتعاون، والتحاب، والتآلف؛ فيكثر الترابط بين المجتمع، والتعاون بين الإنسان مع أنسابه، وأصهاره في الغالب، يتعاون معهم، ويكون بينهم صلة مودة، وترابط، يعين على أمور الدين والدنيا جميعًا، وقد بينا أن هذا من الحكمة، تزوج النبي صلى الله عليه وسلم من عدة قبائل؛ حتى يكون يقصد بذلك انتشار الإسلام بينهم، وتعاونهم مع المسلمين، وتأليف قلوبهم على الإسلام بسبب مصاهرته للنبي -عليه الصلاة والسلام- والله -جل وعلا- قال: ﵟفَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثۡنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَۖ ﵞ ﵝالنِّسَاء : ﵓﵜ ، فهذا كله فيه مصالح للجميع، مصالح للجنسين، للرجال والنساء، وتكثير الأمة، وعفة الفروج، وغض الأبصار، والإعانة على الإنفاق على النساء المحتاجات إلى النفقة، والتقارب بين الأسر، والترابط بين الأسر، والتحاب بين الجميع، فالمصالح كثيرة كما سمعتم بعضها.

 والواجب على النساء الصبر على الجارة، والضرة، يجب على المرأة التي تؤمن بالله واليوم الآخر أن تصبر، وأن تعلم أن هذا حق للزوج، وأنه لا يجوز لها فعل ما لا ينبغي عند وجود زوجة ثانية -ما دام يعدل ويؤدي الحق- فعليها أن تصبر، ولا يجوز لها أن تنفر، أو تطالب بالطلاق، هذا لا يجوز لها ما دام الزوج قد أدى الحق الذي عليه، قد قسم بعدل، وأنفق بعدل، فليس لها حق أن تنازع، أو تطالب بالفراق، أو تؤذيه حتى يفارق، ينبغي أن توجه، وتعلم، وترشد، وتتزود بما ينبغي حتى تكون على بصيرة بشرع الله في هذا الأمر». انتهى كلامه رحمه الله من موقعه.

 فعلمنا من الشيخ رحمه الله بعض الحكم من تعدد الزوجات ولا شك أن ما قاله موافق لشرع الله عز وجل، والحكمة من تعدد الزوجات هناك من الناحية العامة ظاهرة جدا الحكمة من تعدد الزوجات في الشريعة الإسلامية كثرة عدد النساء، قلة عدد الرجال مقابل ذلك يكون التعدد سببا في حفظ النساء، وإشباع حاجاتهم، وتوفير الحماية والطمأنينة لهم في ظل غياب العدد الكافي من الرجال، زيادة أعداد الأفراد في المجتمع بزيادة النسل ليكونوا سببا في الاستخلاف وإعمار الأرض وبنائها وهكذا نشر الدعوة الإسلامية، بناء العلاقات عن طريق المصاهرة زيادة الترابط والتكافل بين الناس، هكذا أيضا من الحكم من الناحية الخاصة أيضا الرغبة في الإنجاب، وهو حق من حقوق الزوج، وهكذا قد تكون الزوجة عقيما بقدر الله عز وجل ولا يريد الاستغناء عنها أو قد بلغت من العمر الكثير ولا تستطيع الإنجاب فيلجأ إلى التعدد لتحقيق رغبته، هكذا من الحكم أيضا اشتداد الرغبة والشهوة عند الرجل، عدم القدرة على إشباعها بوجود امرأة واحدة فيختار التعدد كحل ليعف نفسه ويحصنها من ارتكاب المحظورات والمعاصي أيضا من الحكم حاجة الرجل للمرأة في حياته في حال سفره لأماكن بعيدة والاستقرار فيها لوحده لمدة طويلة، فيحتاج عند تواجده فيها لامرأة أخرى تلبي احتياجاته هكذا معاناة الزوجة من مرض مزمن لا يرجى شفاؤه، فلا تقوى على إنجاز واجبات وحقوق زوجها فيحتاج الرجل لمن تساعده وتخفف عنه دون أن يفارق زوجته السابقة، هكذا أيضا من الحكم إعفاف المرأة الأخرى المرأة الثانية والثالثة والرابعة إعفافها وحمايتها من خلال الزواج الصحيح تجنبا من الوقوع في الحرام، وذلك بسبب تأخرها بالزواج قد يكون التعدد حلا بدل الافتراق وحدوث الطلاق، يتزوج الرجل امرأة أخرى دون أن يطلق زوجته، فوائد كثيرة وحكم عديدة، الله عز وجل شرع التعدد لحكم كثيرة علمنا بعضها مما نقلنا لكم من كلام أهل العلم، هناك فوائد كثيرة للتعدد يقول الشيخ محمد صالح العثيمين رحمه الله معددا فوائد التعدد: «أنه قد يكون ضروريا في بعض الأحيان مثل: أن تكون الزوجة كبيرة السن أو مريضة لو اقتصر عليها لم يكن له منها عفاف وتكون ذات أولاد منه فان أمسكها خاف على نفسه المشقة بترك النكاح أو ربما يخاف الزنا وإن طلقها فرق بينها وبين أولادها فلا تزول هذه المشكلة إلا بحل التعدد.

- إن النكاح سبب للصلة والارتباط بين الناس وقد جعله الله تعالى قسيما للنسب، فقال تعالى:وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ مِنَ ٱلۡمَآءِ بَشَرٗا فَجَعَلَهُۥ نَسَبٗا وَصِهۡرٗا ﵝالفُرۡقَان : ﵔﵕﵜ  فتعدد الزوجات يربط بين أسر كثيرة ويصل بعضهم ببعض، وهذا أحد الأسباب التي حملت النبي صلي الله عليه وسلم أن يتزوج بعدد من النساء.

- يترتب عليه صون عدد كبير من النساء والقيام بحاجتهن من النفقة والمسكن وكثرة الأولاد والنسل وهذا أمر مطلوب للشارع.

- من الرجال من يكون حاد الشهوة لا تكفيه الواحدة وهو تقي نزيه ويخاف الزنا ولكن يريد أن يقضي وطرا في التمتع الحلال، فكان من رحمة الله تعالى بالخلق أن أباح لهم التعدد على وجه سليم» ([6]) ، هذا شيء من الحكم والفوائد لتعدد الزوجات على الفرد والمجتمع.

 هنا نتكلم في مسألة: ما يجوز فعله من الزوج المعدد ما الذي يجوز فعله من الزوج المعدد؟ أولا: الدخول على نسائه جميعا في يوم واحد، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من العصر دخل على نسائه، فيدنو من إحداهن، فدخل على حفصة، فاحتبس أكثر مما كان يحتبس»([7])  ، قال البخاري مترجما: باب دخول الرجل على نسائه في اليوم، وقال العيني رحمه الله في شرحه عمدة القاري([8]) : «وَأَجَازَ مَالك أَن يَأْتِي إِلَى الْأُخْرَى فِي حَاجَة وليضع شَأْنه إِذا كَانَ على غير ميل، وَقَالَ أَيْضا: لَا يُقيم عِنْد إِحْدَاهمَا إلاَّ من عذر»، وأيضا يقول الصنعاني رحمه الله: «فيه دليل على أنه يجوز للرجل الدخول على من لم يكن في يومها من نسائه، والتأنيس لها واللمس والتقبيل» ([9]) ، إذًا ما يجوز للزوج فعله الدخول على نسائه جميعا في يوم واحد، الأمر الثاني يجوز له جماع نسائه في ليلة واحدة، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه «أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه في الليلة الواحد وله يومئذ تسع نسوة» ([10]) ، فهذا الحديث ذكره أهل العلم وبوب عليه البخاري رحمه الله قال: باب من طاف على نسائه في غسل واحد، وبوب على حديث عائشة قوله: باب إذا جامع ثم عاد ومن دار على نسائه في غسل واحد، فيقول الحافظ ابن حزم رحمه الله: «وجائز للرجل أن يطأ جميع زوجاته وإمائه في فور واحد، فإن تطهر بين كل اثنتين فهو أحسن وإن لم يغتسل إلا في آخرهن فحسن لا كراهة في ذلك -ثم ذكر حديث أنس- ولو لم يأت هذا الخبر لكان الغسل بين كل اثنتين منهن حسنا لأنه لم يأتي عن ذلك نهي» ([11]) ، إذًا الأمر الثاني يجوز للزوج جماع نسائه في ليلة واحدة، الأمر الثالث: مسألة مهمة نتكلم عنها ميل القلب والمحبة لواحدة دون أخرى، مما يجوز من الزوج المعدد ميل القلب والمحبة لواحدة دون الأخرى، والله عز وجل يقول في كتابه: ﵟوَلَن تَسۡتَطِيعُوٓاْ أَن تَعۡدِلُواْ بَيۡنَ ٱلنِّسَآءِ وَلَوۡ حَرَصۡتُمۡۖ فَلَا تَمِيلُواْ كُلَّ ٱلۡمَيۡلِ فَتَذَرُوهَا كَٱلۡمُعَلَّقَةِﵞ ﵝالنِّسَاء : ﵙﵒﵑﵜ، يقول الشافعي رحمه الله: «فقال بعض أهل العلم بالتفسير لن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء بما في القلوب فإن الله عز وجل وعلا تجاوز للعباد عما في القلوب فلا تميلوا تتبعوا أهواءكم كل الميل بالفعل مع الهوى وهذا يشبه ما قال والله أعلم» ([12]) ، وبوب البخاري على حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة، قيل: ومن الرجال؟ قال: أبوها([13])  ، قال البخاري رحمه الله: باب حب الرجل بعض نساءه أفضل من بعض، وذكر عن ابن عباس رضي الله عنهما عن عمر أنه دخل على حفصة فقال: يا بنية، لا يغرنك هذه التي أعجبها حسنها حب رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها - يريد عائشة - فقصصت على رسول الله صلى الله عليه وسلم «فتبسم»([14])  ، والبخاري بوب عليه : باب حب الرجل بعض نساءه أفضل من بعض، وهكذا يقول الشيخ الشنقيطي رحمه الله: «هذا العدل الذي ذكر تعالى هنا أنه لا يستطاع هو العدل في المحبة، والميل الطبيعي ; لأنه ليس تحت قدرة البشر بخلاف العدل في الحقوق الشرعية فإنه مستطاع، وقد أشار تعالى إلى هذا بقوله: فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا أي: تجوروا في الحقوق الشرعية» ([15])، إذًا مما يجوز فعله من الزوج ميل القلب والمحبة لواحدة دون أخرى، أيضا ما يجوز فعله من الزوج: أن يطأ واحدة منهن أكثر من الأخرى ذلك لأن الوطأ تبع للمحبة القلبية والإناس بالمرأة لدينها أو جمالها وهذا مما لا يجب على الزوج العدل فيه ذلك أنه غير مملوك له، هذا مع ملاحظة أنه لا ينبغي للزوج أن يتعمد ترك وطأ واحدة من نسائه من غير هجر متذرعا بهذا لا يكون هذا عذرا له بقصد الإضرار فإن هذا مما لا ينبغي ولا يجوز في شرعنا، يقول الحافظ النووي رحمه الله: «قال أصحابنا وإذا قسم لا يلزمه الوطء ولا التسوية فيه بل له أن يبيت عندهن ولا يطأ واحدة منهن، وله أن يطأ بعضهن في نوبتها دون بعض لكن يستحب أن لا يعطلهن وأن يسوي بينهن في ذلك» ، وهكذا أيضا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «لكن إن كان يحبها أكثر ويطأها أكثر فهذا لا حرج عليه فيه، وفيه أنزل الله تعالى: ﵟوَلَن تَسۡتَطِيعُوٓاْ أَن تَعۡدِلُواْ بَيۡنَ ٱلنِّسَآءِ وَلَوۡ حَرَصۡتُمۡۖ ﵞ أي في الحبّ والجماع» ([16])  ، قال ابن قدامة رحمه الله في المغني([17]) : «لا نعلم خلافا بين أهل العلم في أنه لا تجب التسوية بين النساء في الجماع، وهذا مذهب مالك والشافعي وذلك لأن الجماع طريقه الشهوة والميل، ولا سبيل للتسوية بينهن في ذلك فإن قلبه قد يميل إلى إحداهما دون الأخرى ، وإن أمكنت التسوية بينهما في الجماع كان أحسن وأولى فإنه أبلغ في العدل ولا تجب التسوية بينهن في الاستمتاع بما دون الفرج من القبل واللمس ونحوها لأنه إذا لم تجب التسوية بالجماع ففي دواعيه أولى»،  أيضًا يذكر أهل العلم في مسائل العدل ما يجوز فعله من الزوج خامسا: لا عدل يجب بين الزوجة وغير المدخول بها لأن العبرة في العدل ووجوبه هو الدخول بالزوجة وكونها تحت زوجها أما هي عند وليها وفي مسؤوليته فلا تجب عليه النفقة ولا القسم، فيصح أن يقضي نهاره كله عندها ولا يلزم قطعا بالمبيت وهو لم يعلن الدخول بها، هذه مسألة أيضا يذكرها أهل العلم والسادس مما يجوز فعله من الزوج: جواز التفاوت في المهر والوليمة لبعض نسائه دون بعض، أما المهر فقد روى أبو داوود([18])  وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج أم حبيبة وأمهرها عنه النجاشي أربعة ألاف درهم، وقال أنس: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتق صفية وجعل عتقها مهرها» ([19])، وفي الحديثين دليل على جواز التفاوت في المهر والوليمة لبعض نسائه دون بعض، وجاء في الوليمة عن أنس رضي الله عنه قال: «ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم أولم على أحد من نسائه ما أولم عليها-أي زينب بنت جحش- ، أولم بشاة»([20])  ، ففي هذه الأحاديث الثلاثة دليل على جواز التفاوت في المهر والوليمة لبعض نسائه دون بعض، هذه بعض المسائل مما يجوز فعله من الزوج.

 نتكلم في مسألة أيضا من المسائل المهمة: ما يجب على الزوج المعدد وهذه أيضا مسألة مهمة: القسم ابتداء، القسم يعني الحصة والنصيب، القسم على الدوام المبيت النفقة الكسوة السكن، هذه كلها واجبات على الزوج المعدد، يقول شيخ الإسلام رحمه الله: «وأما العدل في النفقة والكسوة فهو السنة أيضا اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم فإنه كان يعدل بين أزواجه في النفقة كما كان يعدل في القسمة» ([21]) ، يقول ابن القيم رحمه الله: «وكان يقسم صلى الله عليه وسلم بينهن في المبيت والإيواء والنفقة، ولا تجب التسوية في ذلك -أي الحب والجماع- لأنه مما لا يملك» ([22])  ، هذه مقدمة لما يتعلق بالقسم، وهناك مسائل تتعلق بين القسم بين الزوجات في النفقة وفي الكسوة وفي السكن نشير إليه سريعا من هذه المسائل: للبكر سبع وللثيب ثلاث، ويجب الموالاة فيها وعدم التفريق، للبكر سبع ليال إذا تزوج البكر وللثيب ثلاث ليال يجب الموالاة فيها وعدم التفريق فعن أنس رضي الله عنه قال: «من السنة إذا تزوج الرجل البكر على الثيب أقام عندها سبعا وقسم، وإذا تزوج الثيب على البكر أقام عندها ثلاثا ثم قسم»([23]) ، قال الإمام مالك رحمه الله: «فإن كانت له امرأة غير التي تزوج فإنه يقسم بينهما بعد أن تمضي أيام التي تزوج بالسواء، ولا يحسب على التي تزوج ما أقام عندها»([24])  ، وأيضا من مسائل القسم: يحرم على المتزوج التخلف عن الجمعة والجماعة، قال الشافعي: «ولا أحب في مقامه عند بكر ولا ثيب أن يتخلف عن صلاة ولا بر كان يعمل قبل العرس ولا شهود جنازة، لا يجوز له أن يتخلف عن إجابة دعوة» ([25]) ، إذًا لا يتخذ المتزوج هذا الزواج عذرا للتخلف عن حضور صلاة الجمعة وحضور صلاة الجماعة كما قال بعض الفقهاء، مسألة أخرى إذا انتهى من قسم الابتداء رجع إلى صاحبة الحق قبل أن يتزوج، يعني يكون له ثلاث نسوة صار الحق للثالثة وفي النهار تزوج بكرا فإنه يمكث عند البكر سبعا، فإذا انتهت المدة رجع إلى الثالثة، وقسم لها ليلتها الفائتة عليها، ثم يعدل بعدها بإدخال الرابعة في القسم، هذه مسألة ذكرها أيضا أهل العلم، أيضا من المسائل حكم القسم في المبيت، دلت الأدلة على وجوب القسم في المبيت، قال البغوي رحمه الله: «إِذا كَانَ عِنْد الرجل أَكثر من امْرَأَة وَاحِدَة، يجب عَلَيْهِ التسويةُ بَينهُنَّ فِي الْقسم إِن كُنَّ حرائر، سَوَاء كُنَّ مسلمات أَو كتابيات ... فَإِن ترك التَّسْوِيَة بَينهُنَّ فِي فعل الْقسم، عصى اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَعَلِيهِ الْقَضَاء للمظلومة. -ثم قال-: ورُوي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنِ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ، فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا، جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَشِقُّهُ مائلٌ»([26]) ، وَفِي إِسْنَاده نظر» ([27]) ، قال ابن حزم رحمه الله: « والعدل بين الزوجات فرض، وأكثر ذلك في قسمة الليالي»([28]) ، ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «يجب عليه العدل بين الزوجتين باتفاق المسلمين  -ثم ذكر الحديث السابق ثم قال- فعليه أن يعدل في القسم، فإذا بات عندها ليلة أو ليلتين أو ثلاث بات عند الأخرى بقدر ذلك، لا يفضل إحداهما في القسم» ([29])  ، أيضا من المسائل: كم تكون القسمة بين النساء، قال النووي رحمه الله: «ويجوز أن يقسم ليلة ليلة وليلتين ليلتين وثلاثا ثلاثا ولا يجوز أقل من ليلة ولا يجوز الزيادة على الثلاثة إلا برضاهن، هذا هو الصحيح في مذهبنا» ([30])  ، ويقول أيضا ابن قدامة رحمه الله: «ويقسم بين نسائه ليلة ليلة فإن أحب الزيادة على ذلك لم يجز إلا برضاهن، وقال القاضي: له أن يقسم ليلتين ليلتين وثلاثا ثلاثا، ولا تجوز الزيادة على ذلك إلا برضاهن، والأولى مع هذا ليلة ليلة لأنه أقرب لعهدهن به وتجوز الثلاث لأنها في حد القلة فهي كالليلة، وهذا مذهب الشافعي» ([31])  ، مسألة أخرى أيضا: يقسم للمريضة والحائض والنفساء، قال الشافعي رحمه الله: «ويبيت عند المريضة التي لا جماع فيها والحائض والنفساء لأن مبيته سكن إلف وإن لم يكن جماع أو أمر تحبه المرأة وترى الغضاضة عليها في تركه» ([32])، وقال الحافظ النووي رحمه الله: «ويقسم للمريضة والحائض والنفساء لأنه يحصل لها الإنس به، ولن يستمتع بها بغير الوطء من قبلة ونظر ولمس وغير ذلك» ([33]) ، نأتي إلى مسألة أخرى أيضا في بيان الأحكام الشرعية لتعدد الزوجات مسألة: ذكر أهل العلم قالوا لا قسم للمطلقة الرجعية ولا للناشز، قال الشافعي رحمه الله: «وأصل ما ذهبنا إليه من أن لا قسم للممتنعة من زوجها ولا نفقة ما كانت ممتنعة؛ لأن الله تبارك وتعالى أباح هجرة مضجعها وضربها في النشوز والامتناع نشوز» ([34]) ، وقال ابن قدامة رحمه الله: «فإذا قسم لإحداهما ثم جاء ليقسم للثانية فأغلقت الباب دونه أو منعته من الاستمتاع بها أو قالت لا تدخل علي أو لا تبت عندي أو ادعت الطلاق، سقط حقها من القسم» ([35]) ، وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله: « الرجعية زوجة في جميع الأحكام يجوز أن تتزين له وينظر إليها ويخلو بها إلا أنه لا قسم لها»  ، وأيضا من المسائل: لا يحل له أن يجمع بين امرأتيه في فراش واحد، يجامع إحداهما قالوا وأما النوم فجائز إن رضيتا، وأنقل كلام ابن قدامة رحمه الله: « فإن رضيت امرأتان بالسكن سوية في مسكن واحد جاز ذلك لأن الحق لهما فلهما المسامحة في تركه، وكذلك إن رضيتا بنومه بينهما في لحاف واحد لكن إن رضيتا بأن يجامع واحدة بحيث تراها الأخرى لم يجز لأن فيه دناءة وسخفا وسقوط مروءة فلم يبح برضاهما» ([36])  ، مسألة أخرى أيضا: إذا قسم لامرأة ثم غاب أو بات في الخارج، لا تذهب ليلتها وهذا أمر واضح؛ لأنه لا ذنب في غيابه وبياته في خارج البيت أو انشغاله مع ضيوفه إلى الفجر، قال الإمام الشافعي رحمه الله: «وإذا قسم لامرأة ثم غاب ثم قدم ابتدأ القسم للتي تليها في القسم، وهكذا إن كان حاضرا فشغل عن المبيت عندها ابتدأ القسم كما يبتدئه القادم من الغيبة فيبدأ بالقسم للتي كانت ليلتها » ([37])، أيضا من المسائل في السكنى: وجوب السكن على الزوج فما هو حده؟ قال ابن حزم رحمه الله([38]) : «يلزمه إسكانها على قدر طاقته لقول الله عز وجل: ﵟأَسۡكِنُوهُنَّ مِنۡ حَيۡثُ سَكَنتُمﵞ ﵝالطَّلَاق : ﵖﵜ »، وهكذا يقول ابن قدامة رحمه الله: « يجب لها مسكن بدليل قوله سبحانه وتعالى: ﵟأَسۡكِنُوهُنَّ ﵞ ﵝالطَّلَاق : ﵖﵜ فإذا وجبت السكنى للمطلقة فللتي في صلب النكاح أولى، قال الله عز وجل: ﵟوَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِﵞ ﵝالنِّسَاء : ﵙﵑﵜ ومن المعروف أن يسكنها في مسكن ولأنها تستغني عن المسكن للاستتار عن العيون وفي التصرف والاستمتاع وحفظ المتاع» ([39]) ،  ويقول أيضا([40]) : «والأولى أن يكون لكل واحدة من منهن مسكن يأتيها فيه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقسم هكذا ولأنه أصون لهن وأستر حتى لا يخرجن من بيوتهن »، مسألة أخرى أيضا: جواز اتخاذ مسكن واحد ودعوة زوجاته إليه، قال الشافعي رحمه الله: «وإن أحب أن يلزم منزلا لنفسه يلزم منزلا لنفسه ثم يبعث إلى كل واحدة منهما يومها وليلتها فتأتيه كان ذلك له وعليهن فأيتهن امتنعت من إتيانه كانت تاركة لحقها عاصية ولم يكن عليها القسم لها ما كانت ممتنعة» ([41])  ، وقال ابن قدامة رحمه الله: «وإن اتخذ لنفسه منزلا يستدعي إليه كل واحدة منهن في ليلتها ويومها كان له ذلك لأن للرجل نقل زوجته حيث شاء، ومن امتنعت منهن عن إجابته سقط حقها من القسم لنشوزها وإن اختار أن يقصد بعضهن في منازلهن ويستدعي البعض كان له ذلك لأن له أن يسكن كل واحدة منهن حيث شاء» ([42])  ، هنا أيضا مسألة تتعلق بالنفقة والكسوة، فالشرع المطهر أوجب على الزوج النفقة والكسوة بالمعروف، ولا شك أن أحكام النفقة والكسوة تختلف من شخص لآخر من حيث وجده وعدمه أو قلته، لذا كان لابد للنساء أن يعقلن أن أمر النفقة والكسوة ليس لها ضابط شرعي إلا أنه بالمعروف فليس على الزوج إلا النفقة التي تقوم بها حياة نسائه من طعام وشراب، فما زاد على ذلك من تحفة أو هدية أو فاكهة أو حليّ أو غيره فهو له إن شاء أعطى وإن شاء منع، ومثله يقال التي أوجبها الشرع عليه وهي كسوة الصيف وأخرى للشتاء، وما زاد على ذلك من لباس وما شابه فهو له إن شاء أعطى وإن شاء منع، هكذا ذكر أهل العلم في مصنفاتهم، يقول الشوكاني رحمه الله: «الوجوب على الزوج فينبغي أن يكون الاعتبار بحاله وهو المخاطب، ولقوله عز وجل: ﵟلِيُنفِقۡ ذُو سَعَةٖ مِّن سَعَتِهِۦۖ وَمَن قُدِرَ عَلَيۡهِ رِزۡقُهُۥ فَلۡيُنفِقۡ مِمَّآ ءَاتَىٰهُ ٱللَّهُﵞ ﵝالطَّلَاق : ﵗﵜ ، فإذا كان الزوج موسعا عليه أنفق نفقة موسعة وإن كان مضيقا عليه أنفق بحسب قدرته وما تبلغ إليه استطاعته، وليس عليه غير ذلك ولا اعتبار بحال المرأة أبدا» ([43]) ، وأيضا من فيما يتعلق أيضا من المسائل في أحكام السفر مسألة: لا يحل له السفر بإحداهن إلا بقرعة، فعائشة رضي الله عنها قالت: «كان صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه» ([44])  ، قال ابن القيم رحمه الله: «إذا أراد السفر لم يجز أن يسافر بإحداهن إلا بقرعة» ([45]، قال الشافعي رحمه الله: « وبهذا أقول إذا حضر سفر المرء وله نسوة فأراد إخراج واحدة للتخفيف من مؤنة الجميع والاستغناء بها فحقهن في الخروج معه سواء، فيقرع بينهن فأيتهن خرج سهمها للخروج خرج بها» ([46])، القرعة بين النساء للسفر إنما تجب في حال تساوي أحوالهن هذا هو أصلا معنى القرعة فإنها لا تكون إلا عند تساوي الأحوال، أما إذا كان السفر بواحدة لا يمكن أن يكون مثل أن تكون مقعدة أو مريضة أو لها أولاد كثر أو أن القانون لا يسمح لمثلها بدخول البلد المسافر إليه فإن في هذه الحالة لا قرعة، يجب عليه أن يقضي لها إذا رجع من سفره هذا قيد لا بد منه، هنا مسألة أخرى مدة السفر مع واحدة لا تحسب عليها، عليه القضاء إذا خرج بقرعة، يقول الشافعي رحمه الله: « فإذا خرج بامرأة بالقرعة كان لها السفر خالصا دون نسائه لا يحتسب عليها ولا لهن من مغيبها معه في السفر منفردة بشيء سواء قصر أو طال» ([47])  ، وهو يدل على أن مدة السفر بعد القرعة مع واحدة لا تحسب عليها ليس عليه القضاء، فإذا عاد قسم بين نسائه كما كان قبل السفر، وهنا أيضا وإذا سافر بواحدة بغير قرعة هو آثم ولزمه القضاء للبواقي مدة مبيته لا مدة سيره، هكذا قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «فلو سافر بمن شاء بغير قرعة، فقدم بعضهن في القسم للزم منه إذا رجع أن يوفي من تخلف حقها» ([48])  ، ويقول ابن قدامة رحمه الله: «لكن إن سافر بإحداهن بغير قرعة أثم وقضى للبواقي بعد سفره وبهذا قال الشافعي» ([49])  ، هنا مسألة أيضا: إذا رجع من سفره بات عند التي خرج من ليلتها، وهذا مقتضى العدل لأنه ليس لها ذنب بسفره في ليلتها ليس له أن يحسب الأيام بين نسائه، فإذا رجع وبات عند التي جاءت ليلتها فإن هذا ظلم بين وهو يفتح الباب للضغينة بين النساء والغش من الرجل، إذا رجع من سفره بات عند التي خرج من ليلتها، مسألة أخرى: إذا سافرت المرأة في حاجتها بإذن زوجها فلا قسم لها، قال الشافعي: «وإذا سافرت الحرة بإذنه أو بغير إذنه فلا قسم لها ولا نفقة» ([50])  ، وقال ابن قدامة: « وجملة الأمر أنها إذا سافرت في حاجتها بإذن زوجها لتجارة لها أو زيارة أو حج تطوع أو عمرة لم يبقى لها حق في نفقة ولا قسم هكذا ذكر بعض أهل العلم»، ثم قال ابن قدامة: « ولنا أن القسم للأنس والنفقة للتمكين من الاستمتاع، وقد تعذر ذلك بسبب من جهتها، فسقط كما لو تعذر ذلك قبل دخولٍ بها» ([51]) .

 أيضا مسائل تتعلق بالهبة والصلح: جواز هبة المرأة نوبتها لضرتها والدليل أن سودة بنت زمعة رضي الله عنها وهبت يومها لعائشة رضي الله عنها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة يومها ويوم سودة([52])  ، فإذا عينت المرأة ضرتها ووافق الزوج لزمه لها، ولا يشترط رضا الموهوبة، هكذا قال الحافظ ابن حجر: «قال العلماء إذا وهبت المرأة يوما لضرتها قسم الزوج لها يوم ضرتها، وقالوا إذا وهبت المرأة يومها لضرتها فان قبل الزوج لم يكن للموهوبة أن تمتنع وإن لم يقبل لم يكره على ذلك» ([53])  ، وهكذا أيضا لمن وهبت ليلتها لضرتها لها أن ترجع متى شاءت، ولا قضاء فيما مضى إلا إذا كان ذلك في صلح بينهما،فلا يجوز لها الرجوع فيه هذه مسألة أيضا ذكرها العلماء، هذا -وأشار إليه الحافظ ابن حزم رحمه الله-، هي وهبت ليلتها لضرتها ثم تراجعت بعد أيام لا قضاء فيما مضى إلا إذا كانت هذه الهبة بموجب صلح بين الزوجين كتب في الصلح أنها تتنازل عن ليلتها، هذا لا يجوز لها الرجوع فيه إلا بموافقة الزوج، قال ابن حزم: «وإن وهبت المرأة ليلتها لضرتها جاز ذلك، فإن بدا لها فرجعت في ذلك، فلها ذلك  وأما قولنا: إن لها الرجوع في ذلك، فلأن كل يوم هو غير اليوم الذي قبله بلا شك، ولا تجوز هبة مجهول، فإنما هو إباحة حادثة في ذلك اليوم إذا جاء، فلها أن لا تحدث تلك الإباحة وأن تتمسك بحقها الذي جعله الله تعالى لها» ([54])  ، قال الحافظ النووي: « وللواهبة الرجوع متى شاءت فترجع في المستقبل دون الماضي لأن الهبات يرجع فيما لم يقبض منها دون المقبوض» ([55])  ، أيضا هناك مسائل تتعلق بالشروط المتعلقة بالتعدد: من الشروط الباطلة اشتراط المرأة طلاق ضرتها هذا لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صحفتها، ولتنكح، فإن لها ما قدر لها»([56])  ، وهكذا أيضا من الشروط الباطلة: اشتراط أن لا يقسم لضرتها أو لا ينفق على ضرتها أو يقسم لها أكثر من ضرتها، هذه الشروط تخالف الشرع فهي غير جائزة، هكذا أيضا ذكر أهل العلم بعض المسائل فيما يتعلق بالشروط.

نختم بما في هذه المحاضرة بنصائح للزوج والزوجة الأولى والثانية، نصائح للزوج: اعدل بين نسائك حاول أن تكون متصفا بالعدل حتى فيما لا يجب عليك، اتق الله في الميل لإحداهن سوّ بين أولادك من زوجتيك، قرب قلوب بعضهم لبعض، أكثر من المدح والثناء على نسائك، أفهم كل واحدة أنه لا محبة ولا مودة إلا بطاعة الرحمن وإرضاء الزوج لا تنقل كلام واحدة للأخرى، لا تأمنها على سر بسرعة ما تبوح به للأخرى أو تفتخر بأن معها سر زوجها دون الأخرى، لا تمدح واحدة بجمالها أو طبخها أو أخلاقها أمام الأخرى فإن ذلك مما يعكر عليك حياتك ويزيد في البغض والكراهية، لا تستمتع بكلام واحدة في الأخرى وانه عن ذلك فيموت كيد كل واحدة في قلبها.

 نصائح للزوجة الأولى: اتقي الله واصبري واعلمي أن غير ذلك ضرر على دينك ودنياك أصلحي من عيوبك التي ينبهك عليها زوجك قد تكون هي سبب زواجه الثاني، فإن استمرت عيوبك فلا صلاح ولا إصلاح، وإن انتهت وتوقفت فاحمدي الله على ذلك، أكثري من الاهتمام بزوجك أكثري من الثناء في وجهه وفي غيابه عند أهلك أو عند صديقاتك فإن هذا مما يصلح قلبك ولسانك ويرضي زوجك عنك، لا تستمعي بكلام المغرضين والنمامين الذين يريدون الوقيعة بينك وبين زوجك أو بينك وبين ضرتك، ولا تبني أحكاما إذا ما سمعت إلا بعد بالتأكد لا تملئي قلب أولادك بغضا وكراهية لامرأة أبيهم أو لأولادها فإنهم إخوة لهم، وسند لهم ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله، لا تبدلي معاملتك لزوجك لا تكوني ألعوبة بيد الشيطان، استعيني بالله وبالدعاء.

 هنا نصائح للزوجة الثانية: اعلمي أن رضاك بالتزوج من رجل متزوج هو أمر عظيم يدل على دين وتقوى إن شاء الله، فافهمي هذا واحتسبي أجر ذلك عند الله استغلي وقت نوبة ضرتك بقراءة القرآن والاستماع للمحاضرات والدروس النافعة، وقراءة الكتب المفيدة وأيضا استغلي وقتك بتنظيف البيت والاهتمام بنفسك كوني داعية إلى الله في هذا الحكم، أفهمي الناس بحكمة الله عز وجل في تشريعه لتعدد الزوجات لا تكوني مثبطة للنساء عن الإقبال عن الزواج الثاني، لا تقصري في رعاية ضرتك وأولادها إن احتاج الأمر فإن في ذلك أجرا ومثوبة عند الله وإرضاء لزوجك عليك، وفيه إيجاد ألفة بينك وبين ضرتك وأولادها، لا تظهري للناس نقص ضرتك ولا عيبها، لا تفهمي الناس أنه لم يتزوج إلا كرها وبغضا لها فإن ذلك من مزالق الشيطان، لا تحاولي الإيقاع بين زوجك وضرتك ليصفو لك فإن هذا نميمة والنميمة من الكبائر، وهذه نصائح نختم بها هذه المحاضرة.

 نسأل الله عز وجل أن يفقهنا وإياكم في ديننا، كما نسأله عز وجل يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كل سوء وفتنة، نسأله عز وجل أن يوفق ولاة أمورنا لما يحبه ويرضاه، وأن يرزقهم البطانة الصالحة، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

 


 

([1]) رواه البخاري ( 1905 )، ومسلم ( 1400 ).

([2]) رواه البخاري (5065)، ومسلم (1400).

([3]) رواه البخاري (5367)، ومسلم (715).

([4]) رواه أبو داود (2050)، والنسائي (3227).

([5]) رواه أحمد ( 12202 ).

([6]) الزواج (ص28-29).

([7]) رواه البخاري (5216).

([8]) (20/202).

([9]) سبل السلام (2/241).

([10]) رواه البخاري (284).

([11]) المحلى (9/220).

([12]) الأم (5/158).

([13]) رواه البخاري (3662)، ومسلم (2384).

([14]) رواه البخاري (5218)، ومسلم (1479).

([15]) أضواء البيان (1/317).

([16]) مجموع الفتاوى (32/269).

([17]) المغني (8/148).

([18]) رقم (2108).

([19]) رواه البخاري (5086)، ومسلم (1365).

([20]) رواه البخاري (5171)، ومسلم (1428).

([21]) مجموع الفتاوى (32/169).

([22]) زاد المعاد (1/151).

([23]) رواه البخاري (5214)، ومسلم (1461).

([24]) الموطأ (1/572).

([25]) الأم 5/207).

([26]) رواه أبو داود ( 2133 )، والنسائي (3942)، والترمذي (1141)، وابن ماجه (1969)، وصححه الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام، والألباني في إرواء الغليل (2017).

([27]) شرح السنة (9/150).

([28]) المحلى (9/175).

([29]) مجموع الفتاوى (32/269).

([30]) شرح صحيح مسلم (10/46).

([31]) المغني (8/150).

([32]) الأم (5/118).

([33]) شرح  صحيح مسلم (10/46).

([34]) الأم (5/208).

([35]) المغني (8/151).

([36]) المغني (8/137).

([37]) الأم (5/281).

([38]) المحلى (9/253).

([39]) المغني لابن قدامة  (8/200).

([40]) المغني (8/147).

([41]) الأم (5/281).

([42]) المغني لابن قدامة (7/308).

([43]) السيل الجرار (2/448).

([44]) رواه البخاري (2593)، ومسلم (2770).

([45]) زاد المعاد  (5/138).

([46]) الأم (5/119).

([47]) الأم (5/207).

([48]) فتح الباري (9/312).

([49]) المغني لابن قدامة (7/313).

([50]) الأم (5/204).

([51]) المغني (8/155).

([52]) رواه البخاري (5212)، ومسلم (1463).

([53]) فتح الباري (9/390).

([54]) المحلى (9/217-218).

([55]) شرح صحيح مسلم (10/48).

([56]) رواه البخاري (6600) ومسلم (1408).