هبوب العواصف على سفينة الأسرة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد؛
حديثي معكم اليوم في قصة عظيمة، حدثت في بيت النبوة أريد أن أصل بها معكم إلى أمر أسري مهمّ جدًا.
* القصة
أن عائشة رضي الله تعالى عنها خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة المريسيع في السنة الخامسة للهجرة، فلما رجعوا من الغزوة نزلوا في موضع حتى يبيتون ليلتهم، فخرجت عائشة لحاجة لها، ثم رجعت ففقدت عقدًا لها، كان هذا العقد لأختها قد أعارتها إياه، فرجعت عائشة رضي الله تعالى عنها لتلتمس العقد، وهي تبحث عن العقد جاء النفر الذين كانوا يحملون هودجها، فظنوها فيه، فحملوا الهودج ولا ينكرون خفتها، رجعت عائشة إلى منازلهم التي أراحوا فيها وقد وجدت العقد، فنظرت فإذا ليس في ذلك المنزل داع ولا مجيب رحلوا، فقعدت في منزلها ذاك وظنت أنهم سيستفقدونها ويرجعون إليها وهي كذلك على هذه الحال غلبتها عينها فنامت، فجاء صفوان بن معطل وكان قد عرس -أي بات- في آخر الجيش، فرآها نائمة وكان يراها قبل نزول الحجاب فعرفها.
فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، زوجة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فاستيقظت عائشة -رضي الله تعالى- عنه عند استرجاعه، فأناخ راحلته فقرَّبها وركبت على الدَّابة وما كلمها كلمة واحدة ولم تسمع منه إلا تلك الكلمة إنا لله وإنا إليه راجعون، ثم سار بها يقودها حتى قدم بها، وقد نزل الجيش في نحر الظهيرة -أي في قت الظهر-، -تخيَّلوا الموقف- أتت عائشة ويقودها صفوان بن معطل، والجيش في الظهيرة فوجد المنافقون منفذًا للطَّعن في عرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فتولَّى كبر ذلك الإفك والطعن رأس النفاق عبد الله ابن أبي بن سلول، فجعل يستحيي الإفك ويشيعه ويذيعه، وكان أصحابه يتقربون به إليه -يعني يتكلمون في هذا الإفك حتى يرضى عنهم عبد الله ابن أبيّ-، فلمّا قدموا المدينة اشتكت عائشة فأصابها شيء من المرض، وأفاض أهل المدينة في ذلك الإفك المنافقون يذيعونه، وأهل المدينة يتكلمون، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- ساكت لا يتكلم، وهي رضي الله تعالى عنها لم تشعر بما حدث من الفتنة والكلام؛ لأنها كانت مريضة وجالسة في البيت، فلم تعلم ماذا يحدث في الخارج، والنبي -صلى الله عليه وسلم- ما فاتحها في الموضوع ولم يصل إليها شيء من الكلام، ففي يوم من الأيام وجدت عائشة في نفسها خفَّة وعافية فذهبت إلى حاجة لها مع أم مسطح، فلما رجعت هي وأم مسطح عثرت أمُّ مسطح.
فقالت: تعس مسطح.
فردت عليها عائشة قائلة: بئس ما قلت أتسبين رجلًا شهد بدرًا!
قالت: أو لم تسمعي ما قال، قالت: فما قال؟ فأخبرتها بالخبر فازدادت مرضًا على مرضها، -فأتاها مع المرض العضوي مرض نفسي، صدمة أن يتكلم في عرض من؟ زوجة نبي الله ؟!!!
والنبي في ذلك كله يدخل عليها لا يتكلم فقط يسلم ويقول "كيف تيكم"، وهي لا ترى من النبي صلى الله عليه وسلم الودَّ الذي كانت تراه من قبل، -يعني في نوع تغير وجفاء-، فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم لتأتي أبويها فسألت أمَّها هل ما يحدث ويقال قد قيل، فاستيقنت بعد خبر أمها لها أنه قد قيل، فظلت ليلتها تلك تبكي، فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في القضية، فمنه من أشار بفراقها، ومنهم من أشار بإمساكها، وهي رضي الله تعالى عنها في كل يوم تزداد بكاء ولا تبيت إلا وهي تبكي حتى كاد البكاء يفلق كبدها، ظلت على ذلك شهرًا كاملًا، والإفك في المدينة يذاع ويحكى، ومن حكمة الله سبحانه وتعالى أن الوحي ما نزل بشيء، والنبي -صلى الله عليه وسلم- على تلك الحال لا يتكلم حتى مضى الشهر.
فأتى النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت أبويها وجلس وحمد الله وقال: كنت :" يَا عَائِشَةُ، فَإِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً، فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ، وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ، فَإِنَّ العَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ، ثُمَّ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ " وهي تنظر لأبويها وتقول: أجيبوا رسول الله؟
وهما يقولان: والله ما ندري ما نقول.
فقالت: إني والله قد عرفت أنكم قد سمعتم بهذا حتى استقر في أنفسكم وصدَّقتموه، فإن قلت لكم إني بريئة والله يعلم إني بريئة لا تصدقوني، ولئن اعترفت لكم بأمري والله يعلم إني بريئة لصدقتموني، ووالله ما أجد –تقول- ووالله ما أجد لي ولكم مثلا إلا كما قال أبو يوسف: ﵟ فَصَبۡرٞ جَمِيلٞۖ وَٱللَّهُ ٱلۡمُسۡتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ ١٨ﵞ ﵝيُوسُف : ﵘﵑﵜ " ، قالت ثم تحوَّلت فاضطجعت على فراشي، وهي تبكي.
قالت: والله ما رام رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مجلسه ذاك إلا نزل عليه الوحي، فلما سرّي على النبي صلى الله عليه وسلم وانكشف عنه الوحي ضحك صلى الله عليه وسلم فقال: أول كلمة أبشري يا عائشة أما والله فقد برئك الله، فقالت أمها لعائشة: قومي إليه فقالت: والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله هو الذي أنزل براءتي فأنزل الله: ﵟإِنَّ ٱلَّذِينَ جَآءُو بِٱلۡإِفۡكِ عُصۡبَةٞ مِّنكُمۡۚ لَا تَحۡسَبُوهُ شَرّٗا لَّكُمۖ بَلۡ هُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡۚ لِكُلِّ ٱمۡرِيٕٖ مِّنۡهُم مَّا ٱكۡتَسَبَ مِنَ ٱلۡإِثۡمِۚ وَٱلَّذِي تَوَلَّىٰ كِبۡرَهُۥ مِنۡهُمۡ لَهُۥ عَذَابٌ عَظِيمٞ ١١ﵞ ﵝالنُّور : ﵑﵑﵜ.
تأملوا حفظكم الله هذه القصة جيدا، تأملوا هذا الموقف العظيم والخطب الجليل، البيتُ بيت النبوة، والزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمرأة الصديقة بنت الصديق وعمرها لا يتجاوز الخمسة عشر سنة، والتهمة في العرض والشرف، والمدة شهر كامل، وقد ذاع الأمر وانتشر.
والذي أريده من هذه القصة أن البيوت قد تهب عليها عواصف الابتلاءات والمحن، من البيوت من تصاب في أحد أفرادها موتًا ومرضًا خطيرًا، ومن البيوت من قد يسجن الزوج أو الزوجة، ومنها من قد ينحرف فيه أحد الأشخاص كانحراف الزوجة أو انحراف الزوج، أو انحراف أحد الأبناء.
فنلاحظ هنا أن الابتلاءات منها ما لا يقدر المسلم على دفعه ورفعه، مرض اتهام بالعرض كذبًا وزورًا، أو دخول السجن لخطأ أو ظلم أو موت، وفي كل هذه الابتلاءات الإنسان لا يستطيع أن يرفع هذا الابتلاء ويدفعه، وساحته بريئة من التهمة أو من الخطأ الذي نسب إليه.
ومن هذه الابتلاءات ما تكون ساحة أحد الأفراد غير بريئة كانحراف أحد الأبناء أو انحراف الزوج أو الزوجة مخدرات أو خيانة زوجية مثلًا.
ففي كل الحالات هذه عند العواصف التي تعصف بسفينة الأسرة لابد من الإدارة الصحيحة وهاهنا وقفات:
الأولى: لابد أن نراعي أمرًا مهما وهو أن ألا نسعى إلى غرق السفينة كاملة، ونضحي بالأسرة كلها بسبب نوع من أنواع الابتلاءات التي وقعت على الأفراد، فهنا بعض الناس من الملاحظ عند إصابته بابتلاء أو وقوع ابتلاء على أحد أفراد الأسرة أنه يخسر الأسرة كاملة، مثال ذلك الزوجة إذا زوجها انحرف ودخل السجن، أو أصبح مدمنًا للمخدرات فالزوجة في بعض الأحيان تنهار فتدمر الأسرة كاملة، وبعض الزوجات لا، تمسك زمام الأمور وتنجو بالأسرة كاملة ولو سقط بعض أفرادها.
الثانية: لا بد أن تفهم الأسرة أن هذه الابتلاءات مهما كبرت وقويت فهي زائلة، النصر عليها بالصبر، وانظر في هذه الابتلاءات وما فيها من حكم ودروس وعبر، لا تنظر إلى الابتلاء من كونه ابتلاء، انظر إليه من زاوية أخرى تفاؤل، ولو نظرت إليه من زاوية أخرى لحمدت الله على تلك المحنة التي كان في طياتها منح كثيرة، كما في قصة الإفك يقول الله سبحانه وتعالى: ﵟلَا تَحۡسَبُوهُ شَرّٗا لَّكُمۖ بَلۡ هُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡۚ لِكُلِّ ٱمۡرِيٕٖ مِّنۡهُم مَّا ٱكۡتَسَبَ مِنَ ٱلۡإِثۡمِۚ ﵞ ، تميزت الصفوف وسطع نور الحق وأصبح ذلك نورًا ساطعًا على أهل الإفك إلى يومنا هذا بل وأصبح سيفًا مسلطًا على أهل البدع إلى يوم القيامة.
الثالثة: من المهم في مثل هذه العواصف أن يُتحلى بالصفات المعينة وهي:
(1) أنه لا يستطيع الصبر في هذه المحن إلا أصحاب النفوس الكبيرة، فيتحلى بالصمت والصبر والتفكر والتأمل والاستشارة، استشارة من؟ الأخيار ليس استشارة كل أحد، ولا يستعجل في أخذ القرار وأن يضيق دائرة الابتلاء لا يوسعها، ولا يلتفت إلى القيل والقال حتى لا يصدر حكمًا قد يندم عليه في المآل ، إذا ابتلي الإنسان في بعض الابتلاءات قد يأخذ قراراً سريعا، هذا القرار السريع في حالة الغضب وقوة الابتلاء قد يكون قرارًا خاطئًا أو ناقصًا لكن الإنسان يتأنى ويستخير أهل الخبرة أهل الصلاح أهل المعرفة والأمانة، لابد أنه سيجد في ضمن هذا مخرجا، وفي خضم هذه الظلمة التي أو السحابة التي غيمت عليه نور سيضيئ له.
(2) من المهم جدًا أن يكون العبد مستعينًا بالله سبحانه وتعالى، مرتبطًا به داعيًا راجيًا منكسرًا منطرحًا بين يدي الله سبحانه وتعالى، لن يرفع الهم والابتلاء إلا الله سبحانه وتعالى، وهنا يحذر الإنسان كل الحذر أن يكون بعيدًا عن الله في هذه الأزمات، بل ارجع إلى الله ولا تجمع على نفسك مصيبتين: مصيبة الابتلاء ومصيبة بعدك عن الله سبحانه وتعالى، وكن دائمًا في حياتك متعرفًا على الله في الرخاء، من تعرف على الله في الرخاء عرفه الله سبحانه وتعالى في الشدة.
الرابعة: تنبيه مهم حاول بقدر الاستطاعة أن لا تخسر أحدًا من أفراد أسرتك، حاول قدر الاستطاعة أن لا تخسر أحدا من أفراد السفينة، حاول أيها الزوج حاولي أيتها الزوجة أن لا تخسرا بعضكما، وكذلك حاول قدر الاستطاعة أن لا تخسر أحد من أولادك، بعض الناس عند حدوث أي زلة أي خطأ من أبنائه مثلًا مباشرة يصل إلى آخر الحلول وهو القطع والإزالة لا، على الإنسان أن ينظر فعلًا هل وقع الخطأ، هل التغير الذي حدث في أحد أفراد الأسرة قديم متأصل، أم حديث مترهل، ما هو سبب التغير ما هو الحل وكيف العلاج، فإن كان فعلًا أخطأ ويمكن تدارك الخطأ وعلاجه فعالج حتى إلى آخر لحظة تستطيع أن تعالج، نوح في آخر لحظاته مع ابنه يقول: ﵟ يَٰبُنَيَّ ٱرۡكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ ٱلۡكَٰفِرِينَ ٤٢ﵞ ﵝهُود : ﵒﵔﵜ ، في آخر اللحظات وهو يردُّ عليه الابن: ﵟ قَالَ سَـَٔاوِيٓ إِلَىٰ جَبَلٖ يَعۡصِمُنِي مِنَ ٱلۡمَآءِۚ ﵞ ﵝهُود : ﵓﵔﵜ يرد عليه الأب: ﵟ قَالَ لَا عَاصِمَ ٱلۡيَوۡمَ مِنۡ أَمۡرِ ٱللَّهِ إِلَّا مَن رَّحِمَۚ ﵞ ﵝهُود : ﵓﵔﵜ ، لاحظ: ﵟ وَحَالَ بَيۡنَهُمَا ٱلۡمَوۡجُ فَكَانَ مِنَ ٱلۡمُغۡرَقِينَ ٤٣ﵞ ﵝهُود : ﵓﵔﵜ ، يحاول فيه في آخر اللحظات، فالإنسان يحاول قدر الاستطاعة لا يكون سريع اليأس.
الخامسة: إن لم ينفع العلاج وقد سعى الإنسان في العلاج فعلًا لأن بعضهم يتوهم العلاج وهو يعالج بطريقة غير صحيح أو علاج ضعيف، أو يعالج الأعراض دون الأسباب حقيقة فليستعن ببعض الجهات المتخصصة أو بعض المتخصصين يستشيرهم يحاول أن يدخلهم يعني عندنا في الشرع المحكم الأسري عندنا في بعض المجتمعات موجه أسري، عندنا في بعض المجتمعات مثلًا كدولة الإمارات عندنا الدعم الاجتماعي، فيدخل هذه الجهات المختصة ليحل المشكلة، كابن شاب انحرف أو أدمن وانتكس، فإن لم ينفع العلاج واضطر اضطرارًا إلى القطع أو إلى البتر، أو إلى الإبلاغ للسجن مثلًا أو نحو ذلك من العلاجات التي هي آخر العلاجات الكي، فليكن العلاج بالكيف الموضع نفسه؛ لأن بعض الآباء، أو بعض الأمهات وبعض المربين نوعًا ما يكون الخطأ عند الابن، فهو يعالج الابن هذا بالكي ويكوي الأم ويكوي الأبناء الآخرين، وهم ما اقترفوا ذنبًا أو خطأ أو نحو ذلك وهم شركاء معه في نفس المصيبة والابتلاء، فليكن العلاج لنفس العضو، أو الكي لنفس العضو الذي اضطررنا إلى كيه.
أما إن لم يقع الخطأ وأنت تعرف من صاحبك الصدق والبراءة، فلا تلتفت إلى القيل والقال، أبدًا لا تلتفت إلى حاسد لا تلتفت إلى مفسد، زوجة تعرف من زوجها الدين والخلق سنوات طويلة، ثم تأتيها خبَّابة، امرأة نمامة فاسدة مفسدة تنمّ في زوجها وتفتري عليه كذبًا، فتنقلب عليه الزوجة بعد أن كانت محبة مخاصمة معادية معاركة، فيقينك الذي عندك في صاحبك لا تغيَّره الشكوك ولا يغيره القيل والقال، لذلك في قصة الإفك يقول الله سبحانه وتعالى: ﵟ لَّوۡلَآ إِذۡ سَمِعۡتُمُوهُ ظَنَّ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ بِأَنفُسِهِمۡ خَيۡرٗا وَقَالُواْ هَٰذَآ إِفۡكٞ مُّبِينٞ ١٢ﵞ ﵝالنُّور : ﵒﵑﵜ ، هذا عندي يقين أن هذا إفك مبين، وقال الله سبحانه وتعالى: ﵟ وَتَقُولُونَ بِأَفۡوَاهِكُم مَّا لَيۡسَ لَكُم بِهِۦ عِلۡمٞ وَتَحۡسَبُونَهُۥ هَيِّنٗا وَهُوَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيمٞ ١٥ﵞ ﵝالنُّور : ﵕﵑﵜ ، التلقي في الأصل يكون بماذا؟ تلقي الكلام بالأذن سمعًا لكن لاحظ هنا التلقي عبر الله سبحانه وتعالى قال: ﵟ إِذۡ تَلَقَّوۡنَهُۥ بِأَلۡسِنَتِكُمۡ ﵞ ﵝالنُّور : ﵕﵑﵜ أي أن الكلام ما استقر في الأذن مباشرة نقل الكلام دون أن يستقر في الأذن ويعيه العقل والقلب، وهذا الكلام الذي لم يكن عليه أي علم وأي برهان.
إذًا لا تلتفت إلى القيل والقال لكن انظر إلى القضية بمنظور العدل ومنظور الحل الذي ينجي هذه السفينة؛ لأنك قد تخسر أسرتك بسبب أن فلان قال لك وفلانة قالت لك، كن حكيمًا صادقًا عادلًا.
السادسة: لا بد أن تعرف أن بعض التغيرات أسبابها غير متوقعة، أعطيكم في القصة إشارة إلى ذلك عائشة رأت التغير على النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يلاطفها، كما كان يلاطفها قبل، ولم تكن تتوقع السبب فلما عولج السبب رجعت الحياة إلى طبيعتها، طيب بعض الأزواج أو الزوجات يعني تتوقع خلاف السبب الصحيح، تتوهم سببًا إذا تغير الزوج أو تغيرت الزوجة ينظر إلى التغير دون البحث عن الأسباب، كأن يكون مثلًا الزوج تغير فجأة وأصبح كتوم وعليه دين كبير، أو عنده مشكلة، وهذه المشكلة لا يستطيع أن يفصح عنها في العمل، لأمر خاص وسري، موضوع معين، يتحتم عليه أن لا يتكلم به؛ ترتب على ذلك الكتمان، وأصبح مزاجه متغيرً، كذلك أيضًا المرض قد يكون الزوج أو الزوجة يطرأ عليه مرض عضوي يؤثر على نفسيته وعلى أسلوبه، فبعض الزوجات هنا تنظر إلى هذا التغير دون أن تنظر إلى أسبابه أو تتوهم أسباب خاطئة، وتنسى سابقة الزوج، فتأتي تشتكي هو فيه وفيه وفيه وعنده وعليه وقال وقلت، دون النظر إلى سنوات العشرة ودون البحث عن السبب الحقيقي وعلاجه؛ لذلك تضطرب للخلافات وتتوقد النيران في البيوت، وتزداد الفجوة بين الزوجين بسبب هذه التوهمات الخاطئة، وعدم علاج نفس السبب الذي غير الزوج أو غير الزوجة.
* نصيحة في الختام
في الختام حافظوا على سفينة الأسرة كن أيها الزوج ربَّانًا حازمًا حاذقًا رحيمًا، وكوني أيتها الزوجة خير معين للزوج، لا ترمي بكم عواصف الفتن، ولا تغيركم شهوات الدنيا، واعلموا أن المحافظة على السفينة آمنة هو محافظة على رأس المال، والله سبحانه وتعالى سيسأل العبد عما استرعاه، أحفظ أم ضيع، وانتبهوا الزوج نعمة والزوجة نعمة، والأبناء نعمة، فحافظوا على هذه النعم، واشكروا الله سبحانه وتعالى واعملوا في هذه النعم بالحق الواجب الذي افترضه الله سبحانه وتعالى علينا، ولا نضيع أسرنا لأتفه الأمور والأسباب، فإن بعض ما يسمع في الأخبار من طلاق زوجة بسبب هاتف، وضرب ابن وكسره بسبب مباراة كرة قدم، وزوجة تطلب الطلاق بسبب مطعم كل ذلك انهيارات أسرية تضر بالمجتمع والوطن.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يحفظنا ويحفظ أسرنا ويحفظ أوطاننا، وصلى الله على نبيّنا محمّد