عالم الجن والشياطين


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين محمّد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمّدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم أما بعد؛

فإننا نحمد الله عز وجل على نعمة الإسلام، وعلى نعمة الصحة والأمان، ونسأل الله عز وجل أن يرزق الجميع الإخلاص في القول والعمل، وأن يجعل ذلك في موازين أعمالنا يوم القيامة، هذه المحاضرة بعنوان: " عالم الجنّ والشياطين ".

ولا شك أن هذا الموضوع من مواضيع الاعتقاد والتوحيد، أما الجنّ فهم عالم آخر غير عالم الإنسان وعالم الملائكة، بينهم وبين الإنسان قدر مشترك من حيث بعض الصفات المشتركة كالعقل والإدراك والمحاسبة، ومن حيث القدرة أيضا على اختيار طريق الخير والشر، وسمّوا جنا لاجتنانهم أي استتارهم عن العيون كما قال الله عز وجل: ) إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ   ( [الأعراف :27]، وقد أخبرنا الله عز وجل أن الجنّ قد خلقوا من النار في قوله عز وجل: )وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ   ( [الحجر :27]، وفي سورة الرحمن أيضا: ) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ   ( [الرحمن :15]، وكما جاء أيضا في الحديث الذي رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خُلِقَتِ الْمَلَائِكَةُ مِنْ نُورٍ، وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ، وَخُلِقَ آدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ»([1])  ، ولا شك أن خلق الجنّ متقدم على خلق الإنسان، قال الله عز وجل: ) وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ ‎ * ‏ وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ   ( [الحجر :26-27]، فالله عز وجل ذكر أن الجانّ مخلوق قبل الإنسان، والجنّ لهم أسماء في لغة العرب كما قال كثير من أهل العلم كابن عبد البر وغيره قال: «والجِنُّ عِنْدَ أهْلِ الكَلامِ وأهْلِ العِلْمِ بِاللِّسانِ يَنْزِلُونَ عَلى مَراتِبَ فَإذا ذَكَرُوا الواحِدَ مِنَ الجِنِّ خالِصًا قالُوا جِنِّيٌّ فَإنْ أرادُوا أنَّهُ مِمَّنْ يَسْكُنُ مَعَ النّاسِ قالُوا عامِرٌ والجَمْعُ عُمّارٌ وإنْ كانَ مِمَّنْ يَعْرِضُ لِلصِّبْيانِ قالُوا أرْواحٌ فَإنْ خَبُثَ وتَعَرَّمَ فَهُوَ شَيْطانٌ فَإنْ زادَ على ذَلِكَ فَهُوَ مارِدٌ فَإنْ زادَ عَلى ذَلِكَ وقَوِيَ أمْرُهُ قالُوا عِفْرِيتٌ »([2])  هذه أسماء الجن في لسان العرب، أما أصناف الجن فيخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: «الْجِنُّ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ: صِنْفٌ لَهُمْ أَجْنِحَةٌ يَطِيرُونَ فِي الْهَوَاءِ، وَصِنْفٌ حَيَّاتٌ وَكِلَابٌ، وَصِنْفٌ يَحِلُّونَ وَيَظْعَنُونَ»([3]) ، فلا مجال للتكذيب بعالم الجنّ رغم إنكار القلة من الناس وجود الجنّ إنكارا كليا، وزعم بعض المشركين أن المراد بالجنّ أرواح الكواكب ذكر أقوالهم ورد عليها شيخ الإسلام ابن تيمية([4])  ، وزعمت طائفة من الفلاسفة أن المراد بالجنّ وازع الشر في النفس الإنسانية وقواها الخبيثة، وأشار إلى ذلك أيضا شيخ الإسلام في المجلد الرابع من مجموع الفتاوى، وزعم بعض المُحْدَثِين المتأخرين من العقلانيين أن الجنّ هم الجراثيم والميكروبات التي كشف عنها العلم الحديث، فكل ذلك جهل وأيضا رد لما جاء في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالصحيح الحق أن الجنّ عالم ثالث غير عالم الملائكة والبشر، وأنهم مخلوقات عاقلة واعية مدركة ليسوا بأعراض ولا جراثيم، وأنهم مكلفون مأمورون منهيون، والأدلة على ذلك التواتر، يقول ابن تيمية رحمه الله: «لم يخالف أحد من طوائف المسلمين في وجود الجنّ، ولا في أن الله أرسل محمداً صلى الله عليه وسلم إليهم، وجمهور طوائف الكفار على إثبات الجنّ... لأن وجود الجن تواترت به أخبار الأنبياء تواتراً معلوماً بالضرورة، ومعلوم بالضرورة أنهم أحياء عقلاء فاعلون بالإرادة، بل مأمورون منهيون، ليسوا صفات وأعراضاً قائمة بالإنسان أو غيره، كما يزعمه بعض الملاحدة، فلما كان أمر الجن متواتراً عن الأنبياء تواتراً تعرفه العامة والخاصة، فلا يمكن لطائفة من المنتسبين إلى الرسل الكرام أن تنكرهم»([5])، وهكذا الأدلة من الكتاب والسنة كثيرة تدل على وجود هذا عالم الجن وأنهم مكلفون، قال الله عز وجل: ) قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ  ( [ الجن :1]، وقال تعالى في نفس السورة: ) وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا   ( [الجن :6]، وهكذا دلت الأدلة أيضا من السنة كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الملائكة خلقوا من نور والجن خلقوا من نار، ففرق بين الأصلين ، وهكذا جاءت الأحاديث الكثيرة أن بعض الحيوانات ترى الجن بأعينها، فإذا كان الإنسان لا يرى الجن فإن بعض الأحياء يرونهم كالحمار والكلب كما جاء في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود عن جابر قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا سمعتم نباح الكلاب، ونهيق الحمير بالليل، فتعوذوا بالله من الشيطان فإنهن يرين ما لا ترون»([6])  ، وهذا الحديث مقيد بالليل من الغروب إلى طلوع الفجر «إذا سمعتم نباح الكلاب، ونهيق الحمير بالليل، فتعوذوا بالله من الشيطان فإنهن يرين ما لا ترون» ، الشيطان الذي حدثنا الله عنه كثيرا في القرآن من عالم الجن كان يعبد الله في بداية أمره، سكن السماء مع الملائكة ودخل الجنة ثم عصى ربه عندما أمره أن يسجد لآدم استكبارا وعلوا وحسدا، فطرده الله عز وجل من رحمته، وقد يأس هذا المخلوق من رحمة الله، ولذلك أسماه الله عز وجل بإبليس والبلس في لغة العرب من لا خير عنده وأبلس يأس وتحير، والذي يطالع ما جاء في القرآن والحديث عن الشيطان يعلم أنه مخلوق يعقل ويدرك ويتحرك وهو من الجن، وثبت لدينا إذًا بالنص الصحيح أن الجن غير الملائكة والإنس، و الجن لهم طعامهم ولهم شرابهم ويتزاوجون ويتكاثرون وهكذا دلت الأدلة وأجمع العلماء على ذلك، وأن الجن أيضا يموتون كما يموت البشر ، ولا شك في ذلك لأنهم داخلون في قول الله عز وجل: )كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ‎*‏ وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ   ( [الرحمن :26-27]، كما جاء أيضا في صحيح البخاري عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: «أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَنْ تُضِلَّنِي أَنْتَ الْحَيُّ الَّذِي لَا يَمُوتُ  وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ يَمُوتُونَ»([7])  ، هذا الحديث وفي صحيح البخاري يدل على موت الجن كموت الإنس، أما مقدار أعمارهم فلا ندري فلا نعلمها إلا ما أخبرنا الله عز وجل عن إبليس أنه سيبقى حيا إلى أن تقوم الساعة كما في سورة الأعراف: ) قَالَ أَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ *‏ قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ   ( [الأعراف :14-15] أما غيره فلا ندري مقدار أعمارهم إلا أنهم أطول أعمارا من الإنس، ومما يدل على أنهم يموتون أن خالد بن الوليد رضي الله عنه قتل شيطانة العزّى وأن صحابيا قتل الجني الذي تمثل بأفعى، والأحاديث صحيحة في ذلك، ومن عالم الجن أن مساكنهم وأماكنهم أنهم يسكنون هذه الأرض التي نعيش فوقها، ويكثر تواجدهم في الخراب والفلوات ومواضع النجاسات كما يقول ابن تيمية رحمه الله، ويكثر تواجدهم في الأماكن التي يستطيعون أن يفسدوا فيها كالأسواق وغيرها كما جاء في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى أحد أصحابه قائلا: « لَا تَكُونَنَّ إِنِ اسْتَطَعْتَ، أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ السُّوقَ وَلَا آخِرَ مَنْ يَخْرُجُ مِنْهَا، فَإِنَّهَا مَعْرَكَةُ الشَّيْطَانِ، وَبِهَا يَنْصِبُ رَايَتَهُ»([8]) ، شياطين تبيت في البيوت التي يسكنها الناس وتطردها التسمية وذكر الله عز وجل وقراءة القرآن خاصة سورة البقرة وآية الكرسي منها، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الشياطين تنتشر وتكثر بحلول الظلام، ولذلك أمرنا أن نكف صبياننا في هذه الفترة، وهذا الحديث في الصحيحين ،والشياطين تهرب من الأذان ولا تطيق سماع صوته، وفي رمضان تصفد الشياطين، أحاديث كثيرة دلت على شيء من عالم الجن والشياطين، و دلت أيضا الأدلة على قبح صورة الشيطان وهذا مستقر في الأذهان، والله عز وجل شبه ثمار شجرة الزقوم التي تنبت في أصل الجحيم شبهها برؤوس الشياطين بما علم من قبح صورهم وأشكالهم، قال عز وجل: ) إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ ‎*‏ طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ   ( [الصافات :64-65] ، وهكذا الجن والشياطين لهم قدرات الله عز وجل أعطاهم قدرة لم يعطها للبشر من سرعة الحركة والانتقال كما جاء في سورة النمل، فقد تعهد عفريت من الجن لنبي الله سليمان بإحضار عرش ملكة اليمن إلى بيت المقدس في مدة لا تتجاوز قيام الرجل من جلوس، )قَالَ عِفْرِيتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ   ( [النمل :39]، ) قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ   ( [النمل :40] ، فالله عز وجل أعطى الجن قدرة لم يعطها للبشر، هذا شيء من عالمهم، كذلك أيضا قدرتهم على التشكل، للجن قدرة على التشكل بأشكال الإنسان والحيوان، فقد جاء الشيطان المشركين يوم بدر في صورة سراقة بن مالك، ووعد المشركين بالنصر، وفيه أنزل الله عز وجل: ) وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ   ( [الأنفال :48]، وهكذا قد يتشكل أيضا الجن في صورة حيوان جمل أو حمار أو بقرة أو كلب أو قط خاصة الكلاب السود، ولذلك أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن مرور الكلب الأسود يقطع الصلاة، وعلل ذلك بأن الكلب الأسود شيطان، وهكذا تتشكل الجان بشكل الحيات، وتظهر للناس ولذلك نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن قتل جنان البيوت الحيات التي تظهر في البيوت خشية أن يكون هذا المقتول جنيا قد أسلم، وقد جاء في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ بِالْمَدِينَةِ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ قَدْ أَسْلَمُوا، فَمَنْ رَأَى شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْعَوَامِرِ فَلْيُؤْذِنْهُ ثَلَاثًا، فَإِنْ بَدَا لَهُ بَعْدُ فَلْيَقْتُلْهُ، فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ»([9])  وهذا الحديث مما يدل على تشكل الجان بشكل الحيات، وهكذا قد يسلط الشيطان على المؤمنين بسبب ذنوبهم، دلت على ذلك الأدلة وأن الله عز وجل سخر الجن لسليمان عليه السلام، وأيضا عجز الجن عن الإتيان بالمعجزات لا تستطيع الجن الإتيان بمثل المعجزات التي جاءت بها الرسل عندما زعم بعض الكفرة أن القرآن من صنع الشياطين، قال الله عز وجل: ) وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ ‎*‏ وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ *‏ إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ   ( [الشعراء :210-212]، وتحدى الله عز وجل بالقرآن الإنس والجن، قال عز وجل: ) قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ‎  ( [الإسراء :88]، فهذا شيء من عالم الجن.

 فما هي الغاية من خلق الجن؟ خلق الجن للغاية نفسها التي خلق الإنس من أجلها، قال عز وجل: )وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ  ([ الذاريات :56]، فالجن الغاية من خلقهم توحيد الله عز وجل وعبادته وحده عز وجل لا شريك له ،فالجن على ذلك مكلفون بأوامر ونواهي، فمن أطاع رضي الله عنه وأدخله الجنة ومن عصى وتمرد فله النار، ودلت على ذلك أدلة كثيرة، ففي يوم القيامة يقول الله عز وجل مخاطبا كفرة الجن والإنس موبخًا لهم: ) يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَىٰ أَنفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ   ( [الأنعام :130]، إذًا خاطبهم الله عز وجل، فهم مكلفون بأوامر ونواهي كالإنس، هذه الغاية من خلقهم توحيد الله عزوجل وعبادته، وكذلك أيضا من الأدلة أنهم سيعذبون في النار قال عز وجل: ) قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ فِي النَّارِ   ( [الأعراف :38]، فهم سيعذبون في النار إذا ماتوا على الكفر وعلى معصيتهم ولم تدركهم رحمة الله عز وجل، وهكذا قال عز وجل: )وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ   ( [الأعراف :179] وقال عز وجل: ) أَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ  (  [هود :119]، كذلك أيضا من آمن منهم يدخل الجنة قال عز وجل: ) وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ‎*‏ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ  (  [الرحمن :46-47]، الإنس والجن ) وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ  ( ، فالمؤمنون من الجنّ يدخلون الجنة، يقول ابن تيمية رحمه الله: «الجن مأمورون بالأصول والفروع بحسبهم، فإنهم ليسوا مماثلين للإنس في الحدّ والحقيقة؛ فلا يكون ما أمروا به ونهوا عنه مساوياً لما على الإنس في الحدّ، لكنهم مشاركون الإنس في جنس التكليف بالأمر والنهي، والتحليل والتحريم، وهذا ما لم أعلم فيه نزاعاً بين المسلمين»([10])  .

نأتي لمسألة مهمة: الشيطان وعلاقته بالبشر، للشيطان تسلط على بني آدم، وللشياطين علاقة ببعض البشر الذين يسلمون قيادهم للشيطان، يطيعون الشيطان في معصية الله عز وجل، وهذه مسائل نذكرها في هذه المحاضرة في علاقة الشيطان مع ابن آدم.

 أولا: جريان الشيطان في ابن آدم مجرى الدم كما جاء في الصحيحين من حديث أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ الْإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ»([11]) ، فالشيطان يجري من الإنسان من بني آدم مجرى الدم، وجاء في الصحيحين أيضا عن صفية بنت حيي زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعْتَكِفًا، فَأَتَيْتُهُ أَزُورُهُ لَيْلًا، فَحَدَّثْتُهُ، ثُمَّ قُمْتُ لِأَنْقَلِبَ، فَقَامَ مَعِيَ لِيَقْلِبَنِي، وَكَانَ مَسْكَنُهَا فِي دَارِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، فَمَرَّ رَجُلَانِ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَلَمَّا رَأَيَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْرَعَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَى رِسْلِكُمَا، إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ» فَقَالَا: سُبْحَانَ اللهِ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ الْإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَرًّا» أَوْ قَالَ «شَيْئًا»([12])  ، فمن علاقة الشيطان بالبشر أنه يجري في بني آدم مجرى الدم، كذلك أيضا من علاقة الشيطان أنه ضعيف، الشياطين يتسلطون على بني آدم لإغوائهم قد مكنهم الله عز وجل بحكمته وقدره الكوني من ذلك، ومع هذا فإن سلطان الشياطين يقوى ويضعف بحسب قوة إيمان الإنسان وضعفه ويقظته، فإذا قوي إيمان الإنسان ويقظته يرى ضعف تسلط الشيطان عليه، والعكس فالشياطين فيهم جوانب قوة وجوانب ضعف، قال الله عز وجل: ) إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا   ( [النساء :76]، ولم يعط سبحانه وتعالى الشيطان القدرة على إجبار الناس وعلى إكراههم على الضلال والكفر ، قال عز وجل: ) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ وَكِيلًا   ( [الإسراء :65] ، وقال عز وجل: ) وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ   ( [سبأ :21]، الشيطان ليس له طريق يتسلط بها على الإنسان، لا من جهة الحجة ولا من جهة القدرة وإنما من جهة التزيين والإغواء فقط ، والشيطان يدرك هذه الحقيقة لذلك يقول الشيطان كما ذكر عز وجل في سورة الحجر: ) قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ‎*‏ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ   ( [الحجر :39-40]، فهو يزين ويغوي فقط من هذه الجهة فقط هذا طريقه إلى ابن آدم لكن لا يستطيع أن يتسلط على بني آدم من جهة الحجة أو من جهة القدرة فقط من جهة التزيين والإغواء، ويتسلط على العباد الذين يرضون بإغوائه، يتابعونه عن رضا وطواعية كما قال الله عز وجل في سورة الحجر: ) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ   ( [الحجر :42]، وهكذا يعترف الشيطان بذلك يوم القيامة فيقول لأتباعه الذين أضلهم وأهلكهم: ) وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي   ( [إبراهيم :22]، والسلطان الذي أعطيه الشيطان هو تسلطه عليهم بالإغواء والإضلال بحيث يؤزهم على الكفر والشرك ويزعجهم إليه لا يدعهم يتركونه كما قال عز وجل: ) أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا    ( [مريم :83]، معنى تؤزهم تحركهم تهيجهم تزعجهم إزعاجا شديدا، وسلطان الشيطان على أولياءه ليس لهم فيه حجة وبرهان، وإنما استجابوا له بمجرد دعوته إياهم لما وافقت أهواءهم وأغراضهم، فهم الذين أعانوا على أنفسهم مكنوا عدوهم من سلطانه عليهم بمتابعته، وقد يسلط على المؤمنين بسبب ذنوبهم ولكن إذا تمكن العبد في الإسلام ورسخ الإيمان في قلبه وكان وقافا عند حدود الله فإن الشيطان يخاف منه ويفر منه كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: « إِنَّ الشَّيْطَانَ لَيَخَافُ مِنْكَ يَا عُمَرُ»([13]) ، كما جاء أيضا في صحيح البخاري عن سعد ابن أبي وقاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمر بن الخطاب: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ قَطُّ سَالِكًا فَجًّا إِلَّا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ»([14])  ، وهذا ليس خاصا بعمر فإن من قوي إيمانه قهر شيطانه وأذله كما جاء أيضا في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام أحمد وغيره قال صلى الله عليه وسلم: «إن المُؤمن لَينضي شياطينه، كما ينضِي أحدكم بعيره في السفر»([15])  ، قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذا الحديث: « (يُنْضِي شيطانَه) أي: يُهْزِلُهُ  ويجعله نضوا  أي: مهزولا لكثرة إذلاله له وجعْلِه أسيرا تحت قهرِه وتصرُّفِه»([16])  ، هذه بعض ما ورد من علاقة الشيطان بالبشر.

 كذلك أيضا نشير في آخر هذه المحاضرة إلى عداوة الإنسان والشيطان، ما هي أسباب عداء الشيطان للإنسان؟ ما هو تحذير الله عز وجل لنا من الشيطان؟ ما هي غاية ما يسعى إليه الشيطان؟ من هم جنود الشيطان؟ ما هي أساليب الشيطان في إضلال الإنسان؟ طريقة وصول الشيطان إلى قلب الإنسان، ثم نختم المحاضرة بذكر بعض أسلحة المؤمن في حربه مع الشيطان.

 أما أسباب العداء بين الإنسان والشيطان فهو عداء بعيد الجذور يعود تاريخه إلى اليوم الأول الذي صور الله عز وجل فيه آدم قبل أن ينفخ فيه الروح أخذ الشيطان يطيف به كما جاء في صحيح مسلم، هذا أمر غيبي لا نأخذه إلا من الكتاب أو من السنة الثابتة، جاء في صحيح الإمام مسلم عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله وسلم قال: «لَمَّا صَوَّرَ اللهُ آدَمَ فِي الْجَنَّةِ تَرَكَهُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَتْرُكَهُ، فَجَعَلَ إِبْلِيسُ يُطِيفُ بِهِ، يَنْظُرُ مَا هُوَ، فَلَمَّا رَآهُ أَجْوَفَ عَرَفَ أَنَّهُ خُلِقَ خَلْقًا لَا يَتَمَالَكُ»([17])  ، فلما نفخ الله في آدم الروح امر الملائكة بالسجود لآدم كان إبليس يتعبد الله مع ملائكة السماء فشمله الأمر لكنه تعاظم في نفسه واستكبر وأبى السجود لآدم: ) قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ   ( [ص :76]، وهكذا طرد الله عز وجل الشيطان من جنة الخلد بسبب استكباره، وقد قطع الشيطان على نفسه عهدا بإضلال بني آدم كما أخبرنا الله عز وجل في سورة الأعراف: ) قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ‎ * ‏ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ   ( [الأعراف :16-17] ، نصب العداء بإضلال جميع بني آدم، يريد إدخال جميع بني آدم إلى النار معه والعياذ بالله، ) إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ  ( [فاطر :6]، والله عز وجل حذرنا من الشيطان، فلابد أن نحذر من الشيطان، والله عز وجل أطال في الكتاب في تحذيرنا من الشيطان لعظم فتنة الشيطان ومهارته في الإضلال ودأبه وحرصه على إضلال الناس، والله عز وجل قال في كتابه: ) يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ   ( [الأعراف :27]، وقال عز وجل: ) إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا  ( [فاطر :6]، وقال عز وجل: )وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا   ( [النساء :119]، عداوة الشيطان لا تحول ولا تزول؛ لأنه كان يرى أن طرده من الجنة يرى أن لعنه وإخراجه من الجنة كان بسبب أبينا آدم، فلابد من أن ينتقم من آدم وذرية آدم من بعده ولذلك ذكر الله عز وجل ذلك كما في سورة الإسراء: ) قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَٰذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا   ( [الإسراء :62] يتوعد يريد أن ينتقم من آدم ) قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَٰذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا   ( أراد أن ينتقم من آدم وذرية آدم، فالله عز وجل حذرنا من الشيطان ومن فتنته ومن عداوته فلا بد أن نحذر منه لا بد أن نتخذه عدوا كما أمرنا الله عز وجل: )  إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا  ( [فاطر :6] ، فلا نتشبه به لا نطيعه، نحذر من مداخله علينا ووساوسه نحذر من ذلك ونلجأ إلى الله عز وجل ونستعيذ به سبحانه وتعالى من الشيطان، وغاية ما يسعى إلىه الشيطان أن يلقي الإنسان في الجحيم، أن يتسبب في حرمان الإنسان من الجنة هذا غاية ما يريده، فإن لم يستطع ذلك يسعى إلى إيقاع العباد في الشرك والكفر، فإن لم يستطع رضي منهم أن يقعوا في الذنوب التي هي دون الشرك والكفر في البدعة والضلال والاختلاف، يسعى في إيقاع العداوة بينهم يصدهم عن طاعة الله يفسد طاعاتهم، يخوفهم الفقر يأمرهم بكل ما هو قبيح فإن أطاعوه في أمر سعى إلى أن يهبطوا أكثر مما وقعوا به فلا يزال بابن آدم حتى ينزلهم إلى أقصى ما يستطيع من دركات الحضيض، والشيطان له جنود، إبليس هو قائد المعركة مع بني آدم، له جنود من الجن، وجنود من الإنس، فلكل إنسان قرين من الجن لا يفارقه كما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها عند مسلم وغيره: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا لَيْلًا، قَالَتْ: فَغِرْتُ عَلَيْهِ، فَجَاءَ فَرَأَى مَا أَصْنَعُ، فَقَالَ: «مَا لَكِ؟ يَا عَائِشَةُ أَغِرْتِ؟» فَقُلْتُ: وَمَا لِي لَا يَغَارُ مِثْلِي عَلَى مِثْلِكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَقَدْ جَاءَكِ شَيْطَانُكِ» قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ أَوْ مَعِيَ شَيْطَانٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ» قُلْتُ: وَمَعَ كُلِّ إِنْسَانٍ؟ قَالَ: «نَعَمْ» قُلْتُ: وَمَعَكَ؟ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: «نَعَمْ، وَلَكِنْ رَبِّي أَعَانَنِي عَلَيْهِ حَتَّى أَسْلَمَ»([18]) ، فقيل في معنى قوله: فأسلمَ أسلمَ، يعني: الشيطان فيكون الفعل ماضيا، وقيل أسلمُ أي: أسلمُ من شره، فيكون الفعل مضارعا، كما أن للشيطان جنودا من ممن يسيرون على خطاه كما أخبرنا الله عز وجل في كتابه: )وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ   ( [البقرة :257] ، الشيطان له أساليب ووسائل لإضلال الإنسان، لا يأتي الشيطان مباشرة يقول له اترك هذه الأمور الطيبة اترك الصلاة اترك صيام رمضان اشرب الخمر، لا يأتي مباشرة لأنه لو فعل ذلك لما أطاعه أحد لكنه يسلك طرقا شتى يضل بها عباد الله، كتزيين الباطل، تسمية الأمور المحرمة بأسماء محببة يدخل مع ابن آدم من باب الإفراط والتفريط، أيضا تثبيطه للعباد عن العمل رميهم بالتسويف والكسل، وعده لهم بالوعود الكاذبة والأماني المعسولة كما يوقعهم في الضلال والله عز وجل أخبر عنه كما في سورة النساء: ) يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا   ( [النساء :120] وعود كاذبة أماني تسويف كسل، هذه كلها أساليب من أساليب الشيطان في إضلال الناس، يدخل على الناس من باب الإفراط، الغلو التشدد التنطع، ويدخل عليهم أيضا من باب التفريط التنازل المداهنة، وغير ذلك مما فيه تنازل عن دين الله عز وجل، تثبيط العباد عن العمل كسل تسويف، من أساليب الشيطان في إغواء بني آدم أنه يتدرج في إضلالهم ينسيهم ما فيه خيرهم وصلاحهم، يخوفهم أولياءه يدخل إلى النفوس من الأمور التي تحبها هذه النفوس، يتسلل إلى الإنسان من خلال مكان من الضعف كالمرض والشهوة والغضب واليأس والجهل والغفلة والبخل حب النساء شدة الفرح شدة الحزن ونحو ذلك، يتسلل من خلال هذه مكامن الضعف عند الإنسان.

 أما طريقة وصول الشيطان إلى قلب الإنسان، غالبا يصل عن طريق الوسوسة، الشيطان يستطيع أن يصل إلى فكر الإنسان وقلبه بطريقة لا ندركها ولا نعرف كيفيتها، يساعده على ذلك طبيعته التي خلقه الله عز وجل عليها ،هذا هو الذي يسمى الوسوسة، والله عز وجل أخبرنا بذلك إذ سماه الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس، فالشيطان جاثم على قلب ابن آدم إذا سها وغفل وسوس، وإذا ذكر الله خنس، وقد ثبت كما جاء في الصحيحين قوله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ الْإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ»فهو يأتي لابن آدم من جميع الأبواب وفي جميع الحالات وفي جميع الأوقات، والإنسان يشعر من نفسه بأثر هذه الوسوسة التي تغويه وتغريه بفعل المعصية والغفلة عن عواقبها، بهذه الوسوسة أضل الشيطان آدم وأغواه بالأكل من الشجرة، كما أخبر الله عز وجل في كتابه في سورة طه:  )فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَىٰ   ( [طه :120].

فما هي أسلحة المؤمن في حربه مع الشيطان؟ مع شدة عداوة الشيطان وعظم كيده وحرصه على إضلال بني آدم فإنه يخسأ ويخنس ويرجع ذليلا صاغرا إذا أخذ المؤمن بالأسباب التي تقيه من الشيطان الرجيم من تلك الأسباب: أخذ الحذر والحيطة دائما، معرفة مداخل الشيطان الحذر من وساوسه الاحتياط من تزيينه للباطل للشرك وللبدعة وللمعصية، أخذ الحذر دائما، الالتزام بما جاء  في الكتاب والسنة هذا من أكبر الأسلحة وأقوى الأسلحة في حرب ابن آدم مع الشيطان، الالتزام بما جاء بالكتاب والسنة في الاعتقاد والتوحيد وفي العبادة و المعاملة والأخلاق، الاستعاذة الصادقة بالله عز وجل من شر الشيطان، استعاذ إذا وسوس أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، من الوسائل المحافظة على ذكر الله أذكار الصباح أذكار المساء أذكار بعد الصلوات أذكار النوم أذكار الدخول والخروج من البيت، الدخول  والخروج من المسجد، الأذكار بأنواعها، تلاوة القرآن خاصة سورة البقرة في البيت، الإكثار من ذكر الله عز وجل الامتناع عن كل ما يكون سببا لدخول الشيطان في البيت كالصور والتماثيل والكلاب وغيرها هذه من أقوى الأسلحة المحافظة على ذكر الله عز وجل معرفة أساليب الشيطان ومداخله على الإنسان بسؤال أهل العلم بسماع مثل هذه المحاضرات قراءة الكتب التي تذكر أساليب الشيطان ومداخل الشيطان ككتاب ابن القيم رحمه الله إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان هذا كتاب قيم في هذا الباب، أيضا من أهم أسلحة المؤمن في حربه مع الشيطان الفقه في الدين، تزودوا بالعلم الشرعي، حضور مجالس العلم سماع المحاضرات، وكذلك أيضا من أهم الأسباب المبادرة إلى التوبة والاستغفار، المبادرة المسارعة إذا وقع المسلم في ذنب يرجع إلى الله ويتوب ويستغفر فإن الله غفور رحيم، الله عز وجل واسع المغفرة يغفر الذنوب جميعا، فإذا وقع المسلم في شيء من المعاصي بسبب تزيين الشيطان ومكره يرجع إلى الله ويتوب إلى الله عز وجل، ويستغفر الله عز وجل، أسباب كثيرة تعين على دحر الشيطان، هذا شيء من عالم الجن والشياطين، وكيف التعامل معهم، وما هي عقيدة المسلم تجاه الجن والشياطين.

 نسأل الله عز وجل أن يعافينا وإياكم من شرور الشياطين، وأن يعيذنا وإياكم من شرورهم، كما نسأله عز وجل أن يفقهنا وإياكم في ديننا، وأن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كل سوء وفتنة، كما نسأله عز وجل أن يوفق ولاة أمورنا لما يحبه ويرضاه، وأن يرزقهم البطانة الصالحة، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين،و صلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


 

([1]) رواه مسلم (2996).

([2]) التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد ١١/‏١١٧ — ابن عبد البر (ت ٤٦٣).

([3]) رواه الطبراني والحاكم والبيهقي وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير (3114).

([4]) في مجموع الفتاوى (24/280).

([5]) مجموع الفتاوى (19/10).

([6]) رواه أبو داود (5103)، وأحمد (14283).

([7]) صحيح البخاري ((7383).

([8]) صحيح مسلم (2451)..

([9]) رواه مسلم (2236).

([10]) مجموع الفتاوى (4/233).

([11]) رواه البخاري ((7171)، ومسلم (2174).

([12]) رواه البخاري ((3281)، ومسلم (2175).

([13]) رواه الترمذي وغيره وهو في صحيح سنن الترمذي ((2913).

([14]) رواه البخاري ((3294)

([15]) رواه أحمد (8940).

([16]) البداية والنهاية(1/73).

([17]) رواه مسلم (2611).

([18]) رواه مسلم; (2815).