شرح حديث ( عليكم بالجماعة )
بسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا، أَمَّا بَعْدُ:
فبين يديك أيها القارئ الكريم، مادة علمية، أصلها محاضرة ألقيتها مساء السبت في 29 من محرم لعام 1444ه الموافق 27 من أغسطس 2022م عبر أثير إذاعتي مركز رياض الصالحين الإسلامي بدبي، وشبكة بينونة للعلوم الشرعية بأبوظبي بارك الله في القائمين والمنظمين وأجزل لهم المثوبة.
أخي القارئ، أختي القارئة!
جاءت شريعتنا بالأمر بالاجتماع، والنهي عن الفرقة والشقاق، وقد جاء عن نبينا محمد ﷺ في أحاديث كثيرة، من أبرزها وأشهرها ما جاء من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أن رسول الله ﷺ قال: (عليكم بالجماعة وإياكم والفُرقة، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة) [رواه الترمذي وغيره]. وفي القرآن كثير من الآيات التي تؤكد على هذا المعنى، منها قوله – تعالى – ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ﴾ [سورة آل عمران: الآية 103].
والمعنى من الآية والحديث هو لزوم جماعة المسلمين.
وكيف يكون هذا؟ وكيف يستطيع الواحد منا أن يمتثل ما أفادته الآية والحديث؟
والجواب على هذا التساؤل: يكون هذا الامتثال وبلا شك من خلال اعتقادنا بالبيعة لولي الأمر، أن تعتقد أن رئيس الدولة هو إمامُك الشرعي، هو وليّ أمرك، وتلزم طاعته، في سرِّك وعلانيتك، في منشطك ومكرهك، ولو كان مع وجود أثَرَة عليك – أي: فاتك شيء من حظوظ الدنيا ومتاعها -، ويُصدق هذا المعنى ما جاء في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه، قال: دَعانا النَّبيُّ ﷺ فَبايَعْناهُ، فقالَ فِيما أخَذَ عَلَيْنا: (أنْ بايَعَنا علَى السَّمْعِ والطَّاعَةِ، في مَنْشَطِنا ومَكْرَهِنا، وعُسْرِنا ويُسْرِنا، وأَثَرَةً عَلَيْنا، وأَنْ لا نُنازِعَ الأمْرَ أهْلَهُ، إلَّا أنْ تَرَوْا كُفْرًا بَواحًا، عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فيه بُرْهانٌ) [البخاري].
ومن مظاهر لزوم الجماعة التي قررها النبيّ ﷺ في هذا الحديث: الحث على السَّمْعِ والطاعةِ للأمراء، سواء كان في حالِ النَشَاطِ والقُوَّة، أي: في الأمرِ الَّذي إذا أُمِرَ به الإنسانُ نَشِطَ له؛ لأنَّه يُوافِقُ هَواهُ، أو كان في المكرَه، أي: في الأمرِ الَّذي إذا أُمِرَ به الإنسانُ لم يَكُنْ نَشِيطًا فيه؛ لأنَّه يَكرَهُه.
ومن مظاهر لزوم الجماعة أيضًا: الحث على السّمع والطّاعة في حالِ العُسْرِ واليُسر، أي: في حالِ الفَقْرِ والغِنَى، فيما أمَرَ به وليّ الأمْرِ، ولو لاحظنا هنا أن النبيّ r نصّ على حالتي العُسر واليُسر، لأن الإنسان إن كان في رغد العيش كان في رضًا وعافية، لا يشوش عليه ما يمنع من لزوم السّمع والطاعة، أما إذا كان في حالة الفقر، وفي ضيق من العَيش، تظهر له دواعي السخط، وعدم الرضا، وهي مظنة نزع يد الطاعة، فكان التوجيه النبويّ الكريم أن نلتزم بالجماعة، ونُحافظ على اللُحمة في حال الفقر، وعُسر الحياة، بالصفة التي تكون وأنت في يُسرٍ وسعةٍ من العيش. فحق وليّ الأمر في ديننا ثابتٌ؛ لا يتزعزع ولا يتغير مهما اختلفت ظروف العيش.
ثم خصّ النبي ﷺ حالةً هي أدعى لحدوث الفرقة والشقاق لجماعة المسلمين، ألا وهي في قوله: «وأَثَرَةٍ علينا»، أي: تسمع وتطيع ولو في حالة الأَثَرة عليك، يعني: حتى ولو اخْتَصَّ وَلِيُّ الأمرِ نفْسَه ببَعضِ الدُّنيا دُونَك، أو إذا فضَّل وَلِيُّ الأمرِ عليك غيْرَك في الاستِحقاقِ ومَنَعَك حقَّك، فعليك أن تصْبِر ولا تشق عصا الطاعة. إذن فالنبيّ ﷺ قد خصّ الناس بوصية هي أدقّ وأجلّ من سابقاتها – أي: حالتيّ المَكرَه والعُسر-، بل وأهمّ منها؛ لأن حالتيّ المَكرَه والعُسر أسبابها تعود إلى الشخص نفسه، أما في حالة " الأَثَرة " تكون بسببٍ مرجعه تصرف وليّ الأمر، مع ما يتولد من هذا التصرف لدى ضعاف النفوس من غلّ وحقدٍ وحسد، تكون فيها النفس أضعف ما يكون من الرضا تجاه وليّ أمره، مع ما يقارن ذلك من تمني زوال النعمة عنه، والفرح بما إذا أصابته مصيبة ويشمت بما أصابه من البلاء، ويتكلم الحاقد في حقه بما لا يحل من كذب ونميمة وغيبة، ويهتك ستره ويعتدي عليه، ويمنعه حقده من أداء الحق الواجب عليه تجاهه من السّمع والطاعة، ولزوم الجماعة، فكان هذا التوجيه النبوي الكريم للناس إذا رأوا من ولاتهم أثَرَة بأن يطرحوا كل هذا جانبًا ويلزموا السّمع والطّاعة.
إذن، فالنبيّ ﷺ يوجهنا بقوله: (عليكم بالجماعة..)، ثم يؤكد لنا هذا الأمر بالنهي عن ضده: (وإياكم والفرقة). إن التفرّق بين الناس له أسبابه ودواعيه، ومن أهم أسبابه: الاختلاف بسبب حظوظ الدنيا – كما أشرنا إليه آنفًا-، ومن أنواعه أيضًا الاختلاف في الفكر والرأي والاعتقاد، وهو أنواع، فمنه الجائز بحدوده وضوابطه، ومنه غير الجائز وهو الذي يؤدي إلى التفرق والتنازع والتقاطع بين الناس.
ومن أوضح الأدلة أيضًا على تحريم التفرق والنهيِّ عنه، ما في قول الله سبحانه في الآية آنفة الذكر: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ﴾ [آل عمران: 103].
وإذا سألنا أنفُسَنا: لماذا النهي عن التفرق؟ ولماذا كان الائتلاف نعمة؟
يُجيبنا عن هذا التساؤل الإمام المفسّر عبدالرحمن بن سعدي رحمه الله، حيث قال: "فإن في اجتماع المسلمين على دينهم، وائتلاف قلوبهم يَصلُح دينهم وتَصلُح دنياهم، وبالاجتماع يتمكنون من كل أمر من الأمور، ويحصل لهم من المصالح التي تتوقف على الائتلاف ما لا يمكن عدها من التعاون على البر والتقوى، كما أن بالافتراق والتعادي يختل نظامهم وتنقطع روابطهم ويصيرُ كلُّ واحد يعملُ ويسعى في شهوة نفسه، ولو أدى إلى الضرر العام".
إذن فبالاجتماع على هذا الدِّينِ وعدَمِ التَّفَرُّقِ فيه يكتسب المسلمون به قوَّةً ونماءً.
ومن الأدلة أيضًا على النهي عن التفرّق ما جاء في قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾ [الروم/31، 32]. قال الإمام ابن سعدي: وفي هذا تحذير للمسلمين من تشتتهم وتفرقهم فِرَقًا كل فريق يتعصب لما معه من حق وباطل، فيكونون مشابهين بذلك للمشركين في التفرق، بل الدين واحد والرسول واحد والإله واحد.
ومن الأدلة أيضًا على النهي عن التفرق، ما جاء في قول الله تعالى: ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الأنفال: 46]. نهى الله عز وجل عن التنازع، مبينًا سبحانه أثرًا من آثاره المفضية إلى ذمه؛ وهو ما يفضي إليه وينتج عنه من أمر مذموم وهو الفشل والضعف.
وقد جاء في السنة النبوية النهي عن التفرّق والاختلاف، كما في صحيح البخاري من حديث ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا قَرَأَ آيَةً وَسَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقْرَأُ خِلَافَهَا فَجِئْتُ بِهِ النَّبِيَّ ﷺ فَأَخْبَرْتُهُ، فَعَرَفْتُ فِي وَجْهِهِ الْكَرَاهِيَةَ وَقَالَ: كِلَاكُمَا مُحْسِنٌ وَلَا تَخْتَلِفُوا فَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ اخْتَلَفُوا فَهَلَكُوا)، والنهي عن الاختلاف والتفرق واضحٌ من الحديث من فعله وقوله ﷺ، فكراهية الاختلاف والتفرق ظهرت فعلا على وجهه الكريم ﷺ، وأما قوله فنص الحديث: (لا تختلفوا).
وعند البخاري أيضًا، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ بَعَثَ مُعَاذًا وَأَبَا مُوسَى إِلَى الْيَمَنِ قَالَ: (يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا وَبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا وَتَطَاوَعَا وَلَا تَخْتَلِفَا). فأمر النبي ﷺ بالتطاوع والاتفاق، ولم يكتف به عليه الصلاة والسلام حتى نهاهم عن الاختلاف: (تطاوعَا ولا تختلفَا).
ومن الأدلة أيضًا ما رواه أصحاب السنن وصححه جمع من الأئمة عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ رضي الله عنهما قَالَ : أَلَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَامَ فِينَا فَقَالَ: ( أَلَا إِنَّ مَنْ قَبْلَكُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ افْتَرَقُوا عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً ، وَإِنَّ هَذِهِ الْمِلَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ ، ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ ، وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ ، وَهِيَ الْجَمَاعَةُ)، وورد بلفظ: ( ... وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلَّا مِلَّةً وَاحِدَةً ، قَالُوا: وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي )، فقد بيّن النبيّ ﷺ أن الأمة ستفترق بإرادة الله وتقديره الكوني، وبيّن عليه الصلاة والسلام السبيل إلى النجاة من هذا الافتراق، وهو لزوم سنّته ﷺ وما كان عليه أصحابه الكرام.
وفي صحيح الإمام مسلم عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه دليل آخر على أن الافتراق والاختلاف حاصل في هذه الأمة، ومن أسبابه ترك سُنّة النبي ﷺ، وأن سبيل النجاة مرهون بترك التفرق ولزوم الجماعة واتباع سنّة النبي ﷺ، فعن حذيفة رضي الله عنه قال: كان الناس يسألون رسول الله ﷺ عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله! إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير شر؟
قال: نعم.
فقلت: هل بعد ذلك الشر من خير؟
قال: نعم، وفيه دخن.
قلت: وما دخنه؟
قال: قوم يستنون بغير سنتي ويهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر.
فقلت: هل بعد ذلك الخير من شر؟
قال: نعم، دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها.
فقلت: يا رسول الله! صفهم لنا.
قال: نعم، قوم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا.
قلت: يا رسول الله! فما ترى إن أدركني ذلك؟
قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم.
فقلت: فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام؟
قال: فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك (*).
وفي رواية أخرى لمسلم أيضاً من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنْه وفيه أنه قال:
قلت: فهل وراء ذلك الخير شر؟
قال: نعم.
قلت: كيف؟
قال: يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس.
قلت: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟
قال: تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع.
هذا بيان من النبي عليه صلوات ربي وسلامه يبين فيه حال آخر هذه الأمة، وفيه وصية واضحة وصريحة بوجوب ملازمة جماعة المسلمين وإن لم تكتمل سماتهم واستقامتهم على الدين ولا أظن أحداً ينكر هذا المعنى من الحديث إلا من أراد لويه وتأويله عن ظاهره عافانا الله جميعا من ذلك.
فيوصينا عليه الصلاة والسلام بالسمع والطاعة وإن صدر من الإمام الضرب وأخذ الأموال من الرعية فهل هناك أعظم ظلماً من هذا. . ومع ذلك فالسمع والطاعة ولزوم الجماعة واجب.
والنبي عليه الصلاة والسلام يخبر عن حال الأمة في آخرها، بما يعني أن الظلم يعم في وقتها والدين يضعف فلا يأتي آت ويقول، إنه يقصد بالإمام من كمل دينه واستقام!! فإنه سيناقض نفسه ويتهم صدق النبي ﷺ من حيث لا يدري، لأنه عليه الصلاة والسلام أخبر بأنه سيكون هناك أئمة يجتمع الناس حولهم، في زمن يضعف فيه الدين في نفوس الجميع إلا من رحم ربك وذكر من وصفهم: " لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس -ثم قال-: تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع.
ونحن ولله الحمد لم تصل بنا الحاجة إلى الاعتزال والعض على أصل شجرة، فبفضل الله نستظل تحت ظل جماعة شرعية معتد بها شرعا، تحت امرة رئيس دولتنا صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان وفقه الله وألبسه لباس الصحة والعافية، وكذلك سائر بلاد المسلمين، كل دولة تمثل جماعة مستقلة من جماعات المسلمين يجتمعون حول إمامهم ورئيس دولتهم.
ولو سلمنا جدلا بعدم الاعتداد بهذه الدول، فإنه واضح من الحديث أن العمل حينها هو العكس مما ذهب إليه دعاة التحزب والانتماءات السرية الذين يسوغون التفرق والانفصال عن الجماعة المسلمة الظاهرة إلى فرق وأحزاب، فكان التوجيه النبوي الحكيم على العكس من ذلك؛ فقد جاء باعتزال الفرق وليس اللجوء إليها، بل يبلغ الأمر باعتزال الفرق إلى درجة أن يصل الحال بالمسلم إلى العض على أصل شجرة حتى يدركه الموت وهو على ذلك، وهذا التشبيه من بديع قول رسول الله ﷺ وبليغه الذي يرشدنا إلى اعتزال الفرق ومن باب أولى تحريم إيجادها والترويج إليها. والسؤال الذي يطرح نفسه لدعاة التحزب: أين موقفكم من هذا التوجيه النبوي الحكيم؟!
وقد بيّن النبي ﷺ في الحديث علة الأمر بالاجتماع، والنهي عن الفرقة، فقال: (فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد)، قال الإمام الصنعاني رحمه الله: (فإن الشيطان مع الواحد، يُضِلُّه ويغويه ويَعِدُه ويُمنيه. وهو من الاثنين أبعد، فكيف من كان مع الجماعة). فالشيطان إذا خلا بالإنسان يوشك أن يوسوس فيه ويوقعه في الفتن، لا سيما في هذا الزمن، حيث كثرت الفتن وتنوعت، فمنها فتن الشهوات، التي يقع بسببها الشباب في المحرمات، كالمخدرات ونحوها من المعاصي، ومنها الفتن التي تشكك في المعتقد الصحيح كما في قضايا السمع والطاعة والاجتماع ونبذ التفرق، وتنفر من ولاة الأمر فيصيروا لقمة سائغة للأفكار الدخيلة والآثمة التي تكفِّر المجتمعات وتستحل دماء المسلمين الآمنين وأموالهم، فكم هي فرصة سانحة لمن يتربص بأمن دولتنا واستقرارها في أن ينفرد بمن ينعزل عن المجتمع فيغذيه بالأفكار الإرهابية المنحرفة؛ وكم أن للاجتماع والتآلف سبيل لقطع دابر هؤلاء المفسدين.
وحيث كان الاجتماع بهذا النفع والمردود الحسن على المجتمع، فإن النبيّ ﷺ قد أكد حتمية هذا الاجتماع بغاية عظيمة وعاقبة حميدة يرجوها كل مسلم، ألا وهي دخول الجنة كما في الحديث المتقدم: (من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة)، قال الإمام الشوكاني رحمه الله: (والمراد أن لزوم الجماعة سبب الكون في بحبوحة الجنة لأن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ إلى النار كما ثبت في الحديث).
أسأل الله عز وجل بمنه وكرمه أن يحفظ لنا ديننا ودنيانا، وأمننا واستقرارنا خلف رئيس دولتنا وأن يمن عليه بالعافية. وأن يقينا شرّ الأحزاب ودعاتها.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه.
والحمد لله رب العالمين.