أخلاقنا في وسائل التواصل الاجتماعي


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات

 بسم الله الرحمن الرحيم

لحمد لله الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا، تسبح السماوات السبع والأرض ومن فيهن إنه كان حليما غفورا، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له لم يتخذ صاحبة ولا ولدا وكان بعباده خبيرا بصيرا، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، المبعوث بين يدي الساعة بشيرا ونذيرا صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا أما بعد؛

 ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ   ( [آل عمران :102]، واعلموا أنكم في ممر الليل والنهار في آجال منقوصة وأعمال محفوظة، فالدنيا قد آذنت بانقطاعها ونادت بسرعة زوالها، والموت يأتي بغتة فمن يزرع خيرا يوشك أن يحصد رغبة، ومن يزرع شرا يوشك أن يحصد ندامة، ولكل زارع ما زرع، ألا وإنكم في زمن تقاربت فيه الثقافات، وتلاقحت فيه الحضارات حيث كثرت وسائل التواصل والمعلومات حتى غدا العالم كأنه أسرة واحدة، وخوطب البعيد بالهمس كأنه أقرب قريب، وشاهد الناس الأحداث في أقصى الأرض وقت وقوعها وهم على الأرائك في بيوتهم، وسائل حديثة وتقنيات جديدة، وأجهزة عجيبة ينشر الناس فيها ما يشاءون وهم في بيوتهم مستخفون، استوى فيها الليل والنهار، وتربعت في كل مكان ودار، وتناولها الصغار قبل الكبار وهي دليل على عظمة الباري جل في علاه حيث فتح للناس باب هذا العلم ) وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ  ( [البقرة :255]، ) وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ   ( [النحل :8]، ففتح على عقول أهل زماننا علم هذه التقنيات، وعلم الإنسان ما لم يعلم، وهذا من نعم ربنا علينا والنعم حقها الشكر، ومن شكرها استعمالها في طاعة خالقها والحذر من عصيانه بها، وقد انغمس الناس في حمأة هذه الوسائل، وتفنن أهل الصناعة في تحديث جديدها كل ساعة، وقد اتسع بطنها لحمل كل ما يوضع فيها، فكل طائفة تمليها بما تشاء، وكل قوة توجهها حسب ما تريد، وأهل الأرض أكثرهم كما قال ربهم: ) يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ  ([الأنعام :116 ] منغمسون في الفتن والشبهات، غارقون في الضلال والشهوات ) وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا   ( [النساء :27]، وإن من أعظم بلاء عصرنا بعد أكثر أهل ملتنا عن دينهم وإيمانهم وعلمهم فحتى صاروا لقمة سائغة وغنيمة باردة، حتى راج الإلحاد على بعض العقول الساذجة، وتاه فئام في صحاري الأفكار المنحرفة، وغرق آخرون في أمواج الشهوات المتلاطمة، فتن قد أحاطت، ونذر شر قد دوت، وبلايا طمت وعمت، لا مفر لأحد منها ولكننا أمة ثوابت ودين كامل وعلى محجة واضحة وهدي شامل، دين يراعي المصالح ويتممها ويدرأ المفاسد ويقللها، ومن قواعد ديننا ) وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا   ( [الإسراء :36] ) مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ   ([ق :18] ) فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ‎‏* وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ  (  [الزلزلة :7-8].

فكل ما يفعله الإنسان يحصى عليه، ويسأل عنه ويجازى به، ووسائل الاتصال تدخل مع الإنسان في خلواته، وقد ملئت بشر كثير وخير قليل، والله رقيب لا تخفى عليه خافية، ) إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ   ( [لقمان :16]، فمن لم يتق ربه في خلوته جرفه تيار شهوته، فانظر يا عبد الله في الذي ستلقى به ربك، فالجنازة إذا احتملها الرجال على أعناقهم إن كانت صالحة قالت قدموني قدموني، وإن كانت غير صالحة قالت يا ويلها أين تذهبون بها، يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمعها الإنسان لصعق ويوم القيامة يخرج لكل أحد كتابا يلقاه منشورا أمامه، ) لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا  (  [الكهف :49] يقال له: )اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا   ( [الإسراء :14] فمن اهتدى في الدنيا للخير فلنفسه، ومن ضل فإنما يضل عليها ولا يظلم ربك أحدا، فراقب بصرك لا تنظر به إلى الحرام، فالعين تزني وزناها النظر ومن حفظ بصره طهر قلبه، وحصن فرجه، وراقب سمعك فاحفظ قلبك فمن اعتاد سماع الباطل عسر عليه قبول الحق، واحفظ لسانك فحصائد الألسن تكب الناس في النار على المناخر، والفتن إنما تشعل باللسان، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا ولا يتبين فيها يزل بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب، مهما شتمت فلا تشتم فكل أحد يعبر عن خلقه ومعدنه ودينه، وحفظ اللسان ميزان الإيمان، والله يحب معالي الأخلاق ويكره سفسافها، وليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء، وحسن الخلق أثقل شيء في الميزان، وإن الله يبغض الفاحش البذيء، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت : ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا   ( [الأحزاب :70]، أقول هذا، واستغفر الله العظيم لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

 الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله إمام المتقين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد؛

يا أيها المسلمون إن مما يجب حفظه في وسائل التواصل حفظ القلم والكتابة،

فما من كاتب إلا سيلقى
                         

 

غداة الحشر ما كتبت يداه
 

فلا تكتب بكفك غير شيءٍ
       

 

يسرك في القيامة أن تراه
 

 

ولا تخطن بيمينك ما لا ترجو فائدته عند ربك، فكر في كل ما تكتب، وتأمل في العاقبة، وتأنى في النشر، واستشر إخوانك ومن هو أعلم منك لا تجعل عقلك في أذنيك، ولا تصرفاتك وفق عواطفك، لا تنبري لكل حادثة، ولا تكن مصدا لكل عاصفة، فليس كل ظاهر على ظاهره، والسياسة دهاليز مظلمة، لها رجالها فاحذر من وحلها، لا تلتفت لكل كاتب ولا تصدق كل خبر فكفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع، الأخبار تؤخذ من مصادرها الموثوقة، فالأعداء متربصون والتنكر بالمستعار صبغة وسائل التواصل، والشائعات لها مصانع وأهل الشقاق إذا وجدوا شعرة للفتنة والفرقة ركبوها، والفتن إذا أقبلت فإن الشيطان ينشط، والشائعات تنتشر والكذب يفشو، والمتربصون يتحركون، والأعداء يستغلون، فاحذر أن تكون وقود فتن، أو مطية ضلال، دافع عن بلدك بعدل وحق وإنصاف، ولا يستخفنك المجاهيل ولا السفهاء، الزم السنة وعض عليها بالنواجذ تعصم من كل فتنة، وتمسك بهدي النبوة تسلم من كل ضلالة، وتحصن بلزوم الجماعة تكون في أمان وخيرات وسلامة، وتخلق بأخلاق دينك، وتوجه بالدعاء إلى ربك ودر مع العلماء، والزم غرز الأمراء، واعلم أن من حسن الإسلام ترك ما لا يعني، وأن السلامة لا يعدلها شيء، وأن الخوض في الأمور من غير أهلها يفسدها، وأن المرء يكون تابعا في الخير خيرا من أن يكون رأسا في الضلالة، وأن السعيد لمن جنب الفتن ورزق العافية، وأن العاقل من اتعظ بغيره، وأن الموفق من بدأ بإصلاح شأنه، ورحم الله عبدا استغل هذه الوسائل في نفع نفسه، وتعمير آخرته ونشر الخير بين أهله وفي ربوع أرضه، وبيان أخلاق دينه، وإظهار محاسن إسلامه، وجمال بلده.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمّد وعلى آله وصحبه وسلم.