وجوب بيعة ولاة أمر المسلمين
وجوب بيعة ولاة أمر المسلمين
(# بيعتنا_لمحمد_بن_زايد حفظه الله)
الحمد لله على نعمه والصلاة والسلام على نبيه وعلى آله وصحبه أما بعد...
فمن نعم الله علينا في دولة الإمارات العربية المتحدة أننا منذ قيام الاتحاد نعيشُ ألفةً منقطعة النظير وذلك بعد فضل الله بفضل جهود مؤسس الاتحاد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان -رحمه الله-؛ فسارت البلاد على قلب رجل واحد في ألفة ومحبة حتى إذا جاء أمر الله ورحل المؤسس انتقل الحكم إلى وليِّ عهده الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان -رحمه الله- دون أن تحدث أي زعزعة أو خلاف في المجتمع الناس كلهم على قلب رجل واحد، وها نحن في هذه الأيام نودِّع الشيخ خليفة بن زايد -رحمه الله- بقلوب راضية بقضاء الله وقدره، وينتقل الحكم إلى وليِّ عهده صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، والبلاد والعباد في أتمِّ الألفة لا فوضى ولا خلافات ولا مظاهرات، بل أمن واجتماع فدفَّة سفينة الاتحاد سائرة إلى برِّ الأمان من قائد مرحلة التأسيس إلى قائد مرحلة التمكين ثم إلى قائد مرحلة النهضة.
ومن منطلق الحرص على هذه الوحدة والتأكييد على ما هو مقرر في قلوب شعب الإمارات أرسل هذه المقالة في بيان مفهوم البيعة وأهميتها.
فأولًا: حقيقة البيعة.
البيعة هي: عقد بالعهد على طاعة ولي الأمر المسلم بالمعروف، وهي عقد يجب الوفاء به، بل هي من أعظم العقود التي يجب الوفاء بها؛ ولذا أودعه الإمام مالك في موطئه فعلق ابن العربي المالكي عليه قائلًا: «عقد مالك رحمه الله هذا الباب؛ لأنه أعظم عقود الإسلام التي أمر الله بالوفاء»([1])، وكيف لا تكون من أعظم العقود، وقد أمر الدين بها وحثّ على الوفاء بها ، ورتب على تحقيقها المصالح العظيمة، وعلى تركها النتائج الوخيمة.
ولهذا حرم الشرع نقض البيعة، وحذر من نكثها أشدّ التحذير، ومن سمع قول رسول الله ﷺ: « مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً »([2]) عرف يقينًا أهمية البيعة والتزم مضمونها، وعلم خطورة نكثها وخلعها فاجتنبه حتى لا يكون من الجاهلين المفسدين.
ثانيًا: الإخلاص والصدق في البيعة.
لا بدّ أخي المسلم أن تكون هذه البيعة صادرة من قلب صادق ونية صالحة، لا غشّ فيها ولا غدر ولا خديعة قال أبو العباس القرطبي المالكي: «ولا بُدَّ من التزام البيعة بالقلب وترك الغش والخديعة؛ فإنها من أعظم العبادات، فلا بُدَّ فيها من النية والنصيحة»([3]).
فإذا كانت بيعةُ وليّ الأمر من أعظم العبادات، فلا تجعلها في دنيء الملذَّات فتصيَّرها وسيلة لتحقيق الأغراض الشخصية والشهوات، فتنقلب من أعظم العبادات إلى أخطر المهلكات وقد قال رسول الله ﷺ: « ثلاَثٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ – فذكر منهم- وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا لاَ يُبَايِعُهُ إِلاَّ لِدُنْيَا فَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْهَا وَفَى وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ مِنْهَا لَمْ يَفِ »([4]).
بيّن أبو العباس القرطبي المالكي سبب هذا الوعيد الشديد لمن كان هذا شأنه فقال: «وقوله: (ورجل بايع إمامًا لا يبايعه إلا لدنيا) إنما استحق هذا الوعيد الشديد؛ لأنه لم يقم لله تعالى بما وجب عليه من البيعة الدينية، فإنها من العبادات التي تجب فيها النية والإخلاص، فإذا فعلها لغير الله تعالى من دنيا يقصدها أو غرض عاجل يقصده بقيت عهدتها عليه؛ لأنه منافق مراء غاش للإمام وللمسلمين غير ناصح لهم في شيء من ذلك، ومن كان هكذا كان مثيرًا للفتن بين المسلمين بحيث يسفك دماءهم ويستبيح أموالهم ويهتك بلادهم ويسعى في إهلاكهم؛ لأنه إنما يكون مع من يبلِّغه إلى أغراضه فيبايعه لذلك وينصره ويغضب له ويقاتل مخالفه، فينشأ من ذلك تلك المفاسد»([5]).
وما أكثرَ هذا الصنف في هذه الأزمنة، وإنما تعرفه باتباعه شهوات نفسه، وتكشفه بعدم نصحه وصدقه، وبطعنه في الدولة والحكام إذا خلا بخلّانه، أو إذا مُنع مما كان يركض وراءه من حطام دنياه.
والأمر أخطر إن كانت هذه البيعة -الموهومة في الظاهر، الدنيوية في الباطن- صادرة ممن يُقتدى به ويظهر عليه الصلاح؛ إذ الاغترار به أكثر، والغشُّ من مثله أقبح، والفتنة إذا نكث البيعة منه أخطر، سلمنا الله وإياكم من كلّ مبطل مريد للفتنة والشر.
ثالثًا: البيعة في العسر واليسر.
ومما يجب أن تعرفه أخي القارئ: أن بيعة وليِّ الأمر تكون في جميع الأحوال في المنشط ، والمكره، والعسر، واليسر، وما تحب وتكره إلا في الأمر بمعصية الله، بل جاء الأمر في سنة نبينا ﷺ بطاعة الإمام ولو كان مستأثرًا بالدنيا، والأموال أو بالأراضي، والبنيان أو بالخدم والغلمان، أو بالخلافة والسلطان.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: « عَلَيْكَ السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ فِي عُسْرِكَ وَيُسْرِكَ وَمَنْشَطِكَ وَمَكْرَهِكَ وَأَثَرَةٍ عَلَيْكَ »([6]).
ومن المحذورات العظيمة بعد عقد البيعة لولي الأمر أن ينازعَ المسلمُ وليَّ الأمر حكمه وسلطانه قال عباد بن الصامت رضي الله عنه دعانا النبي ﷺ فبايعناه فقال فيما أخذ علينا: « أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَأَثَرَةً عَلَيْنَا وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنْ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ »([7]).
فتأمل قوله ﷺ: «وأن لا ننازع الأمر أهله» أليس فيه النهي الصريح عن حرمة منازعة ولي الأمر سلطانه؟ وإنما جاء هذا النهي الصريح عن منازعته؛ لأن فيه الخروج عليه، وقد حرم رسول الله ﷺ الخروج على الحكام المسلم فقال ﷺ: « مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ خَرَجَ مِنَ السُّلْطَانِ شِبْرًا فَمَاتَ عَلَيْهِ إِلاَّ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً »، وفي لفظ: « فَإِنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِنْ السُّلْطَانِ شِبْرًا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً »([8]).
وإنما حرم رسول الله ﷺ الخروج على الحاكم وعن الجماعة؛ لأن الخروج يفضي إلى الفساد في الأرض من القتل والنّهب، وذهاب الأمن، وهتك الأعراض، وسلب الأموال؛ لذا وجبت البيعة ولزم الوفاء بها، وبما تقتضيه من أحكام حتى يعمّ السلام وينتشر الأمن، وتقوى كلمة أهل الإسلام.
قال ابن أبي جمرة المالكي في بيان الحِكْمَة المترتبة على بيعة الحكام: «جمع كلمة المسلمين؛ لأنه إذا دار الأمر على واحد كان أجمع للأمر وأعظم للفائدة؛ لأن في ذلك نكاية للعدو وعونًا على إقامة أحكام الله وحدوده»([9]).
فتكون الحِكَم المترتبة على بيعة ولي الأمر تدور على ثلاثة مقاصد عظيمة:
1- تكوين قاعدة سليمة للوحدة.
2- نشر الاستقرار والأمن في البلاد.
3- إقامة أحكام الله في أرضه.
فإذا تبيّن هذا فالواجب على كلّ أهل دولة في قطرها أن يبايعوا وليَّ أمرهم، ولا يبيتوا ليلة -بل ولا ساعة- وليس في عنقهم بيعة لوليّ أمرهم؛ لأنها ساعة جاهلية ولا جاهلية في الإسلام.
وها نحن في دولة الإمارات نعلنها بكل صراحة وديانة وحبٍّ -: هذه أيدينا مددناها بالمبايعة، وهذه قلوبنا عقدنا عليه عقيدة المتابعة والطاعة بالمعروف لوليِّ أمرنا رئيس الدولة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان - حفظه الله - كما قال النبي ﷺ: « مَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ فَلْيُطِعْهُ إِنِ اسْتَطَاعَ فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الآخَرِ »([10]).
وأسأل الله أن يوفق وليَّ أمرنا صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لما يحبه ويرضاه، وأن يسدّد خطاه، هو وجميع حكّام الإمارات.
وأسأله سبحانه أن يديم على دولة الإمارات أمنها واستقراراها وأن يجنبها الفتن ما ظهر منها وما بطن، وجميع بلاد المسلمين إنه سميع مجيب.
([1]) القبس ابن العربي (23/334).
([2]) رواه مسلم (1851).
([3]) المفهم (4/53).
([4]) رواه البخاري (2672) ومسلم (108).
([5]) المفهم (1/308).
([6]) رواه مسلم (1863).
([7]) رواه البخاري (7056)، ومسلم (1709).
([8]) رواه البخاري (7053)، ومسلم (1849).
([9]) بهجة النفوس (1/32).
([10]) رواه مسلم (1844).