من أحكام الصلاة في البيوت
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد ..
فلقد قرر ولي الأمر تعليق صلاة الجماعة والجمع في المساجد في الدولة مؤقتاً كإجراء احترازي منعاً لانتشار العدوى، بما يعرف بوباء كورونا الذي انتشر في أرجاء العالم.
وعليه فسيُلزمُ الناس بالصلاة المفروضة في بيوتهم، فأحب أن أبين لإخواني بعض الأحكام المتعلقة بالصلاة في البيوت .
أولا :
من السنة اتخاذُ مكانٍ للصلاة فيه في البيت، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فِى الدُّورِ وَأَنْ تُنَظَّفَ وَتُطَيَّبَ.رواه أبوداود والترمذي
ذهب بعض أهل العلم إلى أن المقصود بالدار هنا هو محلُّ القبيلة أو الحيِّ، وقال آخرون أن المقصود بالدور منزل الفرد وبيته الذي يسكنه، ولا مانع من حمل اللفظ على معنييه لعدم التعارض بينهما، فقد ورد في السنة ما يؤكدهما.
فروى البخاري عن عِتْبَان بْن مَالِكٍ - وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الأَنْصَارِ - أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ : قَدْ أَنْكَرْتُ بَصَرِى، وَأَنَا أُصَلِّى لِقَوْمِي، فَإِذَا كَانَتِ الأَمْطَارُ سَالَ الْوَادِي الَّذِى بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ، لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ آتِىَ مَسْجِدَهُمْ فَأُصَلِّىَ بِهِمْ، وَوَدِدْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَّكَ تَأْتِينِي فَتُصَلِّىَ فِي بَيْتِي ، فَأَتَّخِذَهُ مُصَلًّى .
قَالَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: « سَأَفْعَلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ » .
قَالَ عِتْبَانُ: فَغَدَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبُو بَكْرٍ حِينَ ارْتَفَعَ النَّهَارُ ، فَاسْتَأْذَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَذِنْتُ لَهُ ، فَلَمْ يَجْلِسْ حَتَّى دَخَلَ الْبَيْتَ ثُمَّ قَالَ « أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّىَ مِنْ بَيْتِكَ » ؟
قَالَ فَأَشَرْتُ لَهُ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ الْبَيْتِ ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَكَبَّرَ ، فَقُمْنَا فَصَفَّنَا ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ .
وجه الدلالة من الحديث: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أقر الصحابي على اتخاذ مصلى في بيته، يصلي فيه إذا ما عجز عن الصلاة في المسجد.
وفائدة وجود مصلى في الدار لأجل صلاة النافلة، وصلاة النساء الفريضة، وصلاة الفوائت.
ثانيا :
هل يؤذن من سيصلي في البيت ويقيم الصلاة ؟
الأذان والإقامة فرض كفاية، فإذا أذن المؤذن وأقام في مسجد الحي فإنه يكفي عن أذان من في المنزل، قال صلى الله عليه وسلم: "فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ " رواه البخاري ومسلم ، وعند البيهقي بسند صحيح عن ابن عمر أنه قال: إذا كنت في قرية يؤذن بها ويقام أجزأ عنك.
ولكنّ المصلي في البيت إن أذن وأقام فلا بأس به، فعن عطاء بن أبي رباح قال: دخلت مع علي بن الحسين على جابر بن عبد الله، فحضرت الصلاة، فأذن وأقام. " رواه ابن أبي سيبة وسنده حسن .
فإذا أذن المؤذن كما هو الحال الآن في المساجد، وصلى الناس في بيوتهم فعليهم أن يقيموا الصلاة قبل الشروع في الصلاة، لأن إقامة الصلاة واجبة ، فإن نسيها أو جهل حكمها فلا شيء عليه.
ثالثا :
صفة إقامة صفوف صلاة الجماعة في البيوت .
يصلي الرجال إذا كانوا أكثر من اثنين فيقف الإمام ويقف خلفه الرجال من أولاده وأحفاده وإخوانه.
وإن كانوا اثنين وقف المأموم على يمين الإمام.
وأما المرأة فتقف خلف الرجال ولو كانت لوحدها.
وكذلك للرجل أن يصلي بزوجته، وتقف الزوجة خلف زوجها.
فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ صَلَّيْتُ أَنَا وَيَتِيمٌ فِي بَيْتِنَا خَلْفَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - وَأُمِّي أُمُّ سُلَيْمٍ خَلْفَنَا " رواه البخاري
رابعا :
يجهر الإمام الذي يصلي جماعة في منزله بالمأمومين في الصلاة الجهرية، ويسر في السرية .
خامسا :
لا تُصلى الجمعة في البيوت، وإنما تُصلى ظهرا، أربع ركعات، ومن لم تجب عليه الجمعة سقط عنه وجوب غسل الجمعة .
سادسا:
هل يشرع للرجل أن يصلي بأهله قيام الليل جماعة ؟
نعم يشرع أحيانا كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن دون مداومة عليه، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ بِتُّ فِي بَيْتِ خَالَتِي مَيْمُونَةَ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنَ اللَّيْلِ فَأَطْلَقَ الْقِرْبَةَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ أَوْكَأَ الْقِرْبَةَ ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ فَقُمْتُ فَتَوَضَّأْتُ كَمَا تَوَضَّأَ ثُمَّ جِئْتُ فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ فَأَخَذَنِي بِيَمِينِهِ فَأَدَارَنِي مِنْ وَرَائِهِ فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ فَصَلَّيْتُ مَعَهُ. رواه أبوداود .
سابعا:
على من صلى جماعةً في البيوت أن يحافظوا على صلاة الراتبة القبلية والبعدية، ولا يحرموا أنفسهم من ثوابها وأجرها، وهذه فرصة لتعليم الأولاد والأهل هذه الرواتب وتشجيعهم على الحرص عليها.
ثامنا:
التأكيد على الخشوع في الصلاة، خصوصاً من يصلي منفردا، ففي كثير من الأحيان يضيع من يصلي منفردا الخشوع في الصلاة، وربما نقر صلاته كما ينقر الديك الحب، فلا يطمئن في أركان الصلاة، فيسرع في قراءته وركوعه وسجوده، وربما انصرف من صلاته وهو لا يتذكر منها شيئاً.
فلب الصلاة وروحها الخشوع، وعلى قدر الخشوع يكتب للعبد أجر صلاته، ومن الناس من يصلي فلا يكتب له من صلاته شيء من الأجر.
عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ « إِنَّ أَسْوَأَ النَّاسِ سَرِقَةً الَّذِى يَسْرِقُ صَلاَتَهُ ». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ يَسْرِقُهَا قَالَ « لاَ يُتِمُّ رُكُوعَهَا وَلاَ سُجُودَهَا » رواه أحمد .
وعلى المصلين في بيوتهم أن لا يستعجلوا بعد الصلاة، فيحافظوا على أذكار ما بعد الصلاة، فإن أجرها عظيم، وفضلها كبير، لا ينبغي التفريط فيه، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « الْمَلاَئِكَةُ تُصَلِّى عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِى مُصَلاَّهُ الَّذِى صَلَّى فِيهِ ، مَا لَمْ يُحْدِثْ ، تَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ " رواه البخاري.
تاسعا:
من السنن التي يمكن إحياؤها في صلاة الجماعة سنة تأخير صلاة العشاء إلى قريب ثلث الليل الأول، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ: صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- صَلاَةَ الْعَتَمَةِ فَلَمْ يَخْرُجْ حَتَّى مَضَى نَحْوٌ مِنْ شَطْرِ اللَّيْلِ فَقَالَ « خُذُوا مَقَاعِدَكُمْ ». فَأَخَذْنَا مَقَاعِدَنَا فَقَالَ: « إِنَّ النَّاسَ قَدْ صَلَّوْا وَأَخَذُوا مَضَاجِعَهُمْ وَإِنَّكُمْ لَنْ تَزَالُوا فِى صَلاَةٍ مَا انْتَظَرْتُمُ الصَّلاَةَ وَلَوْلاَ ضَعْفُ الضَّعِيفِ وَسَقَمُ السَّقِيمِ لأَخَّرْتُ هَذِهِ الصَّلاَةَ إِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ"
وعند البخاري عن أَبِى بَرْزَةَ الأَسْلَمِىِّ ، فَقَالَ لَهُ أَبِى كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّى الْمَكْتُوبَةَ فَقَالَ : وَكَانَ يَسْتَحِبُّ أَنْ يُؤَخِّرَ الْعِشَاءَ الَّتِي تَدْعُونَهَا الْعَتَمَةَ ، وَكَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَهَا وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا.." وعند مسلم من حديث جابر: " إِذَا وَجَبَتْ وَالْعِشَاءَ أَحْيَانًا يُؤَخِّرُهَا وَأَحْيَانًا يُعَجِّلُ كَانَ إِذَا رَآهُمْ قَدِ اجْتَمَعُوا عَجَّلَ وَإِذَا رَآهُمْ قَدْ أَبْطَئُوا أَخَّرَ "
قال الحافظ ابن حجر في الفتح: " فَعَلَى هَذَا مَنْ وَجَدَ بِهِ قُوَّةً عَلَى تَأْخِيرِهَا وَلَمْ يَغْلِبْهُ النَّوْمُ وَلَمْ يَشُقَّ عَلَى أَحَدٍ مِنَ الْمَأْمُومِينَ فَالتَّأْخِيرُ فِي حَقِّهِ أَفْضَلُ ."
عاشرا:
ينبغي للمصلي في البيت أن لا يهمل أخذ الزينة للصلاة، كما أمر الله سبحانه وتعالى فقال : " يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ " [الأعراف:31 ] ، فلا يصل في ملابس ضيقة أو شفافه أو قصيرة تنحسر عن العورة، أو ملابس نوم لا تليق بالمصلي أن يقف بها بين يدي الله سبحانه وتعالى، فالله أحق أن يُتزين له .
فاحرصوا رحمكم الله على الصلاة جماعة في بيتوكم، وعلموا أولادكم أحكام الصلاة، إلى أن يرفع الله هذا الوباء، فيرجع المسلمون إلى بيوت الله، فيرفعونها بالصلاة والذكر وقراءة القرآن .
كما أذكر إخواني بقول الله سبحانه وتعالى : " وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى " [طه:132]
والحمد لله رب العالمين .