من سمات الشريعة الإسلامية أنها شريعةٌ سمحةٌ سهلةٌ، لا عُسْرَ فيها بتكليفِ ما يَشقُّ القيام به، يقول نبينا صلى الله عليه وسلم: »أحبُّ الدِّين إلى الله تعالى الحنيفيَّةُ السَّمحة«، أي: الشَّريعةُ الزَّكيَّةُ الطاهرة المائلة عن كلِّ باطلٍ من جهة الاعتقاد، السهلة الميسورة الوسطية التي لا إفراط فيها ولا تفريط من جهة العمل والأحكام، وذلك لأنَّ المقصودَ من التشريع: صلاحُ أحوال العباد وسعادتهم وجلب المصالح لهم، ودفع المفاسد والمضار عنهم، وتحقيق العدل في كلِّ شيء، فهو إنَّما جاء للتيسير والتخفيف لا للإعنات والمشقة.
ومن مظاهر التيسير في الشريعة:
أولا: أنَّ الأحكام والتشريعات في الإسلام جاءت ميسورة سهلة، قال الله سبحانه: {ما جعل عليكم في الدين من حرج}، أي: مشقةٍ وعسرٍ، بل وسَّعه عليكم ويسَّره لكم غاية التيسير، فالصلوات الخمس لا تستغرق من وقت العبد إلا جزءًا يسيراً، والزكاة جزءٌ يسيرٌ لإعانة الفقراء والمحتاجين، والحج لا يجب إلا مرَّةً واحدةً في العمر للمستطيع، والصيام شهر واحد من كل عام، وهكذا في سائر العبادات، وكلُّها يسيرةٌ مقدورة.
ثانيا: أنَّ التكاليف الشرعية مقيَّدةٌ بالاستطاعة، قال الله تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم}، وقال سبحانه: {لا يكلِّف الله نفسًا إلا وُسعها} أي: طاقتها. من أجل ذلك شرع الله سبحانه الرُّخَص والتخفيفات، ففي الصلاة التي هي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، يسقط القيام عند العجز، فيصلي المرء جالسا، فإن لم يستطع صلى على جنبه، وتُقصَر الصلاة الرباعية في السفر، ويسقط استقبال القبلة في النافلة للمسافر، كما يسقط الوضوء إذا شق على الإنسان استعمال الماء أو كان يتضرر به وجاز له التيمم، إلى غير ذلك من الرُّخص والتخفيفات في سائر الفروض والواجبات.
ثالثا: إباحة المحظورات عند الضرورة، قال الله تعالى: {من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أُكره وقلبه مطمئن بالإيمان}، وقال سبحانه: {وقد فصَّل لكم ما حرَّم عليكم إلا ما اضطررتم إليه}، فالميتة حرامٌ بالإجماع، ولكن من خاف على نفسه الهلاك ولم يجد إلا الميتة جاز له الأكل منها بما يحفظ النفس ويقيها من الهلاك.
رابعا: الحث على الاعتدال والنهي عن التكلف والتشدد، قال الله تعالى: {قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين}، وفي الحديث: »هلك المتنطِّعون«، أي: الغالون، وقد كانت طريقة النبي صلى الله عليه وسلم هي الحنيفية السمحة، فكان يُفطر ليتقوى على الصيام، وينام ليتقوى على القيام، ويتزوج لإعفاف النفس، قال عليه الصلاة والسلام: »فمن رغب عن سنَّتي فليس منِّي«.
إلى غير ذلك من مظاهر التيسير في الشريعة الإسلامية، وفي ضوء ذلك ننبِّه على أمور، منها: أولا: أنَّ الشريعة إنما جاءت مُيسَّرةً مشتملةً على قواعد التيسير والتخفيف، فكلُّ خروج عن هذا الميزان الإلهي فهو خروجٌ عن التيسير؛ وسرُّ ذلك أنَّ التيسير في الشرع جاء بمعنى عظيمٍ منوطٍ بتحقيق المصلحة والمنفعة ودفع المفسدة والمضرَّة، وحينئذٍ فكلُّ ما فيه ضررٌ على الإنسان فهو خارجٌ عن حدود التيسير وإن جاء موافقًا لنوازع النفس ودواعي الهوى؛ لما يقابل ذلك من المفاسد والمضار في العاجل أو الآجل.
ثانيا: أنَّ كلَّ طريقٍ إلى التيسير لا يخالف الشَّرع، فهو الأوفق لروح الشَّريعة وسماحتها، وقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا خُيِّر بين أمرين اختار أيسرهما ما لم يكن إثما، ومن هنا ينبغي التحذير من التحجير على الناس فيما وسَّعه الله عليهم أو تحريم ما أحلَّه لهم، فإنَّ ذلك من أعظم الاعتداء، قال الله تعالى: {قل من حرَّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيِّبات من الرزق}، وقال سبحانه: {يا أيها الذين آمنوا لا تحرِّموا طيِّبات ما أحلَّ الله لكم}.
ثالثا: على المتصدرين للدعوة ألا يكلِّفوا الشباب ما لا يطيقون، وألا يزجوا بهم فيما لم يكلفهم الله به، وأن يلتزموا التيسير والرفق والرحمة في دعوة الناس وتعليمهم، ففي الحديث: »إنما بُعثتم مُيسِّرين، ولم تُبعثوا مُعسِّرين«، وعلى الشَّباب أن يعوا ما اشتمل عليه دينهم من الرحمة والتيسير والسماحة، ليتمسكوا به ويعضوا عليه بالنواجذ.