المحرمات من النساء


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات
القسم: 
القسم: 

الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَىٰ خاتم النبيين، وأشهد أن لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وأشهد أن مُحَمَّدًا عبده ورسوله؛ أَمَّا بَعْدُ

قَالَ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ؛ فالفقه في الدين ومعرفة الواجبات الشرعية من الأمور العظيمة والمهمة، ومن الفقه في الدين: معرفة الحلال والحرام، من ذلك: معرفة المحرمات من النساء.

ونظراً لجهل كثير من المسلمين معرفة ما يحل لهم من النساء وما يحرم، وهل يجوز الدخول عَلَىٰ زوجة العم، أو زوجة الخال، أو زوجة الجد، أو بنت الزوجة، أو عمة الزوجة، أو خالتها؟ وهل تجوز الخلوة بهم أم لا؟

وهل يجوز الزواج من خالة الزوجة أو عمتها أم لا؟

نعم ، في حالة طلاق الزوجة أو وفاتها.

وهل يجوز الزواج من بنت عمة الأب أو بنت خالة الأم أم لا؟

نعـم.

وهل يجوز الزواج من أم التي أرضعتك؟

لا؛ لأنها جدتك بالرضاعة.

وهل يجوز الزواج من أخت الابن من الرضاعة؟

نعـم.

وهل يجوز الزواج من البنت من الرضاعة لأخيه من النسب؟

لا؛ لأنه عمها من الرضاعة.

وهل يرث الأخ من الرضاعة أم لا؟

لا يرث.

وهل يحل للرجل أن يتزوج الزوجة السابقة لزوج أمه أم لا؟

نعـم.

ولأهمية معرفة هٰذِه المسائل، ولما يتعلق بها من أحكام كثيرة في حياة المسلمين، مثل أحكام الزواج، وأحكام النظر، وأحكام الخلوة، وأحكام الإرث، والنفقة، وغيرها. قَالَ تَعَالَىٰ: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا 23 [النساء: 23]، فهٰذِه الآية هي الأصل في المحرمات من النساء، وفيها إشارة إِلَىٰ نوعين من المحرمات:

محرمات إِلَىٰ الأبد (مؤبد)، أي: لا يجوز الزواج منهن، ويعتبرن محارم، ويجوز السفر والخلوة معهن.

محرمات إِلَىٰ أمد (مؤقت)، أي: لا يجوز الزواج منهن إلا بعد زوال السبب، ولا يعتبرن محارم .

وسنتكلم بالتفصيل عن كل نوع من النوعين وأقسامهما :

النوع الأول: المحرمات إِلَىٰ الأبد، أي: عَلَىٰ سبيل التأبيد، أي: يحرم الزواج منهن ويعتبرن محارم، يجوز النظر إليهن والخلوة بهن ومصافحتهن؛ فإذا تزوج الرجل منهن وهو يعلم بِالتَّحْرِيْمِ، فإنه يُقتل تعزيراً؛ لحديث البراء "أن رسول الله صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بقتل رجل أعرس عَلَىٰ امرأة أبيه بعد علمه بِالتَّحْرِيْمِ" رواه أحمد، وهٰذَا النوع أربعة أقسام من حيث السبب، وهي:

المحرمات مؤبد بسبب القرابة.

وبسبب المصاهرة.

وبسبب الرضاعة.

وبسبب اللعان.

المحرمات مؤبد بسبب القرابة، وهن أربعة أصناف:

الأم والجدات، وإن علون من جهة الأب والأم. قَالَ تَعَالَىٰ: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ [النساء: 23].

البنات وبنات الأولاد وإن نزلن، قَالَ تَعَالَىٰ: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ، وكذلك البنات من الزنى، والتي تخلقت من ماء الرجل بمعصية، وكذلك بنت اللعان للزوج الملاعن.

الأخـوات وبنات الأخـوة والأخـوات، وإن نزلن. أي: فروع الأبوين أو فروع أَحَدهما، قَالَ تَعَالَىٰ: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ، وكذلك الأخت من الزنى، وبنت الأخ أو الأخت من  الزنى، وما تناسل منهما .

العمات والخالات، وهن: عمات الرجل، وخالاته، وعمات أبيه وأمه، وخالاتهما، وخالات وعمات الأجداد، وإن علون، قَالَ تَعَالَىٰ: ﴿وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ، وكذلك الأنثى يحرم عليها الزواج من عمها، وعم أبيها، وأمها، وكذلك خالها، وخال أبيها وأمها .

المحرمات مؤبداً بسبب المصاهرة (الزواج)، وهن أربع :

أصول الزوجة من أبيها وأمها قَالَ تَعَالَىٰ: ﴿وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ سواء دخل الرجل بالزوجة أو لا، فيحرم بمجرد العقد، ويدخل في أصول الزوجة أُمها وأمهات أبيها، وجدها وأمهات أمها وجدتها، وإن علون .

فروع الزوجة وإن نزلن أي بناتها وبنات أولادها بشرط الدخـول بالزوجـة ولا يكفي العقد ، قَالَ تَعَالَىٰ: ﴿وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ، وكذلك أيضاً بنت الربيب، وهو: ابن الزوجة من آخر.

قاعدة في تحريم البنات: (العقد عَلَى البنات يحرم الأمهات، والدخول بالأمهات يحرم البنات).

زوجـات الأصول وإن علوا: وهن زوجـات الأب والجد لأب أو أم ، وذلك بمجرد العقـد، قَالَ تَعَالَىٰ: ﴿وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ [النساء: 22].

زوجات الفروع وان نزلوا : وهن زوجات الابن وابن الابن وابن البنت (زوجات الأحفاد) وان نزلن وذلك بمجرد العقد ـ قَالَ تَعَالَىٰ: ﴿وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ [النساء: 23].

المحرمات مؤبدا بسبب الرَّضَاع، وهن ثماني نساء :

الأمهات من الرضاعة وإن علون، أي: المرأة التي أرضعت وأمهاتها نسبًا أو رضاعاً، وكذلك أصول الأب الرضاعي، وهو الذي كان سببا في إدرار اللبن بسبب حمل له. ودليل  التَّحْرِيْم: قوله تَعَالَىٰ: ﴿وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ، ولا تحرم الأم الرضاعية للعم أو العمة أو الخال أو الخالة، ولا تحرم الأم النسبية للأخ والأخت الرضاعيين من باب أولى الأم الرضاعية لهما، ولا تحرم الأم الرضاعية للأخ من النسب أو الأخت من النسب.

البنات وبنات الأولاد الرضا عيين، وان نزلن: فلو رضع طفل من امرأة؛ حرمت عليه المرأة وبناتها وبنات بناتها وبنات أولادها، وإن نزلن كن نسبًا أو رضاعًا، وصار زوج المرأة أباه من الرضاعـة، ويحرم لهٰذَا الأب الرضاعي أن يتـزوج من بنت هٰذَا الرضيـع وكل من تناسلن منه، ودليل التحريـم: حديث «إن الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وعند مسلم: «يحرم من الرضاعة ما يحرم من النَّسَب».

الأخوات من الرضاعة وبناتهن، وبنات الإخوة من الرضاعة وإن نزلن: قَالَ تَعَالَىٰ: ﴿وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ، فإذا اجتمع رضيعان عَلَىٰ ثدي أم واحدة؛ كانوا إخوة من الرَّضَاع، وكذلك إذا تزوج رجل من امرأتين، رضعت واحده طفلا والأخرى طفله، فهما أخوان من الرضاعة؛ لأن الأب الرضاعي واحد، وقد سُئل ابن عباس عن هٰذِه المسألة، وهل يحل الزواج من الرضيعين أم لا؟ فَقَالَ: (لا يحل؛ لأن اللقاح واحد) رواه البخاري، يريد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن ماء الرجل الذي تسبب في نزول اللبن واحد، وتحرم أيضا بنات الأخ وبنات الأخت الرضاعين وإن نزلن، ولها ثلاث صور وهي:

أـ أن تكون البنت النسبية لأخيه أو أخته من الرضاع: روى مسلم في صحيحه: أنه عرض عَلَىٰ رسول الله الزواج من بنت عمه حمزة؛ فَقَالَ: «إنها لا تحل لي؛ لأنها ابنة أخي من الرضاعة» وكانت ثوبية أرضعتهما.

ب ـ أن تكون البنت الرضاعية لأخيه أو أخته من الرضاع: أي بنت الأخ الرضاعي من الرضاعة

ج ـ أن تكون البنت الرضاعية لأخيه أو أخته من النسب: روى الشيخان أن عائشة قد رضعت في صغرها من امرأة أبي القعيس، فجاء أخوه أفلح يستأذن عليها في الدخول بعد نزول آية الحجاب، فلم تأذن له، وقَالَت: "إنما أرضعتني امرأة أخيه فلا آذن له حتى أسأل رسول الله"، فَقَالَ رسول الله: «إنه عمك فأذني له» فهي البنت الرضاعية لأخيه من النسب.

 لا تحرم الأخت الرضاعية للابن من النسب، فيحل لوالده الزواج منها لعدم وجود صلة بينهما.

لا تحرم الأخت النسبية للابن من الرضاع، فيحل للأب الرضاعي أن يتزوج الأخت النسبية لابنه الرضاعي، وذلك لعدم وجود صلة بينهما لا من النسب ولا من الرضاعة .

العمات والخالات من الرضاعة: أي أخوات الأب الرضاعي، سواء كن أخواته من الرضاع أو من النَّسَب، وأخوات الأم الرضاعية، سواء كن أخواتها من الرضاع أومن النَّسَب، كذلك يحرم الزواج من العمات والخالات الرضاعيين لأبيه أو جده وإن علواودليل التَّحْرِيْم: حديث «إن الله حرم من الرضاع ماحرم من النَّسَب» رواه مسلم.

الأمهات الرضاعية للزوجة، وإن علون، وذلك بمجرد العقد عَلَىٰ الزوجة: فلا يجوز الزواج من الأم الرضاعية للزوجة، وكذلك الأم الرضاعية لأمهات الزوجة نسباً ورضاعة.

البنات الرضاعيات للزوجة بسبب رجل ثان، وكذلك بنات أولادها وإن نزلن، وَلَا بُدَّ من دخول الرجل بالزوجة لكي تحرم بناتها من الرضاعة عليه، فإذا تزوجت إمرأة رجلين، وكانت قد أرضعت طفلة بلبن اَلْأَوَّل؛ فهو أبوها من الرضاعة، والزوج الثاني زوج أمها الرضاعية، فيحرم عَلَىٰ الزوجين الزواج منها.

زوجات الأصول الرضاعيين وإن علون، وذلك بمجرد العقد فَقَطْ، أي: زوجة الأب الرضاعي للرجل، وزوجة جده الرضاعي.

زوجات الفروع الرضاعين وإن نزلوا بمجرد عقد الفروع عليهن: أي زوجات الابناء من الرضاعة، فالأب الرضاعي تحرم عليه زوجة ابنه من الرَّضَاع، وكذلك زوجة ابن بنته من الرضاع.

 

 أحكام التحريم من الرضاعة:ـ

الأصل في التحريم من الرضاعة : قَالَ تَعَالَىٰ: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ [النساء: 23]، قَالَ رسول الله صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إن الرضاعة تحرم ما يحرم من الولادة» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ/ فتح (5/253)، وفي لفظٍ لمسلم: «يحرم من الرضاعة ما يحرم من النَّسَب» وأجمع العلماء عَلَىٰ ذلك.

بِمَ يثبت الرَّضَاع؟ يثبت بشهادة امرأة واحدة مقبولة، أي: عدلًا، وغير متهمة في دينها، وليس لها مصلحة في ذلك، والدليـل: ما رواه عقبـة بن الحارث: أنه تزوج أم يحيى بنت إهاب، فجاءته أمـة سوداء، فقَالَت: "قد أرضعتكما"، قَالَ: فذكرت ذلك له، فَقَالَ: "وكيف وقد زعمت أنها أرضعتكما" فنهاه عنها. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

خطورة أمر الرضاعة: إن أمر الرضاعة أمر خطير جدًّا، وأثره  في العلاقات بين الناس عظيم، ويترتب عليه أحكام كثيرة ومتعددة، ومسؤولية كبيرة جدًّا يوم القيامة. والمسلمة لا ينبغي لها أن تلقم ثديها طفلًا دون ضرورة ملحة لَا بُدَّ منها، وعَلَىٰ أن يتم ذلك في موقف معلوم وبحضور شهود، ويشاع الأمر بين أسرة المرأة المرضعة وأسرة الطفل الراضع وأسرة زوج المرأة المرضعة. والمرضعة لَا بُدَّ أن تكون ثقة في دينها وأمانتها وخلقها وصحتها؛ فالرضاع صلة بين المرضعة ورضيعها، يدخل عليها وتسافر معه، فعَلَىٰ المرضعة: أن تعرف من أرضعت، وتكتب ذلك؛ حَتَّىٰ لا يقع رضيعها في الحيرة، وقد يتزوج بالمحرمة عليه، وعَلَىٰ الأم من النَّسَب: أن تفهم ابنها بما حصل منه من رضاع في حال صغره، وعَلَىٰ الوالد أيضًا: أن يلاحظ الابن والأم، ويخبر ابنه بمرضعاته، ومن تحرم عليه بسببه، وعَلَىٰ المولود إذا شبَّ وكبر: أن لا يتساهل في الأمر ويبتعد بأدنى شبة يراها.

أثر العلم بالرضاعة المحرم بعد الزواج: فإذا تزوج الرجل بإحدى المحرمات من الرَّضَاع، ودخل بها دون علم؛ فيجب التفريق بينهما فورًا، ويترتب عَلَىٰ ذلك ما يلي:

أـ إذا نتج الأولاد؛ ثبت نسبهم من الرجل ومن المرأة معًا، ويرثان من والديهما، بينما لا توارث بين الرجل والمرأة .

ب- تثبت العدة عَلَىٰ المرأة المدخول بها؛ للتأكد من براءة الرحم، ويجوز لها الزواج بعد ذلك

ج ـ يثبت بهٰذَا الدخول حرمة المصاهر، فلا يحل للرجل أن يتزوج بأصول أو فروع المرأة التي  فارقها بسبب حرمة الرضاع، وتحرم هي عَلَىٰ أصوله وفروعه .

شروط الرضاع المحرم :ـ

التحقق من ثبوت الرضاعة، أي: انتقَالَ اللبن من المرضع إِلَىٰ الرضيع، فلو كان مشكوكا فيه؛ لم يثبت

دخول اللبن إِلَىٰ جوف الراضع سواء عن طريق مص الثدي أو الصب في الفم أو الأنف .

أن يكون الطفل في سن الرضاعة، وهو أقل من سنتين لقوله تَعَالَىٰ: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ [البقرة: 233].

أن لا يقل عدد الرضعات عن خمس رضعات عَلَىٰ الراجع من أقوال العلماء، وقد اختلف العلماء في هٰذِه المسألة عَلَىٰ ثلاث أقوال مشهورة هي :

أـ يثبت التحريم برضعة واحدة وأكثر، لإطلاق الرضاع في الآية: ﴿وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ [النساء: 23]، وكما رواه الشيخان :عن عقبة بن الحارث قَالَ: "تزوجت أم يحيى، فجاءت أمة سوداء، فقَالَت: قد أرضعتكما" .. الحديث، ولأن إنشاز العظم وإنبات اللحم يحصل بقليل الرضاع وكثيرة، وهٰذَا مذهب بعض الصحابة والتابعين والأوزاعي وأبي حنيفة ومالك وراوية عن أحمد .                  

ب ـ  يثبت التحريم بثلاث رضعات فأكثر؛ لحديث أم الفضل قَالَت: دخل إعرابي عَلَىٰ رسول الله، وهو في بيتي، فقَالَ: يا نبي الله، إني كانت لي امرأة فتزوجت عليها أخرى، فزعمت امرأتي الأولى أنها أرضعت امرأتي الحدثى رضعة أو رضعتين، فقَالَ نبي الله: «لا تحرم الإملاجة ولا الإملاجتان» رواه مسلم، وفي رواية: «لا تحرم المصة ولا المصتان»، وهٰذَا حديث في نفي التحريم بما دون الثلاث، وذهب إِلَىٰ هٰذَا بعض السلف والتابعين وداوود وابن المنذر ورواية عن أحمد .          

ج ـ يثبت التحريم بخمس رضعات فأكثر وهو الراجح؛ لما رواه مسلم وغيره عن عائشة قَالَت: "كان فيما نزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ، ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفى رسول الله وهن فيما يقرأ من القرآن"، وهٰذَا تقييد للمطلق، ولما رواه مالك وأحمد ومسلم: لما نزل تحريم التبني جاءت سهلة زوج أبي حذيفة، فقَالَت: يا رسول الله! كنا نرى سالما ولدا، يأوي معي ومع أبي حذيفة ويراني فضلا، وقد أنزل الله عَزَّ وَجَلَّ فيهم ما قد علمت، فقَالَ: «أرضعيه خمس رضعات» فكان بمنـزلة ولدها من الرضاعـة، وهٰذَا تحديد من الرسـول يقتضي أن ما دون الخمس لا يحرم، وذهب إِلَىٰ هٰذَا بعض الصحابة والسلف والإمام الشافعي وأحمد بن حنبل في ظاهر مذهبه وابن حزم، "وكانت عائشة إذا أرادت أن يدخل عليه أحد؛ أمرت إحدى بنات إخوتها أو أخواتها فأرضعته خمس رضعات" رواه مسلم .

الأحكام التي تتفق أو تختلف فيها حرمة الرضاع مع حرمة النسب:

    أ- تتفق حرمة الرضاع مع الحرمة من النسب في حرمة النِّكَاح، وجواز النظر وجواز الخلوة، ويكون محرماً لها في السفر وجواز المصافحة أيضاً .

    ب- وتختلف الحرمة بالرضاع مع الحرمة من النسب فيما يلي:

الإرث؛ فلا توارث بسبب القرابة التي تنشأ بسبب الرَّضَاع.

لا تثبت أحكام نفقة الأقارب بين المحارم من الرَّضَاع.

لا يكون العاصب الرضاعي -سواء كان أبا أو ابناً أو أخا- وليًّا في النِّكَاح، ولا واليا للدم .

قرابة الرضاع لا تتحمل دية القتل الخطأ، وإنما يتحملها العاقلة، وهم: عصبة الرجال من النَّسَب.

يحل للأصول الزواج من مرضعات الفروع، ولا يحل للفروع الزواج من مرضعات الأصول؛ فيحل الزواج من مرضعة الابن أو الحفيد، ولا يحل الزواج من مرضعة الأب أو الجد أو الأم أو الجدة، ويحل للمرأة الزواج من الأب الرضاعي لابنها النسبي، ويحل الزواج من مرضعة العم أو الخال؛ لأنهما ليسا من الأصول. واللهُ أَعْلَمُ.

ومن المحرمات مؤبداً المحرمات بسبب اللعان: وهي المرأة التي اتهمها زوجها بالزنى، ولم يكن عنده بينة، وتمَّ اللعان بينهما بالصفة الشرعية، وتم التفريق بينهما بحرمة أبدية، ولو كذب الزوج نفسه بعد ذلك؛ لقوله صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المتلاعنان: «لا يجتمعان أبدًا» رواه أحمد. والصفة الشرعية للعان هي:-

*  (أن يشهد الرجل أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين، والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين)، ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ 6 وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ 7 وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ 8 وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ 9 [النور: 6 - 9].

 النوع الثاني: المحرمات إِلَىٰ أمد (مؤقت)، أي: إِلَىٰ بعد زوال السبب :-

وهٰذَا النوع لا يبيح الخلوة والمصافحة والنظر إليهن، وإنما يبيح ذلك بعد زوال الأسباب، ولا يكون الرجل محرما لهن، وهن ثمانية أصناف :-

المرأة التي تعلق بها حق للغير، مثل:

أ- زوجة رجل آخر أو مطلقتـه طلقة رجعيـة لم تنقضِ عدتها؛ لقوله تَعَالَىٰ: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ [النساء: 24]، ومن ذلك: زوجة الربيب إذا فارقها الربيب وانتهت عدتها، يجوز الزواج منها حِيْنَئِذٍ، ومن ذلك: زوجة العم، وزوجة الخال، وكذلك زوجة عم الأب، وزوجة خال الأب، وإن علون؛ فيجوز الزواج منهن بعد الفرقة من العم أو الخال، وبعد انتهاء العدة.

ب -المرأة المعتدة، سواء من وفاة أومن طلاق بائن أو فسخ أو خلع.

ج- المرأة الحامل، سواء من النسب أو من الزنى حتى تضع حملها وذلك عدتها.

من ليـس لها دين سمـاوي -أي غير اليهوديـة والنصرانيـة- إلا بعد الإسـلام؛ قَالَ تَعَالَىٰ: ﴿وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ [البقرة: 221]، كذلك لا يحل للمسلم أن يمسك زوجته إن كفرت بالله، قَالَ تَعَالَىٰ: ﴿وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ [الممتحنة: 10].

المطلقة ثلاثا عَلَىٰ مطلقها: حتى تنقضي العدة، ثم تتزوج زوجا غيره زواجا صحيحا، بقصد دوام العشرة، ويدخل عليها، ثم يطلقها أو يموت عنها، وتنقضي العدة.

الخامسة لمن عنده أربع: حتى يفارق إحداهن وتنقضي عدتها أو تموت.

  ومن المحرمات مؤقتا: الجمع بين محرمين، مثل الأختين سواء من النسب أو من الرضاع ، قَالَ تَعَالَىٰ: ﴿وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ [النساء: 23]، ومثل الجمع بين المرأة أو خالتها نسبا أو رضاعا؛ قَالَ رسول الله صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تنكح المرأة عَلَىٰ عمتها، ولا عَلَىٰ خالتها، ولا عَلَىٰ ابنة أخيها، ولا عَلَىٰ ابنة أختها؛ فإنكم إن فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم» رواه مسلم.

* وكذلك لا يجوز الجمع (مؤقتا) بين المرأة وخالة أبيها.

* أو خالة أمها، وكذلك بين المرأة وعمة الأبوين، والأجداد والجدات.

* ومن ذلك : يحرم الجمع بين المرأة وابنتها، فإذا دخل عليها حرمت أبدية .

ملاحظة: (يحل الجمع بين امرأتين، وإن كانت بينهما قرابة رحم، كبنتي العم، أو بنتي عمة، أو بنتي خال، أو بين بنت خال وبنت عم).

الأمة للمتزوج من حرة: لا يحل لمن كان متزوجا من حرة أن يتزوج عليها أمة مملوكة لغيره، إلا بعد أن يطلق الحرة، وتنتهي عدتها؛ لأن الزواج من الإماء ثبت لمن لا يستطيع الزواج من حرة، قَالَ تَعَالَىٰ: ﴿وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ [النساء: 25].

المرأة المُحرمة، أي: في حالة الإحرام بحجٍّ أو عمرة أو كليهما، وكذلك الرجل المحرم لا يتزوج، قَالَ رسول الله صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا ينكح ولا يخطب» رواه مسلم

زواج الأمة من سيدها وزواج العبد من سيدته، إلا إذا أعتقاهما؛ فلا يحل للسيد أن يتزوج من أمتـه إلا إذا أعتقها، وهٰذَا لا يمنع الاستمتاع بها؛ "لأن النبي صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعتق صفية بنت حيي، وجعل مهرها عتقها، ثم تزوجها"، وكذلك السيدة لا يجوز لها أن تتزوج عبدها إلا بعد عتقه.

 

هٰذَا ما يسر الله جمعه من هٰذَا الموضوع (المحرمات من النساء).

وَآَخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ