الدعاء هو العبادة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «الدعاء هو العبادة» ثم قرأ {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}[غافر:60] [رواه أبو داود]
الدعاء أكرم الأمور على الله -تبارك وتعالى-، فعن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «ليس شيءٌ أكرم على الله من الدعاء» [رواه البخاري في الأدب المفرد]
لأن الدعاء فيه إظهار التذلل والافتقار إلى الله -سبحانه وتعالى-، وهو من العبادات الجليلة التي حثّ عليها الشرع، ورغّب فيها؛ لأن العبد يكون عند دعائه ربه -سبحانه وتعالى- قريبًا منه يناجيه ويشكو إليه ما أهمّه في هذه الحياة الدنيا، والله -سبحانه وتعالى- يسمع عبده إذا دعاه، فيُجيب من دعاه -عز وجل- .
وقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: «الدعاء هو العبادة» لأن العبودية هي: التذلل والافتقار لله، والدعاء علامةٌ بيّنة على هذا الأمر العظيم، وهو العبودية لله -تبارك وتعالى- والله -عز وجل- قال: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}[الذاريات:56].
فيحرص المسلم على دعاء الله -عز وجل- والإكثار من ذلك بأسمائه الحسنى، ويدعوه وحده -عز وجل- لا يدعو أحدًا معه، ولا يدعو أحدً سواه .
ثم قرأ -صلى الله عليه وسلم- قول الله -تبارك وتعالى-: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}[غافر:60]، فأمرنا الله -سبحانه وتعالى- بدعائه، وضَمِنَ لنا استجابة الدعاء.
ثم قال: { إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}[غافر:60]، في هذا: التحذير مِن عدم الدعاء، ومِن عدم الإقبال على دعاء الله -تبارك وتعالى- أو التكبّر على هذا الأمر بالوعيد الشديد بدخول نار جهنم مع الذلّة والصّغَار؛ جزاءً على الاستكبار عن دعاء الله وعبادته، ففي الحديث الحث على دعاء الله -تبارك وتعالى- في كل حال، والوعيد الشديد على ترك هذا الأمر العظيم، فالله -تبارك وتعالى- يُحب من عبده أن يدعوه، وأن يسأله، وأن يطلب منه حاجته، ويغضب -سبحانه وتعالى- إذا ترك الإنسان هذا الأمر العظيم أمر الدعاء .
والدعاء عبادةٌ عظيمةٌ لها نوعان:
فالنوع الأول من أنواع الدعاء: هو دعاء العبادة وهو الثناء على الله -تبارك وتعالى- بصفاته وأسمائه الحسنى، والمدح له -سبحانه وتعالى- كقول الداعي: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام .
والمسلم يحرص إذا دعا الله -تبارك وتعالى- أن يبدأ بالثناء والاعتراف بنِعَم الله -تبارك وتعالى- عليه، وشُكْرها له -عز وجل-.
والنوع الثاني من أنواع الدعاء: هو دعاء المسألة وهو: سؤال العبد ربه -عز وجل- حاجاته وطلبه منه ما يريد من أمور الدنيا والآخرة، فيٍسأل الله -عز وجل- ما يريده في هذه الحياة الدنيا, كأن يقول: اللهم وفقني في أمر دراستي، اللهم يسر لي أمر تجارتي، اللهم ارزقني الزوجة الصالحة, وهكذا من حاجات الإنسان, أو أن يطلب من الله أن يدفع عنه مصيبة من المصائب، اللهم أعني على قضاء دَيني، اللهم فرّج كربتي, وهكذا مما يطلب الإنسان من هذه الأمور من الله -تبارك وتعالى-.
فالدعاء نوعان:
- دعاء العبادة.
- ودعاء المسألة.
والمسلم عندما يدعو الله -عز وجل- يوقن بأن الله -تبارك وتعالى- سميعٌ بصيرٌ، فيحرص على الأسباب التي تُعينه على إجابة الدعاء, وأعظمُها: الإخلاص لله -عز وجل- في الدعاء، فيدعو الله وهو منيبٌ إليه -سبحانه وتعالى- خاشعٌ بين يديه -عز وجل-.
وكذلك يُلحّ في الدعاء فيُكثر من الطلب من الله -عز وجل-
فالله يغضبُ إنْ تركتَ سُؤاله .. وبُنيّ آدم حِينَ يُسأل يَغضبُ
فالله -عز وجل- يُحب من عبده أن يُلحَّ في الدعاء فيقول: يا رب يا رب, ويكثر من الطلب من الله –سبحانه وتعالى- وإظهار الافتقار بين يديه –تبارك وتعالى-.
ومن آداب الدعاء والأسباب التي تكون من أسباب إجابة الدعاء:
1- أن يرفع يديه عند الدعاء؛ لأنها علامةٌ على أنه ذليلٌ بين يدي الله -تبارك وتعالى-.
2- أن يكون أكله من الحلال, ومطعمه ومشربه من الحلال؛ حتى يُجاب دعاؤه، فكما جاء «أطب مطعمك تكن مجاب الدعوة» [رواه الطبراني في الأوسط], فطِيبُ الطعام بأن يكسب المال من الحلال ويشتري به الطعام الحلال هو من أسباب إجابة الدعاء .
3- أن يتخيّر الأوقات الفاضلة في إجابة الدعاء التي يُستجاب فيها الدعاء كبين الأذان والإقامة، وفي الثلث الأخير من الليل حين ينزل ربنا -تبارك وتعالى- فيقول: «من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له» [متفق عليه], وهكذا حتى يطلع الفجر فيستغل هذه الأوقات المهمة لإجابة الدعا ء.
وكما يحرص على قبول دعائه, يحذر المسلم من الموانع التي تمنع قبول الدعاء:
1- أن يكون دعاءه بإثم, فإن الدعاء بإثم لا يقبله الله -عز وجل-, كأن يدعو ويطلب من الله -عز وجل- أن ييسّر له أمرًا من المحرمات, كأن يطلب من الله أن ييسر له سرقة مالٍ من الأموال مثلًا أو فعل شيءٍ من المحرمات, فهذا دعاءٌ بإثم لا يقبله الله -تبارك وتعالى- بل يأثم صاحبه .
2- الدعاء بقطيعة الرحم أن يدعو بأن الله يفرق بينه وبين أقاربه فهذا لا يقبله الله -تبارك وتعالى-.
3- أكل الحرام كمن يأكل مال اليتيم أو من يسرق أموال الناس أو يغشهم ويخدعهم فإن هذا يمنع قبول الدعاء.
4- غفلة القلب عند الدعاء فلابد من حضور القلب والإقبال عند الدعاء.
وليتنبه المسلم إلى أنه كلما أكثرَ من الدعاء فإنه رابحٌ في هذا الأمر, إذ الدعاء لا خسارة معه، فعن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه عن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: «ما من مسلمٍ يدعو ليس بإثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه إحدى ثلاث» له أمرٌ من الأمور الثلاثة «إما أن يعجل دعوته » يعجل الله له دعوته فيستجيب دعاؤه، «وإما أن يدخرها له في الآخرة يجد ثوابها في الآخرة، وإما أن يدفع عنه من السوء مثلها » قال الصحابة: إذًا نُكثر، قال: «الله أكثر » [رواه البخاري في الأدب المفرد]
فنحرص جميعًا على الإكثار من الدعاء واستغلال أوقاتنا خاصةً عند الانتظار, وغير ذلك من الأوقات حتى لا تضيع علينا, فنكثر فيها من ذكر الله -سبحانه وتعالى-، ودعاءه والطلب منه -عز وجل-
هذا والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.