الفكر الليبرالي والتنويري بوابة الثورات
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أما بعد
فإنّ مما ابتلى الله به المسلمين الغزو الفكري الذي يهدف إلى زعزعة الثوابت والمسلمات من العقيدة الصحيحة الثابتة في كتاب الله سبحانه وتعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإلى نزع الأمن الذي تعيشه بلاد الإسلام وسلب خيراتهم عن طريق الثورات والحروب الداخلية التي عانى منها الغرب قديما.
وإنّ الناظر في أحداث الثورات التي وقعت ولا تزال في بلاد العالم الإسلامي يرى دور الفكر الليبيرالي وما يسمى بالتنوير في اشعال نيران هذه الثورات. يشعلون نيرانها باستعمال وقود الشعوب المغلوب على أمرها، والتي تسعى لتحقيق مصالحها الخاصة، فيستغلونهم لتحقيق مبادئهم الخاصة والتي منها الهيمنة والسيطرة على نظام الحكم، ومنه الانطلاق نحو نشر فكرهم المنحرف، وهذا الهدف يشترك فيه أرباب الفكر الليبرالي والفكر الإخواني الذي انكشفت حقيقته للناس مؤخرا.ولكن نجد من يقول : الفكر الليبرالي والتنويري يدعو لإعمال العقل والتطور ونبذ التشدد والغلو ...
فكر يدعو للحرية وقمع الاستبداد ...
فكر يدعو لنقد الموروث الذي يرجع الأمة لعصور التخلف والظلام.
فكر يكشف دور الظلاميين والنظام الكهنوتي في السيطرة على المجتمعات والأفراد.
وهذا في الحقيقة مثل من يقول : المخدرات تؤدي إلى راحة العقل والبال وتنسي الإنسان همومه ... الى آخر هذه المزاعم والمزاعم.
فإن ما ذكروه عن الفكر الليبرالي والتنويري كلام زائف.
وإذا أردنا أن نحكم على فكر ما فإننا نحكم عليه من خلال أراء منظريه وأتباعه ومن كتب فيه.
ومن نظر في كتب القوم من الليبرالية والتنويريين ومقالاتهم يرى أنهم بوابة كبرى للثورات، فإن كنا نحارب الفكر الإخواني والقاعدي والداعشي لأجل فكرهم الثوري، فالليبرالية والتنوير ليس بأقل خطورة منهم.
وسأبين لكم بعض الحقائق والأقوال الدالة على الفكر الثوري لدى الليبرالية والتنوير:
أولا : اطلاق مسمى الربيع على الثورات من صنع الليبرالية الغربية، جاء في موسوعة ويكيبيديا : " ربيع الشعوب أو الثورات الأوروبية عام 1848 تعرف أيضاً في بعض البلدان باسم ربيع الأمم وربيع الشعوب وعام الثورة، كانت سلسلة من الاضطرابات السياسية في جميع أنحاء القارة الأوروبية. وعدت من أكثر الموجات الثورية انتشاراً في تاريخ أوروبا .
ثانيا : جاء في نفس الموسوعة عند الكلام على عصر التنوير : كان عصر التنوير وما أنتجه من أفكار وضعية وعقلانية ملهماً لعدد من الثورات الاجتماعية والسياسية شهدتها أوروبا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر أسفرت عن قيام الدولة الحديثة.
وهذا النص منشور في مقال في جريدة الاتحاد بتاريخ 23/6/2017م
http://www.alittihad.ae/details.php?id=37683&y=2017&article=full
ثالثا : أنقل لكم بعض المقاطع من مقالات منشورة لبعضهم :
قال الكاتب (د السيد ولد أباه ) في مقال منشور في صحيفة الاتحاد بتاريخ 10/12/2012م بعنوان : الفصل الليبرالي من الثورات العربية .
http://www.alittihad.ae/wajhatdetails.php?id=69653
قال : " من الخطأ تصوير الانتفاضة الشعبية الراهنة في مصر بأنها من تحريك «فلول» النظام السابق، بل هي في عمقها المحطة الثانية الطبيعية من الربيع الليبرالي الذي هبّ على المنطقة العربية، وأرادت قوى إيديولوجية احتكار ديناميكيته التغييرية" .
ويقول كذلك في مقال آخر بعنوان : انتصار الليبرالية وانهزام الليبراليين!
http://www.alittihad.ae/wajhatdetails.php?id=63126
" يتعين منذ البداية الإقرار أن صانعي الثورات العربية لم يكونوا في غالبهم من المنتمين إيديولوجياً وتنظيمياً للتيار الإسلامي، بل كانوا أقرب في شعاراتهم وممارساتهم الاحتجاجية للاتجاه الليبرالي، حتى ولو كان للتنظيمات الإسلامية حضورها الذي لا ينكر في هذا الحراك. "
رابعا : تمجيد منظري الفكر الليبرالي لأرباب الفكر الثوري، فيعتبرون دعوة جمال الدين الأفغاني دعوة إصلاحية ويشيدون به وبحركته وجهوده، وهذا منشور في كتبهم، في حين أنّ جمال الدين الأفغاني من أكبر منظري الفكر الثوري، وتأثر به الاخوان وسيد قطب وحسن البنا، ومن أراد الاستزادة عن شخصية جمال الدين الأفغاني وفكره الثوري فعليه بكتاب الأخ الفاضل أحمد الشحي بعنوان : " شخصياتٌ معاصرةٌ شوَّهت الإسلام " وهو تحت الطبع، فقد أجاد في بيان فكره المنحرف وتأثر من بعده به.
خامسا : تمجيدهم للثورة الفرنسية ويسمونهما بأمّ الثورات ، ويعتبرونها سبب التخلص من التخلف والظلم والدين.
جاء في مقال في صحيحة الاتحاد بعنوان أم الثورات .
http://www.alittihad.ae/details.php?id=92400&y=2013&article=full
" تعد الثورة الفرنسية من الثورات الكبرى في العصر الحديث سواء على صعيد التغيير الجذري الداخلي أو التأثير الأقليمي والعالمي، وانتشار أفكارها السياسية والاجتماعية والتنويرية في كل أنحاء الأرض، بما في ذلك الشرق الأوسط.."
في حين أن هذه الثورة قضت على التدين في بلاد أروبا، وحصرته في يوم الأحد من بعض المتدينين يحضرون للصلاة في الكنيسة مع ترديد بعض الأناشيد.
يقول المفكر هيردر herder: إن الثورة الفرنسية لا يمكن مقارنتها إلا بانتصارات الشيطان الأخرى... وأن الثورة الفرنسية ليست مجرد حدث سياسي واقتصادي فحسب، بل يجب اعتبارها بداية تبديل يهود بالملوك المسيحيين.
المرجع : حكومة العالم الخفية ص 68.
و يقول اللورد أكتون في كتابه محاضرات في الثورة الفرنسية: لم تكن هناك ثورات فرنسية وروسية وألمانية بل ثورات يهودية في فرنسا وروسيا وألمانيا ... ولم يكن الهجوم على الكنيسة خطأ فاضحا لا حاجة له وإنما كان هدفا أساسيا لكل ثورة، فالثورة إحدى وسائل اليهود لتحطيم العالم المسيحي.
المرجع السابق ص 69.
سادسا : نظرية العقد الاجتماعي التي وضع أساسها مفكرو الليبرالية مثل هوبز و لوك
ومن الآراء في هذه النظرية : أن الحاكم إذا لم يلتزم بمقتضى العقد الذي بينه وبين الأفراد فإنه يجوز للأفراد الثورة لاسترجاع حقوقهم.
هذه بعض الأمور التي تبين حقيقة الفكر الليبرالي والتنويري ودوره في إحداث الثورات، وزعزعة الأمن في دول الإسلام.
فإن قيل : أنت تفتري على الفكر الليبرالي ، فهنا نحن نراهم ينتقدون الفكر الثوري!!
يجيب عن ذلك الكاتب الإماراتي أحمد الشحي في مقال له بعنوان : " الثقافة الليبرالية والثورات " فيقول :
"ولأن الربيع العربي لم يأت بما تشتهيه سفن الليبراليين ومع صعود الوعي العام بخطر الثورات اضطر بعض ليبراليي الخليج – كتكيك مرحلي – إلى ممارسة لعبة الخطاب المضاد للثورات ، وهو خطاب مراوغ ينتقد ما أفرزته الثورات من صعود الإخوان المسلمين ، دون أن ينتقد الثورات نفسها ، لأن مبدأ الفكر الثوري إحدى أساسيات الأجندات الليبرالية التي لا يمكن لليبرالي التخلي عنها ، وإلا وقع في تناقض مع أساس مذهبه في العلاقة بين الفرد والسلطة " .
فنخلص مما سبق أن خطورة الفكر الليبرالي والتنويري لا تقل عن خطورة فكر الإخوان المسلمين ومنهجهم، فالحذر منهم متعين، والعاقل لا يلدغ من جحر مرتين، فيكفينا ما تجرعته أمة الإسلام من منهج الإخوان بسبب الثقة بهم وبمنظرهيم حتى تمكنوا فخرجوا أجيالا من أبناء الوطن متشربة لأفكارهم المتطرفة.
وكذلك الليبراليون والتنويريون يستغلون الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي لنشر أفكارهم التي تصل لدرجة الإلحاد.
وفقنا الله لما يحيه ويرضاه، والحمد لله رب العالمين .