«قَصُّوا عليَّ» هي عنوانُ مبادرةٍ اجتماعيَّةٍ توعويَّةٍ أطلقتها وزارة الداخلية بقصد تحذير الناس وخصوصًا الناشئة، من آفة المخدرات والطرق الموصلة إليها، وهي مبادرةٌ ضمن عشرات المبادرات التي تطلقها وزارة الداخلية بين الفينة والأخرى، لتوعية المجتمع وتحذيره من الأخطار المحدقة، فلها جزيل الشكر على طرح مثل هذه القضايا التي تُعنَى بحفظ الأبناء والبنات وحمايتهم من الآفات والأخطار.
لقد جاء عنوان المبادرة معبِّرًا عن حال الشباب الذين وقعوا ضحايا المخدرات، وأصبح لسان حالهم ينطق بألم الحسرة ومرارة الأسى: «قَصُّوا عليَّ»، أي: خدعوني، فلم تكن بداية وقوع هؤلاء في حفرة الإدمان إلا خطوةً واحدةً أصبحوا بعدها أسرى لمرضٍ مدمِّرٍ فتَّاكٍ، فَعَلَ فيهم كأشرس ما يفعل عدوٌّ بعدوِّه.
فلم تكن البداية إلا همسةٌ من صديقٍ، أو وسوسة من مروِّج، أو نزغةٌ من نفسٍ أمَّارةٍ بالسُّوء أغوت صاحبها في لحظة فراغ، أو أوهمته بأنَّ هذه الحبَّة أو تلك الحقنة هي طريق السعادة والتخلص من المشكلات، حتى إذا استجاب لذلك وخطا الخطوة الأولى وقع في حفرةٍ مظلمةٍ سوداء.
وقد قال ربُّنا تبارك وتعالى محذِّرًا إيَّانا من اتِّباع الخطوات الموصلة إلى الشرور: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}. إنَّ هذه المبادرة لها أهميتها في المحافظة على الأبناء والبنات، وهي تؤكد دور المجتمع في هذا المضمار، وبالخصوص الأسرة، فإذا كانت الحصانة الذاتيَّة هي أفضل وسيلةٍ لمواجهة المخدرات، فإنَّ الأسرة هي الجهة الأولى المعنيَّة بترسيخ هذه الحصانة في نفوس الأبناء، وهي خطُّ الدفاع الأول في حمايتهم من أيِّ خللٍ قد يؤدِّي بهم إلى المسالك المنحرفة.
وذلك من خلال: تربيتهم على مراقبة الله عزَّ وجلَّ، وتوعيتهم بمخاطر هذه الآفة، وتعريفهم بالأحكام الجزائية المترتبة على متعاطي المخدرات ومروِّجها، والتقرُّب منهم واحتوائهم. وقد أثبت الكثير من الدراسات أنَّ من أكبر الدوافع التي تمنع الشَّباب من تعاطي المخدرات: الوازعَ الإيمانيَّ، والخوفَ من الأضرار المترتِّبة على المخدِّرات. ومما ننوِّه عليه أيضا:
أهمية تعهّد الأبناء في المراحل المبكَّرة التي يكونون فيها أكثر قابليَّةً للتوجيه والتعليم والإرشاد، والتعامل معهم برفق وعطف، فالقسوة والإهمال سبب كبير لجنوح الأبناء، فحينما لا يجد الابنُ الحضنَ الدافئَ الذي يحتويه في المنزل، بل حينما يجد أنَّ البديل هو القسوة والعنف، فإنه يصبح فريسةً سهلةً لأيِّ يدٍ خارجيَّة تمتدُّ إليه وتغريه بكلامٍ زائفٍ منمَّق، والأبُ العاقلُ هو الذي يحرص على أن يكون قريبًا من أبنائه، يتعامل معهم كتعامل الصَّديق الناصح، فيعطيهم من وقته ويُعيرهم سمعَه، ويكون لهم خير قدوة، وهكذا الأمُّ العاقلةُ مع أبنائها وبناتها. أيها الشباب والشابات؛ أنتم مستقبل هذا الوطن.
وأنتم معنيُّون بتنميته والمحافظة عليه، ومهاراتكم وقدراتكم وطاقاتكم الإيجابية وأخلاقكم وقيمكم أمانةٌ في أعناقكم، تحتاجون إليها، ويحتاج إليها مجتمعكم ووطنكم، فحافظوا عليها ولا تفرِّطوا فيها، وكونوا على حذرٍ ويقظةٍ من كل وسيلةٍ موصلةٍ إلى المخدرات أو إلى أيِّ آفةٍ تدمِّر طاقتكم وقيمكم، وعلى رأسها الصُّحبة السيئة التي تضرُّ ولا تنفع، وعليكم بالتمسك بتعاليم دينكم الحنيف.
وبعاداتكم وتقاليدكم الأصيلة، واحرصوا على أن تشغلوا أوقاتكم بكلِّ نافعٍ ومفيدٍ، كتلاوة القرآن الكريم وحفظه، وصلة الأرحام، والبرامج التطوعية، والأنشطة الرياضيَّة، واكتساب العلوم النافعة، وتنمية المهارات، وعلى أن تكون لكم بصماتٌ إيجابيَّةٌ متميزةٌ تنفعون بها الوطن وتزدادون بها قربًا من الله تعالى.
لقد أثبت لنا الشرع والواقع أن المخدرات آفةٌ خطيرةٌ تضرب أعمدة الدين والدنيا، فهي تضرُّ بالضروريات الخمس من الدِّين والعقل والنَّفس والعرض والمال، ولها آثارها المدمِّرة على كافة الأصعدة الفردية والأسرية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها، وهي سببٌ للأمراض المتعددة، ولتدمير الثقافات وفقدان القيم الأخلاقية، وقتل الطاقات والطموح، وكثرة الوفيات وحوادث السير والانتحار.. نسأل الله تعالى أن يحفظ مجتمعنا وأبناءنا من هذه الآفات الجسيمة.