هل صحيح أن الثواب على قدر المشقة؟
بسم الله الرحمن الرحيم
هل صحيح أن الثواب على قدر المشقة ؟ أم أن العمل الأقل أكثرثواباً إذاكان موافقاً للسُنة مع الإخلاص لله وحده ؟
الجواب: ليس دائماً يكون الثواب على قدر المشقة ولكن الأشياء تتفاوت بتفاوت قُرب هذا العمل من الله ورسوله والإخلاص فيه والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
1- لو صلى رجلٌ ركعتي سنة الصبح بسورة طويلة، ليس كمن صلاهما خفيفتين يقرأ بسورتي الإخلاص والكافرون، فالثاني أفضل وأكثر ثواباً لأنه مُتّبع للسنة والأول مخالف للسنة .
2- رجلٌ صائم أفطرعند غروب الشمس مباشرة والآخر قال: أزيد ساعة صيام ثم أفطر .
3- الثلاثة الرهط الذين جاءوا إلى بيوت النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادته؛ فقد خالفوا السُنة .
4- رجلٌ صلى في ليلة مئة ركعة وآخر صلى إحدى عشرة ركعة متأنياً خاشعاً متدبراً للآيات .
5- أبو إسرائيل الذي نذر أن يصوم وأن يقوم قائماً ولا يجلس ولا يستظل ولا يتكلم قال الإمام البخاري رحمه الله : حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ، إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَائِمٍ، فَسَأَلَ عَنْهُ فَقَالُوا: أَبُو إِسْرَائِيلَ، نَذَرَ أَنْ يَقُومَ وَلاَ يَقْعُدَ، وَلاَ يَسْتَظِلَّ، وَلاَ يَتَكَلَّمَ، وَيَصُومَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مُرْهُ فَلْيَتَكَلَّمْ وَلْيَسْتَظِلَّ وَلْيَقْعُدْ، وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ» قَالَ عَبْدُ الوَهَّابِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ([1]).
6- أخت عقبة بن عامر رضي الله عنهما نذرت أن تحج ماشية ً حافية، قال الإمام البخاري رحمه الله: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَهُمْ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ، أَنَّ يَزِيدَ بْنَ أَبِي حَبِيبٍ، أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا الخَيْرِ، حَدَّثَهُ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: نَذَرَتْ أُخْتِي أَنْ تَمْشِيَ، إِلَى بَيْتِ اللَّهِ، وَأَمَرَتْنِي أَنْ أَسْتَفْتِيَ لَهَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَفْتَيْتُهُ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِتَمْشِ، وَلْتَرْكَبْ»، قَالَ: وَكَانَ أَبُو الخَيْرِ لاَ يُفَارِقُ عُقْبَةَ، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي الخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ، فَذَكَرَ الحَدِيثَ.([2])
7- الصلاة في السفر، صلاة ركعتين من أربع عند جمهور أهل العلم وقال: غيرهم يجب القصر وهو الراجح .
8- قال : شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قول بعض الناس الثواب على قدر المشقة؛ ليس بمستقيم على إطلاقه كما قد يستدل به طوائف على أنواع من العبادات المبتدعة التي لم يشرعها الله ورسوله مثل التعمق والتنطع الذي ذمّه النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك الإحتفاء والتعري والمشي الذي يضر الإنسان بلا فائدة مثل حديث أبي إسرائيل ،
ثم يقول: وممّا ينبغي أن يُعرف أنّ الله ليست محبته أو رضاه في مجرد تعذيب النفس وحملها على المشاق أي كلما كان العمل أشق كان أفضل كما يحسبه كثيرٌ من الجّهال، لا، ولكن الأجر على قدر منفعة العمل ومصلحته وفائدته وعلى قدر طاعة الله و رسوله
قلت: نعم؛ قد يكون العمل الأقل أحبَّ إلى الله تعالى إذا كان موافقاً للسنة وعليه دليل صحيح.
9- قال: ابن القيم رحمه الله قد يكون العمل الأقلُّ أحبَّ إلى الله تعالى وإن كان الكثير أكثر ثواباً ([3]) ، وهذا كما في المسند عنه صلى الله عليه وسلم: دم عفراء أحب إلى الله من سوداوين([4]) يعني في الأضحية، والعفراء هي البيضاء، وكذلك ذبح الشاة الواحدة يوم النحر أحب إلى الله من الصدقة بأضعاف أضعاف ثمنها، وكذلك قراءة سور بتدبر ومعرفة وتفهم أحب إلى الله تعالى من قراءة ختمةٍ سرداً وإن كثر ثواب القراءة، وكذلك صلاة ركعتين يقبل العبد فيهما على الله بقلبه وجوارحه ويُفرغ قلبه لله فيهما، أحب إلى الله تعالى من مئتي ركعةٍ خالية من ذلك وإن كثر ثوابها عدداً .
ثم قال رحمه الله : "سَبقَ دِرهَمٌ مائةَ ألفِ دِرهَم، قيلَ وكيفَ ذلكَ يا رسولَ اللهِ؟ فقال: رَجلٌ لهُ دِرهمَانِ أي لا يملِكُ غَيرَهُما فتَصدّقَ بأَحدِهمَا ورَجُلٌ تَصدَّقَ بمائةِ أَلفٍ مِن عُرضِ مَالِهِ"([5]) .
لهذا قال الصحابة : إنّ اقتصاداً في سبيلٍ وسنةٍ خيرٌ من اجتهادٍ في خلاف سبيلٍ وبدعةٍ
[ من أمثلة العمل القليل الذي هو أفضل من العمل الكثير]
1- حديث جويرية رضي الله عنها عندما دخل عليها رسول الله صلي الله عليه وسلم ضُحىً وهي تذكر الله؛ ثم دخل عليها قبل الظهر فوجدها على تلك الحال؛ فقال لها: أما زلت على تلك الحال منذ فارقتك؟ فقالت نعم، فقال لها :« لَقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ لَوْ وُزِنَتْ بِمَا قُلْتِ مُنْذُ الْيَوْمِ لَوَزَنَتْهُنَّ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ عَدَدَ خَلْقِهِ وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ([6]). "
2- ثم قال ابن القيم بعد ذلك : فالعمل اليسير الموافق لمرضاة الرب وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ؛ أحبّ إلى الله من العمل الكثير إذا خلا عن ذلك أوعن بعضه، ولذلك قال الله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُور}[الملك:2]
وقال رحمه الله : أحسن عملاً لا أكثر عملا، والعمل الأحسن هو الأخلص، والأصوب .
3- قلت: والخلاصة أنه ليس دائماً يكون الثواب على قدر المشقة؛ فإذا كان العمل ليس فيه إخلاص ولا متابعة معاً فهو مردود على صاحبه آثمٌ عليه، وإذا كان فيه الإخلاص والمتابعة يبقى التفاضل في التدبر والفائدة والمنفعة والحب لله تعالى ، وقد يأتي الشرع بأعمال قليلة تسبق أعمالاً كثيرة بإذن الله تعالى، ولا يجوز لأحد أن يفضل عملاً على آخر بدون دليل صحيح وصريح لأن ذلك من الغيب.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
([1]) صحيح البخاري (6704)
([2]) صحيح البخاري (1866)
([3]) باختصار من المنار المنيف لابن القيم ص ( 16)
([4]) مسند الإمام أحمد (9404)
([5]) صحيح الجامع (3600)
([6]) صحيح مسلم (2140 (