أحكامُ التشبهِ بالكفارِ
الحمد لله رب العالمين، والصلاةُ والسلامُ على خاتم النبيين، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهدُ أن محمداً عبده ورسوله، وبعد:
مقدمـة:
لقد بيَّنت لنا الشريعةُ الصحيحَ مِن الخطأ، حتى لا يحيدَ المسلمون عن الصراطِ المستقيم، وإنَّ من المؤسف أن نجد المسلمينَ اليومَ في غفلةٍ عن أمور دينهم، بل نجدُ أكثرهم يتَّجِهُون إلى متاع الدنيا، واتباع خطوات الشيطان الرجيم، وقد حرص الإسلامُ على تكوين شخصيةٍ مستقلةٍ للفرد المسلم والمجتمع المسلم، بحيث لا يكون تابعاً لأحدٍ؛ إلا لِما قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم.
فإذا تميَّز المسلم عن الكافر في دينه واعتقاده وعبادته وسلوكه وأخلاقه، تميَّز دين الله عز وجل عن الأديان الباطلة، ورآه الناس صافياً؛ فأقبلوا عليه، والله عز وجل يريد من المسلم إسلاماً نقياً لا تشوبه أهواء ولا بدع ولا ضلالات، وبيَّن سبحانه وتعالى أن أهل الكتاب لن يرضوا عن المسلم حتى يتشبَّه بهم في دينهم، فقال تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}[البقرة:120].
وكذلك: بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ مِن هذه الأمة مَن يتَّبعُ أهلَ الكتابِ في كل شيءٍ فقال عليه الصلاة والسلام: (لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، شِبْرًا شِبْرًا وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ، قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ: اليَهُودُ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: فَمَنْ ؟).(1)
وقال عليه الصلاة والسلام: (مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ)(2).
فموضوعُ التشبّهِ بالكفار من أهمِّ المواضيع التي يجبُ أن يفقهَها المسلمُ، وخاصة في مثل هذه الأيام.
فما هو مفهوم التشبُّهِ بالكفار ؟ ولماذا نُهينا عن التشبُّهِ بهم ؟ وما هو حكم التشبُّهِ بهم ؟
وما هي أصنافُ الكفار الذين نُهينا عن التشبُّهِ بهم ؟ وما هي أسبابُ وقوع كثيرِ من المسلمين في التشبُّهِ بالكفارِ ؟
ثم نذكر بعض النماذج من أنواع التشبه المنهي عنه، ثم الخاتمة، نسألُ اللهَ حُسنَ الخاتمةِ.
(1) مفهوم التشبه:
التشبه لغة: من المشابهةِ، وهي المماثلة والمحاكاةُ والتقليد.
واصطلاحاً: عبارةٌ عن محاولة الإنسان أن يكونَ على شَبَهِ المتشبَّهِ به، وعلى هيئتِه وحليتِه وصفته، وقد يتكلَّف ذلك ويتعلُّمُه.
وقد يقع التشبهُ في أمورٍ قلبيةٍ: مِن الاعتقادات والإرادات، وقد يقع في أمور خارجيةٍ من أقوالٍ وأفعالٍ قد تكون عباداتٍ أو عاداتٍ أو أخلاقٍ أو غيرها.
فالتشبُّهُ بالكفار بشتى أصنافهِم هو: مماثلتهم في عقائدِهم أو عباداتهم أو عاداتهم أو سلوكهم وأخلاقهمِ التي هي من خصائصهم، وأمَّا ما كان من غير خصائصهم كالأنظمة الإدارية والمشاريع وعُدَّة القتال والصناعات التي تعودُ بالخير على بلاد المسلمين فهو من التشبُّهِ المباح؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخذ الخندق والخاتمَ من فضَّةٍ، وأمر زيد بن ثابت أن يتعلم لغة اليهود ليكون ترجماناً له، واستخدم الصحابة المنجنيق ودوَّنوا الدواوين، وغيرها.
(2) حكمُ الشُبهة بالكفار:
الأصل أن التشبهَ بالكفار لا يجوز إلا بشروطٍ منها:
1- أن لا يكون ذلك الأمرُ من تقاليدِهم وشعارهم التي يتميزونَ بها، كأعياد الميلاد مثلاً.
2- أن لا يكون ذلك الأمر من شرعهم إلا إذا وافقه شرعُنا، كصيام عاشوراء مثلاً.
3- أن لا يكون في شرعنا بيانٌ خاصٌ بالمخالفة مثل: (خَالِفُوا المُشْرِكِينَ: وَفِّرُوا اللِّحَى، وَأَحْفُوا الشَّوَارِبَ)(3).
4- أن لا تؤدي هذه الموافقة إلى مخالفةِ أمرٍ من أمور الشريعة: مثل موافقتهم على عدم القربِ من الحائض، وهذا مخالف لحديث: (اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا النِّكَاحَ)(4).
والتشبه منه ما هو شِركٌ أو كفرٌ: كالتشبهِ في عبادةِ معبوداتهم، أو التعطيل، أو الحلول، أو الصلب أو غيرها.
ومنه ما هو فسقٌ ومعصيةٌ: كالتشبهِ بهم في الأكل بالشمال، والتختُّم بالذهب، ولبس دبلة الخطوبة وحلق اللحى، وغيرها.
ومنه ما هو مباحٌ: كالتشبه بهم في الأنظمة الإدارية، أو المشاريع، أو ما فيه مصلحةٌ للمسلمين.
(3) لماذا نُهينا عن التشبَّهِ بالكافرين؟
لأن أعمالهم مبناها على الضلال والفسادِ والانحرافٍ غالباً: ولأن التشبُّه يوقعُ الميولَ القلبيَّ والموافقة في الأقوال والأعمال، وهذا مُخلٌّ بالإيمان؛ ولأن التشبُّه يورث غالباً الإعجابَ بالكفارِ وبدينهم وعاداتهم وفسادهم، وهذا يؤدي إلى التنازل عن الحقِّ؛ ولأن التشبُّهَ بهم يورث المودَّةَ والمحبة والموالاةَ، وهذا يؤدي إلى النُفرة من أهل الحقِّ ومعاداتهم، ولأن في التشبُّهِ ذُلاً وضعفَاً ومهانة كما هو حالُ كثير من المسلمين.
(4) ما أسباب وقوع المسلمين في التشبَّه بالكفار؟
الذي وقع في التشبَّه من المسلمين إنما هم أهل الأهواء والجهل والتقليد، وأهمِّ أسبابِ وقوعهم:
1- مكايدِ الكفار للإسلام والمسلمين في جميع المجالات.
2- جهلُ المسلمين بدينهم، وبحكم التشبه بالكفار.
3- ضَعفُ المسلمين مادياً ومعنوياً، مما أدى إلى شعور بعضهم بالانهزامية.
4- كيدُ المنافقين والذين يحبُون أن تشيعَ الفاحشةُ في الذين آمنوا.
(5) أصناف الذين نهينا عن التشبُّهِ بهم:
-
عموم الكفار والمشركين.
-
أهل الكتاب (اليهود والنصارى).
-
أهلُ الجاهلية والأعراب الذين يشرِّعون عاداتٍ وتقاليدَ ليست من الإسلام.
(6) نماذج ممَّا صحَّ النهيُ فيه عن التشبِّه بالكفار وغيرهم:
1- التفرُّقُ في الدين: قال تعالى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}[آل عمران:105].
2- تعظيم القبور واتخاذها مساجد، والبناء عليها ورفعها: قال عليه الصلاة والسلام: (لَعَنَ اللَّهُ اليَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ)(5).
3- حلقُ اللحى، وترك الشوارب: لحديث: (خَالِفُوا المُشْرِكِينَ: وَفِّرُوا اللِّحَى، وَأَحْفُوا الشَّوَارِبَ)(6)، وحديث: (قُصُّوا سِبَالَكُمْ وَوَفِّرُوا عَثَانِينَكُمْ وَخَالِفُوا أَهْلَ الْكِتَابِ)(7).
4- سؤال أهل العلم على وجه التعنُت والتكلُّف: لحديث: (ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ)(8).
5- عدمُ مؤاكلة الحائض ومعايشتها في الدار، ومجامعتها بما دون الفرج: روى مسلمٌ عن أنسٍ أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأةُ فيهم لم يؤاكلوها، ولم يجامعوها في البيوت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا النِّكَاحَ)(9) فبلغ ذلك اليهود فقالوا: ما يريد ُ هذا الرجل أن يدعَ من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه).
6- قيامُ الغلمان والخدم والفرَّاشين والأتباع على رأس متبوعهم الجالس لغير حاجةٍ:
لحديث: (إِنْ كِدْتُمْ آنِفًا لَتَفْعَلُونَ فِعْلَ فَارِسَ وَالرُّومِ، يَقُومُونَ عَلَى مُلُوكِهِمْ وَهُمْ قُعُودٌ، فَلَا تَفْعَلُوا)(10).
قال النووي: (فيه النهيُ عن قيام الغلمان والأتباع على رأس متبوعهم الجالس لغير حاجةٍ)(11).
وممَا ورد من النهي عن التشبه بالكفار وغيرهم:
7- عدم تغيير الشيبِ بغير السواد: لحديث: (إِنَّ اليَهُودَ وَالنَّصَارَى لاَ يَصْبُغُونَ، فَخَالِفُوهُمْ)(12).
وحديث: (غَيِّرُوا هَذَا بِشَيْءٍ، وَاجْتَنِبُوا السَّوَادَ)(13).
وحديث أبي إمامة الباهلي قال: (خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَشْيَخَةٍ مِنَ الْأَنْصَارٍ بِيضٌ لِحَاهُمْ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ حَمِّرُوا وَصَفِّرُوا، وَخَالِفُوا أَهْلَ الْكِتَابِ)(14).
وحديث: (يَكُونُ قَوْمٌ يَخْضِبُونَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ بِالسَّوَادِ، كَحَوَاصِلِ الْحَمَامِ، لَا يَرِيحُونَ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ)(15).
قال الشوكاني: (والحديث دليلٌ على أن العلَّة في شرعيةِ الصباغ وتغيير الشيب هي مخالفة اليهود والنصارى، وبهذا يتأكدُ استحبابُ الخضاب، وقد كانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يبالغ في مخالفة أهل الكتاب، ويأمر بها، وهذه السنة قد كثُر اشتغالُ السلف بها، قال أحمد بن حنبل وقد رأى رجلاً قد خضب لحيته: إني لأرى رجلاً يحيي ميتاً من السُنَّةِ، وفرحَ به حين رآه صبغ بها)(16).
8- عدم الصلاة بالنعال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خَالِفُوا الْيَهُودَ وَصَلُّوا فِي نِعَالِكُمْ، فَإِنَّهُمْ لَا يُصَلُّونَ فِي نِعَالِهِمْ وَلَا فِي خِفَافِهِمْ)(17).
9- التفريق في إقامة الحدود الشرعية والأنظمة بين الشريف والضعيف:
وفي الصحيحين: قصة شفاعةِ أسامة بن زيد للمرأةِ المخزوميةِ التي سرقت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ، أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ)(18).
10- ترك أكلة السّحُور: قال رسول لله صلى الله عليه وسلم: (فَصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ، أَكْلَةُ السَّحَرِ)(19).
11- تأخير الفطور: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَا يَزَالُ الدِّينُ ظَاهِرًا مَا عَجَّلَ النَّاسُ الْفِطْرَ؛ لِأَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى يُؤَخِّرُونَ)(20).
12- ومن التشبُّه بأهل الجاهلية الذي نهينا عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، لَا يَتْرُكُونَهُنَّ: الْفَخْرُ فِي الْأَحْسَابِ، وَالطَّعْنُ فِي الْأَنْسَابِ، وَالْاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ، وَالنِّيَاحَةُ)(21).
13- التسليم بالرؤوس والأكفِّ والإشارة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَا تُسَلِّمُوا تَسْلِيمَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، فَإِنَّ تَسْلِيمَهُمْ بِالْأَكُفِّ وَالرُّؤوسِ وَالْإِشَارَةِ)(22).
قال النووي: (النهيُ عن السلام بالإشارةِ مخصوصٌ بمن قدر على اللفظ حسا وشرعاً)(23).
ومما صحِّ فيه النهيُ عن التشبُّه بالكفار وغيرهم:
14- لبسُ ثياب الكفّار: في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو: (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى عَلَيْهِ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ، فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ ثِيَابُ الْكُفَّارِ، فَلَا تَلْبَسْهَا)(24) وفي روايةٍ (فقال: أُمُّكَ أَمَرَتْكَ بِهَا ؟ قال: قلتُ: أغْسِلُهما؟ قال: بَلْ أَحْرِقْهُمَا)(25) وزاد الحاكم (ففعلتُ)(26).
والثوب المعصفر: أي الثوب المصبوغ بعصفر، وهو أصفر اللون.
قال الألباني: (وفي الحديث دليلٌ على أنه لا يجوز للمسلم أن يلبس لباسَ الكفار وأن يتزيَّا بزيَّهم، والأحاديث في ذلك كثيرةٌ)(27).
وعن أبي أمامة قال: (خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَشْيَخَةٍ مِنَ الْأَنْصَارٍ بِيضٌ لِحَاهُمْ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ حَمِّرُوا وَصَفِّرُوا، وَخَالِفُوا أَهْلَ الْكِتَابِ، قَالَ: فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يَتَسَرْوَلَونَ وَلْا يَأْتَزِرُونَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَسَرْوَلُوا وَائْتَزِرُوا وَخَالِفُوا أَهْلَ الْكِتَابِ)(28).
قال الهيثمي في مجمع الزوائد: (رواه أحمد، وله شاهدٌ عند الطبراني، قال في آخره: (خالفوا أولياءَ الشيطان بكلَّ ما استطعتُم) وفي الصحيحين أن عمر بنَ الخطاب كتب إلى عتبة بن فرقد (وإيَّاك والتنعُّمَ وزيَّ أهل الشركِ ولبوسَ الحرير)(29).
15- ومن التشبُّهِ رطانةُ الأعاجم: أي التكلُّم بالأعجمية:
قال ابنُ تيمية رحمه الله: (وأمَّا الرطانةُ وتسميةُ شهورهم بالأسماء الأعجمية، فقال الكرَّمانيُّ: قلتُ لأحمد بن حنبل: فإنَّ للفُرس أياماً وشهوراً يسمُّونها بأسماءٍ لا تُعرف؟ فكره ذلك أشدَّ الكراهةِ).
قال شيخ الإسلام: (كراهة أحمد لهذه الأسماء حتى لا ينطق المسلمُ بما لا يعرفُ معناه، ولأن اللسانَ العربيَّ شعارُ الإسلام وأهله، قال: وهو أيضاً قد أخذ بحديث عمر الذي فيه النهي عن رطانتهم وعن شهودِ أعيادهم (وهذا قولُ مالكٍ أيضاً، وقال: نهى عمرُ عن رطانةٍ الأعاجم)(30).
ثم قال ابن تيمية: (وكره الشافعيُّ لمن يعرف العربية أن يسمىَّ بغيرها، وأن يتكلَّمَ بها خالطاً لها بالعجمية: قال: وهذا الذي قاله الأئمة مأثورٌ عن الصحابة والتابعين)(31).
خاتمــــة:
وأخيراً: تبين لنا أنَّ ترك هدي الكفار والتشبه بهم من المقاصد التي أسِّسها الشرعُ، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (لَيْسَ مِنَّا مَنْ عَمِلَ بِسُنَّةِ غَيْرِنَا)(32).
وقد كان صلى الله عليه وسلم أيضاً يخالف أهل الكتاب في كل شيءٍ: حتى قالت اليهود: (مَا يُرِيدُ هَذَا الرَّجُلُ أَنْ يَدَعَ مِنْ أَمْرِنَا شَيْئًا إِلَّا خَالَفَنَا فِيهِ)(33).
ومخالفة الكفار تكون في كلِّ أبواب الشريعةِ: كالعقائد والعبادات والسلوك والأخلاق وغيرها.
ولا تعني مخالفتهم أو بغضهم: أن نقع في ظلمِهم وانتقاصهِم أو تكليفهم فوقَ طاقتِهم، فهذا لا يجوز للمعاهَد الذي يعيشُ بين المسلمين، وقد روى أبو داود في سننه من قوله صلى الله عليه وسلم: (أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا، أَوِ انْتَقَصَهُ، أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ، فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)(34)، فتجبُ معاملتُهم بالحُسنى واللطف، وتجوز الصدقةُ على محتاجيهم، وإهداؤهم في غير مناسباتهم الدينية، وردُّ التحية عليهم، وردُّ السلام، وتأجيرهم المساكن بشرط أن لا تُتخذ للفساد، ويجوز استعمالهم عند الحاجة إليهم، وزيارتهم لغرض مشروع، وتجوز مخالطتهم عند اللزوم، مع عدم الركون إليهم، ويجوز أكل طعام أهل الكتاب، والزواج من نسائهم عند الحاجة، وغيرُها من الأمور المباحة في شريعتنا.
هذا ما يسَّر الله جمعه فيما يتعلق بموضوع التشبه بالكفار
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
(1 ) متفق عليه: رواه البخاري برقم (7320)، واللفظ له، ومسلم برقم (2669).
(2 ) سنن أبي داود برقم (4031)، وهو في صحيح الجامع برقم (6149).
(3 ) متفق عليه: رواه البخاري برقم (5892) واللفظ له، ومسلم برقم (259).
(4 ) صحيح مسلم برقم (302).
(5 ) متفق عليه: رواه البخاري برقم (1390)، ومسلم برقم (529).
(6 ) تقدَّم تخريجه.
(7 ) مسند أحمد برقم (22282)، بتحقيق الأرنؤوط، وقال: إسناده صحيح.
(8 ) رواه الستة إلا أبا داود، الفتح: (360/13).
(9 ) تقدَّم تخريجه.
(10 ) صحيح مسلم برقم (413).
(11 ) شرح مسلم (135/4).
(12 ) متفق عليه: رواه البخاري برقم (3462)، ومسلم برقم (2103).
(13 ) صحيح مسلم برقم (2102).
(14 ) مسند أحمد برقم (22282)، وحسنه ابن حجر في الفتح (354/10).
(15 ) صحيح سنن أبي داود برقم (4212).
(16 ) نيل الأوطار (105/1).
(17 ) مسند البزار برقم (3480)، وغيره، وهو في صحيح الجامع برقم (3210).
(18 ) متفق عليه: رواه البخاري برقم (3475)، ومسلم برقم (1688).
(19 ) صحيح مسلم برقم (1096).
(20 ) صحيح سنن أبي داود برقم (2538).
(21 ) صحيح مسلم برقم (934).
(22 ) السنن الكبرى للنسائي برقم (10100)، وهو في صحيح الجامع برقم (2543).
(23 ) الأذكار للنوي (ص313).
(24 ) مسند أحمد برقم (6931)، والحاكم برقم (7398)، وهو في السلسلة الصحيحة برقم (1704).
(25 ) المعجم الكبير للطبراني برقم (14352).
(26 ) مستدرك الحاكم برقم (7397). وقال: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ.
(27 ) الصحيحة (1704).
(28 ) مسند أحمد برقم (22282)، وحسنه الحافظ في الفتح (9/291)، والألباني في حجاب المرأة (ص93).
(29 ) مجمع الزوائد: (5/131).
(30 ) المدونة (1/62).
(31 ) اقتضاء الصراط المستقيم (1/461).
(32 ) المعجم الكبير للطبراني برقم (11335)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (5439).
(33 ) صحيح مسلم برقم (302).
(34 ) صحيح سنن أبي داود برقم (3052).