دعاة الإرهاب مظاهر ومخاطر
الإرهاب ظاهرة عالمية، تتخذ من الأفكار المتطرفة والمصالح المتوحشة دافعاً للجناية، ومن العنف المسلح أداة للتنفيذ، وقد تخفي أفكارها بحجاب زائف، يخدع الجهلاء، ويغر البسطاء، فيقعون في شباكها، ولا شك في أن وراء هذه الظاهرة عوامل عدة، من أهمها دعاة الإرهاب، الذين يسخِّرون الشبهات والإغراءات ووسائل السيطرة والخداع لتجنيد العقول لخدمة أجنداتهم الإرهابية.
وقد برزت في أوائل تسعينات القرن العشرين تنظيمات إرهابية دينية هددت العالم، اتجه بعضها «في سابقة خطيرة - لاستخدام أسلحة الدمار الشامل لتدمير الدول والمجتمعات، مثل الطائفة الدينية اليابانية «أوم شينريكيو» «Aum Shinrikyo»، كما برزت تنظيمات أخرى كالقاعدة وغيرها وصولاً إلى داعش.
ومع اختلاف هذه التنظيمات وتنوعها فالناظر فيها يجد بوضوح خطوطاً عريضة تجمعها، تعكس بعض المظاهر العامة لدعاة الإرهاب على اختلاف ألوانهم وأثوابهم.
ومن هذه المظاهر تقديس داعية الإرهاب لأفكار تنظيمه، والترويج لها على أنها الطريق الأوحد للخلاص والنجاة، والاعتماد في رؤيته الدينية على تفسيرات دخيلة لا تستند إلى مصادر أصيلة، وإنما هي محض أفكار رموز إرهابيين سعوا لتوظيف الدين لخدمة نظرتهم الإرهابية، ولذلك تجد مثل هذا الداعية يكثر من الاستدلال بهؤلاء الرموز لدعم أفكاره، فتجده يستدل بحسن البنا وسيد قطب والمودودي وعبدالله عزام وابن لادن والزرقاوي والقرضاوي وغيرهم.
ومن سمات دعاة الإرهاب أيضاً تقديس رموزهم، وإضفاء البطولات الزائفة عليهم، لخداع الشباب وتعليقهم بهم، وتقديمهم لهم كأبطال، فالإرهابي القاعدي أو الداعشي يزعم أن سيد قطب كان شهيداً وابن لادن كان بطلاً، وهكذا، وكذلك إرهابيو طائفة «أوم» يصوِّرون زعيمهم «شوكو أساهارا» على أنه بطل مقدس جاء لإنقاذ العالم، وقاد قوى الخير لإبادة الشر، وإقامة عالم روحي جديد، مما يدل على خطورة مدح دعاة الإرهاب أو الدفاع عنهم أو التبرير لهم، لأن ذلك يسهم في تقديم قدوات إرهابية فاسدة للشباب.
ومن المظاهر التي تميز دعاة الإرهاب أيضاً تحريض الناس على استخدام العنف المسلح، وتزيين ذلك لهم إما بدعوى فرض أفكارهم على الآخرين، وإجبارهم قسراً على اعتناقها، في مصادمة صريحة للشريعة الربانية الناهية عن الإجبار والإكراه، وإما بدعوى حماية التنظيمات الإرهابية من الخصوم، واستهداف الأبرياء انتقاماً من دولهم ومؤسساتهم، وبهذه الذريعة نفذت طائفة «أوم» عام 1995 هجوم غاز السارين السام في مترو أنفاق طوكيو، أدى إلى مقتل 12 شخصاً وإصابة الآلاف الذين تم إنقاذهم، لتكون أول عملية إرهابية رسمية تستخدم فيها أسلحة الدمار الشامل، وبهذه الذريعة تنتهج داعش سياسة الذئاب المنفردة، لتحريض الأتباع السذج على قتل الأبرياء ودهسهم، وبهذه الذرائع يمارس القرضاوي تحريض الناس على العنف والعمليات الانتحارية، وتصدير الفتاوى الدينية الإرهابية التي تدعو لذلك.
ومن مظاهر دعاة الإرهاب كذلك النظرة السوداوية القاتمة للمجتمعات والدول، وإنزال الأحكام الشديدة بهم، وسلب حقهم في الحياة، وإيجاب إنزال القصاص بهم، إما بتكفيرهم والحكم عليهم بالردة كما تفعل القاعدة وداعش، وإما بالحكم عليهم بنجاسة طبيعتهم كما فعلت طائفة «أوم».
ومن مظاهر الإرهابيين أيضاً الغلو في الدين، والتشدد فيه، فقد ركزت طائفة «أوم» على الزهد المتطرف كوسيلة للهروب من الطبيعة الملوثة للبدن والمجتمع كما تزعم، وكذلك غلا تنظيم القاعدة وداعش في جوانب دينية كثيرة.
وتستخدم هذه التنظيمات مغريات دينية زائفة لخداع الأتباع، وتستغل الباحثين عن إشباع رغباتهم الدينية، فطائفة «أوم» قدَّمت نفسها للأتباع على أنها توفر لهم القوى الصوفية والنعيم الروحي، وكذلك داعش زعمت أنها تقدم لأتباعها تعاليم الإسلام والخلافة المزعومة، وعملت على خداع بعض الشرائح الضعيفة، كبعض الشباب الضائعين وبعض المسلمين الجدد، مستغلة قلة علمهم بالتعاليم الصحيحة.
ومن مظاهر دعاة الإرهاب كذلك الدعوة للانعزال عن الأسرة والمجتمع والوطن، والانتماء لتنظيمات وتكتلات سرية، ليسهل بذلك السيطرة على الأتباع، كما فعلت منظمة «أوم» بأتباعها، وكذلك تنظيم القاعدة وداعش وغيرهما، فهي تغذي في الشاب كراهية أسرته ومجتمعه ووطنه، وتوهمه بأن الأسرة البديلة والمجتمع البديل هو التنظيم السري، وبعد أن يقع الشاب في قبضة هذه التنظيمات تستخدمه لتنفيذ ما تشاء، وتشير الدراسات إلى أن هذه التنظيمات تبحث عن الأشخاص الذين يشعرون بالوحدة والغربة والحزن كفرائس أسهل للتجنيد.
هذه بعض مظاهر دعاة الإرهاب، وأما عن خطرهم فلا شك في أنه كبير، فهم يشوهون الدين، ويفسدون العقول، ويدمرون المجتمعات، ويهدمون الطاقات، ويسخِّرونها لصالح تنظيمات إرهابية شريرة لا تتورع عن القتل والتدمير، فطائفة «أوم» على سبيل المثال تمكنت من تجنيد خريجي جامعات وعلماء بارزين في البيولوجيا والكيمياء والهندسة والطب والفيزياء وخبراء كمبيوتر ومحامين وسياسيين ومسؤولين أمنيين وغيرهم، وكان بعض هؤلاء يعمل على توفير أسلحة بيولوجية للتنظيم، بما في ذلك فيروس إيبولا القاتل، وآخرون يعملون على تطوير قدرة نووية، وكان من خططهم نشر أسلحة كيميائية أو بيولوجية فوق طوكيو وغيرها من المدن اليابانية بواسطة طائرة هليكوبتر للاستيلاء على البلاد، وبعد القبض على أفراد الجماعة بمقرهم وُجدت كميات هائلة من المواد الكيميائية تكفي لقتل 4 ملايين شخص، وهكذا تنظيم داعش انتهج نهجاً وحشياً في ارتكاب المجازر والقتل بالحرق والغرق والدهس والتفجير والإبادة الجماعية الوحشية، ولا شك في أن دعاة الإرهاب هم أبواق هذه التنظيمات وصائدو مجنديها، ومن الواجب التصدي لهم، وإيقافهم عند حدهم، قطعاً لشرهم، وحماية للمجتمعات من ضررهم وخطرهم.