آداب اللباس
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، أما بعد :
' اللباس من النعم الكبرى التي امتنّ الله بها على عباده ، قال الله تعالى) يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوءاتكم وريشا ( الأعراف(26) . واللباس أي الستر ، أنزله الله لستر العورات وهو من الضروريات ، والريش من الرياش وهو ما يتجمل به العبد ظاهراً ، وهو من الكماليات والزيادات .
وجاءت الشريعة بأحكام وآداب اللباس مفصلة مبينة ، وبينت القدر الواجب ستره والمستحب من اللباس والمحرم منه والمباح ، مادة ولوناً ومقداراً وكيفية . ودعت الشريعة المسلم إلى التواضع في لباسه واجتناب الكبر والعجب والمخيلة ، ودعته إلى النظافة والتجمل والهيئة الحسنة .
*عن ابن عباس قال: ( لقد رأيت على رسول الله أحسن ما يكون من الحلل ) أبو داود
*وعن ابن مسعود قال :( قال رسول الله:"" لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة خردل من كبر"" فقال رجل: يا رسول الله إني أحب أن يكون ثوبي حسناً ونعلي حسناً ، أفمن الكبر ذلك؟ فقال:"" لا ، إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس "" ) رواه مسلم(1/65)
* ولقد كان هديه صلى الله عليه وسلم في اللباس : أن يلبس ما تيسر من اللباس ، من الصوف تارة والقطن تارة والكتان تارة، ولبس البرود اليمانية والقميص والسراويل والإزار والرداء والخف والنعل .
* والأصل أن اللباس مباح ، قال الله تعالى )قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده ( ما لم ينهي الشارع أو يُخالف عرف الناس. روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "" كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا في غير إسراف ولا مخيلة "" البخاري معلقا (10/252) وقال ابن عباس: ( كل ما شئت والبس ما شئت ، ما أخطأتك اثنتان : سرف أو مخيلة ) المصدر السابق
* واللباس فيه ما هو مباح وما هو فرض وما هو محرم وما هو مستحب . فالفرض من اللباس هو ما يستر العورة ويدفع ضرر الحر والبرد .
' ما يُباح من اللباس وما يُستحب :
1 – يُباح اللباس الغالي والنظيف وبدون إسراف: قال ابن حجر في الفتح (10/260) :( أخرج النسائي وأبو داود وصححه ابن حبان والحاكم من حديث أبي الأحوص عوف ابن مالك عن أبيه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له ورآه رث الثياب :"" إذا أتاك الله مالاً فليرَ أثره عليك "" قال ابن حجر : أي بأن يلبس ثياباً تليق بحالة من النفاسة والنظافة ليعرف المحتاجون للطلب منه ، مع مراعاة القصد وترك الإسراف ، جمعاً بين الأدلة )
2- يستحب لبس الأبيض من الثياب باتفاق العلماء : عن سمرة بن جندب قال :( قال رسول الله:"" البسوا ثياب البياض فإنها أطهر وأطيب وكفنوا فيها موتاكم "" ) أبو داود والترمذي وأحمد ـ صحيح الجامع (1235) . وعن ابن عباس رفعه ( البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم وكفنوا فيها موتاكم ) أحمد وأبو داود والترمذي ـ صحيح الجامع (1236).
قال الشوكاني رحمه الله (2/99) ( أما كونه أطيب فظاهر وأما كونه أطهر فلأن أدنى شيء يقع عليه يظهر فيُغسل إذا كان من جنس النجاسة فيكون نقياً ، والأمر المذكور في الحديث ليس للوجوب ، أما في اللباس فلما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من لبس غيره ولباس جماعة من الصحابة ثياباً غير بيض وتقريره لجماعة منهم على غير لبس البياض . وأما في الكفن فلما ثبت عند أبي داود من حديث جابر مرفوعاً "" إذا توفى أحدكم فوجد شيئاً فليكفن في ثوب حبرة "" صحيح الجامع(455) سميت حبرة لأنها محبرة أي مزينة ومخططة .
3- يستحب لبس الحبرة من الثياب : عن أنس قال: ( كان أحب الثياب إلى رسول الله أن يلبسها الحبرة ) البخاري (10/275) . قال الشوكاني :( وإنما كانت الحبرة أحب الثياب إلى رسول الله لأنه ليس فيها كثير زينة ولأنها أكثر احتمالاً للوسخ من غيرها ) نيل الأوطار (2/100)
4- يُباح اللباس الأخضر : لأنه من لباس الجنة وأنفع الألوان للأبصار كما ذكر الشوكاني ، قال الله تعالى )عالِيَهُمْ ثيابُ سندسٍ خُضرٌ ( وعن أبي رمثة قال : ( رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وعليه بردان أخضران ) أبو داود والترمذي
5- يباح لبس الأسود من الثياب للرجال والنساء إلا عند المصيبة لا يخصص : قالت عائشة رضي الله عنها:( خرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات غداة وعليه مِرطٌ مُرحَل من شعرٍ أسود ) مسلم (13/58) والمرط : الكساء ، مرحل : فيه خطوط . وعن أم خالد قالت:( أُتي النبي صلى الله عليه وسلم بتياب فيها خميصة سوداء فقال : من ترون نكسوا هذه الخميصة؟ فأُسكت القوم ، فقال إئتوني بأم خالد ، فأُتي بي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فألبسنيها بيده) البخاري (10/279)
فيجوز لبس الثياب السود للرجال والنساء . أما تخصيص لبس السواد عند المصيبة فهو من البدع . قال الشيخ على محفوظ في الإبداع :( ومن البدع السيئة ما اعتاده الناس من لبس الأسود من الثياب عند حدوث مصيبة ، فإنه لا أصل له في السنة وأول ما أحدثه العباسيون ، وإنما السُنّة لبس الثياب البيض في حال الشدة والرخاء والحياة والموت ) صـ404
6- ويستحب لبس القميص : وقد كان أحب الثياب إلى النبي صلى الله عليه وسلم . قالت أم سلمة ( كان أحب الثياب إلى رسول الله القُمُص ) الترمذي وقال حديث حسن غريب ـ نيل الأوطار (2/107) وذكر صاحب تحفة الأحوذي ( لأنه أستر للأعضاء من الإزار والرداء ولأنه أقل مؤنة وأخف على البدن ولأن لبسه أكثر تواضعاً ) التحفة (5/465)
7- يباح لبس السراويل : عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"" من لم يجد إزاراً فليلبس سراول "" صحيح البخاري (10/272) وعن أبي أمامة قال:( قلنا يا رسول الله إن أهل الكتاب يتسرولون ولا يأتزرون، فقال رسول الله "" تسرولوا وأتزروا وخالفوا أهل الكتاب "" أحمد والطبراني ـ نيل الأوطار (1/75)
8- يستحب لبس العمامة : عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة يوم الفتح وعليه عمامة سوداء ـ مسلم (4/111)وعن ابن عمر قال (كان رسول الله إذا اعتم سدل عمامته بين كتفيه) الترمذي(5/411)
* هذه الأحاديث دالة على استحباب لبس العمامة وعلى استحباب إرخائها بين الكتفين . قال النووي في المجموع (4/457) : يجوز لبس العمامة بإرسال طرفها وبغير إرسال ، ولا كراهة في واحد منها .
' المنهي عنه من اللباس :
1 – ما يصف البشرة من اللباس : الملابس الشفافة والرقيقة التي لا تستر العورة ، وهذا عام للرجال والنساء بلا خلاف بين العلماء . قال البهوتي في كشف القناع (1/264) :( ستر العورة واجب بساتر لا يصف لون البشرة سوادها وبياضها لأن ما وصف سواد الجلد أو بياضه ليس بساتر له ) . عن أبي هريرة قال:( قال رسول الله :"" صنفان من أهل النار لم أرهما ، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة ، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا "" ) مسلم (14/109) فلا يجوز لبس ما يُظهر العورة للرجال والنساء إلا لزوج أو سيد .
العورة شرعاً : هي كل ما حرم الله كشفه أمام من لا يحل النظر إليه . وعن أبي سعيد قال :( قال رسول الله :"" لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد"" ) مسلم (4/30)
*فما هي عورة الرجل وما هي عورة المرأة؟
أما عورة الرجل : الخلاصة والراجح ، والله أعلم :( أن عورة الرجل ما بين السرّة والركبة وليست السرة والركبة من العورة ) وهو قول الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة ـ راجع المجموع(3/170) نيل الأوطار (1/62) ـ المبسوط (10/146) وأدلتهـم هـي :
* ما أخرجه البخاري تعليقاً عن ابن عباس وجرهد ومحمد بن جحش عن النبي أنه قال : "" الفخذ عورة "" (1/371) وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير(4280) والإرواء(269)
* ما رواه أبو داود عن علي قال :( قال لي النبي :"" لا تبرز فخذك ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت "")
وأما عورة المرأة : أجمع العلماء على أنه يجب على المرأة ستر ما عدا الوجه والكفين ولكن اختلفوا في الوجه والكفين مع اتفاقهم على سترهما عند الفتنة . والراجح والله أعلم أنه يجوز للنساء الكشف عن الوجه والكفين فقط لجريان العمل بذلك في عهد النبي صلى الله عليه وسلم مع إقراره إياهن على ذلك . ويستحب ستر الوجه والكفين لحديث :"" لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين "" البخاري (4/2) وغيره ، ولا يجوز لغير المسلمة النظر إلى ما عدا الوجع والكفين من المرأة المسلمة لأنها كالرجل في الحكم . والأدلـــة على أن المرأة الكافرة كالرجل في الحكم ما يلي:
(1) قال الله تعالى )وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو نسائهن … ( يعني المؤمنات كما قال مجاهد وغيره من السلف .
(2) قال الشوكاني في فتح القدير (4/22) :( وإضافة النساء إليهن تدل على اختصاص ذلك بالمؤمنات) .
(3) وقال البيهقي في كتاب الآداب صـ407 ( أما قوله "" نسائهن"" فقد روينا عن عمر بن الخطاب أنه قال ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن ينظر إلى عورتها إلا أهل ملتها )
(4) قال الشيخ الألباني ( المعنى المذكور متفق عليه بين المفسرين المحققين كابن جرير وابن كثير والشوكاني وغيرهم ) ثم قال ( إذا تبين ذلك فاعلم أن ما يقع من بعض المسلمين اليوم من استخدامهم النساء الكافرات في بيوتهم لا يخلو من أن يقع الزوجين أو أحدهما في الفتنة والمخالفة الشرعية ، أما الزوج فواضح وأما بالنسبة للزوجة فمن الصعب جداً على أكثر المسلمات ، زوجات وبنات بالغات أن يحتجبن من تلك الخادمات كما تحتجب من الرجال إلا من عصم الله ) راجع حجاب المرأة المسلمة للألباني
2- ومما ينهى عنه من اللباس : ثوب الشهرة : إذا كان اللبس بقصد الاشتهار في الناس فلا يجوز . والشهرة قال ابن الاثير : ظهور الشيء ، والمراد أن ثوبه يشتهر بين الناس لمخالفة لونه لألوان ثيابهم ، فيرفع الناس إليه أبصارهم ويختال عليهم بالعجب والتكبر . وعن ابن عمر قال( قال رسول الله :"" من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة "" ) أبو داود. وفي رواية "" ثم تُلهب فيه النار "" صحيح الجامع (6526) وحسنه . ذكر السفاريني في غذاء الألباب (2/161) ( ومن اللباس المنزه عنه كل لبس يكون بها مشتهراً بين الناس كالخروج من عادة بلده وعشيرته ، فينبغي أن يلبس ما يلبسون لئلا يُشار إليه بالأصابع ويكون ذلك سبباً إلى حملهم على غيبته ) . وقال شيخ الإسلام ( يحرم لبس الشهرة مما يزري بصاحبه ويسقط مروءته )
3- ينهى عن تشبه المرأة بالرجل والرجل بالمرأة في اللباس : عن ابن عباس قال ( لعن رسول الله المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال ) البخاري (7/55) أي لا يجوز للرجال التشبه بالنساء في اللباس والكلام والمشي وكل ما تختص به النساء إلا إذا كان التشبه من أصل الخلقة .
4- ومما ينهى عنه من اللباس : ثوب الحرير للرجال إلا لحاجة أو ضرورة : لا يجوز لبس الحرير الخالص على الرجال إذا لم تكن حاجة لذلك . قال ابن قدامة :( لا نعلم في تحريم لبس ذلك على الرجال اختلافاً إلا بعارض أو عذر ) المغني (2/304 وراجع فتح الباري (10/285) . عن أنس أن النبي قال : "" لا تلبسوا الحرير فإنه من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة "" متفق عليه خ(10/284) ـ م(14/44)
وعن أبي موسى أن رسول الله قال :"" حُرّم لباس الحرير والذهب على ذكور أمتي وأُحل لإناثهم "" الترمذي وهو في صحيح الجامع (3137)
مسألة : يباح لبس الحرير للنساء للأدلة السابقة وغيرها
مسألة : لا يجوز لبس الحرير للصبي الذكر للدليل السابق فإذا لبسه فالإثم على من ألبسه لا عليه ، وكذلك الذهب . قال الكاساني في بدائع الصنائع (5/131) ( ولا فرق بين الكبير والصغير في الحرمة بعد أن كان ذكراً لأن النبي قال"" هذان حرام على ذكور أمتي "" )
مسألة : يباح العلم الحرير في الثوب إذا كان أربع أصابع فما دون وهو قول الجمهور . قال النووي رحمه الله ( وفيه إباحة العلم من الحرير في الثوب إذا لم يزد على أربع أصابع وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور ) شرح مسلم (14/48) والدليل قول عمر ( نهى نبي الله عن لبس الحرير إلا موضع إصبعين أو ثلاث أو أربع ) متفق عليه خ(10/284) م(14/48) قال ابن حجر ( فيه حجة لمن أجاز لبس العلم من الحرير إذا كان في الثوب وبمقدار أربع أصابع ) فتح الباري (10/290)
مسألة : الحرير المختلط بغيره : إذا كان الحرير مشوباً بغيره ، فإن كان الغلبة للحرير فهو محرم كالخالص أما إذا استوى الحرير مع غيره أو كان الحرير أقل فهو مباح . قال ابن عبد البر( مذهب ابن عباس وجماعة من أهل العلم أن المحرم الحرير الصافي الذي لا يخالطه غيره فإن كان الأقل فهو مباح ) راجع المغني (2/307) والمجموع (4/438) قال ابن عباس ( إنما نهى رسول الله عن الثوب المصمت من قز أما السدي والعلم فلا نرى به بأساً ) أبو داود ـ راجع فتح الباري (10/294) أما الشوكاني رحمه الله فقد رجّح القول بتحريم الحرير المشوب إلا ما استثناه الشارع من مقدار الأربع أصابع ، واستدل بعموم الأحاديث التي أطلقت اسم الحرير بدون تقييد . راجع نيل الأوطار (2/91،92)
مسألة : يجوز لبس الحرير عند الحاجة والضرورة وذلك في حالة المرض والحكة أو القمل ونحو ذلك من دفع الحر والبرد وهو قول الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة . قال أنس رضي الله عنه( رخص النبي صلى الله عليه وسلم للزبير وعبد الرحمن في لبس الحرير لحكة بهما ) متفق عليه خ(10/5)-م(14/52)
مسألة : لا يجوز افتراش الحرير أيضاً : ذكر البخاري باباً في افتراش الحرير ـ ( فتح الباري 10/291) وذكر حديث حذيفة ( نهانا النبي صلى الله عليه وسلم عن لبس الحرير والديباج وأن نجلس عليها ) حديث رقم (5837) قال ابن حجر ( وهو حجة قوية لمن قال بمنع الجلوس على الحرير وهو قول الجمهور ) وهذا خاص بالرجال فقط . قال ابن حجر ( الذي يمنع من الجلوس عليه هو ما منع من لبسه) فتح الباري
5- ومما ينهى عنه من اللباس : جلود السباع : قدم المقداد بن معدي كرب على معاوية رضي الله عنه فقال له : أنشدك بالله هل تعلم أن رسول الله نهى عن لبوس جلود السباع والركوب عليها ؟ قال نعم) أبو داود والنسائي ـ الصحيحة (1011) وأخرج أحمد بلفظ ( نهى عن الحرير والذهب وعن مياثر النمور )
6- ومما ينهى عنه من اللباس : الإسبال للرجال : أولاً لابد أن نفرق بين جر الثوب وبين الإسبال في الإزار . أما جر الثوب خيلاء فهو من الكبائر العظيمة التي يشترك فيها الرجال والنساء معاً وفي ذلك يقول عليه الصلاة والسلام "" لا ينظر الله إلى من جر ثوبه خيلاء "" متفق عليه وفي الحديث الآخر "" وإياك وجر الإزار فإن جر الإزار من المخيلة "" أبو داود ـ نيل الأوطار (2/114)
وأما الإسبال : فهو إرسال اللباس وإطالته وإرخاؤه تحت الكعبين ، وهذا محرم على الرجال فقط . قال رسول الله "" ما أسفل الكعبين من الإزار ففي النار "" البخاري (10/256) وقال أيضاً "" فإن أبيت فلا حق للإزار في الكعبين "" أحمد والأربعة إلا أبوداود.
فهذا هو الحد الواجب فيما ينزل إليه طرف الإزار وهو إلى الكعبين ، وهذا للرجال ، وأما النساء فيجب عليهن تغطية أقدامهن ويستحب لهن أن يرخين شبراً ويجوز أن يرخين ذراعاً ، والدليل : روى ابن عمر أن رسول الله قال:"" من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله يوم القيامة "" فقالت أم سلمة : فكيف يصنع النساء بذيولهن؟ قال"" يرخين شبراً "" فقالت أم سلمة : إذا تنكشف أقدامهن ، قال "" فيرخين ذراعاً لا يزدن عليه "" الترمذي (3/137) وقال حسن صحيح . وعن ابن عمر قال ( رخص رسول الله لأمهات المؤمنين في الذيل شبراً فاستذدنه فزادهن شبراً ، فكنّ يرسلن إلينا فنذرع لهن ذراعاً ) أبو داود (4/65)
فهذه الأحاديث تدل على :
* وجوب ستر قدم المرأة وأنه معلوم عند نساء الصحابة .
* يستحب للنساء أن يرخين شبراً .
* يجوز للنساء أن يرخين ذراعاً .
* يحرم عليهن جر الثياب خيلاء وتكبراً .
قال ابن حجر ( 10/259) ( والحاصل أن للنساء حالين ، حال استحباب وهو ما يزيد على ما هو جائز للرجال بقدر الشبر ، وحال جواز بقدر ذراع )
بعد أن علمنا أنه لا يجوز للرجال إرسال الثياب إلى الكعبين أو أكثر ، فما هي الحدود الشرعية لأطراف الإزار والثوب من الساق؟
ثبت في حد القدر المستحب ثلاث سنن عن النبي صلى الله عليه وسلم :
الحد الأول : إلى أنصاف الساقين وذلك ثابت من هديه في إزاره كما في حديث عثمان قال ( كانت إزرة النبي إلى أنصاف ساقيه ) الترمذي في الشمائل وفي صحيح مسلم حديث "" إزرة المؤمن إلى نصف ساقيه "" وأمره لبعض الصحابة بذلك .
الحد الثاني : إلى عضلة الساقين وهي أعلى بقليل من أنصاف الساقين . عن أبي هريرة قال : قال رسول الله "" إزرة المؤمن إلى عضلة ساقيه ثم إلى نصف ساقيه ثم إلى الكعبين ، فما كان أسفل من ذلك فهو في النار "" أحمد وأبو عوانه . وفي حديث حذيفة قال ( أخذ رسول الله بعضلة ساقي فقال "" هذا موضع الإزار ، فإن أبيت فهذا فإن ابيت فلا حق للإزار في الكعبين "" أحمد وأصحاب السنن إلا أبا داود .
الحد الثالث : ما تحت نصف الساقين إلى الكعبين وهذا ثابت في الأحاديث السابقة وأجمع على جوازه المسلمون بلا كراهة لحديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه قال ( سألت أبا سعيد الخدري عن الإزار فقال : قال رسول الله "" إزرة المؤمن إلى نصف الساق ولا حرج أو لا جناح فيما بينه وبين الكعبين "" احمد وأبو داود وابن ماجه .
قال الشيخ بكر أبو زيد ( كل المواقع الثلاثة في حد الإزار طولاً مندوب إليها ) رسالة حد الثوب والأزرة صـ9 ثم قال صـ10( وإذا تبينت هذه المواضع الثلاثة فاعلم أنها سنة في الإزار ، أما في الثوب أي القميص فنصيبه منها السنة الثالثة وهي تحت نصف الساق إلى الكعبين )
مسألة : يُلحق بالإزر في التحريم إذا نزل عن الكعبين كل ما يُلبس من ثوب أو حلة أو كساء أو عباءة أو سراويل ، إلى غير ذلك مما يلبسه الرجال ، وعلى عموم النهي جاءت فتوى ابن عمر في قوله ( ما قال رسول الله في الإزر فهو في القميص ) ابو داود .
والخلاصة : أن إسبال الإزر منهي عنه بل هو من الكبائر لما فيه من المخالفات الكثيرة منها :
1- مخالفة السنة 2- ارتكاب النهي
3- الإسراف والتبذير 4- المخيلة والتبختر
5- التشبه بالنساء 6- تعريض الملبوس للنجاسة والقذر
7- يُعرض المسبل نفسه للوعيد الشديد في الدنيا والآخرة
قال الشيخ بكر أبو زيد : لهذه الوجوه ورد النهي عن الإسبال مطلقاً في حق الرجال وهذا بإجماع المسلمين وهو كبيرة إن كان للخيلاء فإن كان لغير الخيلاء فهو محرم مذموم في أصح قولي العلماء على أنه قد ثبت عن النبي ما يقضي بأن مجرد الإسبال ( خيلاء ) فعن ابن عمر مرفوعاً : "" وإياك وجر الإزار من المخيلة "" فظاهره يدل على أن مجرد الجر يستلزم الخيلاء ولو لم يقصد ذلك ) صـ22 ثم قال صـ23 : ويستثنى من هذا الأصل ثلاث حالات :
* من لم يقصد الإسبال :لعارض من نسيان أو استعجال أو فزع أو حال غضب أو استرخاء مع تعاهد له برفعه ، وهو ما حصل ارسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أحيانه .
* للضرورة مقدرة بقدرها كمن أسبل إزاره على قدميه لمرض فيهما وهذا كالترخيص في لبس الحرير للحكة أو ما شابه ذلك من الحاجات.
* استثناء النساء كما تقدم معنا .
مسألة : السنة في أكمام القميص ألا تجاوز الرسغ . عن أسماء بنت يزيد قالت ( كانت يد كم قميص النبي إلى الرسغ ) الترمذي وفي فتح الباري (10/262) تساءل ابن حجر ( هل يدخل في الزجر عن جر الثوب الطويل أكمام القميص؟)
مسألة : يستحب البدء في الأيمن حين لبس الثياب وغيرها لحديث عائشة ( كان يعجبه التيمن ما استطاع في ترجله ووضوئه وفي شأنه كله ) البخاري (4/42) وعن أبي هريرة رفعه ( إذا لبستم وإذا توضأتم فابدأوا بأيامنكم ) أبو داود (4141) وعنه أيضاً مرفوعاً ( إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمين ) أبو داود (4139)
مسألة : دعاء لبس الثوب الجديد: منها ( البس جديداً وعش حميداً ومت شهيداً ) ومنها ( اللهم لك الحمد أنت كسوتنيه ، أسألك خيره وخير ما صنع له وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له ) ومنها ( الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي ولأتجمل به في حياتي ) ومنها ( الحمد لله الذي كساني هذا ورزقنيه من غير حولٍ منى ولا قوة )
وهذه الأحاديث صحيحة وغيرها ذكرها ابن حجر في الفتح (10/303) فلتراجع
6- ومما ينهى عنه من اللباس : الملابس التي عليها صلبان أو تصاوير : أي صورة الصليب أو الصور التي فيها الروح ، وفي صحيح البخاري (5952) عن عائشة قالت ( أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يترك في بيته شيئاً فيه تصاليب إلا نقضه ) وعند أحمد (23740) ( لم يكن رسول الله يدع في بيته ثوباً فيه تصليب إلا نقضه )
مسألة : هل تصح صلاة من صلى بلباس فيه تصاوير أو صلبان؟
الجواب : قالت اللجنة الدائمة في الفتوى (5611) (6/179) ( لا يجوز له أن يصلي في ملابس فيها صور ذوات الأرواح من إنسان أو طيور أو غيرها ، وتصح صلاة من صلى في ثوب فيه صور مع الإثم ) وفي فتوى أخرى رقم (2615) (6/183) ( لا يجوز لبس الساعة أم صليب لا في الصلاة ولا غيرها حتى يُزال الصليب بحك أو بوية تستره ، لكن لو صلى وهي عليه فصلاته صحيحة )
هذا ما تيسر جمعه من آداب وأحكام اللباس
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .