مع النبي ﷺ في رمضان
الحمد لله رب العالمين والصلاةُ والسلامُ علي خاتم النبيين ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهدُ أن محمداً عبده ورسوله وبعد،،
قال تعالى) : شهرُ رمضان الذي أُنزل فيه القرآنُ هدىً للناس وبيِّنات من الهدى والفرقان (.
شهر رمضان : فيه مغفرة الذنوب ، ورفع درجات المؤمنين ومضاعفة الحسنات ، وفيه يعتق الله في كل ليلةٍ من لياليه عتقاء من النار .
شهر رمضان : من أعظم المواسم التي يتقرب بها العبد إلى الله تعالى ، فيه دعوة مستجابةٌ لكل مسلم يدعو بها عند الإفطار ، وفيه تفتّح أبواب الجنة وتُغلّق أبواب النار وتُصفد الشياطين ، وفيه يقول عليه الصلاة والسلام " من صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه " متفق عليه . وفيه يقول صلى الله عليه وسلم " إن لله تبارك وتعالى عتقاء في كل يومٍ وليلةٍ " ( يعني في رمضان ) صحيح الترغيب (988)
إن الوقوف على هديه صلى الله عليه وسلم في كل طاعةٍ وقربةٍ أمرٌ أساسٌ في قبول العمل الصالح بعد أن يكون خالصاً لله تعالى . ومعرفة أحواله صلى الله عليه وسلم في رمضان لا يُنال بالتحلي ولا بالتمني ، وإنما بالعلم النافع الذي يحمل على العمل الصالح .
وفي هذه المحاضرة نقفُ على بعض هديه صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان ، في مختلف الأحوال لكي نتأسى به في صيامنا وقيامنا وسائر أحوالنا في رمضان وفي غير رمضان .
النبي صلى الله عليه وسلم يستقبل شهر رمضان : كان لا يصوم حتى يرى الهلال رؤيةً محققة ، وكان يراقب الهلال ويأمر بمراقبته ، فإن أخبره رجلٌ من الصحابة أنه رآه أمر الأمة بصيامه ، وهو القائل :" صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، فإن غُمَّ عليكم فأكملوا العدّة أو عدة شعبان ثلاثين يوماً " متفق عليه .
* ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم تقدم رمضان بالصيام لأجل رمضان ، وكان ينهى أمته أن تتقدم رمضان بصيام يوم أو يومين من باب الاحتياط والتعمق ، فقد قال صلى الله عليه وسلم :" لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين إلا رجلاً يصوم صوماً فليصمه " متفق عليه .
* " من لم يُبيت الصيام من الليل فلا صيام له " النسائي عن حفصة ـ صحيح الجامع (6535) . وفي رواية :" من لم يبيت الصيام قبل طلوع الفجر فلا صيام له " البيهقي والدارقطني عن عائشة. صحيح الجامع (6534) ، وفي رواية : " من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له " رواه أحمد والثلاثة عن حفصة. صحيح الجامع (6538) وهذا الحكم من خصوصيات صوم الفريضة على القول الراجح.
أما صوم النافلةة" إني صائم " رواه مسلم وغيره .
** )وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر (( " إذا سمع أحدكم النداء والإناء في يده فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه " رواه أحمد وأبو داود والحاكم ـ وصححه الألباني في صحيح الجامع والصحيحة (1394)
* وليس من هديه صلى الله عليه وسلم ما يُسمى بأذان الإمساك أو وقت الإمساك قبل الفجر ، بل فعل ذلك احتياطاً من البدع عند أهل العلم : قال ابن حجر العسقلاني في فتح الباري ( فتح 4/199) : من البدع المنكرة ما أُحدث في هذا الزمان من إيقاع الأذان الثاني قبل الفجر بنحو ثلث ساعة في رمضان وإطفاء المصابيح التي جُعلت علامة لتحريم الأكل والشرب على من يريد الصيام زعماً ممَّن أحدثه أنه للاحتياط في العبادة ، وقد جرهم ذلك إلى أن صاروا لا يؤذنون إلا بعد الغروب بدرجةٍ لتمكين الوقت فأخروا الفطر وعجلوا السحور وخالفوا السنة ، فلذلك قلَّ عنهم الخير وكثر فيهم الشر ، وإلى الله المشتكــى ) أ.هـ
وكان صلى الله عليه وسلم يعجل الفطور ويؤخر السحور : وهو القائل :" لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطور" متفق عليه . وتعجيل الإفطار معناه : أن تباشر إفطارك فور سقوط قرص الشمس ولو لم يؤذن المغرب لقوله صلى الله عليه وسلم :" إذا أقبل الليل من ههنا فأدبر النهار من ههنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم " متفق عليه . وعن أبي الدرداء قال ( ثلاث من أخلاق النبوة : تعجيل الإفطار وتأخير السحور ووضع اليمين على اليسار في الصلاة ) الطبراني وله حكم الرفع
* وكان فطوره صلى الله عليه وسلم يسيراً جداً ليس كفطورنا اليوم : فقد كان يُفطر على رطبات يأكلهن وتراً ، فإن لم يجد ، حسا حسوات من ماء ثم قام إلى الصلاة فصلاها في أول وقتها ) أحمد وأبو داود والترمذي. وهو القائل : " من وجد تمراً فليفطر عليه ومن لم يجد تمراً فليفطر على الماء فإنه طهور " صحيح الترغيب (1064)
* وكان صلى الله عليه وسلم يحث على الدعاء عند الإفطار ويرغّبُ فيه ويقول : " ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله " أبو داود والدارقطني والحاكم وحسنه الألباني في الإرواء (920) · وكان يرغّب في تفطير الصائمين فيقول: " من فطر صائماً كان له مثل أجره ولا ينقص من أجر الصائم شيئاً " صحيح الترغيب (1072)
* وما كان صلى الله عليه وسلم لا يدع السحور : وقال بوجوبه بعض أهل العلم وكان صلى الله عليه وسلم يقول :" تسحروا فإن في السحور بركة " متفق عليه . بل قال :" السحور كله بركة فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم جُرعةً من ماء فإن الله وملائكته يُصلون على المتسحرين " صحيح الترغيب (1062) وصحيح الجامع (3577) . ومن بركة السحور : التقوي على العبادة أثناء النهار وزيادة الرغبة في الصيام لخفة المشقة فيه على المتسحر واتباع السنة وإحياء الثلث الأخير من الليل بالعبادة وإدراك صلاة الفجر مع الجماعة ومخالفة أهل الكتاب الذين لا يتسحرون ) والحديث رواه مسلم (1096) .
* ويحصل السحور بأي شيء من الطعام والشراب ولو كان تمراً أو ماءً فقط : قال صلى الله عليه وسلم :" نعم سحور المؤمن التمر " أبو داود وابن حبان والبيهقي . ولحديث ( السحور كله بركة فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء ) صحيح الجامع (3577) .
* وكان صلى الله عليه وسلم يصوم في السفر ويفطر ، وكان يسافر معه أصحابه فمن شاء صام ومن شاء أفطر ، وربما أمر أصحابه بالفطر . بل رغب في الإفطار في السفر فقال :" ليس من البر الصيام في السفر " متفق عليه . وعند مسلم ( عليكم برخصة الله التي رخص لكم ) بل قال عن الصائمين في السفر عند وجود المشقة :" أولئك العصاةُ أولئك العصاةُ " مسلم (1114)
* أما عبادته واجتهاده في رمضان فكان أكثر من غيره من الشهور : فكان جبريل يدارسه القرآن في رمضان ، ولذلك كان السلف يتنافسون في ختم القرآن أكثر من مرّة وكان الزهري ومالك وغيرهما من السلف ينقطعون عن التدريس والفتوى ويشتغلون بمدارسة القرآن ، وكان صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر الأخير شدّ المئزر وأيقظ أهله وأحيا الليل وكان يعتكف في العشر الأواخر ليلتمس ليلة القدر .وكان يرغب في قيام ليلة القدر بقوله :" من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه " متفق عليه .
* وأما جوده وكرمه صلى الله عليه وسلم في رمضان فحدث ولا حرج : فقد كان أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان ) البخاري (2014) ..
وأما عن قيامه في الليل صلى الله عليه وسلم : قال أبو هريرة ( كان رسول الله يُرغب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم بعزيمة ثم يقول :" من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه " مسلم (759) ومن صلى التراويح كما ينبغي فقد قام رمضان .
* وكان صلى الله عليه وسلم يرغب أصحابه بالعمرة في رمضان : فكان يقول :" عمرةٌ في رمضان تعدل حجة " وفي رواية " تعدل حجة معي " متفق عليه .
* وكان صلى الله عليه وسلم أحسن الناس أخلاقاً وكان يأمر أمته بذلك ، فعن أبي هريرة قال : قال رسول الله :" ليس الصيام عن الأكل والشرب إنما الصيام عن اللغو والرفث ، فإن سابَّك أحدٌ أو جهل عليك فقل : إني صائم إني صائمٌ " صحيح الجامع (5/88)
* وكان صلى الله عليه وسلم يتعاهد أهله ويحسن عشرتهم في رمضان أكثر من غيره ، فكان يأتي أهله في ليل رمضان وربما أدركه الفجر وهو جُنب فيغتسل ويصوم ـ متفق عليه ، وكان يُقبّل بعض أهله ويباشرهن وهو صائم ، وكان أملك أصحابه لإربه صلى الله عليه وسلم .
وكان صلى الله عليه وسلم رؤوفاً رحيماً بأمته ، ومن رحمته بأمته في رمضان أن رخص للمريض والمسافر بالإفطار . كما رخص للمرأة العجوز والشيخ الفاني بالإفطار وكذا الحامل والمرضع " إذا نسي أحدكم فأكل أو شرب فليتم صومه إنما أطعمه الله وسقاه " متفق عليه ـ فتح (4/155)
* وكان لا يوجب القضاء على من ذرعه القيء فقال :" من ذرعه القيء فليس عليه قضاء ومن استقاء فليقض " أبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد .
* وكان صلى الله عليه وسلم يُخرج صدقة الفطر في آخر يوم من رمضان قبيل صلاة العيد . قال ابن عمر ( فرض رسول الله زكاة الفطر على الناس في رمضانن
اللهم وفقنا لاتباع هدي نبيك في رمضان وغير رمضان،
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ،