هذا هو الإسلام..لا كما يُشوّهونه
جاء الإسلام لتحقيق السعادة للإنسان، وحفظ مصالحه، وتوفير الحماية للأفراد والمجتمعات، وجَعَل المصالح على درجات، وأعلى المصالح هي المقاصد الخمس الكبرى، وهي: الدين والنفس والعقل والعرض والمال، فجاء الإسلام لحفظها، وصيانتها من الاختلال، ليعيش البشر في سعادة واستقرار ورقي إيماني وسمو أخلاقي وتعايش سلمي، متمتعين بحقوقهم، آمنين على أنفسهم وأعراضهم وأموالهم وسائر مصالحهم.
ففي جانب الدين أرسى الإسلام المبادئ المثلى في علاقة الإنسان بالخالق، قائمة على صفاء العقيدة، وسمو العبادة، ورفعة الأخلاق، وإصلاح المظهر والجوهر.
وحسن معاملة الخلق، وتحرير الإنسان من الخرافات والوسائط، ليكون متحلياً بوازع ديني يمنعه من الظلم والاعتداء، محصناً من التطرف بشتى أنواعه، يمتلك جدار حماية ضد الأفكار التي تستخدم لأغراض الشر، ومن الوقوع في براثن تجار الدين والفكر الأسود.
وفي هذا الإطار أمر الإسلام بلزوم الوسطية والاعتدال، وحذر من الغلو والتطرف، وأمر بحماية الدين من التشويه والمفاهيم المغلوطة التي تسيء إلى جمال تعاليمه وسمو تشريعاته، وفصله عن أي نوع من الارتباط بالظواهر السلبية المسيئة كالإرهاب ومناهج الغلو والتكفير والعنف، وصيانته من التوظيف والمتاجرة به، وقد ذمَّ الله المتاجرين بالدين ونهى عن ذلك فقال: {ولا تشتروا بآياتي ثمناً قليلاً}، والأحزاب التي توظف الدين لتحقيق مآرب سياسية أساؤوا لأنفسهم وأساؤوا إلى الدين، وكذلك التنظيمات المتطرفة جنوا على الدين جناية عظمى، لأنهم يشوهون تعاليمه السمحة، ويصدون الناس عنه، وينفرونهم منه، ويظنون أنفسهم مصلحين، {ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون}.
وفي جانب حفظ النفس تنوعت التشريعات والأحكام والآداب والأخلاق، لتسد جميع الأبواب التي تخل بهذا المقصد العظيم، فعظَّم الإسلام حرمة الدماء، وحرَّم الاعتداء على الأنفس، وأوجب القصاص على القاتل، وأكَّد أسباب الأمن والاستقرار والتعايش، وبلغ حرص النبي صلى الله عليه وسلم على إرساء ثقافة السِّلم في المجتمع أنه كره التسمي باسم حرب، وقال: «أقبح الأسماء حرب»، قال العلماء: إنما صار حرب أقبح الأسماء لما فيها من القتل والأذى، وكان النبي عليه الصلاة والسلام يحب الفأل الحسن والاسم الحسن.
كما حرَّم الإسلام كل ما يفضي إلى العدوان والقتل، من تحريض وغيره، وحذَّر من السباب والشتائم وكل ما يفتح باب العداوات ويثير الضغائن والأحقاد، فالكلمة لها شأن كبير، ومن أخطرها الكلمة التي تحرض على سفك الدم، ووكذلك الكلمات التي تحرض على الطائفية، وتمزق المجتمع، وتثير الفتن.
وبلغت عناية الإسلام بحماية الفرد مبلغاً عظيماً، فمنع كل ما يفضي إلى أذيته، وإن كان بطريق المزح أو الخطأ، ففي الحديث: «من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه وإن كان أخاه لأبيه وأمه»، ويا له من وعيد شديد في عمل قد يبدو للبعض صغيراً مستحقراً، ولكنه عند الله عظيم.
وإذا كان هذا الوعيد فيمن أشار بحديدة فكيف بأولئك الذين يقتلون ويسفكون الدماء؟! قال عبد الله بن عمر: «إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله».
كما حرم الإسلام الانتحار أشد التحريم، فالمنتحر يقتل نفسه، ويُغضب ربه، وأخطر أنواع الانتحار ما كان باسم الدين، وتعدَّى ضرره على الآخرين، فالإرهابي الذي يبيح لنفسه الانتحار من أجهل الناس ديناً، وأضعفهم عقلاً، وأبعدهم عن الله، فالانتحار من كبائر الذنوب، قال الله تعالى: {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً. ومن يفعل ذلك عدواناً وظلماً فسوف نصليه ناراً وكان ذلك على الله يسيرا}، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: «من قتل نفسه بشيء في الدنيا عُذب به يوم القيامة»، والمجتمعات اليوم بحاجة إلى غرس هذه التعاليم، في ظل تنامي حوادث الانتحار، سواء الانتحار الديني الذي يقوم به الإرهابيون، أو الانتحار الدنيوي بسبب المشكلات والاكتئاب وغير ذلك.
وفي جانب حفظ العقل أكَّد الإسلام مكانته، وأعلى من قيمته، وعلّق به التكليف، وحثَّ على اغتنام منفعته، وحرَّم كل ما يضر به من مسكرات ومخدرات، وحثَّ على تحصينه بالعلم النافع، وصيانته من الشبهات، وتنمية ملكاته الفكرية، وحذر من التعصب والتقليد الأعمى، وكل ما هو بعيد عن الوسطية سواء بانغلاق أو انفلات، كما وفَّر الإسلام للفرد سبل الراحة النفسية وحسن مقاومة الهموم والضغوط، بما يحميه من اللجوء إلى المسكرات.
وفي جانب حفظ العرض والنسل حضَّ الإسلام على الزواج، وحسن اختيار شريك الحياة، واعتنى بالأسرة، ورسَّخ روابطها، واعتنى بتربية النشء، وأداء حقوقهم، ونهى عن العلاقات المحرمة، وكشف أستار الناس، والوقوع في أعراضهم، وأمر بالعفة والحشمة والتمسك بالأخلاق الحميدة، والمحافظة على العادات المجتمعية الأصيلة.
وفي جانب حفظ المال حضَّ الإسلام على العمل والتكسب والسعي في طلب الرزق، وحذر من البطالة، وشجع على التنمية الاقتصادية، وأباح تملك المال بالوسائل المشروعة، وأوجب أداء الودائع والأمانات، وحرم أكل أموال الناس بالباطل، وحرم السرقة والرشوة والغش والربا والقمار، ونهى عن الإسراف والتبذير وإضاعة المال فيما لا فائدة فيه.
وغير ذلك من وجوه عناية الإسلام بالمقاصد الكبرى، التي تمثل ركائز أساسية ينبغي ترسيخها، وتفقيه الأجيال بها، وتحصينهم من الإرهاب من خلالها، وما ذكرناه قليل من كثير، وأضواء يسيرة من شمس التعاليم الإسلامية السمحة المشرقة.