أين تعظيم الشرع يا مدعي الإصلاح
رسالة أهمس بها في أذن كل من انخدع بدعاوى الإخوان المسلمين والجماعات الحزبية وسار على دربهم:
قال الله عز وجل في محكم تنزيله، في وصف حال المؤمنين مع نبيهم: ﴿ فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون ﴾ ، فلا نجاة ولا فوز إلا بالإقرار بنبوته صلى الله عليه وسلم، وتعظيمه وتوقيره.
وهكذا كان حال الصحابة رضي الله عنهم مع النبي صلى الله عليه وسلم، فما كانوا يقدمون قولاً على سنته، ولا يتبعون رأياً يخالف هديه, بل هم أحرص الناس على اتباع هديه والاقتداء بسنته. وقد ضربوا في ذلك أروع الأمثلة:
فهذا أبو بكر رضي الله عنه يقول:" لست تاركا شيئا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل به إلا عملت به ، وإني لأخشى إن تركت شيئاً من أمره أن أزيغ "...البخاري ومسلم
قال الإمام ابن بطة معلقاً: "هذا يا إخواني الصديق الأكبر يتخوف على نفسه الزيغ إن هو خالف شيئا من أمر نبيه صلى الله عليه وسلم ، فماذا عسى أن يكون من زمان أضحى أهله يستهزئون بنبيهم وبأوامره ، ويتباهون بمخالفته ، ويسخرون بسنته ؟ نسأل الله عصمة من الزلل ونجاة من سوء العمل" الإبانة 1/83
وها هو عمر رضي الله عنه ينظر إلى الحجر الأسود ثم يقول: "والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك." (متفق عليه)
وهذا عروة بن مسعود وقد بعثته قريش ليفاوض النبي صلى الله عليه وسلم في الحديبية، فلما رجع إلى قريش قال لهم وهو يصف الصحابة رضوان الله عليهم: " أي قومي! والله لقد وفدتُ على الملوك، ووقفتُ على قيصر وكسرى والنجاشي، والله ما رأيت ملكاً قط يعظمه أصحابه كما يعظم أصحاب محمد محمداً صلى الله عليه وسلم، والله إن أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلموا خفضوا أصواتهم عنده". البخاري
بل ما كانوا يحدّون إليه النظر تعظيماً له، قال عمرو بن العاص رضي الله عنه بعد إسلامه: "إنه لم يكن شخص أبغض إلي منه صلى الله عليه وسلم فلما أسلمت لم يكن شخص أحب إلي منه ولا أجل في عيني منه، ولو سُئلت أن أصفه لكم لما أطقت؛ لأني لم أكن أملأ عيني منه إجلالاً له صلى الله عليه وسلم." (مسلم)
فانظر إلى تعظيمهم وتوقيرهم للنبي صلى الله عليه وسلم، واقتفائهم لسنته، والحذر من مخالفته، وعلى هذا النهج سار التابعون ومن تبعهم بإحسان.
قال الشافعي رحمه الله تعالى: (إذا وجدتم سنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم خلاف قولي فخذوا بالسنة، ودعوا قولي فإني أقول بها). (الحلية 1/471)
وقال الربيع بن سليمان: (سمعت الشافعي وسأله رجل عن مسألة فقال له: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه المسألة كذا وكذا، فقال له السائل: يا أبا عبد الله تقول به ؟ قال الربيع: فرأيت الشافعي أرعد وانتفض وقال: يا هذا، أي أرض تقلني وأي سماء تظلني إذا رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً فلم أقل به، نعم على الرأس والعينين، على الرأس والعينين ). (الحلية 9/106)
فأين هذا القول ممن يرد أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لرأي رآه، أو هوى ابتغاه ؟!
كان عمر بن عبد العزيز رحمه الله يقول : ( لا رأي لأحد مع سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ). (الدارمي 1/95)
هكذا كان حال أسلافنا من التابعين والأئمة المهديين؛ توقيراً للنبي صلى الله عليه وسلم ، وتعظيماً لحديثه، وأداء لحقوقه عليهم، وأخبارهم في ذلك أكثر من أن تحصر؛ وذلك لمعرفتهم لقدر النبي صلى الله عليه وسلم ، وإدراكهم لمنة الله تعالى عليهم إذ بعثه فيهم: ﴿ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ ﴾
فكيف يطيب لمسلم، بل كيف تهنأ حياته بعد أن يعرف ما كان عليه الصحابة والصالحون، ثم يعارض ذلك بآرائه وأقواله وعواطفه، والله عز وجل يقول: ﴿فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم﴾
قال الإمام أحمد: " أتدري ما الفتنة؟ لعله إذا رد بعض قوله أن يصيبه شيء من الزيغ فيهلك." (الإبانة 1/260)
فالهلاك ليس لفقدان العبد لقمة يسد بها جوعه، أو ضيق عيش يؤرق حياته، إنما الهلاك الحقيقي في مخالفته لسنة نبيه، ومعارضته لشرعه بآرائه وأهوائه.
قال صلى الله عليه وسلم: «آلفقر تخافون؟ والذي نفسي بيده لتُصَبنَّ عليكم الدنيا صبًّا حتى لا يزيغ قلب أحدكم إزاغة إلا هِيَهْ، وايم الله لقد تركتكم على مثل البيضاء ليلُها ونهارها سواء» قال أبو الدرداء: " صدق والله رسول الله صلى الله عليه وسلم تركنا والله على مثل البيضاء ليلها ونهارها سواء" (الصحيحة 688)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "وكل من كان له مسكة عقل يعلم أن فساد العالم وخرابه إنما ينشأ من تقديم الرأي على الوحي، والهوى على العقل، وما استحكم هذان الأصلان الفاسدان في قلب إلا استحكم هلاكه، وفي أمة إلا فسد أمرها أتم فساده" إعلام الموقعين (1/ 68(
أفلا يتقِ العبد ربه ويخاف عقابه، ألا يحدث نفسه ويسألها يوماً هل هو على حق أم على باطل حين يخالف أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم الكثيرة المتضافرة، الحاثة على لزوم الجماعة والسمع والطاعة لولاة أمور المسلمين .
ألم يسمع قول نبيه صلى الله عليه وسلم حين قال:« من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية» (مسلم)، ألم يطرق سمعه قوله صلى الله عليه وسلم: « ألا من ولي عليه والٍ فرآه يأتي شيئاً من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يداً من طاعة» (مسلم)
وقوله صلى الله عليه وسلم: « يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين، في جثمان إنس، قال قلت: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ قال: تسمع وتطيع، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع.» (مسلم)
أفلا يسأل نفسه هل هذا المنهج الذي لأجله يطعن في ولاة الأمر ويأكل لحومهم، ويتهمهم بتهم عظيمة، هل هذا المنهج أجازه له رب العالمين، ورسوله الأمين؟
فإن قال لا، قيل له: فاتق الله وتب إليه ما دام في العمر بقية.
وإن قال: نعم، قيل له: قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين. فإن الأدلة من الكتاب والسنة قد دلت على وجوب السمع والطاعة وكف لسانك عن ولي أمرك, وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك.
وفي هذا الشأن جاءت النقولات الكثيرة المتضافرة عن علماء الإسلام السابقين واللاحقين التي تنقل إجماعات العلماء على وجوب طاعة ولي الأمر، براً كان أم فاجراً، وتنص على أن منهجك هذا هو منهج الخوارج.
فمهما فكر وتهرب، واخترع لنفسه الأعذار، فليعلم أن نجاته في اتباع شرع الله، ولو خالف رأيه، ولم يوافق عواطفه، ﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾
وليتذكر أنه موقوف بين يدي الله، وأن الله سائله عما فعله في دنياه، وعن هذا المنهج الذي جعله يضلل به المسلمين وأولياء أمورهم .
فلم العناد يا عبد الله، أليس الله عز وجل قال: ﴿ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب﴾، فإن أثرت هذه النصوص الشرعية في قلب العبد فليحمد الله، وإلا فليبكِ على نفسه، فمن لم يتعظ بكتاب الله فماذا يعظه .
وختاماً .. ما أجمل نصيحة الحسن البصري العالم الرباني حين قال: " والله لو أن الناس إذا ابتلوا من قِبلِ سلطانهم صبروا ما لبثوا أن يرفع الله عز وجل ذلك عنهم وذلك أنهم يفزعون إلى السيف فَيُوكَلون إليه، ووالله ما جاءوا بيوم خير قط ثم تلا: (وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون". (الشريعة 1/158) .