الشباب والكتاب
القراءة عنوان الحضارة، ووسيلة التقدم والريادة، وطريق الارتقاء والصدارة، فبالقراءة تستنير العقول وتزدهر، ويزداد الشباب علماً ومعرفة، فيرتقون في أفكارهم وسلوكهم وعطائهم، وبارتقاء الأفراد وخاصة الشباب ترتقي المجتمعات والأوطان، وأمة الإسلام أمة القراءة، وأول آية نزل بها الروح الأمين على سيد المرسلين مُصدَّرة بالأمر بالقراءة، في قوله تعالى: (اقرأ)، وهذا الأمر بالقراءة الذي افتُتحت به رسالة الإسلام كان دافعاً للمسلمين لبناء حضارة عظيمة، امتدت أنوارها في مختلف أصقاع العالم، لتمدَّ البشرية بالتطور والنهضة الأخلاقية والروحية والمادية.
إن أهمية ترسيخ القراءة لدى الشباب كبيرة؛ فالشباب هم ذخيرة الأوطان، وبعقولهم وسواعدهم يكون البناء والنهضة، والشباب الواعي الذي يستحضر المسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقه يتسلح بالقراءة، ويصاحب الكتاب، ليزداد علماً وثقافة، فيستنير فكره، ويزداد وعيه، وتتوسع مداركه، وترتقي عنده ملكة الإبداع والتميز، فيجود لمجتمعه ووطنه بالأفكار الإبداعية الخلاقة والإنجازات العلمية الباهرة، ويحمل اسم وطنه عالياً في الآفاق.
فيا أيها الشاب احرص على ملازمة الكتاب، واعلم أنَّ القراءة ترفع قيمة الإنسان، وأنَّ شرف الإنسان بشرف العلم الذي يحمله، قال عليٌّ رضي الله عنه: «لكل شيء قيمة، وقيمة المرء ما يُحسنه».
فاحرص على أن تكون القراءة زادك المقصود، ومعينك المورود، واستكثر منها ما استطعت، وابذل فيها غاية المجهود، فمن جدَّ وجد، ومن زرع حصد، ومن طلب المعالي سهر الليالي، وقد قيل: لا يُنال العلم براحة الجسم، ولازم الكتاب ملازمة الصديق، واجعله لك خير جليس وأنيس، وتأمل في سير العلماء، وكيف أنهم كانوا يحرصون على القراءة والمطالعة.
ويقضون فيها أنفس الأوقات، حتى إن بعضهم كان لا يفارق كتابه في الحل والترحال، وما ذلك إلا لمعرفتهم بقيمة الكتاب وثمرات القراءة وفوائدها الغزيرة، وإن أعظم الكتب القرآن الكريم، فاجعل لتلاوته نصبياً وافراً؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة».
ومما يعين الشباب على الإبداع في القراءة توخي الاستراتيجيات الصحيحة فيها، ومن أهمها اختيار الكتب الهادفة، التي تزخر بالعلم النافع والفكر الصحيح والترفيه المفيد.
والكتاب كالغذاء، فكما أن سلامة الغذاء سبب لسلامة الجسم والبدن، فكذلك سلامة الكتاب سبب لسلامة العقل والفكر، ولا بأس أن يستعين الشاب في هذا الباب بأهل الخبرة من الأساتذة والزملاء وغيرهم، ليرشدوه إلى حسن الاختيار، ويدلُّوه على أفضل العناوين والمواضيع، وأفضل الطبعات للكتب، وعليه أن يحرص على مواكبة الجديد المفيد، فعجلة طباعة الكتب دوَّارة، ومعارض الكتب تنضح في كل موسم بكل جديد، كما أنَّ عليه أن يضع لنفسه برنامجاً مناسباً للقراءة، وأن ينظم وقته في ضوء ذلك.
ومن استراتيجيات القراءة الصحيحة أيضاً مراعاة القراءة التدبرية الواعية، بتدبر المقروء والتأمل فيه، ومعرفة دلالاته ومعانيه ومقاصده، واستخلاص الفوائد والعبر منه؛ فالكلمة لفظ ومعنى، والقراءة الصحيحة تراعي الجانبين، وبالأخص جانب المعاني والدلالات؛ فالقراءة دون تفكر للمقروء لا تثمر كثيراً.
ولا يكون عمل الإنسان فيها إلا تحريك اللسان والعينين، وذلك في حد ذاته أمر طيب ولكنه عمل ناقص، والإسلام يربي الشباب على القراءة الواعية، التي يكون الإنسان فيها حاضر القلب متوقد الذهن، يُعمل العقل فيما يقرأ، ولذلك أمر الله تعالى المسلم بتلاوة القرآن الكريم بتدبر وتفكر في المعاني.
قال سبحانه: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب}، وقال عز وجل: {أفلا يتدبرون القرآن}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «نضَّر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها ثم بلَّغها عني»، ليتعود الشباب بذلك على القراءة التدبرية المثمرة، التي تراعي الألفاظ والمعاني.
والأسرة مفتاحٌ مهمٌّ من مفاتيح تعزيز القراءة في المجتمع، وذلك عن طريق تشجيع الأبناء على الإقبال على القراءة، ومساعدتهم على اكتساب مهاراتها، واختيار المواد المقروءة السهلة الميسرة التي تلائمهم وتناسب أعمارهم ومستوياتهم، ومساعدتهم على النطق السليم للحروف والكلمات.
وتعريفهم بمعانيها بالشرح الميسر، لتصبح القراءة هواية ممتعة لهم، يترعرعون عليها منذ نشأتهم الأولى، وقد أثبتت البحوث التربوية أنَّ تمكن الناشئة من القراءة واكتساب مهاراتها وتنمية ميولها وغرس عاداتها من أهم العوامل التي تؤثر تأثيراً إيجابياً في فاعلية التعليم لديهم.
ولأهمية القراءة وأثرها الكبير في بناء الحاضر والمستقبل جعلتها دولة الإمارات موضع اهتمامها، وأولتها الرعاية الفائقة، فجعلت عام 2016 عاما للقراءة، كما أطلقت مسابقات متميزة لتعزيز القراءة لدى الأجيال في الوطن العربي، ومنها مسابقة تحدي القراءة التي أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، والتي تعد المبادرة الأكبر عربياً لتشجيع القراءة في كافة مدارس الوطن العربي.
وتُوجت هذه الجهود الرائدة بالقانون الوطني للقراءة الذي أصدره صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، والذي يعد أول قانون من نوعه في المنطقة، يتبنى القراءة كحق أساسي للجميع، ويضع أطراً تشريعية وبرامج تنفيذية ومسؤوليات حكومية، لترسيخ قيمة القراءة في دولة الإمارات بشكل مستدام.
فعلى شبابنا أن يستغلوا هذه المبادرات الرائدة أحسن استغلال، وينطلقوا في ساحة القراءة بعزم متوقد، ويُطلقوا فيها خيول إبداعهم، ليكونوا بُناة مجد وحضارة.