الصلاة الصلاة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: "كَانَ مِنْ آخِرِ وَصِيَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ، وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ» حَتَّى جَعَلَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُلَجْلِجُهَا فِي صَدْرِهِ، وَمَا يَفِيصُ بِهَا لِسَانُه»([1]).
هذه آخر وصية، وأعظم وصية، قال صلى الله عليه وسلم: «رَأْسُ الأَمْرِ الإِسْلَامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الجِهَادُ»([2]).
وقال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ العَبْدُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلاَتُهُ، فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ»([3]).
فالصلاة ركن الإسلام وعموده، وأول ما يحاسب عليه الناس من أعمالهم، وبصلاحها تصلح الأعمال ويفلح الإنسان، وبفسادها تفسد الأعمال ويخيب الإنسان ويخسر.
ولما كانت الصلاة بهذه المنزلة، رفع الله قدرها، وضاعف أجرها، فعن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمُ الصَّلَاةُ»([4]).
وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ عَلِمَ أَنَّ الصَّلاةَ حَقٌّ مَكْتُوبٌ وَاجِبٌ دَخَلَ الْجَنَّةَ»([5]).
وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِهَا حَسَنَةً، وَمَحَا عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً، وَرَفَعَ لَهُ بِهَا دَرَجَةً، فَاسْتَكْثِرُوا مِنَ السُّجُودِ»([6]).
وقال صلى الله عليه وسلم لمن سأله مرافقته في الجنة: «فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ»([7]).
وقال صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ فَيُسْبِغُ الْوُضُوءَ، ثُمَّ يَقُومُ فِي صَلَاتِهِ فَيَعْلَمُ مَا يَقُولُ إِلَّا انْفَتَلَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ مِنَ الْخَطَايَا لَيْسَ عَلَيْهِ ذَنْبٌ»([8]).
وعن أبي أيوب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ كُلَّ صَلَاةٍ تَحُطُّ مَا بَيْنَ يَدَيْهَا مِنْ خَطِيئَةٍ»([9]).
عن أبي سعيد، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ كَفَّارَاتٌ لِمَا بَيْنَهَا» ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلا كَانَ يَعْتَمِلُ، وَكَانَ بَيْنَ مَنْزِلِهِ وَمُعْتَمَلِهِ خَمْسَةُ أَنْهَارٍ، فَإِذَا أَتَى مُعْتَمَلَهُ عَمِلَ فِيهِ مَا شَاءَ اللَّهُ، فَأَصَابَهُ الْوَسَخُ أَوِ الْعَرَقُ، فَكُلَّمَا مَرَّ بِنَهَرٍ اغْتَسَلَ، مَا كَانَ ذَلِكَ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ، فَكَذَلِكَ الصَّلاةُ كُلَّمَا عَمِلَ خَطِيئَةً، فَدَعَا وَاسْتَغْفَرَ غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ قَبْلَهَا»([10]).
فهذه بعض فضائل الصلاة، وهي أنها خير عمل، ومن علم أنها حق واجب دخل الجنة، ومن استكثر منها رافق النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، والسجدة منها ترفع درجة، وتمحو خطيئة، وتُكتب حسنة، ومن أسبغ وضوءها واستحضر قلبه فيها خرج مغفورا له كيوم ولدته أمه، وكل صلاة تحط ما بين يديها من خطايا، فإياك يا مسلم والتهاون والتفريط، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ، كَمَا تَرَوْنَ هَذَا القَمَرَ، لاَ تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لاَ تُغْلَبُوا عَلَى صَلاَةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا»([11])، يعني الفجر والعصر.
وهذا فيه دلالة أن المحافظة على هاتين الصلاتين سبب لدخول الجنة، والتنعم بالنظر إلى رب العالمين، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَنْ يَلِجَ النَّارَ أَحَدٌ صَلَّى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَلَا قَبْلَ غُرُوبِهَا»([12]).
ومن حافظ على هاتين الصلاتين فسيحافظ على البقية، وسيفوز برحمة ربه وجنته، {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34) أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ} [المعارج: 34-35].
([1]) رواه أحمد.
([2]) رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه.
([3]) رواه أحمد والترمذي وغيرهما.
([4]) رواه أحمد وابن ماجه وغيرهما.
([5]) رواه أبويعلى والحاكم.
([6]) رواه ابن ماجه.
([7]) رواه مسلم.
([8]) رواه الحاكم.
([9]) رواه أحمد والطبراني.
([10]) رواه الطبراني في الأوسط.
([11]) متفق عليه.
([12]) رواه مسلم.