صلاة الوتر
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن من أهم السنن وآكدها وأحبها إلى الله تعالى صلاة الوتر، وقد كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لا يترك صلاة الوتر طوال العام، لا في سفر ولا في حضَر، وكان يقول: «إِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ، يُحِبُّ الْوِتْرَ»([1])، وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«الْوِتْرُ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ»([2])، وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ اللهَ زَادَكُمْ صَلَاةً، فَحَافِظُوا عَلَيْهَا، وَهِيَ الْوَتْرُ»([3])، وكان يوصي بها أصحابه رضي الله عنهم، قال أبو هريرة رضي الله عنه: أَوْصَانِي خَلِيلِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَلاَثٍ: «صِيَامِ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَكْعَتَيِ الضُّحَى، وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَنَامَ» ([4]).
وصلاة الوتر: ركعة واحدة أو ثلاثُ ركعات، أو خمسُ ركعات، أو سبعُ ركعات، أو تسعُ ركعات، أو إحدى عشرة ركعة، أو أكثر من ذلك.
وقد تنوعت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك:
فعن عبد الله بن أبي قيس رحمه الله قال: قلت لعائشة رضي الله عنها: بِكَمْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوتِرُ ؟ قَالَتْ: "كَانَ يُوتِرُ بِأَرْبَعٍ وَثَلاَثٍ، وَسِتٍّ وَثَلاَثٍ، وَثَمَانٍ وَثَلاَثٍ، وَعَشْرٍ وَثَلاَثٍ، وَلَمْ يَكُنْ يُوتِرُ بِأَنْقَصَ مِنْ سَبْعٍ، وَلاَ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثَ عَشْرَةَ"([5]).
وعن أبي أيوب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الْوِتْرُ حَقٌّ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِخَمْسٍ فَلْيُوتِرْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِثَلَاثٍ فَلْيُوتِرْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِوَاحِدَةٍ فَلْيُوتِرْ بِهَا، وَمَنْ غَلَبَهُ ذَلِكَ فَلْيُومِئْ إِيمَاءً»([6]).
ووقتها: ما بين صلاة العشاء إلى دخول وقت الفجر.
فعن أبي بصرة أَن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ اللهَ زَادَكُمْ صَلَاةً، وَهِيَ الْوِتْرُ، فَصَلُّوهَا فِيمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إِلَى صَلَاةِ الْفَجْرِ»([7]).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «مِنْ كُلِّ اللَّيْلِ قَدْ أَوْتَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ، وَأَوْسَطِهِ، وَآخِرِهِ، فَانْتَهَى وِتْرُهُ إِلَى السَّحَرِ»([8]).
ويستحب تعجيل الوتر لمن خشي أن لا يستيقظ آخره، كما يستحب تأخيره لمن غلب على ظنه أنه يستيقظ آخره، فعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ خَافَ أَنْ لَا يَقُومَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ أَوَّلَهُ، وَمَنْ طَمِعَ أَنْ يَقُومَ آخِرَهُ فَلْيُوتِرْ آخِرَ اللَّيْلِ، فَإِنَّ صَلَاةَ آخِرِ اللَّيْلِ مَشْهُودَةٌ، وَذَلِكَ أَفْضَلُ»([9]).
ومن نام عن وتره من الليل صلّاهُ في وقت الضحى شفعاً، فعن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ نَامَ عَنْ حِزْبِهِ، أَوْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ، فَقَرَأَهُ فِيمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَصَلَاةِ الظُّهْرِ، كُتِبَ لَهُ كَأَنَّمَا قَرَأَهُ مِنَ اللَّيْلِ»([10]).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا غَلَبَهُ نَوْمٌ أَوْ مَرَضٌ، صَلَّى مِنَ النَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً»([11]).
ويجوز أن يقضيه قبل صلاة الفجر، فعن معاوية بن قُرَّة رضي الله عنه قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَصْبَحْتُ وَلَمْ أُوتِرْ فَقَالَ: «إِنَّمَا الْوَتْرُ بِاللَّيْلِ»، ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَصْبَحْتُ وَلَمْ أُوتِرْ، فَقَالَ: «إِنَّمَا الْوَتْرُ بِاللَّيْلِ»، ثُمَّ قَالَ: إِنِّي أَصْبَحْتُ وَلَمْ أُوتِرْ، قَالَ: فِي الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ: «فَأَوْتِرْ»([12]).
وبناءً على هذا الحديث فمن قضى الوتر بعد دخول الفجر قضاه ركعة واحدة، ومن قضاه وقت الضحى قضاه كاملا شفعا وهذا أفضل، والعلم عند الله تعالى.
وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعات الثلاث الأخيرة من الوتر بسورة الأعلى، وسورة الكافرون، وسورة الإخلاص، وثبت عنه أنه قرأَ غير ذلك، فالأمر في هذا واسع.
وكان صلى الله عليه وسلم يقول في آخر وتره: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سُخْطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ»([13]).
وكان النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَلَّمَ مِنَ الْوِتْرِ قَالَ: «سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ» ثَلَاثَ مَرَّاتٍ يمدُّ صوتَهُ في الثالثة ويرفعه.([14]).
وتجوز الصلاة بعد الوتر، وإنما الممنوع تَكرار الوترِ في ليلةٍ واحدة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ»([15]).
([1]) متفق عليه.
([2]) رواه أبوداود والنسائي وابن ماجه.
([3]) رواه أحمد.
([4]) متفق عليه.
([5]) رواه أبوداود.
([6]) رواه أحمدوالنسائي وأبوداود وابن حبان والطبراني والحاكم.
([7]) رواه أحمد.
([8]) متفق عليه.
([9]) رواه مسلم.
([10]) رواه مسلم.
([11]) رواه مسلم.
([12]) رواه الطبراني وغيره.
([13]) رواه أبو داود والنّسائي.
([14]) رواه أبو داود والنّسائي وغيرهما.
([15]) رواه أبو داود والترمذي والنّسائي.