وسائل تفكيك الخطاب الإرهابي
أصبح الإرهاب اليوم يهدد الجميع، فالشرق والغرب ساحات مستهدفة من قبل التنظيمات الإرهابية، التي تسعى لنشر الخراب والدمار والفوضى وسفك الدماء وإحداث الضرر والهلع والدعاية لأفكارها وإجرامها.
ومن أبرز هذه التنظيمات تنظيم داعش الإرهابي الذي قام أخيراً بارتكاب هجمات إرهابية في العاصمة البلجيكية بروكسل، ذلك الذي يؤكد من جديد ضرورة مجابهة الإرهاب وتفكيك خطابه على اختلاف صوره وألوانه. ومما يعين على تفكيك الخطاب الإرهابي في نظري ما يلي:
أولاً: تجفيف منابع الإرهاب الفكرية أيًّا كان مصدرها ومحاسبة الجهات الداعمة لها أيًّا كانت:
فالإرهاب لا يقتصر على شكل أو لون واحد، ولا ينحصر في فئة معينة، فهناك مثلاً إرهاب تنظيم القاعدة وداعش وحزب الله وإرهاب نظام الملالي في إيران وغيرهم، وهؤلاء وإن كانوا مختلفين في نقاط فإنهم متفقون في نقاط كثيرة أيضاً، من أبرزها الاتفاق على ضرب الحكومات وتسويغ أعمال العنف ضدها لإحداث الفوضى وزعزعة الاستقرار، فهذا على سبيل المثال محسن الحيدري عضو مجلس الخبراء في إيران يشيد في كتاب مطبوع له بخالد الإسلامبولي واغتياله للسادات.
ويشيد بالتنظيمات الإرهابية وما قامت به من اغتيالات وأعمال عنف، ويدعو دعوة صريحة إلى إسقاط الأنظمة، ويسوِّغ استعمال جميع الوسائل لإسقاطها بما في ذلك استعمال القوة والمواجهات المسلحة وأعمال العنف والعمل السري.
كما أن الإرهابيين وإن اختلفوا في اتجاهاتهم ومشاربهم فإنهم يلتقون في تحقيق مصالحهم الإرهابية المشتركة، وقد أثبت الواقع التعاون المشترك بين تنظيم القاعدة ونظام الملالي في إيران، وبين تنظيم داعش والتنظيمات الصوفية المسلحة في العراق كرجال الطريقة النقشبندية.
وصرح منظِّرو هذه التنظيمات بأنهم مستعدون للتحالف مع من كان لتحقيق أهدافهم، ولذلك فإنَّ من لوازم تفكيك الخطاب الإرهابي تجفيف كافة منابعه الفكرية أيًّا كان مصدرها، ومحاسبة أي جهة يثبت تورطها مع هذه التنظيمات.
ثانياً: تجفيف منابر الإرهاب الدعائية: وخاصة المنابر الإلكترونية التي ينطلق منها داعش وغيره للدعاية لأفكاره وأفعاله، والناظر اليوم في الشبكات الإلكترونية يرى كثيراً من المواقع والمدونات التي ينتشر من خلالها داعش في العالم الافتراضي لنشر ما يريد من خطاب إرهابي مقروء ومسموع ومرئي، من دون أي جهود فاعلة عالية المستوى لسد هذه الثغرة الخطيرة.
ثالثاً: مكافحة الوسائل التي يتبعها داعش في التجنيد: فهناك وسائل عدة يسلكها داعش للتأثير على الشباب لاستقطابهم وتجنيدهم، وهذه الوسائل متعددة تشمل الناحية الدينية والنفسية وغيرها، فعلى المستوى النفسي مثلاً نجد أن التنظيم يحرص على تغذية الشباب بمشاعر الإحباط واليأس من الواقع، وتصويره بصورة سوداء قاتمة، وهدم أي شعور بالرضا أو القناعة أو الإحساس بالنعم أو الاعتراف بالإيجابيات الموجودة في الواقع أو الانتماء للأسرة أو المجتمع، ثم يُتبع ذلك بإعطاء أمل كاذب موهوم بأنه المخلِّص والمنقذ.
كما يقوم بضخ مشاعر الآلام الانفعالية بالتسويق لصور ومناظر مؤلمة وأناشيد مختارة تبث في نفوس المتأثرين رغبة في الانتقام وتلذذاً بمناظر القتل وبأنين الجرحى والمصابين، وقد يفعل مقطع مرئي واحد يتضمن ضخ مثل هذه المشاعر السلبية ما لا يفعله ألف خطاب فكري.
وقد يصبح الشاب المتشبع بهذه المقاطع المرئية ومضامينها النفسية قنبلة موقوتة وهدفاً سهلاً للتنظيم الإرهابي، بل قد تصبح هذه المحركات النفسية دوافع أساسية للإجرام لدى البعض، ويصبح الخطاب الفكري عنده غطاء مبرراً.
ولربما اجتمع مع ذلك عقدة الشعور المفرط بالذنب لدى الشاب، والشعور بالقلق والاضطراب نتيجة القيم والرغبات المتصارعة لديه، مع الجهل الشديد بالشريعة الإسلامية وطرق العلاج الصحيحة والنظرة المتوازنة للأمور.
فيقع فريسة سهلة للتنظيم الذي يوهمه بأن أسهل طريقة للخلاص وتطهير النفس هو الانتحار في عملية إجرامية في سبيل إقامة الخلافة المزعومة، وهذه المؤثرات الدينية والنفسية تحتاج إلى جهود وقائية وعلاجية من قبل علماء الشريعة وأهل التخصصات ذات الصلة لتحصين الشباب منها.
رابعاً: اتخاذ التدابير الوقائية لحماية المجتمع من المتورطين في الأفكار الإرهابية: فالتساهل مع الإرهاب ثمنه باهظ جداً، ومن العجب أن ينفذ عملية إرهابية أشخاص مدرجون في لوائح الإرهاب أو معروفون بتبني الأفكار الإرهابية، من دون أن يوجد أدنى متابعة أو رقابة أو تنسيق لكشف أنشطتهم المريبة.
وهو ما يقتضي من بعض الدول وضع استراتيجيات جادة للتعامل مع الإرهابيين وعدم ترك الساحة لهم لفعل ما يشاؤون، والإرهابي ليس هو فقط من ينتمي لداعش تنظيمياً، بل هو أيضاً من ينتمي لداعش فكرياً، وهذا الأخير لا يقل خطراً عن الأول، وقد ينقلب أداة طيِّعة بيد التنظيم في أي لحظة.
خامساً: مكافحة العوامل المساعدة على تنمية العنف والإرهاب: ومن أمثلة هذه العوامل ما تضخه بعض وسائل الإعلام من مشاهد العنف المرئي المتطرف بكثافة عالية في الأفلام والبرامج، والأدهى أن يتم إقناع المشاهدين بأن هذه المناظر العنيفة المتطرفة أعمال بطولية تستحق الثناء والتصفيق.
وإذا كانت الاتجاهات الحديثة مختلفة حول أثر هذه المشاهد فإن هناك كثيراً من رجال التربية والقانون وعلم النفس يعتقدون أن أفلام العنف سبب رئيس في وجود العديد من الأفراد خلف القضبان الحديدية، وأن كثيراً من الدراسات تؤكد ذلك، وتزداد خطورة الأمر كلما صغر سن المشاهد، فالطفل تقل عنده الوسائل الدفاعية تجاه ما يراه.
هذه بعض الوسائل المعينة على تفكيك الخطاب الإرهابي، نسأل الله تعالى أن يخلص الناس من شرور الإرهابيين.