لحمة الصف الخليجي ضرورة شرعية وواقعية


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات
القسم: 
القسم: 
القسم: 

من نعم الله على أهل الخليج أن منحهم قيادات حكيمة عاقلة متزنة، قل لها نظير، تملك أبعاداً عميقة في التصور والاستشراف ومواجهة التحديات بعزم وإصرار ورؤية ثاقبة مشتركة، وذلك نعمة كبرى، والواقع اليوم خير شاهد على ذلك.

فإنَّ من يتأمل حجم التحديات والمهددات والرياح العاتية التي عصفت بكثير من المجتمعات ثم ينظر إلى جهود قادة الخليج في التصدي ودفع الأخطار والمعالجة ورص الصفوف على المستويات كافة، يعلم يقيناً رؤاهم الثاقبة ومعدنهم الأصيل وحرصهم الشديد على المحافظة على لحمة الصف الخليجي وتفانيهم في خير شعوبهم ودولهم وأمتهم العربية والإسلامية.

لقد أسهمت الرؤى المشتركة لقيادات دول الخليج والحمد لله في إحباط كثير من المؤامرات التي كانت تستهدف أهل هذه المنطقة، والحدِّ من كثير من المخاطر التي كانت تحدق بهم، ولولا رحمة الله تعالى ثم جهود قادة الخليج وتكاتفهم في دفع المهددات عن هذه المنطقة، لكان الحاقدون والأعداء والطامعون قد نالوا منها ونشبوا أظفارهم فيها.

بل امتد أثر قادة الخليج فأثمر عن جهود باهرة عالية المستوى للمّ صف العرب والمسلمين، وإنشاء تحالفات استراتيجية كبيرة تعمل على أرض الواقع على نصرة المظلومين، والتصدي لقوى الشر والطغيان، وإرساء دعائم الأمن والاستقرار والسلام.

 وفي ذلك درس بالغ الأهمية لمختلف القيادات والشعوب العربية والإسلامية، يتمثل في أن القوة والهيبة والنهوض والارتقاء ودفع المؤامرات والخروج من الأزمات هي بالاجتماع والتكاتف والتلاحم وتوحيد الرؤى، وأن التفرق والتنازع سبب لكل ضعف وباب لكل طامع وحاقد، وقد أكد هذا المعنى الشريف الشرع الحنيف في نصوص قرآنية ونبوية كثيرة.

كما دل عليه العقل والواقع، وكتب حوله الشعراء والأدباء والحكماء في مختلف الأعصر، وذلك لأهميته الشرعية وضرورته الواقعية وثمراته الحالية والمستقبلية، فالتلاحم مفتاح القوة والمنعة، وأساس الرقي والنهضة.

وإن دول الخليج على وجه الخصوص تتميز بسمات عديدة وعناصر مشتركة كثيرة تجعل منها قوة متلاحمة متينة، ومن هذه العناصر: الدين الإسلامي الحنيف واللغة العربية والعادات والتقاليد الأصيلة والإرث التاريخي المشترك والعلاقات المتينة والمصالح المتبادلة ووحدة الرأي والتصور.

لا سيما في مكافحة الإرهاب ومجابهة التحديات الإقليمية التي تهدد أمن المنطقة واستقرارها، كما تتمتع دول الخليج بموقع جغرافي استراتيجي يجعلها كحلقة الوصل بين الشرق والغرب والشمال والجنوب.

إضافة إلى المقومات الدينية والتاريخية والاقتصادية، وغيرها من المقومات التي تجعلها كالقلب النابض لجسد الأمة العربية والإسلامية، وإن الأجيال السابقة التي تمكنت من توحيد كثير من أصقاع الشرق والغرب في كينونة قوية واحدة خرجت من هذه المنطقة.

وفي هذا المعنى يقول الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله: «إن الأمة التي حملت رسالة الهدى للبشرية انطلق رجالها ودعاتها من هذه المنطقة، وما أجيال اليوم إلاّ أحفاد ذلك الجيل العظيم الذي سطر صفحات مشرقة في التاريخ الإنساني».

إن كل هذه المقومات والمميزات تحتم على أهل هذه المنطقة حكاماً ومحكومين المحافظة على لحمتهم وتلاحمهم، فدينهم الإسلامي الحنيف يدعوهم إلى التلاحم والاعتصام، وتاريخهم المشرق ودورهم الريادي في التلاحم وجمع الصفوف.

وتأليف القلوب وبناء الإنجازات الحضارية المشرقة واستشرافهم للواقع اليوم وتحدياته تضع على عاتقهم مسؤولية كبرى في المحافظة على تلاحمهم وتقوية صفوفهم وتعزيز لحمتهم بالغالي والنفيس، ليكونوا على الدوام أهل تلاحم وتكاتف كما كانوا بالأمس وكما هم عليه اليوم، فينفعوا أنفسهم، وينفعوا غيرهم.

وإن انزواء أي دولة من دول الخليج أو ميلها بعيداً عن أشقائها هو إضرار باللحمة الخليجية، فإن أي تهديد يطول دولة من دول الخليج هو تهديد لبقية الدول، وإن أي خطر يواجه دولة خليجية فإن شرره وضرره قد يمتدان إلى الجميع، ومتى حافظ الجميع على هذه الرؤية ووقفوا صفاً واحداً يداً بيد في مواجهة الأخطار، فإنهم سيستمرون كالطود الشامخ والجبل الشاهق أمام أي عاصفة هوجاء.

كما أن دور المجتمع الخليجي كبير في المحافظة على هذه اللحمة الواحدة، وذلك من خلال الوقوف صفاً واحداً إلى جانب حكامهم، وترسيخ مقومات التلاحم والتآلف، واجتناب التيارات الخطرة، والحذر من المنظمات ذات الأجندات الإرهابية والدخيلة، والترفع عن الحظوظ الشخصية.

وتغليب المصالح العامة، والحذر من التجنيد الخارجي من قبل جهات ودول معادية تسعى لإلحاق الضرر بدول الخليج وأهلها تحقيقاً لأجنداتها الطائفية والتوسعية المقيتة، وإن دور العلماء والأكاديميين والمثقفين والإعلاميين وغيرهم كبير في هذا المضمار، بتسخير الأقلام والأفكار والخطابات المتنوعة ضمن المسارات والمخرجات الإيجابية التي تحفظ لحمة الصف الخليجي.

مستحضرين جميعاً قول الله تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا} وقوله سبحانه: {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم}، متمسكين بتعاليم ديننا السمح، ونهجه الوسطي المعتدل الناصع، مبتعدين كل البعد عن مظاهر الغلو والتطرف كافة، فإن الاعتدال والتوسط صمام أمان التلاحم والوئام، وإن الغلو والتنطع في أي اتجاه كانا سبباً للتشرذم والتفرق والضعف.

نسأل الله تعالى أن يحفظ دول الخليج، وأن يديم على أهلها النعم والخيرات، وأن يحفظ عليهم الأمن والأمان واللحمة والاستقرار.