الخوارج هم العدو فاحذروهم - (الجزء الثامن)
بسم الله الرحمن الرجيم
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أما بعد
فقد ذكرت في المقالات السابقة خطر الفكر الخارجي على الدين والدنيا، وكيف أن النبي صلى الله عليه وسلم قد حذر منهم في أحاديث مستفيضة، وذكر صفاتهم وأشهر ما يتميزون به عن غيرهم، لأجل أن يحذرهم المسلمون، ويتجنبوا الانضمام إليهم.
ثم ذكرت نقطة محورية هامة جدا وهي : من هو الخارجي ؟
وبينت بعض الصفات التي تجمع بين الخوارج قديما وحديثا ، وسأتابع ذكر أخص الصفات التي يشتهر بها الخوارج، ومن من الجماعات المعاصرة أو الأشخاص قد سار على نهجهم واتصف بصفاتهم.
فمن الصفات المشتركة بين الخوارج قديما وحديثا:
كذبهم واتباعهم أي وسيلة لنصرة مذهبهم وجماعتهم:
فعندهم الغاية تبرر الوسيلة، ومن أفعالهم الدالة على ذلك ما حصل في فتنة عثمان رضي الله عنه، قال ابن كثير في البداية والنهاية (7/ 218) : قالت عائشة حين قتل عثمان: تركتموه كالثوب النقي من الدنس ثم قتلتموه. وفي رواية: ثم قربتموه ثم ذبحتموه كما يذبح الكبش؟ فقال لها مسروق: هذا عملك، أنت كتبت إلى الناس تأمريهم أن يخرجوا إليه، فقالت: لا والذي آمن به المؤمنون وكفر به الكافرون، ما كتبت لهم سوداء في بيضاء حتى جلست مجلسي هذا.
قال الأعمش: فكانوا يرون أنه كتب على لسانها.
وهذا إسناد صحيح إليها.
وفي هذا وأمثاله دلالة ظاهرة على أن هؤلاء الخوارج قبحهم الله، زوروا كتبا على لسان الصحابة إلى الآفاق يحرضونهم على قتال عثمان، كما قدمنا بيانه ولله الحمد والمنة."
وأما أهل السنة والجماعة فلا يرفعون شعار " الغاية تبرر الوسيلة" فالصدق شعارهم والأمانة في التعامل أساس ينطلقون منه في تعاملاتهم، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : "أَدِّ الأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ وَلاَ تَخُنْ مَنْ خَانَكَ " رواه أبوداود.
ومن الصفات المشتركة بين الخوارج قديما وحديثا:
رفعهم لشعارات شرعية مستقاة من الكتاب والسنة، للتمويه على الناس واستدراجهم:
فالخوارج زمن علي بن أبي طالب رفعوا شعار : لا حكم إلا لله، فروى مسلم في صحيحه عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْحَرُورِيَّةَ لَمَّا خَرَجَتْ، وَهُوَ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالُوا: لَا حُكْمَ إِلَّا لِلَّهِ، قَالَ عَلِيٌّ: كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيدَ بِهَا بَاطِلٌ، إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفَ نَاسًا، إِنِّي لَأَعْرِفُ صِفَتَهُمْ فِي هَؤُلَاءِ، «يَقُولُونَ الْحَقَّ بِأَلْسِنَتِهِمْ لَا يَجُوزُ هَذَا، مِنْهُمْ، - وَأَشَارَ إِلَى حَلْقِهِ - مِنْ أَبْغَضِ خَلْقِ اللهِ إِلَيْهِ .."
فمن شعاراتهم في زماننا مصطلح ( الحاكمية) ، وجعلوه قسما من أقسام التوحيد الثلاثة وسموه توحيد الحاكمية، وقرره المودودي في كتبه، ونصره سيد قطب في مؤلفاته، حتى جعلها أخص خصائص الألوهية، وجعل الخارج عنها مشركا شركا أكبر.
وإذا أتينا إلى واقعهم عرفنا كذبهم في دعاواهم، فتمكنوا برهة من الزمن في بعض البلدان، ووصل بعضهم إلى كرسي الحكم، فهل طبقوا الشريعة والحاكمية ؟
الجواب : قال القرضاوي – وهو من منظري الخوارج في زماننا – في مقابلة معه في البي بي سي : "الحرية مقدمة على تطبيق الشريعة " .
فالقوم من أبعد الناس عن شرع الله، ومن أكثرهم مخالفة له، فيسفكون الدم الحرام باسم الشرع، وينتهكون الأعراض باسم الشرع، ويخفرون الذمم باسم الشرع، والشرع برئ من ذلك.
وقد حذر السلف رحمهم الله من طريقة الخوارج في رفع الشعارات التي يضللون بها الناس ومن الاغترار بها، قال الآجري رحمه الله في كتابه الشريعة 1/49 : " لم يختلف العلماء قديما وحديثا أن الخوارج قوم سوء عصاة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، وإن صلوا وصاموا ، واجتهدوا في العبادة ، فليس ذلك بنافع لهم ، نعم ، ويظهرون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وليس ذلك بنافع لهم ؛ لأنهم قوم يتأولون القرآن على ما يهوون ، ويموهون على المسلمين ، وقد حذرنا الله تعالى منهم ، وحذرنا النبي صلى الله عليه وسلم ، وحذرناهم الخلفاء الراشدون بعده ، وحذرناهم الصحابة رضي الله عنهم ومن تبعهم بإحسان"
ومن الصفات المشتركة بين الخوارج قديما وحديثا:
السرية في أعمالهم:
قال ابن كثير في البداية والنهاية (7/317) : " فكتبوا كتابا عاما إلى من هو على مذهبهم ومسلكهم من أهل البصرة وغيرها وبعثوا به إليهم ليوافوهم إلى النهر ليكونوا يدا واحدة على الناس، ثم خرجوا يتسللون وحدانا لئلا يعلم أحد بهم فيمنعوهم من الخروج، فخرجوا من بين الآباء والأمهات والأخوال والخالات وفارقوا سائر القرابات، يعتقدون بجهلهم وقلة علمهم وعقلهم أن هذا الأمر يرضي رب الأرض والسموات، ولم يعلموا أنه من أكبر الكبائر الموبقات، والعظائم والخطيئات، وأنه مما زينه لهم إبليس الشيطان الرجيم المطرود عن السموات، الذي نصب العداوة لأبينا آدم ثم لذريته ما دامت أرواحهم في أجسادهم مترددات، والله المسؤول أن يعصمنا منه بحوله وقوته إنه مجيب الدعوات، وقد تدارك جماعة من الناس بعض أولادهم وإخوانهم فردوهم وأنبوهم ووبخوهم فمنهم من استمر على الاستقامة، ومنه من فر بعد ذلك فلحق بالخوارج فخسر إلى يوم القيامة.."
فتأملوا حالهم التي ذكرها ابن كثير رحمه الله، وحال أتباع الإخوان المسلمين والقاعدة والدواعش وأمثالهم، تعلم درجة التقارب والتشابة بين القوم.
وفي زماننا ألف بعض منظري الخوارج رسالة بعنوان: " الدعوة والتنظيم بين السرية والجهر" يحث أتباعه على العمل السري في بلاد المسلمين.
وأما أهل السنة والجماعة فإن الأصل في أعمالهم العلن، والسرية وإنما تكون لمصلحة الدين لا لمصلحة الحزب، روى الإمام اللالكائي في اعتقاد أهل السنة حديث نافع عن ابن عمر قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أوصني قال:" اعبد الله ولا تشرك به شيئا، وأقم الصلاة، وآت الزكاة، وصم رمضان، وحج البيت واعتمر، واسمع وأطع، وعليك بالعلانية وإياك والسر" قال عنه الألباني إسناده جيد.
وقد روى الدرامي في السنن عن عمر بن عبد العزيز أنه قال: " إذا رأيت قومًا يتناجون في دينهم بشيء دون العامة فاعلم أنهم على تأسيس ضلالة "
ومن الصفات المشتركة بين الخوارج قديما وحديثا :
طعنهم في علماء أهل السنة والجماعة الذين بينوا خطرهم، وحذروا الناس من شرهم، مع وصفهم بالجبن والضعف.
ولما بَعَثَ عَلِيّ بن أبي طالب عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ إلى الخوارج ليناظرهم، قامَ ابْنُ الْكَوَّاءِ – رجل من الخوارج - يَخْطُبُ النَّاسَ، فَقَالَ: يَا حَمَلَةَ الْقُرْآنِ، إِنَّ هَذَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُهُ فَأَنَا أُعَرِّفُهُ مِنْ كِتَابِ اللهِ مَا يَعْرِفُهُ بِهِ، هَذَا مِمَّنْ نَزَلَ فِيهِ وَفِي قَوْمِهِ: "بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ" فَرُدُّوهُ إِلَى صَاحِبِهِ، وَلا تُوَاضِعُوهُ كِتَابَ الله " رواه أحمد في المسند.
وفي عصرنا يتكرر الأمر فيصف الخوارج علماء أهل السنة وطلاب العلم بالمرجئة والجامية والمدخلية وغيرها من الألفاظ التي يقصد بها تنفير الناس عنهم، وهذه طريقة أهل البدع الوقيعة في أهل السنة والنيل منهم.
وأما طريقة أهل السنة والجماعة فهي احترام العلماء وتوقيرهم، قال الإمام الطحاوي رحمه الله في عقيدته: "وعلماء السلف من السابقين ومن بعدهم من التابعين أهل الخير والأثر وأهل الفقه والنظر لا يذكرون إلا بالجميل ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل".
ومن الصفات المشتركة بين الخوارج قديما وحديثا :
تركهم للصلاة في المساجد خلف الأئمة، ويعتبرون مساجد المسلمين مساجد ضرار، فيتقربون إلى الله بترك الجماعة والجمعة:
ورد في مقالات الإسلاميين (1/103) عن طائفة من الخوارج وهم البيهسية أنهم قالوا: " الدار دار شرك، وأهلها جميعا مشركون، وتركت الصلاة، إلا خلف من تعرف "
وفي زماننا ألف أبو قتادة الخارجي رسالة بعنوان "مساجد الضرار" واعتبر جميع مساجد البلاد الإسلامية مساجد ضرار، وحث على ترك الصلاة فيها، حيث قال : "ومما تدخل في معنى مسجد الضرار وينطبق عليها الوصف الشرعي، تلك المساجد التي بناها الطواغيت لتذكر فيها أسماؤهم وتسمى بهم ..."
وثبت من كلام أصحاب سيد قطب أنه لم يكن يصلي الجمع ولا الجماعات في مساجد المسلمين بل يعتبرها معابد جاهلية .
قال سيد قطب في تفسير قول الله تعالى: {واجعلوا بيوتكم قبلة}: (يرشدهم الله إلى اعتزال معابد الجاهلية واتخاذ بيوت العصبة المسلمة مساجد تحس فيها بالانعزال عن المجتمع الجاهلي) في ظلال القرآن: (3/1816)
ووصَفَ سيد قطب بيوت الله في بلاد المسلمين اليوم بأنها (معابد الجاهلية)، ووصفها بأنها (مساجد الضرار) وأوصى أتباعه باعتزالها والصلاة في البيوت مخالفا صريح الكتاب وصحيح السنة وسبيل المؤمنين القدوة، قال الله تعالى: {في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه}.
وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال:" من سره أن يلقى الله تعالى غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن "
وأهل السنة والجماعة يصلون خلف كل بر وفاجر من أهل هذه القبلة، وروى مسلم في صحيحه عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ قَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ « كَيْفَ أَنْتَ إِذَا كَانَتْ عَلَيْكَ أُمَرَاءُ يُؤَخِّرُونَ الصَّلاَةَ عَنْ وَقْتِهَا أَوْ يُمِيتُونَ الصَّلاَةَ عَنْ وَقْتِهَا ». قَالَ قُلْتُ فَمَا تَأْمُرُنِى قَالَ « صَلِّ الصَّلاَةَ لِوَقْتِهَا فَإِنْ أَدْرَكْتَهَا مَعَهُمْ فَصَلِّ فَإِنَّهَا لَكَ نَافِلَةٌ »، وبوب البخاري في صحيحه بابا : باب إِمَامَةِ الْمَفْتُونِ وَالْمُبْتَدِعِ، ثم أورد أثر الحسن : وَقَالَ الْحَسَنُ صَلِّ وَعَلَيْهِ بِدْعَتُهُ
أخي القارئ: هذه بعض الصفات التي تعرفك على أصحاب هذا الفكر المنحرف، لتتجنبهم وتنجو من طريق هلكتهم.
سيكون موضوع الحلقة القادمة –بإذن الله - عن خطر الخوارج على الإسلام والمسلمين.
وفقنا الله جميعا لما يحبه ويرضاه، ووقانا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن .
كتبه أبو محمد سعيد بن سالم الدرمكي