هنا الإمارات.. الابتكار ربيعنا
إن العالم اليوم بدوله وشعوبه يخوض سباقاً تنافسياً كبيراً في مختلف المجالات، لا يتبوأ فيه موضعاً للريادة والصدارة إلا المجتهدون الموهوبون، وهو سباق مليء بالتحديات الكثيرة التي تحتاج من الجميع إلى تعاون مشترك يدًا بيدٍ عبر استراتيجيات مبتكرة ورؤى وطنية عالية المستوى تُحقِّق التقدم والإنجاز المستدام في مختلف الميادين.
وتُستثمَر فيها كافة الموارد والإمكانات المتاحة في الحاضر لتحقيق الأهداف العليا في الحاضر والمستقبل، وبالأخص في مجال التعليم وبناء العقول والتنمية البشرية ورفع الكفاءات، ابتداء من الناشئة الذين يخطون أولى مراحلهم في التعليم، وانتهاء بالطلبة الجامعيين والموظفين والكوادر البشرية في شتى المجالات ومختلف فئات المجتمع، إيماناً من أنَّ استثمار الإنسان وتنمية مواهبه وتهيئة البيئة المناسبة التي تتيح له فرص الإبداع والابتكار هو أهم استراتيجية للتقدم والازدهار.
وإذا نظرنا في تاريخنا فإننا نجد إرثاً عظيماً، ومجداً كبيراً، فقد كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم القدوة العليا في بناء الإنسان، وتعزيز إمكاناته الروحية والمادية، واستثمار طاقاته ومواهبه، والواقعُ التاريخيُّ خير شاهد على ذلك، فقد تفتحت العقول بدعوته المباركة واستنارت، وانتشرت القراءة والتعليم، وظهر العلماء، وحظوا بالمنزلة الرفيعة، وسادت القيم الحضارية في المجتمع، فشاع التكاتف والتلاحم، وعمَّ التعاون والتكافل، وانتشر الأمن والأمان، وانبثق في سنوات قليلة في قفزة نوعية لا مثيل لها فجر حضارة جديدة أبهرت العالم كله، وإذا نظرنا في السيرة النبوية.
فإننا نجد أن النبي عليه السلام قد استمر يبني الإنسان في مكة المكرمة طيلة ثلاثة عشر عاماً، وقد نهاه الله في هذه الفترة عن القتال، رغم ما كان يجد هو وأصحابه من صنوف الأذى والاعتداء، وفي ذلك أوضح دلالة على أن بناء الإنسان والارتقاء به على المستوى الديني والدنيوي هو الهدف الأسمى الذي ينبغي التركيز عليه بالدرجة الأولى، كما أن في ذلك أيضاً أبلغ رد على التنظيمات الإرهابية التي لا تجيد إلا هدم الإنسان ولا تعرف إلا صناعة المسوخ البشرية وتصدير الأفكار الهمجية المتخلفة.
إن السيرة العطرة المشرقة لنبي الإسلام عليه الصلاة والسلام جعل كثيراً من غير المسلمين ينبهرون بها، ليس على مستوى الإنجازات الروحية والأخلاقية فقط، بل على مستوى الإنجازات الدنيوية أيضا من خلال تأسيس كيان حضاري جديد تبوأ أصحابه مقاعد الصدارة والريادة بين الأمم جمعاء، بما حملوه من الإيمان والعلم والمعرفة ومحبة الخير والهداية لبني الإنسان، وهو ما جعل مايكل هارت على سبيل المثال مؤلِّف كتاب (أعظم مئة شخصية في التاريخ) يصدِّر كتابه بالكلام عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
حيث يقول: «لقد اخترت محمداً في أول هذه القائمة، لأنه الإنسان الوحيد في التاريخ الذي نجح نجاحاً مطلقاً على المستوى الديني والدنيوي»، ثم يختم الكلام بقوله: «هذا الامتزاج بين الدين والدنيا هو الذي جعلني أؤمن بأن محمداً هو أعظم الشخصيات أثراً في تاريخ الإنسانية كلها».
إننا إذْ نُذكِّر أنفسنا بإرثنا وتاريخنا المجيد فليس الغرض من ذلك مجرد التفاخر والتباهي، بل ليكون ذلك دافعاً وحافزاً لنا لامتلاك زمام الصدارة والريادة من جديد، لنقتبس من ماضينا مشاعل نبني على ضوئها مقومات الارتقاء والتقدم لحاضرنا ومستقبلنا، سائرين على خطى مؤسس هذه الدولة المباركة زايد الخير طيب الله ثراه، الذي ارتسم خطى نبي الإسلام، فأسَّس رؤيته على بناء الإنسان، والارتقاء به في مختلف المجالات.
حتى بنى دولة عصرية راقية تسارعت فيها عجلة الإنجازات عبر قفزات نوعية هائلة في مدة قصيرة أذهلت الجميع، فكان رحمه الله مدرسة كبرى في التطور والابتكار والاهتمام بالإنسان وبناء العقول وتنمية المواهب وتحقيق الإنجازات المبهرة وحسن إدارة الأزمات وشحذ الهمم للتغلب على كافة التحديات والصعاب.
وعلى هذا الطريق المستنير مشت قيادتنا الرشيدة، فسعت للارتقاء المستمر بالوطن وأبنائه، وفي هذا الإطار جاءت المبادرة الاستراتيجية لدولة الإمارات في مجال العلوم والتكنولوجيا والابتكار، والتي اعتمدها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله.
وتهدف إلى تحقيق نقلة اقتصادية وعلمية ومعرفية متقدمة لدولة الإمارات، ودفع اقتصاده بعيداً عن الاعتماد على الموارد النفطية خلال السنوات القادمة، فربيعنا بحمد الله في وطننا الإمارات رقيٌّ وازدهارٌ وابتكارٌ وطموحٌ عالٍ نحو مستقبل مليء بالإنجازات المتجددة.
إن الحاجة اليوم إلى تحصيل العلوم والابتكار ليست حاجة ثانوية، بل هي حاجة ملحة، وإن تحقيق هذه الاستراتيجية العليا لدولتنا مسؤولية مشتركة تبدأ من الأفراد والأسر مرورا بالمؤسسات الحكومية والخاصة المحلية والاتحادية، لنعمل جميعا من أجل تحويل هذه المبادرة الاستراتيجية إلى واقع ملموس، فالفرد مسؤول عن تنمية قدراته، وتحصيل السمات التي تؤهله للابتكار والإبداع.
وأداء عمله على أحسن وجه، والأسر مسؤولة عن توجيه أبنائها، ودفعهم نحو التميز والابتكار، واستكشاف مواهبهم، وتعاهدها بالرعاية والنماء، فناشئة اليوم هم رجال المستقبل، والمؤسسات المتنوعة مسؤولة عن تحقيق استراتيجية القيادة الرشيدة وفق أعلى معايير الجودة في الأداء.
وإننا إذْ نشيد بقيادتنا الرشيدة على مبادراتها الاستراتيجية العليا فإننا ندعو مجتمعنا كافة إلى التفاعل الإيجابي مع رؤية قيادتنا في الرقي والابتكار، وذلك لنتمكن من بناء مستقبل مشرق، نحتفل فيه جميعاً بآخر برميل من النفط نصدِّره، حيث سنكون بإذن الله قد امتلكنا مخزوناً هائلاً من العقول المبدعة والبدائل الكثيرة والثروات المستدامة، حفظ الله القيادة والوطن.