جحيم التطرف بين الشرق والغرب... أسباب وحلول (2 / 3)
مع بروز آفة الإرهاب، التي أصبحت تؤرق العالم اليوم، فإن الحاجة تزداد إلى إشباع هذه الظاهرة بالدراسات الموضوعية التحليلية العميقة، التي تميط عنها اللثام، وذلك عبر سبر دقيق لأسباب تنامي هذه الظاهرة، ووضع الحلول الناجعة لمكافحتها والقضاء عليها، ولعلي أشير إشارات مختصرة جداً، إلى جانبين من ذلك، وهما: الأسباب والحلول.
وسأتناول في مقالي هذا، جانب الأسباب، فأقول: بالنظر في هذه الظاهرة التي طالت الشرق والغرب، فإننا نجد أن الأسباب التي أدت إلى تناميها في الشرق، تختلف عنها في الغرب، وبيان ذلك كالآتي:
أولاً: أسباب تنامي ظاهرة الإرهاب في الشرق:
[1] ضعف الرقابة على الأنشطة الدينية والفكرية والاجتماعية، التي تغذي الإرهاب والتطرف في كثير من المجتمعات، ما أتاح الفرص لمن يحملون أجندات متطرفة لينفثوا سمومهم، وينشروا أفكارهم المضللة التي اغتالت العديد من العقول.
[2] النشاط الإلكتروني الاحترافي الهائل، الذي تقوم به التنظيمات الإرهابية للسيطرة على شبكات التواصل الاجتماعي وغيرها، والاستفادة من الانفتاح المفرط باسم الليبرالية والحرية لدى كثير من الشركات الغربية، التي تملك مواقع عالمية شهيرة في الشبكة العنكبوتية، مثل غوغل وتويتر ويوتيوب وغيرها، والضعف الشديد لديها في آلية حجب المواد الإرهابية، على الرغم من صيحات النذير والنداءات المتواصلة المتكررة لها، بضرورة وضع آليات تنفيذ جادة وحازمة وصارمة لمواجهة النشاط الإلكتروني المكثف للتنظيمات المتطرفة، والتي تستغل هذه المنافذ شر استغلال، لتقديم ما تشتهي إلى العالم أجمع، والوصول إلى عقر كل دار، ومتناول كل يد، عبر التقنيات الحديثة والأجهزة الذكية، ولذلك، فإننا نقول بملء الفم: إن من أبرز مسببات انتشار ظاهرة الإرهاب وتناميه واستقطابه للمريدين في الشرق والغرب في هذه الفترة الحرجة، هو المنظومة الإعلامية الغربية الليبرالية المفرطة، لدى الشركات الأميركية المالكة للمواقع العالمية في شبكة الإنترنت، والتي ساهمت إسهاماً كبيراً في إتاحة الفرص الذهبية لداعش وأمثالها للتسويق لنفسها والترويج لأجنداتها.
[3] ضعف العلاج الفكري الصحيح المطلوب في التصدي لداعش من قبل أجهزة الإعلام ودُور النشر والطباعة، فالخطاب الديني المنحرف، لا بد أن يعالج بالخطاب الديني الصحيح، وإذا كان العلماء المعتدلون هم المعنيون بالدرجة الأولى بهذا الجانب، فإن جهودهم لن تكون فاعلة تمام الفاعلية، ما لم تتضافر معها أجهزة الإعلام، لتنقلها إلى أكبر حيز ممكن من الانتشار، لتحقيق أكبر نفع وتأثير، وإن من المؤسف، أن نرى أن تفاعل الإعلام في كثير من المجتمعات ضعيف جداً مع العلماء المعتدلين المؤهلين، بل يكاد يكون ذلك في كثير من الأحيان نادراً، ومن باب مكره أخاك لا بطل، بينما نجد أن كثيراً من هذه الأجهزة، تفتح أبوابها لفئات أخرى عاجزة عن تقديم العلاج الفاعل، لعدم أهليتها وضعف علميتها، كما أننا نجد أيضاً كثيراً من دور النشر والطباعة، تتغاضى عن المحتوى الجيد والثقافة المعتدلة، في سبيل الربح المادي، أو لاعتبارات أخرى، والنتيجة، انتشار كتب مليئة بأفكار سلبية، تدعو إلى الخروج على الحكام، واستخدام العنف وتبني الأفكار الثورية، والغلو في التكفير، وغير ذلك من القضايا التي تصب في خدمة أجندات داعش ونظائرها.
[4] ضعف الوعي الأسري لدى كثير من الأسر، وضعف قيامها بواجبها في ترسيخ الثقافة المعتدلة في نفوس الأبناء ووقايتهم من أفكار التطرف، ما يجعل الأولاد عرضة للتأثر بالأفكار المسمومة.
[5] ضعف التشريعات والقوانين الرادعة في بعض المجتمعات التي تحاصر الإرهاب، وتجرم أنشطته وتسد ذرائعه.
[6] ضعف تطبيق القوانين المتعلقة بالإرهاب في بعض المجتمعات.
ثانياً: أسباب تنامي ظاهرة الإرهاب في الغرب:
مع وجود الأسباب السابقة التي أشرنا إليها، فإنه يضاف إلى ذلك أيضاً، وجود أخطاء استراتيجية مارسها الغرب، ساهمت في تنامي ظاهرة الإرهاب، وذلك من وجوه عدة:
[1] عدم المعرفة بالفهم الصحيح للإسلام ومصادره الصحيحة لدى هذه الدول، وضعف دورها في الإسهام الإيجابي في هذا الباب تجاه رعاياها، ما أدى إلى وجود ضعف شديد في الثقافة الإسلامية لدى كثير من المسلمين في الغرب، أو من يدخلون الإسلام هناك.
[2] احتضان بعض دول الغرب لرموز إرهابية، بغرض الاستفادة منها لتحقيق مآرب معينة، ولاستعمالها كورقة ضغط ضد بعض دول الشرق، ما أعطى المجال لهذه الرموز لتفعيل العمل الإرهابي المنظم في دول الغرب، والتأثير في شرائح كثيرة.
[3] رفض بعض دول الغرب ربط الإرهاب بمصادره الأصيلة، حيث إن بعض الدول لا تقبل ربط الإرهاب بالإخوان المسلمين، لمقاصد معينة، وهذا غلط كبير، بل هو عمل جنوني، فلا يعقل لدولة، مهما بلغت رؤيتها السياسية، أن ترى بركاناً أمامها يقذف الحمم تجاهها وتجاه دول أخرى، فترفض ربط مصدر الحمم بالبركان، من أجل لعبة سياسية، لأن ضرر البركان سيصلها ولا بد، والواقع أكبر دليل على ذلك، وعلاقة الإخوان بالإرهاب علاقة متأصلة، مدعمة بالبراهين الساطعة، التي لا يشك فيها منصف.