المرأة وجناية العضل
الإسلام دين الفطرة والإنسانية، حث على الزواج، ودعا إلى بناء الأسرة، واعتنى بها عناية فائقة، ووضع القواعد المتينة التي تحفظها، ونهى عما يضادُّ الفطرة ويسيء إليها، ويهضم حقوق المرأة في الارتباط بمن تريد، فنهى عن عضلها أشد النهي، وهو منعها من حقها في الزواج من الرجل الكفء الذي ترغب فيه ويرغب فيها ظلما وجورا، سواء كان هذا المنع من طرف الأب أو من يقوم مقامه مثل الجد والأخ والعم وغيرهم، فإن هذا التصرف الظالم يعد انتهاكا صارخا لحقوق المرأة في الإسلام، وتسبيبا في إلحاق الضرر البالغ بها، وإنه من المعيب في حقِّ ولي المرأة أن يقف حجر عثرة أمام زواجها لأسباب واهية غير مقبولة، إما طمعا في راتب، أو مبالغة في مهر، أو تشددا في مواصفات الزوج، أو اتباعا لموروث خاطئ، أو تأثرا بخلافات أسرية، أو رغبة في بقاء البنت في البيت من أجل الخدمة، إلى غير ذلك من الأسباب المجحفة، لتمر السنوات تلو السنوات على هذه المرأة وهي تذوق المرارة والأسى، ولربما وصل كثير منهن إلى سن الأربعين وقد فاتهن قطار الزواج وحُرمن من نعمة الأمومة.
وقد أمرت شريعتنا الغراء الولي بأن يكون سببا لخير وسعادة من تحته من بنات أو أخوات، يلبِّي حقوقهن من غير ظلم ولا بخس، ومن ذلك حقهن في الزواج، وهو حقٌّ كفله الشرع والقانون، قال تعالى: «وأنكحوا الأيامى منكم»، وهذا أمر إلهي صريح ومباشر إلى الأولياء آباء أو إخوة أو غيرهم بتزويج من تحت ولايتهم من الأيامى، وهم الذين لا أزواج لهم من ذكور أو إناث، وقال النبي عليه السلام مؤكدا ذلك: «إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض».
وقد حذرت الشريعة الإسلامية من عضل المرأة، واعتبرته ظلما بيِّنا، قال سبحانه: «وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف»، وهذا نهي من الله للأولياء عن عضل بناتهم أو أخواتهم المطلقات إذا انتهت عدتهن وأردن الرجوع لأزواجهن، فقد يقع بين الزوجين طلاق لسبب ما، ثم تنقضي العدة، ثم يتصالحان ويرغبان في أن يرجعا إلى بعضهما، فلا يليق بالأب أو الأخ أن تأخذه الحمية ويمنعها من ذلك، وسبب نزول الآية ما رواه معقل بن يسار رضي الله عنه قال: كانت لي أخت، فأتاني ابن عم لي، فأنكحتها إياه، ثم طلقها طلاقا له رجعة، ثم تركها، حتى انقضت عدتها، فأتاني يخطبها، فقلت: والله لا أنكحتكها أبدا، قال: فنزلت هذه الآية، قال: فكفَّرتُ عن يميني فأنكحتها إياه.
إن عضل المرأة مشكلة مجتمعية ذات أبعاد سلبية خطيرة، ولها آثار سيئة عديدة نفسية وصحية واجتماعية وغيرها، وقد يؤدي إلى ردود أفعال عكسية؛ مثل هروب الفتاة، أو وقوعها فيما لا تُحمد عقباه، ومما يعين على علاج هذه المشكلة نشر التوعية في المجتمع، بتشخيص هذه المشكلة، وبيان صورها ومظاهرها، وكشف أضرارها وسلبياتها، سواء من قبل العلماء والدعاة والمثقفين، بإلقاء المحاضرات والندوات وما شابه، أو على مستوى وسائل الإعلام بمختلف أنواعها والمؤسسات الاجتماعية وغيرها.
وعلى المرأة المظلومة أن تلجأ إلى الله تعالى، وتسأله رفع هذا البلاء، وتحاول إقناع أبيها أو أخيها بالحوار الجميل، فإن لم تستطع أو فعلت ولم تجد نتيجة استعانت ببعض الأقارب العقلاء الذين لهم قدر ووزن في العائلة، ليسعوا في تقريب وجهات النظر وحل المشكلة بالتي هي أحسن، فإن أُغلقت الأبواب وانقطعت الأسباب فقد أجاز لها الشرع والقانون اللجوء للقضاء لينصفها من هذا الظلم، والله المستعان، وعلى الأب أن يتقي الله تعالى، ولا يسمح بأن يصل الأمر إلى هذا الحد بسبب تماديه في ظلمه، بل يسارع إلى تصحيح خطئه، واحتواء ابنته، ويزوِّجها ممن تريد من الأكفاء، ليكون مفتاح خير وسعادة لفلذة كبده.
وقد يقع العضل على مستوى الأزواج أيضا، بأن يتسلَّط الزوج على زوجته، ويلحق الضرر بها بالتضييق عليها وسوء عشرتها ومنعها من حقوقها من النفقة وغيرها، وذلك بقصد دفعها للخلع، وأخذ ما تفتدي به نفسها من مال، وقد نص الفقهاء على أن هذا العوض مردود يحرم عليه أخذه، لأنه مبني على قهر المرأة وظلمها، فعلى الزوج أن يتقي ربه، ويحسن إلى أهله، ويعلم أن أموال الدنيا كلها لن تشفع له في موقف الحساب، قال الله تعالى: «وعاشروهن بالمعروف»، ويقول النبي عليه السلام: «استوصوا بالنساء خيراً».
وأخيرا وفي مقابل ما ذكرناه فإن على البنت أن تدرك أنه ليس كل رفض يأتي من طرف أبيها تجاه أحد الخطَّاب يعتبر عضلا وظلما، فقد يكون هذا الخاطب لا يصلح لها لعيوب وأسباب، وعلى الأب أن يتحلى بالحكمة والحنان والمصارحة، ويوضح لابنته سبب الرفض بالكلام المقنع الصحيح، ويبدي استعداده للموافقة على الكفء متى ما تقدم لها، لتستيقن ابنته أنه يبحث عن مصلحتها وسعادتها.