أثر فكر «الإخوان» في نشوء «داعش»
مما لا بد منه لصد الأفكار الإرهابية وتنظيماتها كشف جذور نشأتها، وأسباب ظهورها، وفق أسس موضوعية متجردة، تهدف إلى وضع الأصبع على الداء، وتقديم أنجع الأدوية الوقائية والعلاجية، ومن خلال متابعتي لهذا الموضوع فقد ظهر لي بوضوح من خلال الواقع أن تنظيم الإخوان المسلمين هو العباءة الكبرى التي خرجت منها كثير من التنظيمات المتطرفة اليوم من قاعدة وداعش وغيرها، وبراهين ذلك كثيرة، سواء من جهة الواقع أو التنظير.
فمما يدل على ذلك من شواهد الواقع:
أولاً: قيام حسن البنا بإنشاء النظام الخاص للإخوان، وهو تنظيم عسكري سري، تقوم فكرته على تكوين مجموعة من الشباب يتلقون تدريباً عسكرياً، لتنفيذ ما يسند إليهم من أعمال عنف واغتيال، بعد غسل أدمغتهم بإيهامهم بأنهم يؤدون فريضة الجهاد، وقد قام هذا الجناح بتنفيذ عمليات إجرامية عدة، ليكون بذلك نموذجاً سيئاً تحتذي به التنظيمات الإرهابية بما فيها داعش، والتي ترجمت ذلك بكل وحشية وهمجية، ولا يزال الإخوان يروجون للعنف ليومنا هذا.
ثانياً: ما شهد به الواقع من أن الإخواني سيد قطب هو منبع للإرهاب في هذا العصر، وأن أفكاره هي الأرضية التي انطلقت منها القاعدة وداعش وغيرها، وذلك بشهادة المنصفين من علماء وأكاديميين وباحثين ومراكز بحثية، سواء من داخل العالم الإسلامي أو خارجه، بل وبشهادات الإخوان أنفسهم، وباعترافات التنظيمات الإرهابية نفسها.
ثالثاً: ما شهد به الواقع من أن الإخواني عبد الله عزام هو أحد أبرز المؤثرين في التنظيمات المتطرفة، وإليه يعود الدور الأكبر في تصدير أفكار سيد قطب إلى الساحة الأفغانية، وبثها في صفوف الجماعات المقاتلة، وإعادة إنتاجها في خطاباته ومؤلفاته، مما كان له أسوأ الأثر في التكوين الفكري لتلك الجماعات، وقد قال عزام مصرحاً بذلك: «الذين دخلوا أفغانستان يدركون الأثر العميق لأفكار سيد في الجهاد الإسلامي»، ولا يزال اسم عزام وفكره حاضراً إلى اليوم في صفوف القاعدة وداعش وغيرها كأحد أبرز مُنظرِّيها.
رابعاً: ارتباط كثير من زعماء الإرهاب بالإخوان، فهذا أبو بكر البغدادي زعيم داعش كان منتمياً للإخوان، كما اعترف بذلك القرضاوي، وكان ابن لادن من قبله منتمياً للإخوان، وهذا طه صبحي فلاحة المعروف بأبي محمد العدناني المتحدث باسم داعش مولع بتفسير الظلال لسيد قطب، حتى إنه همَّ بكتابة في ظلال الظلال!! كما جاء ذلك في سيرته الذاتية التي نشرها التنظيم، وهذا أبو سعد العاملي أحد منظِّري داعش يقول: «لا يمكن لأي منظر حركي جهادي أو أي حركة مجاهدة أن تستغني عن أفكار شهيد القرآن سيد قطب»!!
وأما أثر الإخوان في نشوء داعش من جهة الفكر والتنظير فمن وجوه عدة، منها:
أولاً: اعتبار الإخوان أن الواجب الأول الذي ينبغي تحقيقه بالنفس والنفيس الوصول إلى السلطة وتكوين الدولة الإسلامية العالمية، حتى زعموا أنه لا إيمان لأحد بشمولية الإسلام إلا باعتناق هذا الفكر.
وفي ذلك يقول مصطفى مشهور المرشد الخامس للإخوان: «إنَّ هناك أهدافاً جزئية وهدفاً كلياً أكبر من هذه الأهداف الجزئية وهو: إقامة الدولة الإسلامية العالمية.. هذا هو الهدف الأكبر.. وهو الهدف الذي حدده الإمام الشهيد حسن البنا منذ أكثر من 60 عاماً وأنشأ جماعة الإخوان المسلمين لتحقيقه».
ثانياً: تربية الشباب على مصادمة الحكومات، والعمل على استحواذ الحكم منها.
وفي هذا يقول حسن البنا: «سيعمل الإخوان المسلمون لاستخلاص الحكم من أيدي كل حكومة لا تنفذ أوامر الله»، ويقول: «إن قعود المصلحين الإسلاميين عن المطالبة بالحكم جريمة إسلامية لا يكفرها إلا النهوض واستخلاص قوة التنفيذ من أيدي الذين لا يدينون بأحكام الإسلام الحنيف»!
ثالثاً: تسويغ استعمال القوة والعنف للاستحواذ على السلطة وتنفيذ المآرب.
حيث اعتبر حسن البنا قوة الساعد والسلاح أحد متطلبات الجماعة، وقال: «إن الإخوان المسلمين سيستخدمون القوة العملية حيث لا يجدي غيرها»، وقال: «ما أحكم القائل: القوة أضمن طريق لإحقاق الحق»!
رابعاً: تسويغ إنشاء التنظيمات والخلايا السرية في المجتمعات والأوطان، واعتبار ذلك من واجبات المرحلة، حتى جعلوا التنظيم هو الموطن الأساس، وزعيمه هو الأمير المطاع.
خامساً: بث الأفكار التكفيرية، بتكفير الحكام، والشعوب الموالية لهم، واعتبارهم العدو الأول الذي تنبغي مقاتلته، وكتُب سيد قطب مليئة بتكفير المسلمين، والحكم عليهم بالردة، واعتبار مساجدهم مساجد ضرار ومعابد جاهلية، فمن ذلك قوله: «إن المسلمين اليوم لا يجاهدون، ذلك أن المسلمين اليوم لا يوجدون، إن قضية وجود الإسلام ووجود المسلمين هي التي تحتاج اليوم إلى علاج»!! ويقول: «لقد استدار الزمان كهيئته يوم جاءها هذا الدين، وانتكست البشرية إلى جاهلية كاملة شاملة للأصول والفروع والبواطن والظواهر والسطوح والأعماق»!! وقد اعتنقت التنظيمات الإرهابية هذا الفكر، حتى جعلت الناس فسطاطين: فسطاط أهل الإسلام المتمثل فيهم وفيمن يواليهم، وفسطاط أهل الكفر والارتداد المتمثل في كل من يعارضهم ويرفض أفكارهم من حكومات وشعوب.
فهذه الأدلة تبين لنا أن جماعة الإخوان هي المنبع الأصلي لولادة داعش وغيرها من المنظمات الإرهابية
وقد أحسنت بعض الدول بتصنيفها لجماعة الإخوان بأنها جماعة إرهابية ومع هذا فإن العلاج يحتاج إلى تظافر الجهود العلمية والفكرية والمؤسسية والأمنية التي تساعد على تجفيف المنبع الأصلي للإرهاب .