الخوارج هم العدو فاحذروهم - (الجزء الثالث)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أما بعد
ذكرت في المقالين السابقين خطورة فكر الخوارج على الدين والدنيا، وكيف أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكرهم بصفاتهم وحذر منهم.
ولكن الكلام النظري الكل يسلم به، فإذا وصلنا للتطبيق وتنزيل الأحكام على الواقع خالف في ذلك الكثير من الناس، إما بسبب جهل بالحال والواقع، أو تحزب يعمي ويصم عن قبول الحق، وإما بعدم اقتناع.
وفي هذا المقال والذي يليه بإذن الله سأتطرق لسؤال مهم جدا يسهل للمسلم معرفة أسس الفكر الخارجي وأتباعه.
فالنبي صلى الله عليه وسلم وورثته من العلماء لما بينوا صفات الخوارج لم يذكروها عبثا، بل لأجل الحذر منهم، فمن انطبقت عليه هذه الصفات فهو حامل لفكر الخوارج وإن لم يقر ويعترف بهذا الفكر.
وعلى مر الأزمان لن تجد واحدا ممن يحمل هذا الفكر يسمي نفسه خارجيا، بل يدعي الجهاد والتدين، والرغبة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة شرع الله، كما هو حال الخوارج زمن علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما رفعوا شعار " لا حكم إلا لله" فقال رضي الله عنه " كلمة حق أريد بها باطل" ، وهم باتفاق الصحابة ومن بعدهم خوارج.
وهنا سؤال لا بد منه : من هو الخارجي؟
وأضيف سؤالا آخر مقارنا لهذا السؤال وهو: هل تنطبق صفات الخوارج على بعض الجماعات في وقتنا المعاصر؟
للإجابة على هذا السؤال سأذكر أهم ملامح وأسس هذا الفكر، ثم أقارن بين أفعال وأقوال خوارج الماضي مع أفعال وأقوال خوارج اليوم، ليعلم القارئ حقيقة كثير من الرموز والجماعات على الساحة الإسلامية التي تنادي بالحاكمية وتطبيق الشرع وهم من أبعد الناس عنه.
أقول:
أولا: كل من خرج على الإمام برا كان أو جائرا فهو خارجي.
قال ابن المبارك رحمه الله في سياق ذكره لعقيدة أهل السنة : " ومن قال الصلاة خلف كل بر وفاجر، والجهاد مع كل خليفة، ولم ير الخروج على السلطان بالسيف، ودعا لهم بالصلاح فقد خرج من قول الخوارج أوله وآخره " ( مقالات الإسلاميين للأشعري ص87 )
وقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ في كتابه الشريعة:" فَلَا يَنْبَغِي لِمَنْ رَأَى اجْتِهَادَ خَارِجِيٍّ قَدْ خَرَجَ عَلَى إِمَامٍ عَدْلًا كَانَ الْإِمَامُ أَوْ جَائِرًا، فَخَرَجَ وَجَمَعَ جَمَاعَةً وَسَلَّ سَيْفَهُ، وَاسْتَحَلَّ قِتَالَ الْمُسْلِمِينَ، فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَغْتَرَّ بِقِرَاءَتِهِ لِلْقُرْآنِ، وَلَا بِطُولِ قِيَامِهِ فِي الصَّلَاةِ، وَلَا بِدَوَامِ صِيَامِهِ، وَلَا بِحُسْنِ أَلْفَاظِهِ فِي الْعِلْمِ إِذَا كَانَ مَذْهَبُهُ مَذْهَبَ الْخَوَارِجِ "
وقال ابن تيمية في منهاج السنة (4/ 321) : " لكن إذا لم يزل المنكر إلا بما هو أنكر منه صار إزالته على هذا الوجه منكرا، وإذا لم يحصل المعروف إلا بمنكر مفسدته أعظم من مصلحة ذلك المعروف كان تحصيل ذلك المعروف على هذا الوجه منكرا، وبهذا الوجه صارت الخوارج تستحل السيف على أهل القبلة حتى قاتلت عليا وغيره من المسلمين وكذلك من وافقهم في الخروج على الأئمة بالسيف "
وقال صاحب كتاب الفرق بين الفرق ص: 55 : " أَن الذى يجمع الْخَوَارِج على افْتِرَاق مذاهبها ....وُجُوب الْخُرُوج على الإِمَام الجائر "
ومنهم من يُزينُ الخروج على الحاكم ولا يباشر ذلك ويُسمّون بقعدة الخوارج ، قال ابن حجر في مقدمة فتح الباري ص459 " والقعدية الذين يزينون الخروج على السلطان ولا يباشرون ذلك"
فنخرج من هذه النقول بأن من صفات الخارجي الخروج على السلاطين والحكام، فكل من حمل هذا الفكر أو دعا إليه أو سعى إلى تحقيقه فهو خارجي.
ونصوص العلماء في تقرير هذا الأمر مشتهرة .
هل يوجد في عصرنا من يدعو للخروج على الأئمة والحكام ؟
الجواب: نعم.
حامل راية هذا الفكر في زماننا ومنظر أسسه سيد قطب، ومن أقواله في ذلك ما ذكره في تفسيره بقوله : " لا مندوحة للمسلمين أو أعضاء الحزب الإسلامي عن الشروع في مهمتهم بإحداث الانقلاب المنشود والسعي وراء تغيير نظم الحكم في بلادهم التي يسكنونها "
وهذا هو منهج تنظيم القاعدة وتنظيم داعش، الذين يكفرون جميع حكام الدول الإسلامية ويدعون للخروج عليهم.
وهنا لا بد أن أذكر للقارئ منهج الإسلام في التعامل مع الحاكم الجائر.
لنتأمل هذه الأحاديث النبوية الصحيحة :
1 – قال صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ، إِلاَّ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً » رواه البخاري
قال القسطلاني في إرشاد الساري: "وفي هذه الأحاديث حجة في ترك الخروج على أئمة الجور ولزوم السمع والطاعة لهم .."
2 - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّهَا سَتَكُونُ بَعْدِى أَثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا ». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَأْمُرُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَّا ذَلِكَ قَالَ « تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الَّذِى عَلَيْكُمْ وَتَسْأَلُونَ اللَّهَ الَّذِى لَكُمْ » رواه مسلم
قال النووي في شرحه على مسلم: " فيه الحث على السمع والطاعة وإن كان المتولي ظالما عسوفا فيعطى حقه من الطاعة ولا يخرج عليه ولا يخلع بل يتضرع إلى الله في كشف أذاه ودفع شره وإصلاحه "
3 – قال صلى الله عليه وسلم : « يَكُونُ بَعْدِى أَئِمَّةٌ لاَ يَهْتَدُونَ بِهُدَاىَ وَلاَ يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِى وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِى جُثْمَانِ إِنْسٍ ». قَالَ قُلْتُ كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ قَالَ « تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأَمِيرِ وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكَ فَاسْمَعْ وَأَطِعْ » رواه مسلم
4 -عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ ». قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ نُنَابِذُهُمْ بِالسَّيْفِ فَقَالَ « لاَ مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلاَةَ وَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْ وُلاَتِكُمْ شَيْئًا تَكْرَهُونَهُ فَاكْرَهُوا عَمَلَهُ وَلاَ تَنْزِعُوا يَدًا مِنْ طَاعَةٍ ».
وهذه الأحاديث فيها دلالة على منهج الإسلام في التعامل مع الحاكم الجائر والظالم، إذ وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم بصفات منها:
أ – ظرب الظهور وأخذ الأموال.
ب – الكره واللعن المتبادل بين الراعي والرعية لدرجة الدعاء على بعضهم البعض.
ج – فعل المنكرات التي يكرهها الرعية.
ولكن بم وجه النبي صلى الله عليه وسلم الرعية للتعامل مع هذا الصنف من الحكام؟
أ – الصبر ولزوم الجماعة وعدم الخروج على الإمام، فقال :" فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ ، فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ ، إِلاَّ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً "
ب – السمع والطاعة للإمام مع دعاء الله واللجوء إليه فقال : " تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الَّذِى عَلَيْكُمْ وَتَسْأَلُونَ اللَّهَ الَّذِى لَكُمْ "
ج – الإنكار بالقلب وذلك بكره أعمالهم وعدم ترك طاعتهم في المعروف ما كانوا مقيمين للصلاة فقال : قال صلى الله عليه وسلم « لاَ مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلاَةَ وَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْ وُلاَتِكُمْ شَيْئًا تَكْرَهُونَهُ فَاكْرَهُوا عَمَلَهُ وَلاَ تَنْزِعُوا يَدًا مِنْ طَاعَةٍ » ، وقد سأله الصحابة فقالوا:" أَفَلاَ نُنَابِذُهُمْ بِالسَّيْفِ "
في الحلقة القادمة سأذكر صفة أخرى يشترك فيها الخوارج مع النظر في تطبيقها على بعض الجماعات المعاصرة المشاركة لهم في هذه الصفة.
وفقنا الله جميعا لما يحبه ويرضاه