الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد وقفت على مقال لكاتبه فهمي هويدي وجه فيه سهاما حاقدة إلى دولة الإمارات ، وابتعد كل البعد عن النظرة الموضوعية والتعاطي المنصف في الطرح ، مع جهل أو تجاهل بواقع دولة الإمارات ، فأحببت أن أناقشه في أهم النقاط التي طرحها .
وهي كالآتي :
أولا: ادعى هويدي أن إمارة أبوظبي انفردت عن بقية إمارات الدولة في الموقف المعادي والصاد للإرهاب والتطرف .
فأقول :
إن هذا الادعاء الذي يزعم وجود اختلاف بين إمارات الدولة وحكامها في التعاطي مع ملف الإرهاب ادعاء كاذب مغلوط مكشوف لا وجود له إلا في مخيلة الكاتب ، ولو أتعب الهويدي نفسه قليلا ونظر في واقع دولة الإمارات نظرة عدل وإنصاف بعيدا عن الانحياز لآراء مسبقة مغلوطة لما قال كلمة واحدة مما نشر ، ولا استخدم هذا الأسلوب الرخيص البغيض القائم على التفريق والتمزيق والنيل من الوحدة الوطنية لدولة الإمارات بناء على تصوراته الواهمة .
فالإمارات دولة واحدة ، وسياستها واحدة ، وقادتها على قلب رجل واحد ، ومجتمعها قيادةً وشعبًا متكاتف ، مؤمن بوحدته الوطنية ، متمسك بمصالحه العليا ، واثق باستراتيجياته المتميزة ، سواء في الموقف من الإرهاب والتطرف أو في غيره من القضايا .
وقد كان موقف دولة الإمارات وقادتها وأولياء عهودهم والشعب الإماراتي برمته والمؤسسات الإماراتية تجاه الإرهاب والتنظيمات المتطرفة موقفا منسجما متوحدا أوضح من ضوء النهار .
فقد كتب حاكم دبي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم مقالا كاملا مشهورا نُشر في عدة صحف بعنوان ( داعش التي وحدت العالم ) ومما قال فيه : ” داعش منظمة إرهابية بربرية وحشية ، لا تمثل الإسلام ، ولا تمثل أيضاً الحد الأدنى من الإنسانية الحقيقية .. والإمارات ستكون جزءاً فاعلاً في التحالف الدولي الجديد ، بالتعاون مع الدول التي يمكنها تحمل مسؤوليات هذا الخطر الجديد ” .
كما طالب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد العلماء بأن يكونوا أطباء ماهرين في علاج واجتثاث آفة الإرهاب والأفكار المتطرفة المتفشية في بعض أوساط الشباب المسلم ، حفاظًا على قدسية الإسلام وسمعته وتعاليمه ورسالته الإنسانية النبيلة .
كما حذر حاكم الشارقة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي من الإرهاب في أكثر من مرة ، وأكد على وقوف دولة حكومة وشعباً بجانب جمهورية مصر العربية في مواجهتها للإرهاب والتطرف .
كما أكد حاكم رأس الخيمة صاحب السمو الشيخ سعود بن صقر القاسمي مرارا على اللحمة الوطنية وخطورة الأفكار الدخيلة ، وألقى كلمة كاملة على خلفية القبض على التنظيم السري ، ومما قال في كلمته : ” في الآونة الأخيرة سمعنا عن ظاهرة غريبة علينا كمجتمع دولة الامارات لم نعهدها ونكاد لا نصدقها أن مجموعة من ابناء هذا الوطن اجتمعوا على تنظيم يهدف الى تخريب هذا الوطن والإساءة اليه والإساءة لرموز هذا الوطن دولة الامارات ولتراثها العظيم ” .
وقال أيضا : ” نحن كمسلمين نرفض الارهاب ، ونريد السلام ، واحترام الناس ، ونؤمن بالعلم ، مساهمتنا هي وقفة مع الاسلام ونحن كمسلمين مع السلام ” .
كما حذر حاكم عجمان صاحب السمو الشيخ حميد بن راشد النعيمي من العنف والتطرف ، وأكد منافاتهما مع قيم الشعوب الإسلامية ، وشدد على ضرورة اضطلاع العلماء ومؤسسات التعليم والثقافة والإعلام ومنظمات المجتمع المدني في أرجاء العالم الإسلامي كافة بدورهم في توعية الشباب وتحصينهم من الوقوع في براثن الغلو أو التطرف والإرهاب .
كما أكد حاكم أم القيوين صاحب السمو الشيخ سعود بن راشد المعلا على سياسة دولة الإمارات الحيكمة في ترسيخ الأمن والاستقرار العربي والعالمي ونبذ الارهاب وتجفيف منابعه .
كما ترأس حاكم الفجيرة صاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي وفد دولة الإمارات في القمة العربية السادسة والعشرين في مصر والتي كان أحد بنودها صيانة الامن القومي العربي ومكافحة الجماعات الارهابية المتطرفة .
كما أصدر مجلس الوزراء بيانا استعرض فيه ظاهرة التطرف والإرهاب وتداعياتها الخطيرة على الامن والاستقرار الإقليمي والدولي ، وعبر عن استنكار دولة الامارات الشديد للجرائم التي تستهدف المدنيين والسلم والأمن الأهلي ، وعبر عن موقف الدولة بالتصدي لهذا التحدي على مستوى وطني وضمن تحالف دولي ، ودعا المجتمع الدولي إلى تعزيز الجهود والتعاون والتنسيق للتصدي للتطرف والإرهاب .
فكل هذا – وهو غيض من فيض – يهدم مزاعم الكاتب وينسف مصداقيته ، حيث تغافل عن هذه الحقائق الواضحة الجلية ، وانساق وراء تصورات مغلوطة وأوهام مسبقة عشعشت في كيانه ، من دون أن يكلف نفسه عناء البحث عن الحقيقة والتجرد لها .
ثانيا : استنكر هويدي مواجهة دولة الإمارات للإرهاب مبررا استنكاره بأن الإمارات لا تعاني من مشكلة الإرهاب والتطرف لتواجهها !!
فأقول :
إن هذا الاستنكار من العجب العجاب ، ولا يصدر ممن له أدنى مسكة من فهم وإدراك ، وذلك من وجوه عدة :
الأول :أن كل عاقل يعلم أنه ليس من شرط مواجهة الإرهاب الاكتواء بناره في عقر الدار ، فالوقاية عند جميع العقلاء مقدم على العلاج ، والتصدي للأخطار ودفع وقوعها مبدأ لا يختلف عليه عاقل سوي ، وأما الفلسفة التي يروج لها الهويدي وهو أن ينتظر الإنسان الخطر ليداهمه في عقر داره ثم يبحث عن العلاج والتصدي فلسفة لا يقول بها أحد .
الثاني :أن الإرهاب الذي نشأ في منطقة الشرق الأوسط يهدد دول المنطقة برمتها ، وذلك مجمع عليه عند كافة العقلاء ، وقد أثبت الواقع ذلك ، فالتنظيمات الإرهابية أبدت عداءها الفاضح تجاه دول المنطقة من دون استثناء ، وألقت خطابات تحريضية على مستوى زعمائها ومتحدثيها الرسميين داعية إلى تصدير الإرهاب إلى دول الخليج واستهداف أمنها وأمانها ، وقد قامت بعدة عمليات تفجيرية آثمة في بعض هذه الدول .
فماذا يريد هويدي أكثر من هذا دليلا على خطر الإرهاب وضرورة مواجهته ؟!!
إن هذا لشيء عجبا !!
الثالث :أن التنظيمات الإرهابية وجدت لها متنفسا عبر الشبكات ومواقع التواصل الاجتماعي لنشر إرهابها وتطرفها ، لتمثل تهديدا لكافة المجتمعات الإسلامية ، حيث إن هذه الشبكات والمواقع والتي تبث من خلالها داعش أفكارها وتمارس التجنيد والاستقطاب هي في متناول أيدي الجميع ، فمن واجب الدول الإسلامية ومؤسساتها وعلمائها ومثقفيها وكتَّابها وعموم أفراد المجتمع كلٌّ بما أوتي مواجهة هذا الغزو الفكري بدفع الشبهات الإرهابية والرد على الأفكار المغلوطة ونشر الثقافة الصحيحة ، وهو من صميم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمحافظة على الضروريات الخمس وعلى رأسها الدين وذلك بالمحافظة على وسطيته السمحة وعقيدته الصافية المعتدلة وصورته الحقيقية الناصعة .
الرابع :أن التنظيمات الإرهابية أساءت بجرائمها الشنيعة للإسلام إساءة بالغة ، وساهمت في تغذية روح العداء ضد الإسلام في بعض المجتمعات في الغرب والشرق ، فكان أحد أهم أهداف مواجهة الإرهاب الدفاع عن الإسلام وبيان تعالميه ومفاهيمه الصحيحة ، وهو هدف يشترك فيه جميع المسلمين ، ودولة الإمارات أحرص ما تكون على تعزيز هذا الجانب ، وبيان سماحة الإسلام للعالم عبر المنابر المختلفة .
الخامس :أن مواجهة الأخطار التي تهدد العالم سيما الإرهاب والتطرف هو من صميم التعاون المشروع مع الأشقاء والأصدقاء في دفع الأخطار والشرور وإحلال الخير والسلام في العالم .
إلى غير ذلك من الوجوه التي تؤكد صواب ما تقوم به دولة الإمارات من بذل الجهود المتنوعة والمتميزة في مكافحة الإرهاب ، وهو ما يمثل منقبة محمودة لها عند العقلاء المنصفين ، لا موضع استنكار واستغراب !!
وإننا لنستغرب في الحقيقة من السبب الذي جعل هويدي يوجه سهامه اللاذعة إلى من يتصدى للإرهاب والتطرف ويترك الإرهابيين والمتطرفين !!
ثالثا : استنكر هويدي تعاون دولة الإمارات مع أمريكا في مجال مكافحة الإرهاب ، وتنوع أنشطتها في هذا المجال .
فأقول :
إن الإسلام دعا إلى التعاون وعقد الشراكات والأحلاف التي تصب في صالح الإسلام وتعلي من قيمه ومبادئه ، فأي ضير في ذلك ؟!
يقول النبي صلى الله عليه وسلم : « شهدتُ حِلف المطيَّبين مع عمومتي وأنا غلام ، فما أحبُّ أن لي حُمْر النَّعَم وأني أنكثُه ” رواه الإمام أحمد .
وقال عليه الصلاة والسلام عن أهل مكة : « والذي نفسي بيده ، لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها » رواه البخاري .
وأما تنوع أنشطة دولة الإمارات في مجال مكافحة الإرهاب فهو دليل على جهودها الحثيثة والمتميزة في هذا المضمار ، وهو أمر ممدوح عند العقلاء المنصفين ، وليس موضع ذم وانتقاد ، ولا ندري لماذا يبدي هويدي استنكاره من هذا الأمر هذا الاستنكار المريب الذي لا يصب إلا في مصلحة الإرهابيين والمتطرفين !!
رابعا : أبدى هويدي استياءه مِن مواجهة مَن سماهم بجماعات الإسلام السياسي .
فأقول :
إن استخدامك لمصطلح الإسلام السياسي والتي تريد بها إضفاء الشرعية على هذه الجماعات استخدام ليس بصحيح ، فالإسلام واحد ، وهو دين الله الحق الذي جاء لهداية وإسعاد البشر وإرساء دعائم الوسطية والاعتدال ونشر القيم الإنسانية الرفيعة ، وأما هذه الجماعات الحزبية السياسية التي تتاجر بالدين وتتستر بها والتي تتحدث عنها وتعني بها الإخوان المسلمين ومن كان على شاكلتهم فقد فُضحوا على رؤوس الأشهاد ، وبان ضررهم على الشعوب والأوطان ، وبان انحرافهم عن قيم الدين الصحيح ، حيث لم يجلبوا للأمة العربية والإسلامية إلا الشر والوبال والويلات .
فكان الأحرى بك أن تكشف زيف هذه الجماعات وضررها وخطرها إن كنت من الناصحين بدلا من أن تتباكى عليها !!
خامسا : أبدى هويدي تغنِّيه بما أسماه بالربيع العربي .
فأقول :
إني لأستغرب من تغني هويدي بما أسماه بالربيع العربي ، فقد بان للجميع المفاسد الجسيمة والأضرار الوخيمة التي ترتبت على الربيع العربي ، والتي ما يزال شرها مستطيرا مستمرا إلى يومنا هذا في عدة مجتمعات ، فكم حُصدت بسبب الربيع المزعوم من أرواح ، وسُفكت من دماء ، وحلَّ من خوف ورعب ودمار وتقاتل وصراع وتشريد وتجويع ، والواقع المرير خير شاهد على ذلك .
أفلم يعتبر هويدي بكل ذلك ويتعظ ؟!!
سادسا : اتهم هويدي دولة الإمارات بمواجهة ما سماه بالربيع العربي .
فأقول :
إن دولة الإمارات لم تتدخل في شؤون غيرها ، ولم تهمل دورها في مساعدة القريب والشقيق متى احتاج إلى المساعدة ، وأما الربيع العربي الذي يتحدث عنه الكاتب فقد أثبت فشله بما حمل من كوارث وويلات ، والإخوان المسلمون الذين تصدروا الحكم في بعض البلدان هم الذين أسقطوا أنفسهم بأنفسهم ، ولفظتهم الشعوب بعد أن اكتوت بممارساتهم الحزبية المقيتة ، فالباب الذي دخلوا منه إلى الحكم خرجوا منه ، فهذه مشكلتهم ، وليست مشكلة دولة الإمارات في شيء ، هذا من جانب ، ومن جانب آخر فإن دولة الإمارات ومن منطلق واجبها القومي تجاه مواطنيها ومقيميها حرصت على استتباب الأمن والاستقرار على أراضيها ، وصيانة داخلها من كل خطر يستهدفها ، تحت أي مسمى كان ، وإرساء مبدأ القانون ، وتقديم كل من يتورط في الإضرار بمنظومة أمنها من أفراد أو تنظيمات إلى المحاكمة العادلة ، وهو واجب مشروع لكل دولة تريد تحقيق أمنها والمحافظة على مواطنيها ومقيميها .
سابعا : ادعى هويدي بأنه ليس للإمارات حضور يذكر في المجال الإنساني .
فأقول :
إن هذا الادعاء يؤكد لنا تماما أن هويدي لا يبالي بالواقع والحقائق ، وأن غاية همِّه ترجمة ما في ذهنه من خيالات وأوهام وأحكام مسبقة وإن كانت قائمة على قلب الحقائق ومغالطة الواقع ، فإن الكل يشهد بالدور المتميز والبارز والمشهود لدولة الإمارات في المجال الإنساني بأنواعه من إغاثة الملهوفين ومساعدة المحتاجين ودعم الأشقاء والأصدقاء وبناء المساكن والمستشفيات والمساجد وغيرها في مختلف أنحاء العالم ، فبصمتها الخيرية حاضرة بارزة لا تخفى على أحد ، حتى احتلت دولة الإمارات العربية المتحدة المرتبة الأولى عالميًّا كأكبر مانح للمساعدات الإنمائية الرسمية خلال عام 2014 قياساً بدخلها القومي الإجمالي .
فماذا يُنتظر من كاتب ينكر كل هذه الحقائق القاطعة الملموسة انتصارا لخيالاته المريضة ؟!!
هذا ما أردت بيانه على عجالة في هذا المقال .
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.