فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات
القسم: 
القسم: 

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. وبعد...

فإن الله -عَزَّ وَجَل- قد شرع شرائع الإسلام، وحثَّ عباده على القيام بأمره فيها، وشرع سبحانه فيما شرع النكاح الذي جعل شرعته لغايةٍ عظيمة، وجعله ميثاقًا من أعظم المواثيق التي دَانت بها البشرية، وجعله وسيلة من أكرم الوسائل التي تحقق المقاصد الشرعية والدنيوية الجليلة.

يقول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في كتابه الكريم: ﵟوَأَخَذۡنَ مِنكُم مِّيثَٰقًا غَلِيظٗا ٢١ﵞ النِّسَاء : ﵑﵒﵜ ، يريد -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أن النساء قد أخذن من أزواجهن عهدًا شديدًا مؤكدًا في حق الصحبة بينهما وحُسن العشرة والخُلطة، وهو ما أوثقه الله في أعناقهم في قوله تعالى: ﵟفَإِمۡسَاكُۢ بِمَعۡرُوفٍ أَوۡ تَسۡرِيحُۢ بِإِحۡسَٰنٖﵞ البَقَرَةِ : ﵙﵒﵒﵜ ،  وفي قول رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم-: «أخذتُموهنَّ بأمانةِ الله، واستحلَلْتُم فروجَهنَّ بكلمةِ الله»([1]).

فتأمل في تسمية الله -تَبَارَك وَتَعَالَى- لهذا العهد بالميثاق الغليظ تأكيدًا لشدة ما أكده سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- من الحقوق والواجبات بين الرجال والنساء إذا حصل بينهم هذا الميثاق الغليظ وهي عقدة النكاح.

* ولذا قال الحسن وابن سيرين والضحاك وقتادة والسدي وغيرهم من السلف في قوله -تَبَارَك وَتَعَالَى-: ﵟوَأَخَذۡنَ مِنكُم مِّيثَٰقًا غَلِيظٗا ٢١ﵞ النِّسَاء : ﵑﵒﵜ قالوا: "هو قولهم عند العقد: زوجتكها على ما أخذ الله للنساء على الرجال من إمساكٍ بمعروف، أو تسريحٍ بإحسان".

والعاقل إذا علم أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- قد جعل في عنقه هذا العهد الغليظ والميثاق أن يسعى أشد السعي في الحفاظ عليه، وأداء حق الله -تَبَارَك وَتَعَالَى- فيه، وأن يكون حظه ونصيبه هو عدم الإخلال بهذا العهد والميثاق، فإن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- قد أمر بالوفاء في العقود والعهود كما قال الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- في كتابه الكريم: ﵟوَأَوۡفُواْ بِعَهۡدِ ٱللَّهِ إِذَا عَٰهَدتُّمۡ وَلَا تَنقُضُواْ ٱلۡأَيۡمَٰنَ بَعۡدَ تَوۡكِيدِهَا وَقَدۡ جَعَلۡتُمُ ٱللَّهَ عَلَيۡكُمۡ كَفِيلًاۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا تَفۡعَلُونَ ٩١ﵞ النَّحۡل : ﵑﵙﵜ.

وليس من صفات أهل الإيمان نقض العقود والعهود والمواثيق، بل إن من أعظم صفاتهم الوفاء والسعي على ما أمر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- من الصدق، قال الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: ﵟمِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ رِجَالٞ صَدَقُواْ مَا عَٰهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيۡهِۖ فَمِنۡهُم مَّن قَضَىٰ نَحۡبَهُۥ وَمِنۡهُم مَّن يَنتَظِرُۖ وَمَا بَدَّلُواْ تَبۡدِيلٗا ٢٣ﵞ الأَحۡزَاب : ﵓﵒﵜ ، ويقول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: ﵟوَلَقَدۡ كَانُواْ عَٰهَدُواْ ٱللَّهَ مِن قَبۡلُ لَا يُوَلُّونَ ٱلۡأَدۡبَٰرَۚ وَكَانَ عَهۡدُ ٱللَّهِ مَسۡـُٔولٗا ١٥ﵞ الأَحۡزَاب : ﵕﵑﵜ.

وإنما يكون نقض العقود والعهود والمواثيق من صفات أهل الباطل وأهل النفاق وأهل الضلالة، لا من صفات أهل الإيمان، يقول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: ﵟٱلَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهۡدَ ٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ مِيثَٰقِهِۦ وَيَقۡطَعُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِۦٓ أَن يُوصَلَ وَيُفۡسِدُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ ٢٧ﵞ البَقَرَةِ : ﵗﵒﵜ ، ويقول سبحانه: ﵟفَبِمَا نَقۡضِهِم مِّيثَٰقَهُمۡ لَعَنَّٰهُمۡ وَجَعَلۡنَا قُلُوبَهُمۡ قَٰسِيَةٗۖ يُحَرِّفُونَ ٱلۡكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِۦ وَنَسُواْ حَظّٗا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِۦۚ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَآئِنَةٖ مِّنۡهُمۡ إِلَّا قَلِيلٗاﵞ المَائـِدَة : ﵓﵑﵜ ، ويقول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: ﵟٱلَّذِينَ عَٰهَدتَّ مِنۡهُمۡ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهۡدَهُمۡ فِي كُلِّ مَرَّةٖ وَهُمۡ لَا يَتَّقُونَ ٥٦ﵞ الأَنفَال : ﵖﵕﵜ ، إلى غير ذلك من الآيات الدالة على وجوب الوفاء بالعهود والعقود والمواثيق؛ ولذلك كانت من صفات أهل النفاق كما صح ذلك في الحديث: أنهم لا يوفون بالعقود ولا بالمواثيق، وأما أهل الإيمان فعلى ما مر ذكره من الوفاء بالعهود والعقود.

والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- قد أوجب على عباده أن يكونوا حافظين لأمره -تَبَارَك وَتَعَالَى-، ودلل سبحانه على أن ذلك من صفات أهل الإيمان وأهل الصلاح وأهل الطاعة لله -عَزَّ وَجَل-، والذي ينظر فيما جعله الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- من الحقوق والواجبات بين الزوجين يرى أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- قد أعطى كل ذي حقٍّ حقه، فأعطى للرجال ما فضَّل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- به الرجال في أمورٍ على النساء، وأعطى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- للنساء ما فضَّل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- به النساء في أمورٍ على الرجال، والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- قد قسم الأرزاق وفصَّل في ذلك الأحكام، وهو سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- العالم بما هو صالحٌ لعباده مصلحٌ لهم، يقول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: ﵟٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖ وَبِمَآ أَنفَقُواْ مِنۡ أَمۡوَٰلِهِمۡۚ فَٱلصَّٰلِحَٰتُ قَٰنِتَٰتٌ حَٰفِظَٰتٞ لِّلۡغَيۡبِ بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُۚ وَٱلَّٰتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَٱهۡجُرُوهُنَّ فِي ٱلۡمَضَاجِعِ وَٱضۡرِبُوهُنَّۖ فَإِنۡ أَطَعۡنَكُمۡ فَلَا تَبۡغُواْ عَلَيۡهِنَّ سَبِيلًاۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيّٗا كَبِيرٗا ٣٤ﵞ النِّسَاء : ﵔﵓﵜ.

ولنا وقفةٌ مع هذه الآية وفي ضمنها مسائل نقف على بعضها بما فيها من عظيم الحق للرجال على النساء، ومن عظيم الحق للنساء على الرجال بما يكون داخلًا في قوله -تَبَارَك وَتَعَالَى-: ﵟوَأَخَذۡنَ مِنكُم مِّيثَٰقًا غَلِيظٗا ٢١ﵞ النِّسَاء : ﵑﵒﵜ.

¯ فالمسألة الأولى: ذكر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أمر القِوَامة للرجال على النساء، والقِوَامة المراد بها ما ذكره سلف هذه الأمة وأهل التفسير بمعنى القيامِ بالمصالح والتدبير والتأديب.

* قال ابن عباس -رَضِيَ الله عَنْهُما-: ﵟقَوَّٰمُونَﵞ؛ أي مسلطون على تأديب النساء في الحق".

* وقال -رَضِيَ الله عَنْهُما- في قوله -تَبَارَك وَتَعَالَى-: ﵟٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِﵞ قال: "يعني أمراء، عليها أن تطيعه فيما أمرها من طاعته، وطاعته أن تكون محسنةً لأهله، حافظةً لماله".

* ويقول شيخ المفسرين الإمام الطبري -رَحِمَه الله تَعَالَى- في تفسير قوله تعالى: ﵟٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِﵞ قال: "أهل قيامٍ على نسائهم في تأديبيهن والأخذ على أيديهن فيما يجب عليهم لله ولأنفسهم بما فضَّل الله بعضهم على بعض؛ يعني بما فضَّل الله به الرجال على أزواجهن من سوقهم إليهن مهورهن، وإنفاقهم عليهن أموالهم، وكفايتهم إياهن مؤنهن، وذلك تفضيل الله -تَبَارَك وَتَعَالَى- إياهم عليهن، ولذلك صاروا قوامًا عليهن، نافذي الأمر عليهن فيما جعل الله إليهم من أمورهن". انتهى كلامه.

وقول الله -تَبَارَك وَتَعَالَى-: ﵟبِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖﵞ يعني الرجال على النساء، وفَضْلُ الرجل على المرأة بزيادة العقل، وتوفير الحظ في الميراث، والغنيمة، والجمعة، والجَمَاعات، والخلافة، والإمارة، والجهاد، وجعل الطلاق إليه، وإلى غير ذلك من المسائل التي جعل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- فيها الفضل للرجال على النساء.

والرجل مؤتمنٌ على فِعَال زوجته، حقٌّ عليه أن ينظر في حالها وشأنها، فيتولى إصلاح أمرها وشأنها، وأعلى ما يتولى إصلاحه هو دينها الذي هو رأسمالها، فيقوم بحسن تأديبها على وفق ما أمر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، ومن هاهنا قال أهل العلم: "إن الرجال يقومون على أزواجهم قيام الولاة على الرعية".

والمرأة الصالحة تنشد رضا ربها -تَبَارَك وَتَعَالَى- في كل ما افترضه عليها من الأحكام، وهي تعلم أنها بذلك تسلك الطريق الموصل إلى جنات النعيم، قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: «إذا صلَّت المرأةُ خمسَها وصامت شهرَها وحفِظت فرجَها وأطاعت زوجَها قيل لها: ادخُلي الجنَّةَ من أيِّ أبوابِ الجنَّةِ شئتِ»([2]).

ولذلك كان حظ العاقلات الصالحات أنهن لا ينظرن إلى شأن القِوامة على أنه تسليطٌ للرجل عليها، فترى بعض النساء تَنْشُد ما يسمى بالحرية والخلاص من هذه القِوَامَة التي فيها صلاح دينها ودنياها، وإن الله -عَزَّ وَجَل- قد جعل لكل شيء قدرًا، ولما كان للمرأة من التكريم والمنزلة العظيمة في الإسلام ما شهدت به النصوص الكثيرة.

"فقد جاء رجلٌ للنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: «أُمُّك»، قال: ثم من؟ قال: «أُمُّك»، قال: ثم من؟ قال: «أُمُّك» قال: ثم من؟ قال: «أُبُوك»"([3]).

وقال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم-: «من كان له ثلاثُ بناتٍ فصبر عليهن وأطعمهنَّ وسقاهنَّ وكساهُنَّ مِن جِدَتِه» يعني من غناه «كنَّ له حجابًا من النَّارِ يومَ القيامةِ»([4]) إلى غير ذلك من الأمور التي شهدت بها النصوص في تفضيل المرأة على الرجال في أمور خصهن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بها. وفي قول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- في الآية الأخرى: ﵟوَلِلرِّجَالِ عَلَيۡهِنَّ دَرَجَةٞﵞ البَقَرَةِ : ﵘﵒﵒﵜ قال ابن كثير: "أي في الفضيلة في الخَلْقِ والخُلُق، والمنزلة وطاعة الأمر، والإنفاق والقيام بالمصالح، والفضل في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: ﵟٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖ وَبِمَآ أَنفَقُواْ مِنۡ أَمۡوَٰلِهِمۡۚﵞ .

¯ المسألة الثانية: الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- قد أخبر بصفات النساء الصالحات، فقال الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: ﵟفَٱلصَّٰلِحَٰتُ قَٰنِتَٰتٌ حَٰفِظَٰتٞ لِّلۡغَيۡبِ بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُۚﵞ.

* قال أهل العلم: "هذه الآية من أعظم الآيات، بل هي أعظم الآيات في وصف النساء الصالحات وهن نساء أهل الجنة".

فالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وصف النساء الصالحات بقوله -عَزَّ وَجَل-: ﵟقَٰنِتَٰتٌ حَٰفِظَٰتٞ لِّلۡغَيۡبِ بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُۚﵞ، واختصر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- الوصف في ذلك بما هو جامعٌ لصفات الحسن في نساء أهل الجنة، وأعلى ذلك هو حُسْنُ الدين وحُسْن الخُلُق، فالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- جعل هذه الصفات هي أعلى الصفات وأكملها وأفضلها وأحسنها وأحلاها وأكملها في نساء أهل الجنة.

قال سبحانه: ﵟفَٱلصَّٰلِحَٰتُﵞ، قال ابن عباس: "هن المحسنات إلى أزواجهن" في معنى كلامه، وقيل: "بل هن العاملات بالخير". وهذا هو الذي روي عن ابن عباس "العاملات بالخير".

- فمن أهل العلم من قيَّد وصف الإحسان فيهن والعمل بالخير في إحسانهن إلى أزواجهن في قوله تعالى: ﵟفَٱلصَّٰلِحَٰتُﵞ.

- ومنهم من أطلق صلاحهن في كل عملٍ بالخير.

ولا شك أن الإحسان إلى الأزواج داخلٌ في ضمن العمل بالخير كما نص على ذلك حديث رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم- الذي ذكر فيه صفات المرأة الصالحة.

وقوله تعالى: ﵟقَٰنِتَٰتٌﵞ ؛ أي المطيعات لله تعالى في أزواجهن. والقنوت هو دوام الطاعة، وهذا من أكمل الأوصاف لأهل الإيمان أن يوصفوا بالقنوت، قال الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: ﵟحَٰفِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَٰتِ وَٱلصَّلَوٰةِ ٱلۡوُسۡطَىٰ وَقُومُواْ لِلَّهِ قَٰنِتِينَ ٢٣٨ﵞ البَقَرَةِ : ﵘﵓﵒﵜ ، وقال الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: ﵟٱلصَّٰبِرِينَ وَٱلصَّٰدِقِينَ وَٱلۡقَٰنِتِينَ وَٱلۡمُنفِقِينَ وَٱلۡمُسۡتَغۡفِرِينَ بِٱلۡأَسۡحَارِ ١٧ﵞ آل عِمۡرَان : ﵗﵑﵜ

 وهذا في وصف أهل الجنة، يقول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: ﵟ ۞ قُلۡ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيۡرٖ مِّن ذَٰلِكُمۡۖ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ عِندَ رَبِّهِمۡ جَنَّٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا وَأَزۡوَٰجٞ مُّطَهَّرَةٞ وَرِضۡوَٰنٞ مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِٱلۡعِبَادِ ١٥ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ إِنَّنَآ ءَامَنَّا فَٱغۡفِرۡ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ ١٦ ٱلصَّٰبِرِينَ وَٱلصَّٰدِقِينَ وَٱلۡقَٰنِتِينَ وَٱلۡمُنفِقِينَ وَٱلۡمُسۡتَغۡفِرِينَ بِٱلۡأَسۡحَارِ ١٧ﵞ آل عِمۡرَان : ﵕﵑ - ﵗﵑﵜ ،

ويقول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: ﵟإِنَّ ٱلۡمُسۡلِمِينَ وَٱلۡمُسۡلِمَٰتِ وَٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ وَٱلۡقَٰنِتِينَ وَٱلۡقَٰنِتَٰتِ وَٱلصَّٰدِقِينَ وَٱلصَّٰدِقَٰتِ وَٱلصَّٰبِرِينَ وَٱلصَّٰبِرَٰتِ وَٱلۡخَٰشِعِينَ وَٱلۡخَٰشِعَٰتِ وَٱلۡمُتَصَدِّقِينَ وَٱلۡمُتَصَدِّقَٰتِ وَٱلصَّٰٓئِمِينَ وَٱلصَّٰٓئِمَٰتِ وَٱلۡحَٰفِظِينَ فُرُوجَهُمۡ وَٱلۡحَٰفِظَٰتِ وَٱلذَّٰكِرِينَ ٱللَّهَ كَثِيرٗا وَٱلذَّٰكِرَٰتِ أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُم مَّغۡفِرَةٗ وَأَجۡرًا عَظِيمٗا ٣٥ﵞ الأَحۡزَاب : ﵕﵓﵜ.

وجاء في وصف مريم ابنة عمران عليها الصلاة والسلام- قال سبحانه: ﵟٱلَّتِيٓ أَحۡصَنَتۡ فَرۡجَهَا فَنَفَخۡنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتۡ بِكَلِمَٰتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِۦ وَكَانَتۡ مِنَ ٱلۡقَٰنِتِينَ ١٢ﵞ التَّحۡرِيم : ﵒﵑﵜ.

فالمؤمنات هُنَّ أهل طاعة الله -تَبَارَك وَتَعَالَى-، ولكن الطاعة فيها مداومة على تلك الطاعة، والنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم- كان يحب إذا عمل عملًا أن يثبته -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-، وهذا حاله صلوات الله وسلامه عليه-، وكان يديم صلوات الله وسلامه عليه- على هذا الأمر، "ولذا كان -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم- إذا نام من الليل أو مرض -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- من الليل صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة"([5])، وكان هذا منه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم- تعويضًا لما فاته من طاعة الله -تَبَارَك وَتَعَالَى-، فكان يثبت عمله صلوات الله وسلامه عليه-، وكانت له أيام يصومها -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم- من كل شهر، وكان -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم- يتحرى كثيرًا من الطاعات والعبادات التي يديم عليها صلوات الله وسلامه عليه.

وفي قوله -تَبَارَك وَتَعَالَى-: ﵟقَٰنِتَٰتٌﵞ، قال السعدي: "مطيعاتٍ لأزواجهن حتى في الغيب تحفظ بعلها بنفسها" يعني في قوله -تَبَارَك وَتَعَالَى-: ﵟحَٰفِظَٰتٞ لِّلۡغَيۡبِﵞ.

* وهنا يقول عطاء وقتادة: "يحفظن ما غاب عنه الأزواج من الأموال، وما يجب عليهن من صيانة أنفسهن لهم".

والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- قد أمر بخشيته سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- ومراقبته -عَزَّ وَجَل- في السر وفي العلن، يقول الله -عَزَّ وَجَل-: ﵟوَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱلۡعَزِيزِ ٱلرَّحِيمِ ٢١٧ ٱلَّذِي يَرَىٰكَ حِينَ تَقُومُ ٢١٨ وَتَقَلُّبَكَ فِي ٱلسَّٰجِدِينَ ٢١٩ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ ٢٢٠ﵞ الشُّعَرَاء : ﵗﵑﵒ - ﵐﵒﵒﵜ، ويقول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: ﵟوَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا فِيٓ أَنفُسِكُمۡ فَٱحۡذَرُوهُﵞ البَقَرَةِ : ﵕﵓﵒﵜ، ويقول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: ﵟإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيۡكُمۡ رَقِيبٗا ١ﵞ النِّسَاء : ﵑﵜ.

فأهل الإيمان أهل مراقبة لله -تَبَارَك وَتَعَالَى- في سرهم وفي علانيتهم، وليس ذلك لأجل مراقبتهم للخلق، بل لأجل مراقبتهم لرب الخلق -تَبَارَك وَتَعَالَى-، وقد جاء في حديث جبريل في وصف الإحسان: «اعبُد الله كَأَنَّكَ تَرَاه، فَإِنْ لَمْ تَكُن تَرَاهُ فَإنِّهُ يَرَاك»([6]) وهذا كما يقول أهل العلم هو ما يسمى بمرتبة المراقبة التي يراقب العبد ربه -تَبَارَك وَتَعَالَى-:

 ففي الأولى: قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم-: «أُعْبُد الله كَأَنَّكَ تَرَاه» وهي مرتبة من يريد أن يُرِي الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- كمال عمله في جميع أحواله، فُيُرِي ربه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- على أتم حاله وعلى أكمله.

وفي المرتبة الثانية: قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم-: «فَإِنْ لَمْ تَكُن تَرَاهُ فَإنِّهُ يَرَاك» وهي كما يقول أهل العلم: مرتبة الهرب التي يريد العبد فيها ألا يَرى ربه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- منه تقصيرًا في طاعته أو في شيءٍ من عمله.

ولم يكن حال أهل الطاعة وأهل الإيمان وأهل اليقين بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وطلب بما عند الله -عَزَّ وَجَل- إلا أنهم يعلمون قوله -تَبَارَك وَتَعَالَى-: ﵟوَهُوَ مَعَكُمۡ أَيۡنَ مَا كُنتُمۡۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ ٤ﵞ الحَدِيد : ﵔﵜ ، فمتى ما حصل من حظ الأنفس ما يدعو إلى الإخلال بأمر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وخصوصًا فيمن خلا بينه وبين نفسه أن يراقب الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- في ذلك، وأن يزجر هذه النفس الأمارة بالسوء عن مخالطة ما نهى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- عنه من المعاصي ومن الذنوب.

* ولذا يقول هنا السعدي: "حتى في الغيب تحفظ بعلها بنفسها وماله، وذلك بحفظ الله لهن وتوفيقه لهن لا من أنفسهن، فإن النفس أمارة بالسوء، ولكن من توكل على الله كفاه ما أهمه من أمر دينه ودنياه". انتهى كلامه.

والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- قد جعل حالًا خاصًّا لأهل الإيمان يوفقهم ويعينهم ويسددهم سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، فمن تقرب إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- تقرب الله -عَزَّ وَجَل- إليه وواه وهداه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، وجعل حظه من ذلك تمام التوفيق.

وقد جاء في الحديث الذي يرويه النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم- عن ربه: «وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلِيه ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ منْه بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْته هَرْوُلَة»([7]).

انظر وتأمل في حال الصالحين من أولياء الله -عَزَّ وَجَل-، فإن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- يكفيهم ويحفظهم بحفظه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، ولذا قال الله -عَزَّ وَجَل- هنا: ﵟحَٰفِظَٰتٞ لِّلۡغَيۡبِ بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُۚﵞ . فهذا إبراهيم -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام- قد حفظه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، وحفظه في نفسه وماله، قال الله -عَزَّ وَجَل-: ﵟقُلۡنَا يَٰنَارُ كُونِي بَرۡدٗا وَسَلَٰمًا عَلَىٰٓ إِبۡرَٰهِيمَ ٦٩ وَأَرَادُواْ بِهِۦ كَيۡدٗا فَجَعَلۡنَٰهُمُ ٱلۡأَخۡسَرِينَ ٧٠ﵞ الأَنبِيَاء : ﵙﵖ - ﵐﵗﵜ.

ويقول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: ﵟوَٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ فِينَا لَنَهۡدِيَنَّهُمۡ سُبُلَنَاۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ ٦٩ﵞ العَنكَبُوت : ﵙﵖﵜ ، ويقول سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: ﵟٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يُخۡرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِﵞ البَقَرَةِ : ﵗﵕﵒﵜ.

وفي حال يوسف -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام- لما أرادوا به شرًّا وسوءًا صرف الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- عنه ذلك السوء، فقال الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: ﵟوَلَقَدۡ هَمَّتۡ بِهِۦۖ وَهَمَّ بِهَا لَوۡلَآ أَن رَّءَا بُرۡهَٰنَ رَبِّهِۦۚ كَذَٰلِكَ لِنَصۡرِفَ عَنۡهُ ٱلسُّوٓءَ وَٱلۡفَحۡشَآءَۚ إِنَّهُۥ مِنۡ عِبَادِنَا ٱلۡمُخۡلَصِينَ ٢٤ﵞ يُوسُف : ﵔﵒﵜ.

وثبت في الصحيح من حديث أم المؤمنين عائشة -رَضِيَ الله عَنْها- أنها قالت: "كانَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم- إذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ افْتَتَحَ صَلَاتَهُ: «اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرَائِيلَ، وَمِيكَائِيلَ، وإسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ، عَالِمَ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بيْنَ عِبَادِكَ فِيما كَانُوا فيه يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِما اخْتُلِفَ فيه مِنَ الحَقِّ بإذْنِكَ؛ إنَّكَ تَهْدِي مَن تَشَاءُ إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم»"([8]).

وتأمل، وتأملي يا أمَة الله في قصة الغلام والملك والراهب الذي جاء في الصحيح، وفيه: «أن الملك قال: اذهبُوا بِهِ أي بالغلام- إِلَى جبَلِ كَذَا وكذَا فاصعدُوا بِهِ الجبلَ، فإذَا بلغتُمْ ذروتهُ فإنْ رجعَ عنْ دينِهِ وإِلاَّ فاطرَحوهُ، فذهبُوا بِهِ فصعدُوا بهِ الجَبَل فَقَالَ: اللَّهُمَّ اكفنِيهمْ بمَا شئْت، فرجَف بِهمُ الجَبَلُ فسَقطُوا، وجَاءَ يمْشي إِلَى المَلِكِ، فقالَ لَهُ المَلكُ: مَا فَعَلَ أَصحَابكَ؟ فقالَ: كفانيهِمُ الله تعالَى، فدفعَهُ إِلَى نَفَرَ منْ أصْحَابِهِ فَقَالَ: اذهبُوا بِهِ فاحملُوه في قُرقُورٍ وَتَوسَّطُوا بِهِ البحْرَ، فإنْ رَجَعَ عنْ دينِهِ وإلاَّ فَاقْذفُوهُ، فذَهبُوا بِهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ اكفنِيهمْ بمَا شِئْت، فانكَفَأَتْ بِهِمُ السَّفينةُ فغرِقوا، وجَاءَ يمْشِي إِلَى المَلِك. فقالَ لَهُ الملِكُ: مَا فَعَلَ أَصحَابكَ؟ فَقَالَ: كفانِيهمُ الله تعالَى....» ([9]) الحديث.

ومن حافظ على الطاعة فإن الله -عَزَّ وَجَل- يحفظه بحفظه لطاعته لربه -تَبَارَك وَتَعَالَى-، قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم-: «إذا أحسَن الرجلُ الصلاةَ فأتَمَّ ركوعَها وسجودَها، قالتِ الصلاةُ: حفِظَكَ اللهُ كما حفِظتَني فتُرفعُ، وإذا أساء الصلاةَ ولم يُتِمَّ ركوعَها، ولا سجودَها، قالتِ الصلاةُ: ضيَّعَكَ اللهُ كما ضيَّعْتَني، فتلفُّ كما يلفُّ الثوبُ الخلِقُ، فيُضرَبُ بها وجهُه»([10]).

ثم نتأمل وننظر في قول الله -تَبَارَك وَتَعَالَى-: ﵟوَلَا تَتَمَنَّوۡاْ مَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بِهِۦ بَعۡضَكُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖﵞ النِّسَاء : ﵒﵓﵜ

* قال بعض أهل التفسير: "أنَّ التَّمَنِّيَ يُحَبِّبُ لِلْمُتَمَنِّي الشَّيْءَ الَّذِي تَمَنّاهُ، فَإذا أحَبَّهُ أتْبَعَهُ نَفْسَهُ فَرامَ تَحْصِيلَهُ وافْتُتَنَ بِهِ، فَرُبَّما بَعَثَهُ ذَلِكَ الِافْتِتانُ إلى تَدْبِيرِ الحِيَلِ لِتَحْصِيلِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ بِيَدِهِ، وإلى الِاسْتِئْثارِ بِهِ عَنْ صاحِبِ الحَقِّ فَيُغْمِضُ عَيْنَهُ عَنْ مُلاحَظَةِ الواجِبِ مِن إعْطاءِ الحَقِّ صاحِبَهُ وعَنْ مَناهِي الشَّرِيعَةِ الَّتِي تَضَمَّنَتْها الجُمَلُ المَعْطُوفُ عَلَيْها" يعني فيما سبق.

وقد جاء في سنن الترمذي، عن أم سلمة -رَضِيَ الله عَنْها- أنها قالت: "يغزو الرِّجالُ ولا تَغزوا النِّساءُ وإنَّما لنا نِصفُ الميراثِ فأنزلَ اللَّهُ -تَبَارَك وَتَعَالَى-: ﵟوَلَا تَتَمَنَّوۡاْ مَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بِهِۦ بَعۡضَكُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖﵞ "، قالَ مجاهدٌ: "وأُنْزِلَ فيها: ﵟإِنَّ ٱلۡمُسۡلِمِينَ وَٱلۡمُسۡلِمَٰتِ وَٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ وَٱلۡقَٰنِتِينَ وَٱلۡقَٰنِتَٰتِ وَٱلصَّٰدِقِينَ وَٱلصَّٰدِقَٰتِ وَٱلصَّٰبِرِينَ وَٱلصَّٰبِرَٰتِ وَٱلۡخَٰشِعِينَ وَٱلۡخَٰشِعَٰتِ وَٱلۡمُتَصَدِّقِينَ وَٱلۡمُتَصَدِّقَٰتِ وَٱلصَّٰٓئِمِينَ وَٱلصَّٰٓئِمَٰتِ وَٱلۡحَٰفِظِينَ فُرُوجَهُمۡ وَٱلۡحَٰفِظَٰتِ وَٱلذَّٰكِرِينَ ٱللَّهَ كَثِيرٗا وَٱلذَّٰكِرَٰتِ أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُم مَّغۡفِرَةٗ وَأَجۡرًا عَظِيمٗا ٣٥ﵞ الأَحۡزَاب : ﵕﵓﵜ ".

وفي روايةٍ، قالت: "يا رسولَ اللَّهِ، لا أسمعُ اللَّهَ ذَكرَ النِّساءَ في الهجرَةِ فأنزلَ اللَّهُ تعالى: ﵟأَنِّي لَآ أُضِيعُ عَمَلَ عَٰمِلٖ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰۖ بَعۡضُكُم مِّنۢ بَعۡضٖﵞ آل عِمۡرَان : ﵕﵙﵑﵜ ".

وأهل العقل والصلاح لا يتمنون ما فضَّل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- به بعضهم على بعض لأنهم يعلمون أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- قد قسم الأرزاق، وأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- قد جعل لكل شيءٍ قدرًا فأعطى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- ومنع، وأعطى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- لمن شاء من عباده فأوسع، ومنع سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- من شاء من عباده بما شاء سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- من قسمته -عَزَّ وَجَل- للمقادير. وهذا الذي يجب أن يعتقده أهل الإيمان فيما أعطى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بعضهم، وفيما منع سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

وقد جاء في حديث عبد الله بن مسعود -رَضِيَ الله عَنْهُ- قال: "حدثنا رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- وهو الصادق المصدوق: «إنَّ أحدَكم يُجْمَعُ خَلْقُهُ في بطنِ أمِّه أربعينَ يومًا نطفةً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِك، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثلَ ذَلِك، ثُمَّ يَبْعَثُ اللهُ إِلَيْه مَلَكًا ، وَيُؤمرُ بِأَرْبعِ كَلِمَاتٍ ، ويُقالُ له : اكْتُبْ عَمَلَه ، وَرِزْقَه ، وَأَجَلَه ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ»"([11]) فليس ثَمَّ شيءٌ من الأرزاق إلا وقد قسمه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بين عباده، فأعطى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- من شاء من عباده من أعطى، ومنع سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- عن بعض عباده ما منع بحكمةٍ منه -عَزَّ وَجَل-، ولذا قال: ﵟ۞ وَلَوۡ بَسَطَ ٱللَّهُ ٱلرِّزۡقَ لِعِبَادِهِۦ لَبَغَوۡاْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٖ مَّا يَشَآءُۚ إِنَّهُۥ بِعِبَادِهِۦ خَبِيرُۢ بَصِيرٞ ٢٧ﵞ الشُّورَى : ﵗﵒﵜ ، فتأمل في وصفه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-  لنفسه بأنه بعباده بصيرٌ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-  فهو يعطي بما فيه المصالح العظام للعباد، وهو خبيرٌ بما يصلحهم، بصيرٌ بتدبيرهم وتصريف أحوالهم تَبَارَك وَتَعَالَى.

والمرأة المؤمنة، المرأة الصالحة ترى أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- لما أعطى بعض الحقوق للأزواج فإنه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- قد أعطى ذلك عن حكمةٍ منه سبحانه، فلا تجرؤ المرأة المسلمة أنها تطلب أن تعلو فيما لم يجعل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- لها العلو فيه، ولا تطلب المرأة المسلمة أن تتقدم فيما لم يقدمها الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-  فيه. وهذه قاعدة إيمانية قد جعلتها الشريعة لأهل الإيمان، فالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أمر بتقديم أمور، وتأخير أمور، وقد قال الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: ﵟوَلِلرِّجَالِ عَلَيۡهِنَّ دَرَجَةٞﵞ البَقَرَةِ : ﵘﵒﵒﵜ ، وفيما قاله النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- حين بعث معاذًا إلى اليمن فقال: «إنَّك تأتي قومًا أهلَ كتابٍ فليكن أوَّلُ مَا تَدْعُوهُم إليه شهادةَ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وأنَّ محمَّدًا رسولُ اللهِ»([12])، وجاء كذلك في الحديث حين رقى النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- على الصفا فتلا قول الله -تَبَارَك وَتَعَالَى-: ﵟ۞ إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلۡمَرۡوَةَ مِن شَعَآئِرِ ٱللَّهِۖ فَمَنۡ حَجَّ ٱلۡبَيۡتَ أَوِ ٱعۡتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَاۚ وَمَن تَطَوَّعَ خَيۡرٗا فَإِنَّ ٱللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ ١٥٨ﵞ البَقَرَةِ : ﵘﵕﵑﵜ ، فقال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم-: «أبْدَأُ بِمَا بَدَأ الله بِهِ»([13]) فهذه قاعدةٌ شرعية أوجبها الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- في أعناق عباده. ولعلنا نقف هنا لضيق الوقت.

أسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أن يجعل فيما قلناه النفع والفائدة إنه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- ولي ذلك، والله أعلى وأعلم، وصلى الله وسلم على نبيه ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 


 

1-  صحيح مسلم (1218).

2-   مسند أحمد ط الرسالة (1661)، صححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته (660 - 303).

3-   صحيح البخاري (5971)، صحيح مسلم (2548).

4-   مسند أحمد ط الرسالة (17403)، المعجم الكبير للطبراني (827)، صححه شعيب الأرناؤوط.

5-    صحيح مسلم (746).

6-    صحيح البخاري (50، 4777)، صحيح مسلم (8).

7-    صحيح البخاري (7405)، صحيح مسلم (2675).

8-   صحيح مسلم (770).

9-    صحيح مسلم (3005).

10-    مسند أبي داود الطيالسي (586)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع الصغير وزيادته (301).

11-   صحيح البخاري (3208).

12-    صحيح البخاري (1496، 4347).

13-   صحيح مسلم (1218).